"الحزام والطريق".. لهذا يعد الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان أهم خطوة
سلط مركز أبحاث تركي الضوء على مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان كأهم خطوة في مبادرة الحزام والطريق التي تم إطلاقها في عام 2014 بهدف إحياء طريق الحرير التاريخي.
وذلك بما يشمل تطوير شبكات الطرق والسكك الحديدية في جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا وأوروبا وربط شبكة طرق بحرية تمتد إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، والذي أعلن عنه الرئيس الصيني، شي جين بينغ في وقت سابق.
وقال مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية" (إنسامر): "بدأ تنفيذ الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (CPEC) كمشروع واسع النطاق يغطي أنظمة الطاقة والبنية التحتية والاتصالات".
وهنا، تبرز باكستان كواحدة من الجهات الفاعلة الرئيسة في مبادرة الحزام والطريق، بما أنها أقدم شريك إستراتيجي ودفاعي للصين، فضلا عن أنها تقع على نقطة حيوية في منطقة أوراسيا، وفق ما يقول الباحث التركي عبد الواحد باري.
ومع ميزانية استثمار أولية تقدر بـ 46 مليار دولار، يهدف المشروع في أساسه إلى تطوير وتقوية البنية التحتية الحالية للنقل وقطاع الطاقة في باكستان، تمهيدا لحل مشكلة الطاقة المزمنة وتوفير الموارد اللازمة لتلبية احتياجات الطاقة الحالية والمستقبلية للبلاد.
ويتوقع الشروع في إنشاء مناطق اقتصادية خاصة بعد الانتهاء من مشاريع الطاقة والبنية التحتية، بحسب الكاتب.
وأردف: كما من المخطط ربط مدينة كشغر ذات الأهمية الإستراتيجية في مقاطعة سنجان الصينية، بميناء جوادر في مقاطعة بلوشستان الباكستانية من خلال الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وبالتالي ضمان تحرك المنتجات والخدمات بين الصين وباكستان دون انقطاع.
وصول أسهل
كما وبالنظر إلى قرب جوادر من بحر العرب، يلاحظ أن هذا الطريق سيسهل وصول الصين إلى الشرق الأوسط.
قطاع الطاقة: تشكل استثمارات باكستان في هذا المجال أهم ركائز مشروع الممر الاقتصادي الباكستاني.
إذ تم تخصيص ما مجموعه 33 مليار دولار (حوالي 72 بالمئة) من الاستثمار البالغ 46 مليار دولار للقطاعات المتعلقة بتنمية موارد الطاقة (مثل إنتاج الغاز والكهرباء من الموارد الطبيعية مثل الفحم).
وهو الأمر الذي يدل على أن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني يهدف قبل كل شيء إلى سد النقص في قطاع الطاقة في باكستان.
البنية التحتية للمواصلات: تمثل تطوير شبكات النقل الركيزة الثانية المهمة للمشروع.
إذ يخطط المشروع لاستثمار 11 مليار دولار لتعزيز البنية التحتية للمواصلات في باكستان، بما يشمل شبكات الطرق والسكك الحديدية.
ميناء جوادر: يعد أحد أهم ركائز كل من المشروع ومبادرة الحزام والطريق، خاصة وأنه سيوفر قاعدة صناعية مهمة لباكستان.
إذ سيعمل الميناء كقاعدة تسهل تصدير البضائع الصينية واستيراد النفط والغاز من وإلى الشرق الأوسط وإفريقيا في وقت قصير.
المناطق الاقتصادية الخاصة: من المخطط إنشاؤها في إطار المشروع من خلال تنفيذ سياسات موجهة نحو السوق لتسهيل الأنشطة التجارية وفتح الباب أمام المستثمرين المحليين والدوليين للاستثمار في المنطقة، وذلك من خلال توفير مرافق وتسهيلات مثل الطاقة والبنية التحتية والحوافز الضريبية.
اتصالات الألياف البصرية: من المخطط أيضا في المشروع زيادة الاستثمارات لتطويرها.
وهنا عملت هواوي، إحدى الشركات الصينية متعددة الجنسيات، على تمديد خط من الألياف البصرية بطول 820 كيلومترا (510 ميل) من كشغر إلى إسلام أباد باستثمار بلغ 44 مليون دولار في يناير 2019.
ويهدف المشروع إلى إنشاء "مدن ذكية" وخلق إمكانيات مراقبة وجمع بيانات متقدمة.
مكاسب باكستان
واستدرك الباحث: يمكن تفسير استثمارات الصين في باكستان في إطار مبادرة الحزام والطريق من وجهات نظر الليبرالية والواقعية.
فعند تقييمها من منظور ليبرالي، يمكن اعتبار هذا المشروع خطوة جديدة في تطوير الصين لتعاونها مع باكستان، إحدى الدول المهمة في أنشطتها التجارية.
وأردف: أما عند النظر بمنظور واقعي، فيمكن تقييمها في إطار مساعي الصين لتحقيق مصالحها الاقتصادية والجيوستراتيجية من خلال استغلال الشرخ في العلاقات الباكستانية الأميركية.
وجدير بالقول إنه من المحتمل جدا أن تطور الولايات المتحدة علاقاتها مع باكستان بدوافع مماثلة.
ويشير باري إلى أن مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني يمكن أن يوفر لباكستان مكاسب وفرصا حقيقة، وإن تسبب لها في بعض التحديات.
فعلى الرغم من مرور أقل من 10 سنوات على إنشائه، بدأت باكستان تلمس الانعكاسات الإيجابية للمشروع بالفعل كما جرى إحراز تقدم كبير في البلاد.
وأوضح قائلا: فعند بداية المشروع، كانت الظروف صعبة بالنسبة للصناعيين في باكستان. ولم يكن من الممكن الحفاظ على المستثمرين في البلاد بسبب أعطال الكهرباء، ناهيكم عن جذب الجدد منهم.
لكن ومع الانتهاء من مشاريع توليد الطاقة التي تم تنفيذها كخطوة أولى في نطاق مشروع الممر الاقتصادي، انتهت مشاكل الطاقة ما أدى إلى زيادة جاذبية البلاد للمستثمرين.
وأضاف: المشاريع التي سيتم تنفيذها في نطاق الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني والتي ستضمن التنمية الاقتصادية في بلوشستان بشكل خاص، يتوقع أن تعمل على تقريب المنطقة التي تراجعت تأثرا بالتمردات الانفصالية، من التيار الوطني الرئيس.
وعلى صعيد آخر، ستؤدي الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة مؤخرا حول التعاون في الزراعة في إطار المشروع إلى زيادة الإنتاج الزراعي من خلال نقل البذور والتقنيات الحديثة وفرص الري الجديدة إلى باكستان، وفقا للكاتب.
ويلفت: "بفضل البنية التحتية السيبرانية التي تم بناؤها في الدولة في إطار المشروع، من المخطط وضع أسس صناعات الجيل الرابع مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي".
باختصار، يبرز الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، كمشروع من شأنه أن يساهم في حل مشاكل البنية التحتية وينمي البلاد اجتماعيا واقتصاديا.
التداعيات الجيوستراتيجية
ويستطرد باري منوها: مع أن الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، يبدو للوهلة الأولى كمشروع يركز على طرق المواصلات والبنية التحتية، إلا أنه يملك أهدافا جيوسياسية وجيوستراتيجية مهمة أيضا.
وأوضح: فقد أعلنت الولايات المتحدة أثناء رئاسة باراك أوباما، سياستها التي تضع آسيا والمحيط الهادئ في الأولوية كإجراء مضاد لدمج الصين اقتصادها مع اقتصاد حلفائها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ثم وقعت على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) في وقت لاحق.
وتابع: لكن ومع تولي دونالد ترامب الرئاسة، أعلنت واشنطن أن الشراكة عبر المحيط الهادئ تضر بالمصالح الوطنية للبلاد.
وشجعت سياسات العزل التي انتهجتها إدارة ترامب تجاه الصين، بكين على تسريع جهودها في تصدر السياسة العالمية.
استدرك: من ناحية أخرى، أعربت الهند ـ واحدة من أهم الدول في المنطقة ـ عن عدم ترحيبها بمشروعي الحزام والطريق والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني منذ إنشائها، ولا تزال توجه انتقادات مختلفة تجاه هذه المشاريع.
ومدعية بأن مبادرة الحزام والطريق تملك أهدافا سرية، تقول الحكومة الهندية بأنه يجب إنشاء آلية تضمن الشفافية في تنفيذ هذه المشاريع.
وتتمثل أهم مشكلة ذكرتها الهند في عدم مشاركة حكومات الدول التي يتم تنفيذ المشاريع المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق فيها بقيادة الصين، في عملية صنع القرار وأن بكين لا تلتفت إلى انتقادات هذه الدول ما يعني أن هذه الدول تضطر للمشاركة في المشروع كدولة مطيعة دون إبداء أي اعتراض.
كما تزعم الحكومة الهندية أيضا أن الممر يمر عبر منطقة جامو وكشمير ـ منطقة متنازع عليها تديرها باكستان، لكن الهند تطالب بها كأراضيها ـ، يقول الباحث.
ويردف: يعتقد أن النزاعات الحدودية بين الصين والهند في جبال الهيمالايا في صيف عام 2020 اندلعت بسبب رد فعل بكين على قرار نيودلهي بتغيير وضع جامو وكشمير من جانب واحد.
ولم يكن اعتراض إدارة بكين كافيا لتتراجع الهند. ويرى الكاتب بأن رفض الهند المشاركة في مبادرة الحزام والطريق وموقفها العدائي قد يدفع بالصين إلى اتباع سياسة أكثر عدوانية في منطقة لاداخ الحدودية في الفترة المقبلة.
خاصة وأن التقديرات تشير إلى أن هذا التوتر الذي تصاعد بعد 50 عاما، يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة.
ويختم باري مقاله لافتا إلى تزايد التعاون العسكري بين البلدين بعد اتفاقية الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان.
إذ تكررت التدريبات المشتركة بين البلدين خاصة بعد آخر التطورات في كشمير وتم ربط نظام الاتصالات العسكرية الباكستاني، بما في ذلك نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، بنظام الأقمار الصناعية الصيني.