رحلات مكوكية.. كيف تحولت أبوظبي إلى عاصمة لجواسيس إسرائيل؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"محور إقليمي جديد قيد التأسيس يضم الدول الموقعة على الاتفاق الإبراهيمي وله منافع كثيرة وقد يأتي على حساب محاور إقليمية انتهت صلاحيتها" بهذه الكلمات كشف الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله، مستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، في تغريدة عبر تويتر، عن طبيعة العلاقات المتعاظمة بين الإمارات وإسرائيل.

رحلات مكوكية وزيارات يجريها ضباط جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) إلى الإمارات، سواء المتقاعدين منهم أو الذين على قيد الخدمة، وهو ما رصدته تقارير عديدة.

التقارير رصدت أيضا شراكات أمنية واقتصادية بين هؤلاء الضباط وكبريات الشركات الإماراتية المملوكة لأمراء العائلة الحاكمة من آل نهيان، والخاضعة بشكل أو بآخر للمخابرات الإماراتية.

إمبراطورية طحنون

التقى تومر أفنون، الرئيس التنفيذي لشركة الدفاع والاستخبارات الإسرائيلية "أفنون جروب"، بالعديد من قادة الخليج خلال الفترة الماضية، وكانت الاجتماعات مرتبطة بإطلاق شركة رأس المال المغامر "سينابتك كابيتال" التي يقع مقرها في أبوظبي.

وفي 7 أبريل/ نيسان 2021، كشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أن  "الشركة الإسرائيلية تقع تحت رعاية مباشرة من السلطات الحكومية في البلاد".

وقالت: "تومر أفنون، دفع رئيس الموساد السابق تامير باردو، الذي يرأس حاليا شركة الأمن السيبراني (إكس إم سايبر)، وبوكي كارميلي، الرئيس السابق للهيئة الوطنية للأمن السيبراني، لزيارة الإمارات لتعضيد الشراكات".

وأضافت: "تم بالفعل الاتصال بشركة (سينابتك) من خلال (ترست إنترناشيونال جروب)، تلك الشركة الدفاعية التي تعتبر جزءا من إمبراطورية الأعمال الأمنية التابعة لمستشار الأمن القومي لدولة الإمارات طحنون بن زايد آل نهيان". 

يذكر أن أفنون هو الذي يقود تنسيق عملية وفود ضباط الموساد والمستثمرين الإسرائيليين إلى الإمارات، وفي 20 سبتمبر/ أيلول 2020، عهد إليه بلقاء محمد هلال المهيري، مدير عام غرفة أبوظبي، بهدف تعزيز اُطر التعاون بين الإمارات وإسرائيل.

دور الموساد 

العلاقة بين أبوظبي، وضباط الموساد ليست وليدة سياسة ما بعد التطبيع، وإنما هي ممتدة لسنوات سابقة، ففي 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أعلنت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، خبرا صادما، مفاده "أن شركات أمنية إماراتية تعمل لصالح المخابرات توظف ضباطا إسرائيليين سابقين في جهاز الاستخبارات (الموساد)، للعمل لديها برواتب ضخمة، لملاحقة صحفيين وناشطي حقوق إنسان غربيين".

وكشفت أن "الرواتب التي تعرضها الشركة الإماراتية (دارك ماتر) على ضباط الموساد تصل إلى مليون دولار سنويا"، وأضافت أن هذه "الشركة تعمل لحساب المخابرات الإماراتية وتلاحق معارضين وصحفيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان".

يذكر أن الشركة الإماراتية، التي يعمل بها ضباط الموساد، دشنت في العاصمة أبوظبي، عام 2015، وادعت أن مهمتها الأساسية تقتصر على "الدفاع الإلكتروني"، لكن تقارير إعلامية كشفت، أنها تقدم خدمات القرصنة لصالح الاستخبارات الإماراتية. 

في ذلك التوقيت تحديدا، يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول 2015، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن "جهاز مخابراته (الموساد) يساعده على تطوير علاقات دبلوماسية وسياسية مع دول عربية وإسلامية دون أن يسميها".

وقال في تصريح متلفز: "على الصعيد الدبلوماسي، الموساد يواصل تقديم المساعدة لي بصفتي رئيس الوزراء، في تطوير العلاقات الدبلوماسية والسياسية في كل أنحاء العالم، بما في ذلك مع دول عربية وإسلامية".

عزز نتنياهو تلك الإستراتيجية بتعيين "يوسي كوهين" في منصب رئيس جهاز الموساد، ويبلغ "كوهين" من العمر 60 عاما، والتحق بصفوف الموساد عام 1983 وعمل في إطار الوحدات العملياتية، وكان رئيسا لهيئة عملياتية في الموساد، ويمتلك علاقات واسعة بحكام الدولة في الإمارات. 

وفي أغسطس/ آب 2020، توجه كوهين إلى الإمارات، للقاء ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بغية بلورة تفاصيل اتفاقية السلام التي تم توقيعها بعد ذلك بين إسرائيل والإمارات.

بيئة صالحة

كشف الصحفي الإسرائيلي "يوسي ميلمان" المتخصص في الشؤون الأمنية والاستخباراتية، عبر مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، في 27 أبريل/ نيسان 2015، عن توغل إسرائيلي هائل في الإمارات، من خلال شركات أمن، قال إن "مديريها مسؤولون سابقون في أجهزة الموساد والشاباك وأجهزة استخبارات أخرى في إسرائيل".

وأكد أن بعض دول مجلس التعاون الخليجي باتت مرتعا للعديد من الشركات الإسرائيلية واليهودية التي ذكر أنها "وجدت بيئة صالحة للعمل في تلك المجتمعات رغم أنها عادة ما تُوصف بأنها محافظة".

وخص بالاسم "ماتي كوتشافي" رجل الأعمال الإسرائيلي الأبرز في الإمارات، والذي قال عنه إنه "عقد صفقات تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، بما في ذلك معدات الدفاع التي تستخدم لحماية حقول الغاز والنفط، فضلا عن مراقبة الحدود".

وأضاف أن أحد المدراء الأساسيين في شركة "كوتشافي" هو "عاموس مالكا"، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، لافتا إلى أن بعضا من رجال الأعمال هؤلاء سافروا من إسرائيل إلى الإمارات والعكس بشكل أسبوعي، وأن كل هذه الأعمال تمت بموافقة وزارة الدفاع الإسرائيلية.

وفي 20 أغسطس/ آب 2019، نشر تحقيق مطول، عبر صحيفة "هآرتس"، أكد أن " الإمارات أبرمت صفقة ضخمة مع إسرائيل، بحيث تزودها الأخيرة بقدرات استخباراتية متقدمة، تشمل طائرتي تجسس حديثة".

وأشار التحقيق إلى أن هذه الصفقة بدأت تتبلور برعاية رجل الأعمال الإسرائيلي "ماتي كوتشافي" المقرب من أبوظبي، والذي يقوم بتنسيق ذهاب ضباط الموساد إليها.

سلام الاغتيالات

"أنت تصنع السلام مع أعدائك.. لم تكن الإمارات العربية المتحدة عدونا قط"، هذا التصريح لـ "ديفيد ميدان" الرئيس السابق لقسم "تيفيل" في الموساد الإسرائيلي، في 27 أغسطس/ آب 2020، كشف عن طبيعة العلاقات بين المنظومتين.

مضيفا: "الإمارات لم نخض حروبا معهم أبدا، لم يرسلوا قواتهم إلى إسرائيل، لذا من حيث المبدأ لا توجد عداوة بيننا". وذلك بعكس مصر والأردن وعدد من الدول العربية الأخرى التي دخلت إسرائيل معهم في حروب متعددة. 

وأضاف المسؤول السابق في "الموساد" عن حكام الإمارات "قادة هذه الدولة محترمون وموثوق بهم، عندما يصافحونك ويخبرونك أنهم سيفعلون شيئا ما، يمكنك التأكد من أنهم سيفون بكلمتهم". 

وتابع "من بين كل دول الخليج، كانوا الأكثر جرأة (في التطبيع)، قادتهم موهوبون وذوو خبرة، متقدمون بفارق كبير عن الجميع في المنطقة.. لم يكونوا خائفين، ولقد فهموا بالفعل مزايا إسرائيل". 

وكشف أن العلاقات بين ضباط الموساد والإمارات بدأت قبل وقت طويل، وتحديدا عام 2005، عندما خاطب رئيس الوزراء السابق أرييل شارون، رئيس الموساد (آنذاك) مئير دغان وكلفه بإقامة روابط مع الدول السنية المعتدلة في المنطقة، على حد وصفه، حينها التقى مسؤولون إسرائيليون بنظرائهم الإماراتيين.

ويعتبر جهاز الموساد، الذي تأسس 13 سبتمبر/ أيلول 1949، هو عراب العلاقات حاليا مع قادة العرب ورأس حربة التطبيع، وكان يهدف من تطور هذه العلاقات إلى الدفع باتجاه التعامل مع إسرائيل كدولة طبيعية في المنطقة، وكانت الإمارات من أوائل من ساهموا في موجة التطبيع الكبرى، ودفع الدول إليها تباعا.

هذا الجهاز تحديدا الذي يتوافد ضباطه إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي بشكل دائم، يستند إلى سجل تاريخي حافل من جرائم القتل والاغتيالات، على امتداد العالم، وكم استخدم عصابات من القتلة يعملون كمرتزقة، في تصفية أعداء إسرائيل، والشخصيات التي تشكل خطورة عليها.