خلو منصب "المبعوث الأممي".. كيف يؤثر على حل أزمة الصحراء الغربية؟

الرباط - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في وقت أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عدم تغيير موقفها بشأن الصحراء الغربية، ظل منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة شاغرا لمدة عامين، بعد رفض الرباط وجبهة البوليساريو المرشحين الثلاثة عشر المقترحين.

في الثاني من يوليو/تموز 2021، حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، المغرب وجبهة البوليساريو على قبول المرشح التالي الذي سيقترحه عليهم لهذا المنصب.

واعترف الأخير بقوله: "الصعوبة هي أننا اقترحنا بالفعل ثلاثة عشر اسما، وأننا لم نحصل على إجماع من الأطراف". 

وجاء تصريح غوتيريش في مدريد خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، حيث يمر المغرب وإسبانيا بأزمة دبلوماسية حقيقية تمثل الصحراء السبب الرئيس لها.

وشدد غوتيريش على أنه "من الضروري للغاية أن يكون هناك مبعوث خاص لاستئناف الحوار السياسي حول الصحراء الغربية".

عرقلة الحل

اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنه "ضروري للغاية" بدء حوار سياسي حول الصحراء الغربية الآن، لأن الوضع الحالي يمثل عامل عدم استقرار في منطقة بها "خطر إرهابي قوي للغاية".

وفي رده على سؤال حول إمكانية الترويج خلال فترة ولايته الثانية على رأس الأمم المتحدة لمبادرة لفك جمود موقف الصحراء الغربية، قال: "من الضروري للغاية إيجاد حل سياسي، ومن أجل ذلك يجب أن نستأنف الحوار".

وأوضح أن الأمم المتحدة تبذل "جهودا كبيرة" حتى يتسنى "بشكل نهائي" أن يكون هناك مبعوث خاص تقبله جميع الأطراف ليتمكن من إعادة إطلاق عملية الحوار.

وتابع "كان لدينا بالفعل ثلاثة مرشحين كانوا دائما مرفوضين من قبل أحد الأطراف"، وشدد الأمين العام للأمم المتحدة على أن "الوضع الحالي غير مستدام" لدى إشارته إلى الحصار المفروض على المستعمرة الإسبانية السابقة.

وأكد أن هذا الوضع ينطوي على "عدم استقرار في منطقة يوجد فيها اليوم، كما نعلم، خطر إرهابي قوي للغاية"، قبل أن يختتم بالقول: "من الضروري للغاية إيجاد حل سياسي، ولهذا من الضروري استئناف الحوار السياسي، وأن يقبل الطرفان مبعوثا".

وظل منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة للصحراء شاغرا منذ استقالة الرئيس الألماني الأسبق هورست كوهلر رسميا "لأسباب صحية" في مايو/أيار 2019 أي قبل عامين وشهرين. 

في أبريل/نيسان 2021، اقترح أنطونيو غوتيريش اسم ستافان دي ميستورا ليصبح مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى الصحراء، وهو اقتراح قبلته جبهة البوليساريو لكن الرباط رفضته في النهاية.

ودي ميستورا دبلوماسي إيطالي سويدي يبلغ من العمر 74 عاما، متخصص في مناطق الصراع الساخنة، وقد كان وسيطا في سوريا في عام 2014، ولكنه أيضا ممثل خاص في أفغانستان (2010-2011) والعراق (2007-2009) وجنوب لبنان (2001-2004). 

وعلى هذا الأساس كانت الدبلوماسية المغربية قد أبدت تحفظاتها، معتبرة أن مثل هذا التعيين من شأنه أن يدعم "حملة الاتصالات الدولية" لجبهة البوليساريو والتي بموجبها ستكون في حالة حرب مفتوحة مع المغرب.

كما رأت الرباط أن دي ميستورا سيتعامل مع المفاوضات الخاصة بحل النزاع على أنها تقتصر على المملكة وجبهة البوليساريو، من دون الجزائر، بينما يعتبر المغرب جارته الشرقية طرفا معنيا بالصراع، بما يتماشى مع مبدأ المشاركة.

اتهامات متبادلة

الجزائر في محادثات جنيف مارس/آذار 2019، قالت: إن "المغرب معترض على دي ميستورا بسبب مسيرته المهنية واستقلاليته".

بعد هذا الرفض، وجهت الجزائر وجبهة البوليساريو أصابع الاتهام إلى المغرب، وحملتاه المسؤولية عن تعثر الحل.

وفي 4 يوليو/تموز 2021، اتهم ممثل جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة محمد سيدي عمر، المغرب على وجه الخصوص بالسعي إلى "ترسيخ الوضع الراهن".

في فبراير/شباط 2020، رفضت المملكة تعيين وزير الخارجية السلوفاكي السابق، ميروسلاف لاجاك، في ذلك الوقت.

وبحسب مصدر قريب من الدبلوماسية المغربية نقلت عنه مجلة "جون أفريك" الفرنسية، فإن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، "عارض هذا الترشيح لأن لاجاك شارك كممثل للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في تنظيم استفتاء حول استقلال الجبل الأسود عن صربيا عام 2006".

من جهتهما، رفضت الجزائر وجبهة البوليساريو عدة ترشيحات، بما في ذلك ترشيحان في ثلاثة أشهر: بيتر رومان، المقترح في ديسمبر/كانون الأول 2020، ولويس أمادو، المقترح في مارس/آذار 2021، بينما تم قبول هذين الملفين من قبل المملكة.

في أعقاب ذلك، قدم السفير الدائم للمغرب في الأمم المتحدة عمر هلال، رسالة إلى مجلس الأمن منددا بـ"العوائق والعرقلة والمماطلة من طرف الجزائر وجبهة البوليساريو".

وبالنسبة لهلال، فإن مشاركة رئيس الوزراء الروماني السابق بيتر رومان، في منتدى كرانس مونتانا بمدينة الداخلة (جنوب المغرب) عام 2018، أدى إلى استبعاده تلقائيا.

 أما بالنسبة إلى لويس أمادو، فيبدو أن التصريح الذي صدر عنه في عام 2017 ظل موضع تساؤل، وفق السفير.

وقال لويس أمادو: "نحن نشجع جميع المبادرات التي تهدف إلى التغلب على الجمود بشأن مشكلة كانت موجودة منذ فترة طويلة"، وهو الخروج الذي اعتبرته البوليساريو "مؤيدا للمغرب"، وذهب أمادو حد القول، إن "المبادرة المغربية، التي نجدها إيجابية، هي جزء من هذا المنظور".

في 30 يونيو/حزيران 2021، حمل سفير البوليساريو لدى الجزائر, عبد القادر طالب عمر، الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي مسؤولية "التماطل في تسوية النزاع في الصحراء الغربية".

وطالب في تصريح صحفي بضرورة "فضح ممارسات النظام المغربي وعرقلته الدائمة لتعيين مبعوث شخصي الأمين العام للأمم المتحدة, حتى يعرف العالم حقيقة من يماطل في تسوية النزاع, وحتى لا يستوي الجلاد والضحية"، على حد تعبيره.

تغير المعطيات

ويرى المحلل السياسي، مصطفى السحيمي، بأنها المرة الأولى التي يثير فيها اختيار مبعوث أممي للصحراء الكثير من النقاشات والرفض.

 وقال في تصريح لمجلة "جون أفريك": "بالطبع كانت هناك فترات كانت فيها الوظائف شاغرة، لكن لم يسبق مثل هذا التركيز على اتفاق حول الشخصية".

فسر المحلل ذلك، بكون شروط القضية قد تغيرت في طبيعتها وأبعادها منذ الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب ديسمبر/كانون الأول 2020.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، في الأول من يوليو/تموز 2021: إن "موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لن يتغير".

"هذه الاستمرارية استغرقت بضعة أشهر، لأن الدبلوماسية الأميركية الجديدة كانت في فترة تعديل، ولا بد من القول أن لها أولويات أخرى".

يستدرك الخبير السياسي: "لكن في كل الأحوال، فإن الدعم الأميركي للمغرب، بالإضافة إلى دعم إستراتيجيات كل منهما للآخر، عزز العلاقات مع المملكة وفتح أمامها طريقا سريعا".

من المؤكد أن مسألة تعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة إلى الصحراء ستثار مرة أخرى في نهاية سبتمبر/أيلول 2021، قبيل افتتاح الدورة المقبلة للأمانة العامة واجتماع مجلس الأمن في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ربما مع المرشح المقترح الرابع عشر.

تصنف الأمم المتحدة الصحراء الغربية بين "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، ويدور منذ رحيل إسبانيا القوة الاستعمارية السابقة عام 1975 نزاع حولها بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر.

يسيطر المغرب على نحو 80 بالمئة من المنطقة الصحراوية الشاسعة والثرية بالفوسفات والموارد البحرية، ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.

أما جبهة بوليساريو التي أعلنت عام 1976 قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، فتطالب بتنظيم استفتاء لتقرير المصير أقرته الأمم المتحدة تزامنا مع إبرام وقف لإطلاق النار بين طرفي النزاع عام 1991، ولم تصل كل مساعي تسوية النزاع إلى نتيجة حتى الآن.

واندلعت مؤخرا أزمة دبلوماسية كبيرة بين الرباط ومدريد إثر استقبال الأخيرة زعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي للعلاج من آثار إصابته بفيروس كورونا.

وشهدت إسبانيا تدفق نحو 10 آلاف مهاجر إلى جيب سبتة بعد تخفيف السلطات المغربية رقابتها على الحدود.