صحيفة إسبانية: حوادث القطارات في مصر "مسألة سياسية" لا فنية

12

طباعة

مشاركة

تسلط ثلاثة حوادث اصطدام قطارات في أقل من 30 يوما، الضوء على أوجه القصور في نظام السكك الحديدية في مصر. 

وقالت صحيفة إلباييس الإسبانية، إن النيابة العامة المصرية اكتفت بالإشارة إلى أن خطأ بشريا هو السبب وراء اصطدام قطارين بمحافظة سوهاج المصرية، جنوب البلاد، في حادث خلف 20 قتيلا ونحو 200 جريح، خلال نهاية آذار/ مارس 2021.

"أخطاء بشرية"

 وفي مرحلة لاحقة، أمرت بالقبض على عدد من موظفي هيئة السكك الحديدية المصرية، وادعت أنه وفقا للتحقيق الأولي، كان إهمال العمال وتعاطيهم للمخدرات من الأسباب الرئيسة للمأساة.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في 14 نيسان/ أبريل، خرج قطار آخر كان يسافر عبر محافظة الشرقية في دلتا النيل عن مساره، مما أدى إلى إصابة 15 شخصا آخرين.

 وعزا مكتب المدعي العام السبب مرة أخرى إلى أخطاء فردية. وبعد أربعة أيام فقط، أدى خروج قطار آخر عن مساره، هذه المرة في محافظة القليوبية، شمال القاهرة، إلى مقتل 23 شخصا وإصابة 139 بجروح.  

أمام هذا الوضع، لجأت الحكومة المصرية مرة أخرى إلى نفس الأسلوب، وأمرت باعتقال 23 عاملا في السكك الحديدية، وأشارت إلى أن إهمالهم كان سبب ما حدث، بحسب بيان أصدرته.

وأفادت الصحيفة بأن حوادث القطارات أصبحت متكررة في مصر، لكن معظمها لا يحظى باهتمام كبير وغالبا ما يتم تجاهل خطورته والتقليل منها. 

لكن هذه المرة، أدى تعاقب ثلاث كوارث في شهر واحد، مع أكثر من 40 حالة وفاة و350 إصابة في المجموع، إلى الكشف بوضوح عن المشكلات الهيكلية التي ابتليت بها شبكة السكك الحديدية في مصر، والتي تسببت في غضب الرأي العام تجاه المسؤولين. 

ونقلت إلباييس عن المحلل السياسي المصري، ماجد مندور، أن "الحوادث مستمرة منذ فترة طويلة وستستمر في الحدوث. عموما، تعتبر المشكلة هيكلية، كما أن البنية التحتية قديمة جدا ولا يوجد استثمار".

ولفتت الصحيفة إلى أن أكثر من مليون مسافر يمر يوميا عبر شبكة السكك الحديدية المصرية، معظمهم من الطبقات الدنيا.  

لذلك، تعد حوادث القطارات المتكررة، ولا سيما أخطرها، قضية حساسة. كما أن السلطات المصرية على علم بذلك. 

في عام 2019، عندما جد حادث مميت في محطة رمسيس بالقاهرة، الرئيسة في البلاد وفي قلب العاصمة، كانت هناك دعوات للاحتجاج من قبل المواطنين، تلتها حملة الاعتقالات المعتادة.

ونوهت الصحيفة بأن أسباب حوادث السكك الحديدية أعمق من الإهمال المزعوم لعمالها. وفي حقيقة الأمر، تعد هذه المشكلة واقعا في مصر منذ سنوات. 

 منذ عام 2017 على الأقل، ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كانت أكثر من 80 من الحوادث عبارة عن اصطدامات في حوالي 1300 معبر للقطارات في البلاد، التي يتم تسييرها عبر نظام يدوي قديم.

في هذا المعنى، أكد وزير النقل اللواء كامل الوزير، للبرلمان في يناير/كانون الثاني 2021 أنه تم تحديث 732 معبر قطار وأن حوالي 400 معبر آخر قيد التنفيذ. 

نظام قديم

وأشارت الصحيفة إلى عنصر إشكالي آخر يتمثل في نظام الإشارات والاتصال القديم، والذي يعمق هامش الخطأ البشري والذي، وفقا لتصريحات الوزير، لا يزال دون تحديث إلى غاية هذا الوقت. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن أسطول القاطرات والعربات قديم أيضا، وهو أمر تريد السلطات عكسه عن طريق استيراد قاطرات أخرى جديدة، وقبل كل شيء، تطوير الصناعة المحلية، وهو رهان لا يزال من غير الواضح كم سيستغرق من الوقت.

في هذا السياق، أدى قرار السلطات باعتبار الالتزام بمواعيد القطارات أولوية، إلى تفاقم الوضع.  

وعلى وجه الخصوص، أمرت بإلغاء تفعيل التحكم الآلي في بعض الأقسام حتى تتحرك القطارات بشكل أسرع.

ضمن هذا المعنى، تعد السكك الحديدية المحطمة في سوهاج والشرقية، على سبيل المثال، نتيجة لهذا القرار الأخير، حيث شهدت تعطيل التحكم الآلي فيها.

في نفس السياق، سلطت الصحيفة الضوء على ظروف العمل السيئة لموظفي السكك الحديدية، ولا سيما ساعات عملهم الطويلة، إلى جانب التدريب المحدود والأجور المنخفضة للعمال.  

وعموما، تعتبر جميع هذه العوامل أحد الأسباب وراء زيادة خطورة شبكة السكك الحديدية في مصر. 

من جانب آخر، أصدرت هيئة المالية الإدارية في سنة 2018 تقريرا أشارت فيه إلى وجود عجز في عدد المشغلين يقدر بنحو 60 بالمئة. 

وأوردت الصحيفة أن مصر تحتاج إلى الكثير من الموارد لعكس اتجاه هذه المعضلة. ولكن قبل كل شيء، يسلط النقاد الضوء على الإرادة السياسية المنعدمة في هذا السياق. 

 ووفقا لما ذكرته وسيلة الإعلام المستقلة، "مدى مصر"، أدى تقشف الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة إلى تقليص الاستثمارات في تطوير البنية التحتية. 

وعلى الرغم من أنه بعد حادثة سوهاج، أكدت السلطات المصرية أنها ستخصص ما يقرب من 12 ألف مليون يورو حتى عام 2024 لتجديد شبكة السكك الحديدية، فإن المخطط يشمل المشروعات المنفذة منذ 2014 ولم يشهد تحويرات مؤخرا.  

وأوضحت الصحيفة أنه على الرغم من ذلك، تخطط الحكومة لاستثمار مليارات اليورو في مشاريع السكك الحديدية الكبيرة، مثل خط سكة حديد أحادي يتصل بالعاصمة الجديدة للبلاد وخطوط قطار فائق السرعة، والتي تعرضت لانتقادات لكونها غير ضرورية ولأنها تقدم خدمة لنسبة قليلة جدا.

وقال المحلل مندور إن "المسألة سياسية بحتة، ولا علاقة لها بنقص الموارد. في الواقع، هناك استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وفي الطرق والجسور، وفي الخط الأحادي، وفي خط السكك الحديدية عالية السرعة الجديد. ولكن، لا يتم استثمار هذه الأموال لخدمة العدد المهول من عامة الشعب".