أزمة القبائل.. كيف يستخدمها المغرب كورقة رابحة ضد الجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

في اجتماع حركة "عدم الانحياز" بنيويورك، الذي عقد بشكل افتراضي يومي 13 و14 يوليو/تموز 2021، وزع المغرب على الدول الأعضاء وثيقة يعلن فيها دعم "الحركة من أجل استقلال القبائل"، التي تعتبرها الجزائر انفصالية.

طالبت الجزائر، في 16 يونيو/تموز 2021، السلطات المغربية بتوضيحات بشأن ما وصفتها بـ"تصريحات عدوانية" لسفير الرباط لدى الأمم المتحدة.

وذهبت الأزمة إلى حد سحب الجزائر سفيرها بالمغرب، فمن هم "القبائل"، وما أهمية الملف في الأزمة بين البلدين؟ 

وتصنف الجزائر "الحركة من أجل استقلال القبائل" -التي تعنى بمناطق يقطنها الأمازيغ شرق العاصمة الجزائر- "منظمة إرهابية".

دعوة ورد

ونقلت وسائل إعلام مغربية عن سفير بلادها بالأمم المتحدة عمر هلال، أنه دعا خلال اجتماع دول عدم الانحياز إلى "استقلال شعب القبائل" بالجزائر.

دعوة هلال، جاءت بعد إعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، دعم حق تقرير مصير سكان إقليم الصحراء، المتنازع عليه بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ عام 1975.

وردا على ذلك، قال بيان الخارجية الجزائرية: "وزعت الممثلية الدبلوماسية المغربية بنيويورك (بالأمم المتحدة) وثيقة رسمية على جميع الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، يكرس محتواها بصفة رسمية انخراط المملكة المغربية في حملة معادية للجزائر".

وأضاف أن الوثيقة عبرت عن "دعم ظاهر وصريح لما تزعم بأنه حق تقرير المصير للشعب القبائلي" الذي، حسب المذكرة المذكورة، "يتعرض لأطول احتلال أجنبي".

وبحسب البيان: "تدين الجزائر بشدة هذا الانحراف الخطير، بما في ذلك على المملكة المغربية نفسها داخل حدودها المعترف بها دوليا"، في إشارة إلى وجود أمازيغ داخل المغرب.

وتابع: "في ظل هذه الوضعية الناشئة عن عمل دبلوماسي مريب صادر عن سفير، يحق للجزائر، الجمهورية ذات السيادة وغير القابلة للتجزئة، أن تنتظر توضيحا للموقف الرسمي والنهائي للمملكة المغربية بشأن هذا الحادث بالغ الخطورة".

وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

وفي رده على إثر ما اعتبره "تدخلا استفزازيا" لوزير الخارجية الجزائري الجديد رمطان لعمامرة، خلال المناقشة الوزارية العامة، تطرق هلال إلى قضية الصحراء.

وفي مذكرة وجهها إلى الرئاسة الأذربيجانية للحركة ووزعت على جميع الأعضاء، أعرب الدبلوماسي المغربي عن استغرابه الشديد لاختيار الوزير الجزائري، الذي تطرق لموضوع قضية الصحراء الغربية خلال "أول تصريح له في محفل دولي، منذ تعيينه مؤخرا" على رأس دبلوماسية بلاده.

وشدد هلال على أن "قضية الصحراء المغربية التي تندرج حصرا ضمن اختصاص مجلس الأمن الدولي، لم تكن مدرجة على جدول أعمال الاجتماع، ولا ترتبط بموضوعه".

ومن جهة أخرى أعرب هلال عن أسفه لكون الوزير الجزائري يطالب بالحق في تقرير المصير لما يسمى بـ"الجمهورية الوهمية المعلنة من جانب واحد بالعاصمة الجزائرية، في خرق للقانون الدولي"، وفق تعبيره.

وخلص الممثل الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة إلى القول بأن الوزير الجزائري، الذي "يقف كمدافع قوي عن حق تقرير المصير، ينكر هذا الحق نفسه لشعب القبائل، أحد أقدم الشعوب في إفريقيا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي".

 وأضاف أن "تقرير المصير ليس مبدأ مزاجيا. ولهذا السبب يستحق شعب القبائل الشجاع، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحق تقرير المصير".

استدعاء السفير

في 18 يوليو/تموز 2021، استدعت وزارة الخارجية سفيرها لدى الرباط للتشاور.

 وأكدت في بيان لها، أن "هذا الإجراء يأتي نظرا لغياب أي صدى إيجابي ومناسب من قبل الجانب المغربي، بعد تصرف ممثل المغرب لدى الأمم المتحدة، والذي وزع مذكرة رسمية تتضمن مساندة الرباط لاستقلال منطقة القبائل".

وتابعت: "هناك ضرورة ملحة في توضيح المملكة المغربية لموقفها النهائي من الوضع بالغ الخطورة الناجم عن التصريحات المرفوضة لسفيرها بنيويورك".

وأضافت: "نظرا لغياب أي رد إيجابي ومناسب من قبل الجانب المغربي، فقد تقرر اليوم استدعاء سفير الجزائر بالرباط، فورا، للتشاور"، موضحة أنها "لا تستبعد اتخاذ إجراءات أخرى، حسب التطور الذي تشهده هذه القضية".

نقلت شبكة "بي بي سي" البريطانية عن صحف عربية التجاذب الأخير بين الجزائر والمغرب على خلفية دعوة ممثل المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة إلى "حق تقرير المصير" لسكان منطقة القبائل في الجزائر التي ردت باستدعاء سفيرها لدى الرباط.

ووصف كتاب جزائريون ما قام به المندوب المغربي بأنه "سقطة غير محسوبة العواقب" وبأن المغرب يحاول "تصدير مشاكله إلى الخارج" وأن تقرير المصير إنما ينطبق على منطقة الريف المغربي.

واعتبر كتاب مغاربة ما قاله المندوب المغربي بأنه ليس "زلة لسان" وإنما "دق ناقوس لإعلان الحرب" مع الجزائر باستعمال نفس الأدوات التي تستعملها الأخيرة في حديثها عن "تقرير مصير الصحراء" و "الشعب الصحراوي".

ووصفت صحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية اللندنية العلاقات بين البلدين بأنها "تدخل أسوأ فترة خلال 30 سنة"، وأعربت عن قلقها من أن تؤدي الأزمة إلى "قطيعة حقيقية" بين الجارين. 

حركة الاستقلال

يعتبر المغرب أزمة القبائل في الجزائر، التي يطالب بعض أهلها بالاستقلال عن الدولة، ورقة رابحة يلوح بها في وجه جارته الشرقية كلما زاد دعمها لجبهة البوليساريو. 

هي منطقة ثقافية-طبيعية في شمال شرق الجزائر، وتغطي عدة ولايات، ويجعلها تنوع نظام المنطقة البيئي مقرا للتنوع الحيوي والذي تحميه عدة حدائق وطنية.

ويمكن أن يشمل مناخها، الذي تشكله الإغاثة، شتاء قاسيا وصيفا قاحلا. 

الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل هي عبارة عن تنظيم سياسي يسعى إلى المطالبة بالحكم الذاتي للمنطقة بالجزائر.

وتم تأسيس الحركة من قبل المغني الشعبي فرحات مهني بعد أحداث "الربيع الأسود" عام 2001. ويعيش معظم قادة الحركة في فرنسا.

أعلنت هذه الحركة سنة 2010 في باريس، عن تشكيل حكومة مؤقتة لمنطقة القبائل يرأسها فرحات مهني، الذي يعتبر أن حركته هي الأولى من نوعها تجاه الدولة الجزائرية الاتحادية.

وتصنف حركة استقلال منطقة القبائل نفسها على أنها المتحدثة باسم الأقلية القبائلية التي تعاني "التهميش" بسبب "مساعي" السلطات الجزائرية لاستيعاب الأقلية المعربة في صفوف الأمازيغ.

في نهاية العام 2013 وبالتحديد في ديسمبر/كانون الأول، دعا فرحات مهني إلى تدخل أوروبي بقيادة فرنسا من أجل حل الأزمة التي اندلعت في مدينة غرداية جنوب الجزائر بين بني ميزاب "أمازيغ" والشعانبة "عرب".

كما دعا زعيم الحركة الانفصالية دول الاتحاد الأوروبي إلى إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية التي تم إبرامها مع الجزائر كإجراء عقابي لها.

على قائمة الإرهاب

وضعت السلطات الجزائرية قبل أشهر "حركة استقلال منطقة القبائل" الانفصالية على قائمة "المنظمات الإرهابية" في إجراء أمني جديد بعيد الإعلان عن تفكيك خلية "انفصالية" تتبع الحركة.

وأكدت السلطات الجزائرية أن الخلية كانت تخطط لتنفيذ تفجيرات وسط مسيرات الحراك الاحتجاجي.

وأفاد بيان لوزارة الدفاع بأنها كشفت عن الإعداد "لمؤامرة خطيرة" تستهدف البلاد وتقف وراءها حركة انفصالية، وأن الكشف عن هذه "المؤامرة" جاء ضمن استكمال تحقيقات أمنية مستمرة منذ مارس/آذار 2021.

وأكد البيان تورط شخصيات تنتمي إلى الحركة الانفصالية في التخطيط لتنفيذ تفجيرات وأعمال إجرامية وسط مسيرات وتجمعات شعبية بعدة مناطق من الجزائر، ولكن الحركة نفسها نفت ذلك مرارا.

نشاط "حركة استقلال منطقة القبائل" محظور تماما في الجزائر حيث تتهمها الحكومة بأنها "حركة انفصالية وعنصرية" ضد العرب خاصة.

ولا تعرف الجزائر قضايا انفصال بل هناك تعدد عرقي وثقافي، وفق ما ترى الدولة.

وكثيرا ما حذر الخبراء في الجزائر من إشعال فتيل التوتر وزرع العنف عن طريق الدعم الخارجي لحركة استقلال منطقة القبائل الانفصالية.

ويرى الخبراء أن الدول التي هي على خلاف مع الجزائر تقدم الدعم للحركة لتنفيذ أجندات سياسية تناسب مصالحها.