أمام تعنتها في سد النهضة.. هل تستغل مصر والسودان أزمات إثيوبيا الداخلية؟

12

طباعة

مشاركة

في وقت كان فيه رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، يفتتح القاعدة العسكرية البحرية "3 يوليو"، بالساحل الشمالي الغربي للبلاد، رفقة ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، في الذكرى الثامنة للانقلاب العسكري الذي قاده في 3 يوليو/تموز 2013؛ كانت إثيوبيا تعيش "مشهدا مذلا".

المشهد الذي شاهده المتابعون كان لـ6 آلاف جندي إثيوبي أسير يتبعون جيش الحكومة المركزية التي يترأسها رئيس الوزراء آبي أحمد؛ جرى أسرهم خلال معارك داخلية هزم فيها الجيش الإثيوبي خلال مواجهة مع قوات إقليم تيغراي، وكانوا يسيرون في عرض "مهين" بشوارع عاصمة تيغراي "ميكيلي"، وفق مقاطع مصورة.

دولة عرقيات

في 28 يونيو/حزيران 2021، أعلنت "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، استعادة سيطرتها على عاصمة الإقليم، من جيش أديس أبابا، الذي تدعمه قوات إقليم أمهرة الإثيوبي، وإريتريا.

شعب تيغراي، كان قد قرر الانفصال عن الحكومة المركزية في إثيوبيا، التي حشدت قواتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، للسيطرة على الإقليم، لكنها عجزت عن تنفيذ المهمة طوال 8 أشهر.

آبي أحمد، من جانبه، أعلن في 30 يونيو/ حزيران 2021، انسحاب الجيش الإثيوبي من تيغراي، ما اعتبره مراقبون اعترافا من أديس أبابا بهزيمة تحالف رئيس الوزراء.

انسحاب جيش آبي أحمد، جاء إثر ضغط دولي كبير، إذ وجهت أميركا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، على التوالي، انتقادات حادة له، واتهمت جيشه بارتكاب جرائم ضد شعب تيغراي، على مدار أشهر القتال.

وتولى آبي أحمد، السلطة في أبريل/نيسان 2018، وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 2019، على خلفية مبادرة سلام جرت مع إرتيريا الجارة الشمالية الشرقية لبلاده، بعد حرب استمرت لسنوات.

عدد سكان إثيوبيا نحو 110 ملايين نسمة، ومساحتها 1.1 مليون كيلومترا مربعا، وتتكون من 9 مناطق عرقية ذاتية الحكم، وللإثيوبيين، 80 لغة و200 لهجة، الأمهرية اللغة الرسمية، والأورومو، والتيغرانية أهم الغات.

تيغراي، قبائل يعتنق أغلبها المسيحية، وتسكن شمالي إثيوبي، وتشكل نسبة 6.1 بالمئة من السكان.

الأمهرة، ثاني أكبر عرقية إذ تشكل 26.9 بالمئة، فيما تتحدث الأمهرية وغالبيتها مسيحية، وتسيطر على مفاصل الدولة.

الأورومو، أكبر عرقية وتشكل 34.5 بالمئة من السكان، ويعد الإسلام دين الأغلبية الذين يعيشون وسط إثيوبيا، ويتحدثون الأورومية ويعملون بالزراعة والرعي.

نحو التفكك

تعيش إثيوبيا على وقع الصراع بين السكان الأصليين في إقليم بني شنقول، وأبناء القوميتين الأمهرية والأورومو، وصراعات أخرى بين عرقيات "العفار" و"الولاية الصومالية".

ويواجه جيش الحكومة المركزية في أديس أبابا، إلى جانب جبهة تحرير تيغراي، جبهة تحرير أوروميا، ومسلحي بني شنقول، ما أدى لمقتل المئات منذ عام 2020.

لكن الصراع بين الأمهريين والأورومو يعد الأخطر، بالنظر إلى أن القوميتين تشكلان معا نحو ثلثي سكان البلاد، وفق مراقبين.

أخيرا، جاء انتصار تيغراي على جيش آبي أحمد، الذي تسيطر عليه عرقية أمهرة، ليفتح الباب أمام عرقية "أورومو"، للانفصال أيضا، ما يهدد بتفكك الدولة الإثيوبية.

ذلك الانتصار، فتح الباب كذلك، أمام الحركات المسلحة بإقليم بني شنقول -مقر بناء سد النهضة الإثيوبي- لخوض معاركها للاستقلال عن أديس أبابا.

عرقية الأورومو رغم أنها تشكل الأغلبية، إلا أنها عانت على مدار عقود من الاضطهاد والإقصاء من الوظائف الرسمية لصالح عرقية الأمهرة، ما دفعها للقيام باحتجاجات واسعة عام 2016 ضد الحكومة السابقة لهايلي مريام ديسالين.

ولأن منطقتي أمهرة، وأوروميا، تتشاركان في الحدود، تصاعدت الهجمات على المدنيين من الأورومو داخل المنطقة الأمهرية أخيرا، ما زاد الاحتقان بين الجانبين.

وانسحبت جبهة تحرير أورومو في مارس/آذار 2021، من الانتخابات الإثيوبية التي جرت في خمس دوائر الدولة فقط، في 21 يونيو/حزيران 2021، وأعلنت رفض نتائج الانتخابات التي فاز بها تحالف آبي أحمد، وحزبه "الازدهار".

وفي أبريل/نيسان 2021، أعلنت إثيوبيا حالة الطوارئ بالجزء الجنوبي من منطقة أمهرة، لوقف الصراع بين العرقيتين؛ لكن حكومة آبي أحمد، أعلنت في مايو/ أيار 2021، "جيش تحرير أورومو"، منظمة إرهابية.

من جانبه؛ أكد جيش تحرير أورومو، أنه سيخوض "حربا شاملة" بعد هذا التصنيف، وأعلنت أحزاب "شعب أورومو"، و"جبهة تحرير أورومو"، و"مكتب الشؤون القانونية"، إنشاء حكومة انتقالية وطنية.

و28 يونيو/حزيران 2021، تفجرت مواجهات دامية بين عرقية الأورومو، التي ينتمي إليها آبي أحمد هو ووالده، وبين الأمهرة، التي تنتمي إليها والدته وزوجته.

انهيار كالبلقان

مسؤولون أميركيون، في حديث لمجلة "Foreign Policy" الأميركية، شبهوا وضع إثيوبيا عام 2021، بانهيار يوغوسلافيا عام 1992، واندلاع "حرب البلقان" وما تلاه من تطهير عرقي جرى لمسلمي البوسنة وكوسوفو.

وأشارت المجلة، إلى أن التوترات المتصاعدة بين منطقتي أوروميا وأمهرة واحتمالات وقوع حرب أهلية تقلق إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

ولفتت إلى قول المبعوث الأميركي للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان، أن "انهيار إثيوبيا يمكن أن يجعل سوريا تبدو وكأنها لعبة أطفال".

الخبير السوداني بشؤون القرن الإفريقي، عبد القادر الحيمي، توقع في حديث مع صحيفة "المصري اليوم"، أن تشهد إثيوبيا تطورات خطيرة، بانتصار تيغراي وهزيمة الجيش الإثيوبي.

مشهد الصراع الداخلي الإثيوبي يؤكد فشل آبي أحمد في الحفاظ على وحدة البلاد التي أوصلها لحالة من فقدان التماسك، وخسارة ثقة أميركا والمجتمع الدولي، وانتهاء دور إثيوبيا بمنطقة القرن الإفريقي.

إلا أن تلك الأزمات، لم تثن أديس أبابا عن مواقفها "المتعنتة" وفق وصف مصر والسودان في أزمة مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي الذي بنته على النيل الأزرق على مدار 10 سنوات ويهدد حياة نحو 140 مليون إنسان بدولتي المصب.

ولم تنجح المفاوضات في وضع حل نهائي لأزمة السد الإثيوبي، كما أن آبي أحمد، بدا مراوغا مع القاهرة والخرطوم، وخدع المصريين بمشهد "القسم" الشهير في يونيو/حزيران 2018، والذي ردده خلف السيسي، مؤكدا أنه لن يسبب ضررا لمصر بملف المياه.

ورغم صمود آبي أحمد، أمام الضغوط المصرية السودانية، ورفضه على مدار 3 سنوات توقيع اتفاق ملزم لبلاده حول تقسيم مياه النيل الأزرق وطريقة إدارة سد النهضة، إلا أن أزمة تيغراي تسببت له في عزلة دولية وخسائر داخلية، ما يمثل فرصة لمصر والسودان.

حسابات مصرية بموقعي "تويتر" و"فيسبوك"، اعتبرت مشهد أسرى جيش آبي أحمد في إقليم تيغراي، "مبكيا للمصرين"، خاصة وأن الذي أسرهم لا يملك طائرات "رافال" و"ميسترال"، ولا دبابات ولا مدرعات، كالتي يملكها جيش مصر.

رئيس مركز "طيبة للدراسات السياسية"، خالد رفعت صلاح، اعتبر مشهد استعراض قوات تيغراي لأسرى الجيش الإثيوبي، "منتهى الإذلال" لجيش دولة من قوات بدائية التسليح والتنظيم.

وتساءل عبر تدوينة على صفحته في فيسبوك: "ماذا يمكن أن يفعل بهم خير أجناد الأرض (جيش مصر)؟"، مضيفا: "لا ينقصنا القدرة، بل ننتظر فقط صدور القرار من صاحب القرار"، في إشارة لضرب مصر السد الإثيوبي.

من جانبه، قال الكاتب الصحفي رأفت صلاح الدين، في منشور  على "فيسبوك": "هزيمة مذلة من ميليشيات ضعيفة عددا وعدة، ولها دلالة خطيرة، وتعطي مؤشرا عن ضعف الجيش الإثيوبي".

وتساءل: "أين الإرادة ولم التردد والارتعاش، وممن نخاف؟" .

سيناريوهات خطيرة

الموقف المصري لا يثبت على وتيرة واحدة، فبين إعلان السيسي، في 30 مارس/ آذار 2021، أن مياه النيل "خط أحمر" إلى تراجع عن تلك التصريحات، واللجوء لمجلس الأمن الدولي، الذي ينظر ملف مياه النيل 8 يوليو/تموز 2021.

السيسي، لم يعلق على أحداث إثيوبيا الداخلية، لكنه أرسل عدة رسائل في 3 يوليو/تموز 2021، خلال افتتاح قاعدة عسكرية بحرية.

وقال إنه "لا يجوز استمرار التفاوض مع إثيوبيا إلى ما لا نهاية، ومصر لم تهدد أحدا على مر التاريخ، برغم ما تملكه من قوة عسكرية.. ".

لكن، رئيس الحكومة السودانية، عبد الله حمدوك، أعرب عن قلق بلاده إزاء التطورات الداخلية بإثيوبيا، في 4 يوليو/ تموز 2021، داعيا عبر "تويتر"، كل الأطراف للمفاوضات.

وحول احتمالات استغلال القاهرة والخرطوم اضرابات إثيوبيا، قال الكاتب والباحث السوداني، عباس محمد صالح: "النظام السوداني والمصري ليسا على قلب واحد، وطبيعي ألا يتفقا باستغلال الظروف والتحديات الداخلية لإثيوبيا، لافتقارهما أوراقا حقيقية بهذا الصدد، رغم الانكشاف الإستراتيجي لإثيوبيا".

واعتبر صالح في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "سردية استغلال إثيوبيا ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، لإقامة سد النهضة ليست دقيقة وموجهة للداخل المصري؛ وإنشاء السد جاء ضمن تحول كبير قاده نظام (جبهة تيغراي) للاقتصاد السياسي، وتقديمه رؤية للأمن القومي تعتبر الفقر بإثيوبيا أكثر تأثيرا من العوامل الخارجية".

وأوضح أن "مشروعات السدود لدى الإثيوبيين قديمة قدم الأنظمة التي حكمتهم، ومصدر لحشد التأييد وبناء الوحدة الوطنية؛ وعليه كان سيتم إقامة سد النهضة سواء استمر حكم مبارك أو لم تقم ثورة 25 يناير".

صالح، يعتقد، أيضا أن "إثيوبيا على مفترق حقيقي بعد حرب تيغراي؛ فإما أن يعاد بناء نظام سياسي يحافظ على الوحدة والسيادة، وإما تنزلق إلى آتون صراعات قد تنتهي بتفككها".

وألمح إلى أن "الدول الكبرى قلقة من تفكك إثيوبيا وتخشى على مصالحها، وتعمل لمنع وقوع ذلك، لذا حذرت الخرطوم والقاهرة من أي عمل يخل بتوازن القوى بين أطراف الصراع الإثيوبي، وبالتالي تفكيك البلاد".

ويرى الباحث السوداني، أن "سيناريو تفكك إثيوبيا يمكن أن يضمن للسودان ومصر انسياب المياه، أو يعرقل قيام مشروعات ضخمة على نهر النيل؛ لكنه على صعيد التداعيات والنتائج ستطالهما شظايا هذا التفكك، خاصة السودان".

وقال صالح: إن "إعادة تقسيم مياه النيل مسألة إستراتيجية تفاوضية جديدة لإثيوبيا، حتى بعد انتهاء مسار مفاوضات سد النهضة لصالحها، وتؤيد هذا الطرح الدول الأخرى، لا سيما أطراف اتفاقية (عنتيبي) أو مبادرة حوض النيل، وتكون دولتا المصب بمواجهة دول المنبع".

ولفت إلى أن "إعادة تقسيم مياه النيل تطرحه أيضا بعض الدوائر الدولية بصور خافتة، باعتباره سبيلا لإنهاء صراعات المياه حاليا ومستقبلا وكحل مستدام".

وجزم صالح أن "مثل هذا السيناريو حال تحقق، كارثي على دولتي المصب ومصر بصورة أكبر، مقارنة بسد النهضة، لأنه سيؤثر على حصصهما المائية، بينما لم تعمل الدولتان على مشروعات مستقبلية في مجال الأمن المائي لشعبيهما".

من جانبه، قال مدير منتدى "شرق المتوسط للدراسات السياسية"، محمد حامد: "لا أعتقد أن تستغل القاهرة أحداث تيغراي الأخيرة لتحقيق مكاسب سياسية".

وذكر لـ"الاستقلال" أن "مصر لم تكن وراء تلك الأحداث منذ البداية، وهناك فارق جوهري بين ما حدث في حرب تيغراي وأحداث ثورة يناير التي مثلت فقط مرحلة انكفاء أمنية، ولم تحدث حروب بين قوات حكومية وإقليم متمرد، كما الحال بإثيوبيا".

ويرى الباحث المصري أن "المجتمع الدولي، والقوى الغربية، لن تسمح بانهيار إثيوبيا، ولا بتغيير التركيبة السكانية لها، ولا بسحق التيغراي".

وختم حامد حديثه بالتأكيد على أن "القوى الغربية، تريد بقاء كيان إثيوبيا كما هو، وتركها دولة مسيحية في وسط محيط إسلامي، وترغب في التفاهم بين تيغراي، والأورومو، والأمهرة، لوقف نزيف الهجرة الإثيوبية لأميركا وكندا والاتحاد الأوروبي".