ملفات متشابكة ومعقدة.. لماذا أجلت مصر حوار الفصائل الفلسطينية؟
بطريقة غامضة، وبعدما وصلت وفود الفصائل الفلسطينية استعدادا لمفاوضات ترعاها مصر لتثبيت التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي، وإعادة إعمار غزة، أبلغتهم القاهرة في 9 يونيو/ حزيران 2021 بتأجيل اللقاء.
سبب الإلغاء الذي أبلغتهم به المخابرات المصرية، وهو "انشغالات داخلية لديها" زاد الغموض، لأن مديرها عباس كامل استقبل رؤساء وفود حركات التحرير الوطني "فتح" والمقاومة الإسلامية "حماس"، والجهاد الإسلامي.
الأغرب كان الإعلان أن التأجيل "إلى أجل غير مسمى" وعدم تحديد موعد قريب، ما بدا أنه موقف مصري غاضب من شيء ما.
كواليس غاضبة
تزامن الغضب المصري، مع تقارير إسرائيلية تتحدث عن أن الهدف الرئيس لمصر من الانفتاح على غزة ودعمها هو "لعب دور هناك يقيد المقاومة".
وصل الأمر لحديث صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية 10 يونيو/ حزيران 2021 عن سعي مصر لاستعادة السيطرة على قطاع غزة والسؤال: هل تخطط القاهرة للعودة إلى القطاع الساحلي الذي حكمته في المدة بين عامي 1948 و1967؟.
"الاستقلال" التقت عددا من أعضاء الوفود الفلسطينية الذين حضروا إلى القاهرة لمعرفة ماذا جرى في كواليس المفاوضات؟ ولماذا غضبت مصر وألغت حوار الفصائل؟ وهل فعلا تسعى للعب دور في غزة أو التأثير على المقاومة؟.
مصادر من داخل ثلاثة فصائل فلسطينية حضرت حوارات القاهرة ذكرت لـ "الاستقلال" عدة أسباب لتأجيلها ومحورين للغضب المصري:
الأول غضب من حماس لرفضها أغلب مقترحات مصر التي تراها المقاومة لا تخدم غزة وتصب في صالح إسرائيل، وطرح الحركة شروطا أعلى على الاحتلال والسلطة الفلسطينية بعد الجولة القتيالية الأخيرة مع إسرائيل (10-21 مايو/أيار).
والثاني غضب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس لرفضه الحضور للقاهرة وتفضيله التدخل الأوروبي والأميركي على الوساطة المصرية.
رفض حماس ضغوط نظام عبد الفتاح السيسي كان هو العامل الأهم، حيث حاولت القاهرة دفع الحركة للموافقة على طلب تل أبيب "إعمار غزة مقابل إطلاق سراح أسرى إسرائيل".
انتهى الطلب بالرفض والإصرار على معادلة "الأسرى مقابل الأسرى" وأن هذا ملف منفصل فقررت مصر التأجيل.
مصدران في فصيلين من كبرى الفصائل التي شاركت في لقاءات القاهرة أكدا لـ "الاستقلال" أن السبب الرئيس لفشل الحوار هو الاختلاف حول الأولويات والملفات التي كان سيتم مناقشتها.
طرحت المقاومة (حماس والجهاد) والسلطة (فتح) ملفات مختلفة فظهر شقاق كبير لا يمكن معه بدء الحوار دون اتفاق على أولويات ورؤوس موضوعات.
حماس والجهاد تمسكتا بالبحث أولا في وضع منظمة التحرير كأولوية، و"فتح" أصرت على نفس البند العام الذي تطرحه كل مرة دون حل، وهو كيفية إنهاء الانقسام وتوحيد الصف وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
رفضت حماس والجهاد الانخراط في حكومة وحدة وطنية بشروط منها الاعتراف بـ "الاتفاقيات الدولية"، أي أوسلو وإسرائيل، وأكدتا أن الفكرة تم تجريبها عام 2014 وفشلت.
رفضت حركة حماس الربط بين حكومة الوحدة المقترحة، وعودة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة وتقييد سلاح المقاومة.
كما رفضت أفكارا مصرية للربط بين إعمار غزة وتبادل الأسرى بما يجعل إسرائيل تتحكم في عدد من ستطلق سراحهم لا من تريدهم حماس في صفقة مستقلة.
حماس أوضحت للقاهرة أنها لن تبادل إعادة الإعمار بإطلاق سراح أسرى إسرائيليين، وأنها تريد التفاوض على "أسماء مقابل أسماء"، بحسب ما تحدث مصدر في الحركة لـ"الاستقلال".
أشار إلى هذا الرفض الدكتور طارق فهمي مدير وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومي للدراسات (التابع للمخابرات)، حين تحدث عن عدم توافق بين جميع القوى والفصائل كانت تبحث عنه مصر.
قال لبرنامج «وراء الحدث»، على قناة «الغد» الإماراتية 10 يونيو/حزيران 2021، في إشارة لرفض حماس مطالب مصر، أن "كل فصيل من الفصائل يريد أن ينفذ أجندته ويحقق مطالبه".
أبرز الأزمات
مسؤول آخر في "فتح" أكد أن حركته تمسكت بضرورة إدارة أموال إعادة الإعمار في غزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
أوضح لـ "الاستقلال" أن حماس شددت على ضرورة إجراء الانتخابات التي ألغاها الرئيس محمود عباس لتفرز حكومة حقيقية منتخبة.
القيادي في حركة "فتح" جهاد الحرازين، قال إن هذا أظهر حجم تباينات كبيرة بحسب الوسيط المصري الذي حاول تقريب الأمور للاتفاق على أوليات بدل فرض بعض الفصائل رأيها.
المصدر في حركة "حماس" الذي تحدث لـ "الاستقلال"، قال إن حركة فتح دعت للبدء في تشكيل حكومة وفاق وطني تلتزم بالتعهدات الدولية (أي اتفاقية أوسلو والتنسيق مع الاحتلال).
قال المصدر إن حماس رفضت إشراف السلطة الفلسطينية على الإعمار بنفسها في غزة "لأنها تتعاون مع الاحتلال ورفضت وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل أثناء العدوان الذي استمر 11 يوما".
"طالبنا السلطة بإلغاء أو تجميد التعاون الأمني فورا مع الاحتلال لأن "أمن السلطة" هو من يقمع انتفاضة الضفة، بحسب ما قال المصدر لـ "الاستقلال"، وهو ما رفضته السلطة.
رغم إلغاء مصر جلسات حوار الفصائل، اجتمع مسؤولو المخابرات المصرية بوفد حماس بقيادة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي، ونائبه صالح العاروري.
التقوا أيضا بوفد فتح برئاسة جبريل الرجوب، كل على حدة يوم 9 يونيو/ حزيران 2021 لبحث التوافق حول خطوط عريضة بشأن الملفات الخلافية، لكن كل طرف أصر على عدم تقديم تنازلات.
في اليوم التالي، التقى رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، بنفسه إسماعيل هنية ووفد الحركة، وكان من أهداف اللقاء محاولة إقناع حماس ببعض التنازلات، ومطالبتها بالحفاظ على التهدئة مع الاحتلال.
"كامل" حاول إقناعهم أن تعزيز الإنجاز الكبير الذي حققته المقاومة والشعب الفلسطيني، والعلاقات مع مصر يتطلب إسناد أمور في غزة للسلطة الفلسطينية والتهدئة مع إسرائيل، بحسب مصدر في الحركة لـ "الاستقلال".
قال: "تخشى القاهرة عودة الحرب رغم تولي حكومة نفتالي بنيت الجديدة، بعدما سمح رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو – قبل مغادرته السلطة- بـ "مسيرة الأعلام" للمستوطنين المتطرفين في القدس، وتحذير حماس بالرد والنفير العام.
قالت حماس في بيان لها إن هنية ووفد قيادة الحركة المرافق له، بحث مع عباس كامل تثبيت نتائج معركة سيف القدس، خاصة فيما يتعلق بالقدس والمسجد الأقصى.
إضافة إلى"بحث دور مصر بعدد من الملفات المهمة على المستوى الفلسطيني، وشكرها على مواقفها قبل وأثناء وبعد معركة سيف القدس، وجهودها في وقف العدوان وإعادة الإعمار".
والتقى عباس كامل واللواء أحمد عبد الخالق مسؤول ملف فلسطين بمخابرات مصر أيضا يوم 11 يونيو/ حزيران 2021 بوفد حركة الجهاد الإسلامي بقيادة الأمين العام زياد نخالة.
طالبهم "كامل" كذلك بالحفاظ على حالة الهدوء وتثبيت وقف إطلاق النار، وتسهيل مهمة الأطقم الهندسية المصرية العاملة في غزة على إزالة آثار العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، وتقديم العون لهم.
دعا الحركة لعدم الإقدام على أية تحركات قبل مشاورة الجانب المصري، في إطار انخراط القاهرة المباشر في الوقت الراهن في الملف الفلسطيني، بحسب ما نشرت صحيفة "العربي الجديد" 12 يونيو/ حزيران 2021.
"محمود عباس" المشكلة؟
عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم" تحدث 11 يونيو/حزيران 2021 عن سبب آخر لغضب مصر وإلغائها حوار الفصائل ضمن ستة أسباب رصدها لانهيار الحوار الفلسطيني في القاهرة، هو مقاطعة محمود عباس للاجتماعات.
قال: إن مقاطعة عباس لجلسات الحوار الفلسطيني في القاهرة والتي أغضبت مصر، تعود بالدرجة الأولى لرفضه الاعتراف بانتصار فصائل المقاومة في المواجهة الأخيرة.
نقل "عطوان" عن "مصدر مسؤول في أحد فصائل المقاومة الكبرى في غزة"، أن عباس يراهن على الدورين الأميركي والإسرائيلي الداعمين له، ولا يهتم بالأدوار العربية الأخرى ومنها الدور المصري.
وبين أن "عباس" لديه تحفظ على بدء مصر عملية إعادة إعمار غزة دون إشراف سلطته المباشر عليها، وهذا التحفظ أغضب القاهرة فقررت تأجيل حوار الفصائل.
أشار أيضا إلى أن عباس يرفض التسليم بالمتغيرات الجديدة التي تكرست على الأرض بعد انتصار المقاومة، ويتمسك بالسلطة الفلسطينية واتفاقات أوسلو، وإبقاء الوضع على ما هو عليه دون أي تغيير.
ويخطط لتشكيل حكومة وحدة وطنية شكلية بقيادة أحد رجاله للإشراف على عملية الإعمار والتحكم بكل الأموال التي ستمول هذه العملية بما في ذلك المصرية منها.
سبب رفض عباس الحضور بشخصه كما طالبت حماس يرجع أيضا لمطالبتها بضرورة إلغاء أو تجميد التنسيق الأمني كليا مع الاحتلال الإسرائيلي، وكل التفاهمات الأخرى المنبثقة عن اتفاقات أوسلو، وإعادة بناء منظمة التحرير فورا.
المحلل الإسرائيلي يوني بن مناحيم أكد في تقرير نشره موقع نيوز ون في 14 يونيو/ حزيران 2021 وجود "توترات في العلاقات بين مصر والسلطة الفلسطينية".
ذكر أن "كبار المسؤولين في السلطة أكدوا أن هناك توترات مع مصر بشأن حوار الفصائل بالقاهرة لتثبيت وقف إطلاق النار وإعمار قطاع غزة وتحقيق مصالحة وطنية بين فتح وحماس".
قال أيضا إن: "مصر غاضبة من محمود عباس لتهربه من دعوة السيسي للحضور شخصيا إلى القاهرة لحضور الحوار".
وبين أن عباس خشي من الوقوع في فخ أثناء محادثاته مع حماس لمطالبتها بانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني كجزء من المصالحة، وأرسل وفدا بقيادة الرجوب بشروط مسبقة لأي اتفاق مع الحركة".
ولفت أيضا إلى أن عباس غاضب أيضا من مصر لدعمها مطلب حمـاس (ضمن صفقة تبادل مع إسرائيل) بالإفراج عن منافسه السياسي اللدود مروان البرغوثي كجزء من صفقة تبادل الأسرى الجديدة مع إسرائيل".
استقبال إسماعيل هنية في القاهرة، يوم 10 يونيو/ حزيران 2021 لـ "فدوى البرغوثي"، زوجة مروان عزز التكهنات بشأن وضع حماس اسمه ضمن الأسرى.
"البرغوثي" منافس قوي لمحمود عباس على رئاسة فلسطين وتدعمه حماس، وكان ينوي الترشح في انتخابات الرئاسة الفلسطينية التي ألغاها عباس مايو/ أيار 2021، كما شارك بقائمة منفصلة لفتح في الانتخابات التشريعية التي ألغيت أيضا.
تزامن هذا مع قول محمود فهمي كريم، أول سفير مصري لدى السلطة الفلسطينية، لصحيفة "الرسالة" التابعة لحماس في 12 يونيو/حزيران 2021 إن السلطة لم تكن راضية أبدا عن دور مصر في قطاع غزة".
وفق المصادر، طالبت القاهرة حماس ضمنا أن تبحث فكرة إسناد قيادة غزة لسلطة رام الله عبر دور مصري، ما أثار تساؤلات حول: هل تخطط القاهرة لاستعادة السيطرة على القطاع عبر السلطة بدعوى المصالحة والتوافق وحكومة وحدة وطنية؟.
تزامن هذا مع تأكيد صحيفة جيروزاليم بوست 10 يونيو/حزيران 2021 سعي مصر لاستعادة السيطرة على قطاع غزة؟.
نقلت الصحيفة الإسرائيلية عن مصادر فلسطينية قولها إن وجود مصر في غزة يستهدف منع المقاومة من إطلاق صواريخ على إسرائيل.
أشارت إلى أن "وجود فرق البناء المصرية في قطاع غزة يعني أن حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية لن تتمكن من استئناف الهجمات الصاروخية على إسرائيل بينما تعمل فرق البناء المصرية في قطاع غزة، وإلا فإن حماس والجهاد ستواجهان مشكلات مع القاهرة".
قالت جيروزاليم بوست إن بعض المحللين السياسيين الفلسطينيين ينظرون إلى زيارة "كامل" إلى قطاع غزة على أنها علامة على وجود نية لدى مصر للقيام بدور رئيس في القطاع خصوصا، والساحة الفلسطينية عموما.
صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" تحدثت في 11 يونيو/ حزيران 2021 أيضا، عن سعي مصر لتعزيز نفوذها الإقليمي، من خلال الدور الذي تلعبه في عملية إعادة إعمار قطاع غزة.
نقلت عن خبراء: "إن مصر يمكن أن تستفيد من حزمة المساعدات الضخمة لتهميش حماس التي "تعتبرها تهديدا" للأمن القومي للبلاد عبر شركاتها العسكرية التي ستدير إعمار غزة.
رغم هذا يرى مركز «جيوبوليتكال فيوتشرز» الأميركي للأبحاث في دراسة حول تراجع قوة مصر الإقليمية: أن موقف القاهرة من حرب غزة "تكتيكي" لا أكثر.
أكدت الدراسة، التي نشرت 10 يونيو/ حزيران 2021، أن "مصر في عهد السيسي تعاني من مشاكل لا تحصى، بينها دين ثقيل، ونظام تعليمي ضعيف، وبطالة عالية".
وبينت أن "الدولة التي تقبع تحت حكم السيسي والغارقة بالديون والبطالة والمشاكل غير قادرة على أن تصبح قوة إقليميا أو أن تواجه تهديدا وجوديا يخص ماءها".