إعادة انتخاب الأسد.. هكذا ألقت موسكو "طعما جديدا" للمجتمع الدولي
من دون توقعات مسبقة، فاجأت روسيا الجميع بتصريح لنائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، عن احتمالية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في سوريا، وذلك بعد أيام قليلة من انتخابات أجراها النظام وأعلن "فوز بشار الأسد بولاية رابعة بعد حصوله على 95 بالمئة من الأصوات"، وسط رفض شعبي وغربي للنتائج.
وقال بوغدانوف، وهو مبعوث خاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا: "إذا توصلت الأطراف السورية إلى اتفاق وسيتم تثبيت نتائج عملها، فمن الممكن إجراء انتخابات وفقا للدستور الجديد أو الإصلاح الدستوري، وقد يحدث ذلك بشكل مبكر وليس بعد 7 سنوات، حسب مقتضيات الدستور الحالي، لكن هذا الأمر يتطلب توافقا بين السوريين".
وادعى الدبلوماسي الروسي في تصريحاته أن "هناك خططا لعقد اجتماع جديد بصيغة أستانا، في عاصمة كازاخستان مدينة نور سلطان حتى نهاية يونيو/حزيران 2021"، لافتا إلى أن "موسكو ستجري قريبا اتصالات مع تركيا وإيران بهذا الصدد".
تصريحات المسؤول الروسي في 3 يونيو/حزيران 2021، أثارت تساؤلات بخصوص الهدف من وراء طرح الانتخابات المبكرة في سوريا، رغم مرور أسبوع فقط على انتهاء انتخابات للنظام (في 26 مايو/أيار 2021) كان موسكو الداعم الأساسي لإجرائها وتسويق الأسد مجددا للمجتمع الدولي.
ورقة ضغط
قرأ مختصون في الشأن السوري ومحللون في تصريحات المسؤول الروسي البارز بوغدانوف، على أنها محاولة روسية لاستخدام الانتخابات الرئاسية السورية كورقة سياسية للتفاوض عليها أمام المجتمع الدولي.
وتوقعت دراسة نشرها مركز "جسور" للدراسات في 3 يونيو/حزيران 2021 إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في سوريا، بناء على اتفاق بين روسي – أميركي، مرجحة "ألا تتجاوز ولاية الأسد عامين أو ثلاثة، لتعقبها انتخابات رئاسية مبكرة بناء على اتفاق بين روسيا والولايات المتّحدة".
ويقضي الاتفاق وفق مركز "جسور" بـ"تسريع عمل اللجنة الدستورية، وإعلان دستور جديد في فترة تتراوح بين 6 و12 شهرا يتم خلالها تحديد موعد الانتخابات بعد 18 شهرا".
من جهته، أوضح مدير مركز "جسور" للدراسات، محمد سرميني خلال تصريحات صحفية في 3 يونيو/حزيران 2021 قائلا: روسيا حاولت خلال الفترة السابقة للاستحقاق الرئاسي، تسويق الانتخابات السورية، والعمل على تأجيلها مقابل أن تكون هناك انفراجة على مستوى الحصار الاقتصادي.
وأضاف سرميني: "هذا ما حاولت موسكو تسويقه من خلال زيارتها دول الخليج ودول المنطقة وبعض الدول الأوروبية".
وعلى هذا الأساس، يضيف سرميني، أنه "عندما لم تجد موسكو أي تجاوب لدى المجتمع الدولي وتحديدا دول المنطقة سواء بعدم الرغبة بتطبيع العلاقات مع نظام سوريا، أو رفض التجاوب دون موافقة أميركية، وهذا لم يحصل، ذهبت إلى إجراء انتخابات رئاسية ومن بعد ذلك محاولة إعادة إنتاج ورقة النظام لإعادة تسويق هذه الورقة للتفاوض عليها مرة أخرى".
"فركة أذن"
لكن الكاتب والصحفي السوري عبسي عيسى، قال خلال مقال نشرته صحيفة "العربي الجديد" في 6 يونيو/حزيران 2021 إنه "في إعادة حسابات بسيطة، والنظر إلى توقيت هذا التصريح والتطورات، سيجعل قراءة الموقف تحتاج إلى العودة للخلف، لتفسير هذا التغيير".
ورأى عيسى أن "روسيا لم تبدل موقفها، والأسد خيارها الرئيس ولا يمكن القبول بغيره إلا بصفقة كبيرة مع الغرب، لم تتجلَ حتى إرهاصاتها بعد، لكن الروس اختاروا هذا التوقيت لتصريح بوغدانوف، في الوقت الذي ينتشي فيه الأسد "بانتصاره" في الانتخابات بمساعدتهم، ليوصلوا له رسالة.
مفاد هذه الرسالة، وفق عيسى، أن "بقاءك (يا أسد) في الحكم لسبع سنوات، كما تعتقد، أمر مرتبط بموقف منا، وعندما نقبل بالحل سنأتي بك إليه صاغرا، دون أن يكون لديك رفاهية التفكير بخيارات".
وبرأي الكاتب، فإن الروس يريدون أن "يضبطوا إيقاع تصرفات الأسد، قبل أن يشذ منتشيا بفوزه نحو إيران، فلا يزال صراع النفوذ بين الروس والإيرانيين قائما على الأرض السورية، وهو صراع يحمل سعيا من الطرفين نحو السيطرة على مواقع حيوية اقتصادية، كالموانئ وحقول النفط وحتى المنافذ الحدودية.
وتابع: "لا تزال موسكو تعرقل مشاريع طهران الراغبة في الوصول إلى البحر، مثلا، وتحقيق انتشار أكبر في مناطق الساحل السوري، رغم مباركة الأسد لذلك، في فترة من الفترات".
ووصف عيسى تصريحات المسؤول الروسي بأنها "فركة الأذن" للأسد، وتعد استباقية من قبل الروس، وهي خفيفة نوعا ما، وقد يزيدون عيارها في حال أقدم الأسد على ما لا يعجبهم.
وتابع: "صيف 2020، كان الأسد يهم بتسليم ميناء اللاذقية لإيران بصفقة استثمارية كبيرة، منعتها روسيا في اللحظات الأخيرة، وحدّت من الوجود الإيراني في الميناء، لكنها عمدت إلى فرك أذن الأسد بقوة بعد ذلك.
ويرى الكاتب أنه "لا يمكن تصديق حدوث تحوّل كبير في موقف موسكو، تجاه الأزمة السورية، فيما الروس أساسا أحد أركان زيادة كارثيتها، وتصريح بوغدانوف يأتي في سياق حسابات داخلية بين الأسد وداعميه، ليس للسوريين، ولا حتى مسارات الحل، أي علاقة بها".
طعم روسي
أما عضو هيئة القانونيين السوريين الخبير السياسي والقانوني، عبد الناصر حوشان، فقد رأى خلال تصريحات صحفية في 3 يونيو/ حزيران 2021 أن "السبب في المبادرة الآن (الانتخابات المبكرة)، هو الموقف الدولي الحاسم من عدم الاعتراف بانتخابات الأسد".
وأضاف حوشان أن "روسيا انتظرت حتى تقيس مدى جدية المواقف الدولية لتبني عليها هذه المقاربة للالتفاف على الموقف الدولي، واختراقه من خلال هذا الطعم لأنها ترى أن قبول التعامل مع هذا الطرح سيكون اعترافا فعليا بالأسد وانتخاباته".
وأشار المعارض السوري إلى أن "المشروع الروسي بطبيعة الحال، ليس عبثيا أو كردة فعل، بل هو مشروع مدروس وهو ضمن مجموعة الخيارات التكتيكية للمقاربة الروسية لعملية الحل السياسي الذي يتم التفاوض حوله بين المعارضة والنظام".
وحول فرص نجاح المشروع الروسي، قال المحامي إنه "يتوقف على موقف المعارضة من هذا الطرح"، معربا عن اعتقاده بأن المعارضة "في وضع لا يمكنها الرفض لأنها تريد تسجيل أي اختراق لحالة الاستعصاء القائمة في العملية السياسية".
وخلال مايو/أيار 2021، كرر المجتمع الدولي رفضه لانتخابات النظام، وشكّك في نزاهتها حتى قبل حدوثها، معتبرا أنها "غير شرعية ونتائجها محسومة مسبقا" لصالح الأسد، بينما أكد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أن هذه الانتخابات ليست جزءا من العملية السياسية التي دعا إليها قرار مجلس الأمن الدولي 2245.
وعلى الصعيد ذاته، أصدر وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، بيانا قالوا فيه إن "الانتخابات الرئاسية" التي سيجريها النظام "لن تكون حرة ولا نزيهة".
وانتقد وزراء خارجية هذه الدول، خلال بيان مشترك في مايو/أيار 2021، رئيس النظام، مشيرين إلى أنهم يدعمون أصوات جميع السوريين الذين نددوا بالعملية الانتخابية باعتبارها غير شرعية، بما فيهم منظمات المجتمع المدني والمعارضة.