قبل أسابيع من الانتخابات.. لماذا انهار تحالف "فيدرالية اليسار" في المغرب؟

12

طباعة

مشاركة

على بعد أسابيع من انتخابات تشريعية ومحلية في المغرب، تفكك تحالف "فيدرالية اليسار الاشتراكي (ماركسي)"، الذي تقوده زعيمة الحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب، بعد انفجار أزمة داخلية خانقة بسبب تبادل الاتهامات بين مكوناته، لتقرر الأحزاب خوض الاستحقاقات المقبلة بشكل منفرد.

ويتكون تحالف "فيدرالية اليسار الديمقراطي" من ثلاثة أحزاب سياسية، هي "الاشتراكي الموحد"، و"الطليعة الاشتراكي الديمقراطي"، و"المؤتمر الوطني الاتحادي".

ومطلع يوليو/تموز 2021، قرر الحزب "الاشتراكي الموحد" بصفة انفرادية تعليق عضويته في "فيدرالية اليسار" (أكبر حزب داخلها)، والترشح للانتخابات المقبلة بصفة "انفرادية".

وتملك فيدرالية اليسار الديمقراطي عضوين في مجلس النواب، ينتميان معا إلى الحزب الاشتراكي الموحد، هما عمر بلافريج، ومصطفى الشناوي.

بين التحالف والتفكك

لم يكن اجتماع الهيئة التنفيذية لفيدرالية اليسار (قيادة الأحزاب الثلاثة) في 30 يونيو/حزيران الجاري عاديا، بل كان نقطة نهاية لتحالف حزبي دام 7 سنوات، بعدما ولد في 30 يناير/ كانون الثاني 2014، ومات في 2021. 

في ذاك المساء أعلنت منيب قائدة تحالف اليسار والأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، أن حزبها قرر خوض الانتخابات المقبلة بشكل مستقل، وأن تحالف فيدرالية اليسار انتهى؛ لأن الأطراف الأخرى "ليست جادة في الوحدة الاندماجية".

ودافعت الأحزاب الثلاثة على أن أفق فيدرالية اليسار هو التحول إلى حزب يساري كبير يضم الطيف اليساري في المغرب، ويجمع شتات الرفاق الذين تاهت بهم السبل، ويبني الحزب الاشتراكي الكبير.

منيب أعلنت صراحة في ذات اللقاء، عن سحب حزبها التوقيع على الترخيص المقدم لدى مصالح وزارة الداخلية من لدن الأحزاب الثلاثة للترشح باسم الفيدرالية، في انتخابات "الغرف المهنية" المقررة في 6 أغسطس/آب 2021.

لم يتأخر رد فعل حلفاء الفيدرالية بالأمس، حيث قرر حزبا "المؤتمر الوطني الاتحادي" و"الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، خوض المحطات الانتخابية القادمة في المغرب، بلوائح مشتركة في سياق تحالف "فيدرالية اليسار الديمقراطي".

هذا الموقف ترجمته مراسلة مشتركة موقعة في 1 يوليو/ تموز 2021، بين كل من أمين عام حزب "الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، علي بوطوالة، وأمين عام "المؤتمر الوطني الاتحادي"، عبد السلام العزيز، إلى وزارة الداخلية، يعلنان فيها استمرار تحالف "فيدرالية اليسار الديمقراطي" في الانتخابات المقبلة.

ولم تكتف منيب بهذا، بل قررت الخروج للرأي العام للدفاع عن موقفها، حيث أعلنت في حوار إذاعي في 1 يوليو/تموز أن "الانسحاب من فيدرالية اليسار الديمقراطي، خطوة في اتجاه إنقاذ الحزب، ووقوف ضد قرصنة الحزب وأخذه نحو المجهول".

وأوضحت أن "الانسحاب لا يشمل سوى الانتخابات المهنية، فيما لم يتم بعد اتخاذ أي قرار بخصوص الانتخابات التشريعية والمحلية، وقرار الانسحاب من الفيدرالية تم اتخاذه في المكتب السياسي".

انفجار الأزمة

نهاية التحالف الثلاثي لفيدرالية اليسار، فتح الباب أمام أزمة سياسية وتنظيمية تتسارع وتيرة انتشارها داخل الحزب الاشتراكي الموحد.

ففي آخر تطور أعلن أكثر من 101 عضو من المجلس الوطني (برلمان الحزب) استمرار تحالفهم داخل الفيدرالية.

واعترض الشناوي، عضو مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) على بيان أعضاء المجلس الوطني، ووصفه بـ"الانتفاضة".

وقال في تدوينة له على موقع "فيسبوك": "بيان انتفاضة 101 عضو من المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد من أجل المشروع اليساري الوحدوي الاندماجي".

وفي محاولة لزيادة الضغط، هاجم المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي والكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الحزب الاشتراكي الموحد ورئيسه منيب.

واتهم حزبا "الطليعة" و"المؤتمر" عبر بيان مشترك في 5 يوليو/تموز 2021، منيب ومكتبها السياسي بسحب توقيعها من التصريح المشترك بالتحالف الانتخابي بين الأحزاب الثلاثة الذي تم وضعه من قبل"، وحملهما مسؤولية "الانسحاب من فيدرالية اليسار الديمقراطي وهيآتها الوطنية والمحلية".  

منيب دافعت عن نفسها خلال لقاء إذاعي في 7 يوليو/تموز، واتهمت حزبي "الطليعة" و"المؤتمر" بالتدخل في شؤون الحزب الداخلية، من خلال التنسيق مع أطراف لا علاقة لها بالمؤسسات الحزبية".

وأعطت منيب في مرورها بالإذاعة "الوطنية"، نماذج لهذا التدخل بحالات مدن الدار البيضاء والرباط وفاس مكناس، حيث قام "الطليعة" و"المؤتمر" بالتنسيق مع أفراد ضد مؤسسات الحزب وإرادة قياداته. 

واتهمت قيادات "الطليعة" و"المؤتمر" بـ"عرقلة الوحدة والاندماج في الحزب الاشتراكي الكبير، حيث إنهما يوقفان مشروع توحيد الفيدرالية لمدة، ثم بعدها يعودان ليدعوانا للعمل واستكمال هذه الوحدة.

مشكلة أخرى لم نتلق عليها جوابا هي أن القيادة السياسية لحزب "المؤتمر" هي نفسها تشكل قيادة منظمة نقابية أخرى، فهل حزبنا اليساري الكبير سيكون مستقلا أم سيكون تابعا؟".

السلطة والانتخابات

لا حديث داخل تحالف فيدرالية اليسار إلا عن دور السلطة في تفكيك التحالف، كما لا يخفي كثيرون تأثير الانتخابات على هذه الهزات التي دخلها التحالف.

ولم يقف الأمر عند الاختلاف السياسي، بل سرعان ما انتقل إلى تبادل الاتهامات بـ"التزوير"، وفي هذا الاتجاه اتهم عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، جمال العسري، كلا من وزارة الداخلية وحزبي الطليعة والمؤتمر بـ"تزوير الوثائق".

وقال العسري في تدوينة على حسابه بـ"فيسبوك": وزارة الداخلية وحلفاؤنا يدخلون لعبة شركات تزوير الماركات، التلاعب بالقانون وبألفاظ القانون، الداخلية تريد جر "الرفاق" إلى دهاليز المحاكم، تبيع القرد وتضحك على من اشتراه".

وختم تدوينته الطويلة قائلا: "ملاحظة هامة: تخليهم عن الديمقراطية واحتفاظهم بلفظتي فيدرالية اليسار، أهو دليل على التضحية بالديمقراطية في سبيل مكاسب انتخابية؟".

بدوره، قال القيادي بحزب الاشتراكي الموحد، زكرياء أبو النجاة، إن "حليفينا وأقصد حزبي المؤتمر والطليعة، ورغم إخبارنا لهما بهذه المسألة سارعا إلى وضع تصريح جديد - وهذا حق لهم - يؤكدان فيه دخولهم ثنائيا للانتخابات المهنية ... ومعها انتخابات أعضاء المجالس والجماعات وكذا أعضاء مجالس الجهات وأعضاء مجلس النواب".

في الجهة المقابلة، تسري اتهامات لمنيب وفق التوقعات ترى أن الحزب الاشتراكي الموحد قد يكسب حوالي 10 أعضاء جدد في مجلس النواب، وهذا واحد من الاعتبارات التي دفعت الحزب إلى تقديم مصلحته على مصالح الآخرين.

وتروج قيادات الحزب أن "هاجس الظفر بمقعد في مجلس النواب بطريقة سهلة، هو الذي دفع منيب إلى الانسحاب من فيدرالية اليسار الديمقراطي، وذلك عن طريق وكالة اللائحة الجهوية لجهة الدار البيضاء سطات".

وفي هذا الاتجاه، قال البرلماني عن الحزب، الشناوي، في بيان: "مع الأسف، لم تبق المبادئ هي المرجع ولم تعد هي المحفز، ولم يبق العمل من أجل إنجاح مشروع توحيد مكونات اليسار والحزب اليساري الكبير هو الدافع لدى القائدة، بل تم التخلي عن كل ذلك وأصبح الوصول إلى الغاية يبرر الوسيلة ولو كانت خبيثة أو غير سليمة أو ضد المبادئ".

نهاية حلم 

وفي تعليقه على هذه التطورات، قال الناشط الحقوقي والمناضل اليساري المستقل، خالد البكاري: إن "ما حصل مؤخرا من صراعات داخل تحالف فيديرالية اليسار الديمقراطي، وداخل الحزب الأقوى داخله "الحزب الاشتراكي الموحد"، ليس سوى محصلة لأزمة يعيشها اليسار منذ سنوات ليست بالقليلة، ولا علاقة له حصرا بالانتخابات".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "أزمة اليسار مركبة، فهي من جهة أزمة مشروع، استفحلت بعد انهيار النموذج المرجعي السوفييتي، ونماذج معيارية أخرى بأوروبا الشرقية، وتطور النظام الرأسمالي نحو نيوليبيرالية متوحشة تستدمج الثورة المعلوماتية والمعرفية التي غيرت وسائل الإنتاج وأشكال العمل الكلاسيكية وكذا الخطاطة الطبقية الكلاسيكية".

وأضاف البكاري في تشريحه لأزمات اليسار، ومن جهة ثانية هي أزمة خطاب، بحيث عجز اليسار عن إنتاج خطاب يوائم بين مرجعيته التقدمية وبين إكراهات استمرار البنيات المحافظة داخل المجتمع على تشكيل الوعي الجماعي".

وتابع: "وأخيرا هي أزمة تنظيم، فالأحزاب اليسارية لا زالت تحافظ على نفس الهرمية التنظيمية الموروثة من زمن الملاحقات البوليسية وزمن ما قبل الثورة الرقمية".

وشدد على أن "الآلة التنظيمية تدور ببطء، ولا تساعد على إفراز نخب جديدة، وتكبح المبادرات، وتدور على وهم الزعيم، رغم غياب قيادات كاريزمية، كما أنها تنظيمات حلقية وغير وظيفية، بمعنى أن كل الحركية هي حركية داخلية مرتبطة بتشكيل المكاتب والهيآت لذاتها، وغير مرتبطة بفعل تعبوي أو تأطيري موجه للخارج".

وعن المستقبل والانتخابات، ذهب إلى أن "ما جرى في التحالف (فيدرالية اليسار) وفي الحزب (الاشتراكي الموحد) ينبئنا بأن المستقبل سيعرف ميلاد تنظيمين أضعف من السابق، حزب ضعيف، وفيدرالية ضعيفة". 

وخلص البكاري إلى أن ذلك"يعني انكسار رغبة جماعية لعدد كبير من الفعاليات اليسارية أو ما يمكن تسميتهم بـ(أحزمة اليسار) في العودة إلى العمل الحزبي والنضال من داخله، وبالتالي ستعرف هجرة معاكسة من الحزب اليساري إلى جمعيات المجتمع المدني والفعل الفردي الحر للنشطاء اليساريين، حيث من المتوقع أن يزداد عنفوان العمل اليساري الفردي".