هجوم حاد على والي "المركزي المغربي".. ما علاقته برئاسة الحكومة؟
وابل من الانتقادات غير المسبوقة، تعرض لها والي بنك المغرب (محافظ البنك المركزي) عبد اللطيف الجواهري، إثر انتقاده وعود الأحزاب المبالغ فيها.
والي بنك المغرب، صرح قبل أيام بأن الوعود الكاذبة للأحزاب السياسية، التي وصفها بأحزاب "الباكور (التين) والزعتر"، تسببت في فقدان الثقة في جميع مؤسسات الدولة.
هذه الانتقادات، جاءت بعد أيام من توزيع حزب التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي)، وعودا "غير مسبوقة" للمواطنين، في حال وصول رئيس الحزب الوزير النافذ عزيز أخنوش، إلى رئاسة الحكومة.
"الباكور والزعتر"
الجواهري، لم يخف غضبه مما تقوم به الأحزاب السياسية، من التضخيم والمبالغة في توزيع وعود الانتخاب على المواطنين، وحملهم مسؤولية فقدان الثقة في المؤسسات العمومية للبلاد.
جاء ذلك في ندوة صحافية عبر الإنترنت، أقامها بنك المغرب 22 يونيو/ حزيران 2021، لعرض خلاصات الدورة الأخيرة لمجلس بنك المغرب.
الجواهري، كان واضحا وهو يسجل أن "العزوف السياسي نتيجة أزمة ثقة الناس في الأحزاب السياسية".
وأضاف أن "المغاربة فقدوا الثقة في السياسيين وحتى في مسؤولي القطاع العام إثر عدم وفاء السياسيين ببرامجهم ووعودهم الانتخابية".
وتابع: "أزمة الثقة هي المشكل الأساسي للعزوف الانتخابي"، موضحا أن "كل القطاعات من اقتصاد ومال أساسها الثقة التي تبنى على الأمن والاستقرار"، مضيفا: "تأملوا دول جوار المغرب".
وأشار إلى أن الملك محمد السادس بن الحسن، محل الثقة الوحيد، فـ"الكل الآن يستنجد بالتدخل الملكي سواء مغاربة الخارج أو القطاع السياسي لحل كل المشاكل".
الوالي الجواهري، اختار إطلاق وصف "الباكور (التين) والزعتر"، على الأحزاب السياسية التي تسبب العزوف السياسي ومنه فقدان الثقة في المؤسسات".
وهي عبارات تعني في التداول الشعبي المغربي "الغضب" و"التحقير" و"الاستخفاف".
المجهول والخراب
وبعد أقل من 48 ساعة، تبنى وزير الشغل في الحكومة المغربية، محمد أمكراز، رئيس شبيبة العدالة والتنمية (إسلامي - يقود الحكومة)، تصريحات والي بنك المغرب.
وأعلن أمكراز في مهرجان خطابي لشبيبة العدالة والتنمية، الخميس 24 يونيو/ حزيران 2021، أن "أحد المسؤولين وصف الأحزاب السياسية بـ(الباكور والزعتر)، وهذا فعلا (الباكور والزعتر)، وأكثر من هذا الوصف".
وتابع أمكراز: "بعض السياسيين يساهمون في فقدان ما تبقى من الثقة في السياسة والمؤسسات، إذ أن من خرج يبشر الناس ببرامج هي موجودة على أرض الواقع".
وأكد أن المواطنين المغاربة في حاجة إلى إعادة الثقة في العمل السياسي، خاصة أن فقدان الثقة في المؤسسات من شأنه أن يؤدي إلى المجهول والخراب".
ولأن حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الذي يرأسه الوزير أخنوش، يعرف تماما أن تصريحات والي بنك المغرب، تستهدفه مباشرة، لم يتردد في وصفها بـ"الانحراف الخطير، وغير المبرر في سلوك رئيس هذه المؤسسة العريقة".
ولم يتوقف الحزب عند هذا الحد، بل دعا في بلاغ أصدره في 25 يونيو/ حزيران 2021، "إلى صيانة هذه المؤسسات من مثل هذه الانزلاقات التي لا تخدم أي طرف، بل تزرع التشكيك في عمل الهيئات السياسية وقدرتها على أداء مهامها كاملة".
وبالموازاة مع ذلك؛ أطلق الحزب حملة متناسقة على ثلاثة محاور للرد على تصريحات والي بنك المغرب، التي لم يسم فيها حزبا بعينه، حيث رد الحزب عبر مؤسساته.
الأحزاب الداعمة له من جانبها هاجمت والي البنك، وأيضا عبر الصحافة والناشطين بمواقع التواصل الاجتماعي المحسوبين عليه.
وضمن الحملة، هاجم الكاتب الأول لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، (اشتراكي مشارك في الحكومة)، إدريس لشكر، والي بنك المغرب، واتهمه بممارسة "الشعبوية"، ودعاه إلى عدم التدخل في الشأن الحزبي.
وتابع لشكر، في تصريح نشره موقع محلي 25 يونيو/ حزيران 2021، أنه على والي بنك المغرب أن يهتم بوظيفته وما تقدمه البنوك المسؤول عنها للمواطنين من خدمات، وبأي ثمن، وما تقدمه من قروض للشباب وبأي فائدة؟".
وانتقد سياسات الوالي، مؤكدا أن "دولا في شمال إفريقيا، تقدم مؤسساتها البنكية، قروضا للشباب بصفر بالمائة كفائدة".
وعلق على تصريحه في حسابه بـ"فيسبوك" قائلا: "سؤالي لوالي بنك المغرب، ماذا عن الأثمنة المرتفعة للخدمات البنكية بالمغرب؟، ماذا عن انعدام القروض للشباب؟، ماذا عن صعوبة ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة للتمويل البنكي؟، ماذا عن اغتناء الأبناك على حساب قدرة الاقتصاد الوطني على الإنتاج والتشغيل؟".
وفي مستوى ثالث، من هذه الحملة، شبه يونس دافقير، رئيس تحرير يومية "الأحداث"، المغربية، في تدوينة له بـ"فيسبوك"، والي بنك المغرب بـ"المهرج".
وقال: "أفضل أن يبقى السيد عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، في حدود ما يتقنه ويكون مفيدا فيه للبلد، ذلك يجعله مقتدرا وقورا محترما جدا".
وأضاف: "أما أن "يتجاوز ذلك إلى التدخل في أمور سياسية وحزبية لا يتقن لغتها ومكائدها؛ فذلك يجعله مع الأسف بعيدا عن وقاره وعلمه".
وختم بالقول: "لدينا ما يكفي من المهرجين، لذلك لا تكن مثلهم رجاء".
تهديد المسؤولين
موقف والي بنك المغرب، دفع أنصار الوزير أخنوش إلى إطلاق عدد من "الشائعات" التي تروج لها بعض الصحافة، حيث إن موقعا محليا نشر خبر إعفاء الجواهري، خلال المجلس الوزاري قبل أن يزيل الخبر بعد ساعات من نشره.
غير أنه، وخلافا للتسريب فإن المجلس الوزاري (يترأسه الملك) المنعقد 28 يونيو/ حزيران 2021، والذي عرف تعيينات جديدة بعدد من المناصب، لم يتطرق لموضوع والي بنك المغرب.
وفي قراءته لأخبار إعفاء الجواهري، قال أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة تازة (شمال شرق)، إسماعيل حمودي: "هي محاولة يريد من يسربها إيهام الرأي العام أنه قوي، ويملك نفوذا كبيرا لدرجة تمكنه من إعفاء شخصية بحجم والي بنك المغرب".
وأضاف حمودي لـ"الاستقلال": "هدف ترويج الخبر هو تخويف كبار مسؤولي الدولة، من قبيل والي بنك المغرب".
واتهم بلاغ حزب "الأحرار" الجواهري، بـ"البعد عن مهام مؤسسة بنك المغرب، وعن واجب التحفظ الذي يقيد عمل رئيسها ومهامه، وينأى به عن الخوض بالقضايا السياسية".
وزاد البلاغ، "أدلى السيد والي بنك المغرب بتصريحات تسيء للأحزاب السياسية، وتهين الفاعلين السياسيين وتقوض البناء المؤسساتي للمملكة، وتضرب في العمق الخيار الديمقراطي".
غير أن حمودي سجل، أن "ما قام به والي بنك المغرب من خلال التعبير عن موقف تجاه الوعود المبالغ فيها، ليس جديدا".
وأوضح أنه "الناطق باسم مؤسسة البنك المركزي، كما أنه ينسجم مع طبيعة الوظيفة التي يقوم بها، فهو مسؤول عن تدبير السياسة المالية والنقدية للدولة".
وأفاد حمودي، "الفلسفة التي حكمت تصريحات والي بنك المغرب، هي أن الوعود الكبيرة تخلق آمالا كبيرة، وعدم تحققها يعني ميلاد أزمة ثقة للبلاد برمتها وليس فقط في العملية السياسية".
ومضى يقول إن "والي بنك المغرب، من منطلق مكانته كمنفذ للسياسات المالية والنقدية للدولة، وجد نفسه أمام توزيع وعود انتخابية، لها كلفة مالية كبيرة".
وأشار لوعود "توفير مليون منصب شغل، وزيادة 2000 درهم (180 دولار شهريا) لرجال ونساء التعليم، وبالتالي عبر عن رأي البنك المركزي فيها".
حمودي، خلص إلى أن "والي بنك المغرب، يعد الشخصية الوحيدة المتبقية من عهد الحسن الثاني في مربع السلطة بالمغرب، ورغم تجاوزه 81 سنة، ما يؤكد حاجة الدولة إليه وحساسية الدور الذي يلعبه".
الطريقة التي تم بها الهجوم على والي بنك المغرب، أعادت لأذهان المغاربة، مصير رئيس مجلس المنافسة، إدريس الكراوي، الذي أعد تقريرا يثبت تربح شركات المحروقات من تحرير السوق، وتواطئها للحفاظ على الأسعار.
إذ انتهى الأمر بإعفائه من مهامه بعد شكاية لبعض الأعضاء إلى الملك الذي كلف هيئة للتحقيق انتهت بإقالته.
رسالة دولة
الحرب المفتوحة على والي بنك المغرب، يرى فيها الباحث في الإعلام والمحلل السياسي، نور الدين لشهب، "محاولة من حزب التجمع الوطني للأحرار، ورئيسه أخنوش، التقليل من شأن تصريحات والي البنك المركزي".
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "ما يجب الانتباه إليه أننا أمام تصريحات شخصية غير عادية في بنية الدولة المغربية".
وأفاد لشهب: "والي بنك المغرب في هذه التصريحات يعبر عن الدولة، ولا يقدح من رأسه، والرأي الذي عبر عنه يحمل كامل عناصر التصريح المؤسساتي، وتصريحه يمثل الدولة المغربية".
وأوضح أن "عزيز أخنوش أطلق خلافا لكل القوانين حملة انتخابية منذ سنة 2018، من خلال مشروعه مسار الثقة، وبعده 100 مدينة، ثم أطلق في هذه الأيام حملة من توزيع الوعود الانتخابية التي تثقل كاهل مالية الدولة".
وزاد الباحث المغربي: "أخنوش يوزع وعودا غير معقولة، ويقدم نفسه ليس فقط مرشحا للانتخابات، بل يحاول إقناع المواطنين بأنه قريب من السلطة، وبالتالي أخذ ضوءا أخضر من الدولة للترويج لهذه الوعود".
وشدد قائلا: "هذا هو السياق الذي علينا أن نقرأ فيه تصريحات والي بنك المغرب، تجاه الوعود المبالغ فيها لحزب الأحرار ورئيسه أخنوش، وبالتالي فالدولة تقول إن الوزير أخنوش ليس مرشحها للانتخابات المقبلة".
وختم تصريحه قائلا: "حدة الهجوم والحملة التي أطلقت على والي بنك المغرب، من قبل أخنوش وشركائه في الأحزاب والصحافة والتواصل الاجتماعي، تعني أن رسالة الدولة وصلت وفهمت".
المصادر
- وصف الأحزاب بـ"الباكور والزعتر".. محافظ بنك المغرب يغضب الساسة ويثير الجدل
- أمكراز (وزير الشغل) يؤكد ما قاله والي بنك المغرب: “هدشي فعلا راه الباكور والزعتر“
- الأحرار يشجب تصريحات والي بنك المغرب ويعتبرها انحرافاً خطيراً وغير المبرر ومسيئةً للأحزاب السياسية
- تصريح حصري. شاهد لشكر يرد بقوة على الجواهري ويقول له: “تذكر أن القصر والأحزاب الوطنية من كانوا وراء تأسيس بنك المغرب”ّ
- مسار الثقة.. مقترحات التجمع الوطني للأحرار لمغرب يعطي فرصة لجميع المغاربة
- انتقادات بنموسى والجواهري تضع ثقة الناخبين في الأحزاب على المحك
- هكذا أحرقت المحروقات الكراوي وأبعدته عن مجلس المنافسة