عبر بوابة موريتانيا.. كيف تخطط الجزائر لاقتحام أسواق غرب إفريقيا؟
في ظل اضطرابات سياسية مع جارتها الغربية المغرب، وأمنية لدى جاراتها الشرقية ليبيا، اختارت الجزائر أن تكون موريتانيا بوابتها للعبور إلى القارة السمراء، وفتح خط تصدير بحري إلى غرب إفريقيا.
في 20 أبريل/نيسان 2021، رست بميناء العاصمة الموريتانية نواكشوط أول سفينة نقل بحري جزائرية، ضمن أول رحلة لخط النقل البحري المباشر بين البلدين.
الخط البحري، جاء بعد أن دشن البلدان عام 2018، أول معبر بري في اتفاق وقع في نواكشوط نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وصدرت الجزائر من خلال هذا المعبر عدة شحنات تجارية نحو موريتانيا وعدد من الدول الإفريقية المجاورة لها.
تقارب حثيث
حملت السفينة اسم "إمدغاسن" وتمتعت بطاقة شحن تقدر بألف حاوية، حملت على متنها في الرحلة الأولى من نوعها، مواد بناء تم تصنيعها في الجزائر.
وأفادت وزارة التجارة الموريتانية، بأن "هذه الخطوة ستنشط المبادلات التجارية بين موريتانيا والجزائر على المستوى البحري، خاصة مع دخول اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية حيز التنفيذ"، مشيرة إلى أن "الرحلة ستكون دورية كل عشرين يوما".
من جهته، قال القائم بالأعمال في السفارة الجزائرية بنواكشوط، يوسف كيشا، إن "فتح هذا الخط البحري، الذي يعد أول خط مباشر نحو موريتانيا، سيكون بادرة خير بين البلدين ومنهما إلى الدول المجاورة لموريتانيا".
قبلها أجرى قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية الفريق محمد بمبه مكت، زيارة إلى الجزائر في 5 يناير/ كانون الثاني 2021، لبحث التعاون بين البلدين في المجال الأمني والعسكري.
وقتها قال رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، خلال استقبال نظيره الموريتاني، إن هذه الزيارة التي جاءت لاستعراض التعاون العسكري بين البلدين "ستسمح بتطوير العلاقات بين البلدين، خاصة على ضوء تطور الوضع الأمني السائد بالمنطقة".
وأشار إلى أن "تعزيز التعاون العسكري بين جيشي البلدين يعد أكثر من ضرورة لمواجهة التحديات الأمنية المفروضة من خلال استغلال آليات التعاون الأمني المتاحة، لا سيما لجنة الأركان العملياتية المشتركة"، والتي تضم أيضاً النيجر ومالي.
وشدد شنقريحة على الحاجة الماسة في الظرف الحالي لتعزيز تبادل المعلومات وتنسيق الأعمال على جانبي الحدود المشتركة بين الجزائر وموريتانيا ودول الساحل.
وزار الفريق محمد بمبه مكت مركبات للصناعات العسكرية تابعة للجيش الجزائري، وعرضت الجزائر إضافة إلى تكوين الكوادر العسكرية الموريتانية في المدارس والأكاديميات العسكرية المتعددة الأسلحة في الجزائر، إمكانية توريد مركبات وآليات عسكرية وذخيرة وغيرها تصنع في الجزائر لصالح الجيش الموريتاني.
العقيد الركن المتقاعد بالجيش الموريتاني، والخبير العسكري والإستراتيجي، البخاري محمد مؤمل، قال في تصريح سابق لـ"الاستقلال"، إن موريتانيا لها أهمية ودور في محيطها الجغرافي والجيوستراتيجي، ووزنها السياسي نسبي.
مضيفا: "بمعنى أنه يتغير حسب قدراتها الذاتية وحسب التحديات القائمة بالمنطقة، موريتانيا بوابة على إفريقيا بحيث تشكل نقطة وصل بين شمال إفريقيا وجنوبها، بين دول المغرب العربي والدول الإفريقية بجنوب الصحراء، هذا من حيث الجغرافيا".
لكن الأهمية الجيوستراتيجية، تابع مؤمل: فهي متغيرة وتقوم على أمرين أساسيين، أولهما، أزمة الصحراء الغربية، ثانيهما، التهديدات الأمنية خاصة الإرهابية.
بوابة غرب إفريقيا
يأتي الخط في إطار التوجه الجديد الذي تعرفه العلاقات الجزائرية الموريتانية، ولو أنه جاء متأخرا، بحسب الأستاذ بقسم العلوم السياسية في جامعة عنابة بالجزائر، مراد بن قيطة.
ابن قيطة قال: "لطالما نادى الباحثون والأكاديميون بضرورة الانفتاح الإستراتيجي على البلدان الإفريقية، وتحديدا غرب إفريقيا، لما تملكه من قدرات بشرية واقتصادية كبيرة جدا يمكن للجزائر أن تحصل على حصة مهمة ومعتبرة في أسواقها".
وأوضح المتحدث لـ"الاستقلال"، أن موريتانيا بالنسبة للجزائر، هي بوابة تلك المنطقة، والعلاقة معها إستراتيجية، ويمكن لهذا الخط التجاري البحري أن يوفر على الجزائر أعباء مالية كبيرة جدا، ويسمح لها بالانخراط بشكل أكبر في السوق الموريتانية أو الانفتاح على أسواق غرب إفريقيا.
رأى الخبير أن العلاقات الثنائية بين البلدين وصلت إلى مرحلة ممتازة جدا، بالنظر للتطورات المتسارعة التي عرفتها العلاقة منذ سنتين تقريبا، وانفتاح السوق الموريتانية بشكل معتبر على المنتجات الجزائرية.
تبقى الإشكالية بحسب المتحدث، في هل هناك رؤية إستراتيجية وتصور في الجزائر لهذا الواقع، وأكد وجود إرادة حقيقية في تنظيم الانخراط والدور الجزائري في المنطقة عبر موريتانيا.
واستطرد الأستاذ الجامعي واصفا، الرهان على موريتانيا في عودة الجزائر سياسيا واقتصاديا إلى إفريقيا بـ"العقلاني جدا"، مشددا على أنه صائب لاعتبارات كثيرة؛ أولها العلاقات التاريخية الجيدة التي تتسم بالاستقرار مقارنة مع العلاقة بالمغرب وإلى حد ما تونس أو ليبيا.
لفت بن قيطة إلى وجود رصيد جيد يؤسس لحالة من الاستقرار الدائم وترسيخ العلاقة والارتقاء بها لمستويات أخرى في المجال الاقتصادي والعسكري والتقني وحتى الصحي، قائلا: "وهذا ما شاهدناه في المساعدات الصحية والفنية والتقنية، التي قدمتها الجزائر إلى الشقيقة موريتانيا، لمجابهة جائحة كورونا".
يرى المتخصص أن العلاقات بين البلدين تتطلب توسيع مجالات التعاون وتعزيزها، خاصة في المجال الأمني العسكري والصحي والاقتصادي، وكلها مجالات تمكن الجزائر من الولوج إلى غرب إفريقيا.
ستوفر الشراكة وفق المتحدث، "استنزاف أموال هائلة في خطوط النقل البري، المكلفة من الناحية المالية والمحفوفة بالمخاطر على المستوى الأمني للاعتبارات التي تشهدها تلك المنطقة من اضطرابات أمنية، في النيجر وتشاد ومالي، وكذا وجود الحركات المسلحة النشطة في تلك المنطقة التي يمكن أن تهدد أي ممرات تجارية قد تحاول الجزائر تأسيسها مع دول عمق القارة الإفريقية وغربها.
وأوصى الأكاديمي، بأن تضع الجزائر كل ثقلها في العلاقة مع موريتانيا للارتقاء بها إلى مستويات متقدمة، لما تتيحه الأخيرة من فرص للانفتاح على الأسواق، لافتا إلى أن العلاقة ستكون مبنية على مبدأ "رابح-رابح"، إذ ستسخر الجزائر بدورها خبراتها الاقتصادية والصحية والاجتماعية.
دبلوماسية اقتصادية
أما على المستوى الاقتصادي، أوضح البروفيسور فارس مسدور، بأن فتح الخطوط البحرية بين البلدين سيوفر انسيابية في تبادل السلع والخدمات ونقل البشر، لكن الأهم في رأي الخبير الاقتصادي، هو نقل السلع، موضحا أن الخط هو فرصة للمنتجات الجزائرية لاقتحام أسواق عبر بوابة موريتانيا، وأهمها سوق غرب إفريقيا.
لفت المتحدث لـ"الاستقلال"، إلى أن ميناء نواذيبو هو أحد أهم الموانئ التي تنطلق منها السلع لعدد مهم من دول إفريقيا، خاصة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "سيدياو"، التي تريد الجزائر أن تكون جزءا منها.
رأى مسدور أن الانتماء إلى منطقة التبادل الحر الإفريقية هذه، سيسمح بتوسيع دائرة إيصال المنتجات الجزائرية لتلك المناطق، وأيضا الاستفادة من منتجاتها التي تستوردها الجزائر بأسعار غالية مقارنة بأوروبا وأميركا اللاتينية.
بدوره أوصى الخبير الاقتصادي بتكثيف النشاطات التجارية بين الجزائر وموريتانيا، سواء كدول أو كبوابة لباقي الدول الإفريقية.
واعتبر المتحدث أن الاضطرابات الحاصلة في المنطقة، قد تؤثر بشكل أو بآخر، وإن لم يكن بشكل مباشر؛ إذ لم يصل الأمر إلى الاحتكاك الذي يخشى منه (في إشارة إلى المغرب)، إنما قد يكون في هذه النزاعات نوع من التنافس على المنطقة.
ذهب بروفيسور الاقتصاد إلى القول، إن الجزائر وفي حال لم تستخدم دبلوماسيتها الاقتصادية، "ستضيع كما فعلت في السابق فرصا اقتصادية هامة"، مذكرا بأن "الجزائر ساهمت في تحرير إفريقيا وسداد ديونها، غير أنها لم تستفد منها كثيرا".
ورغم أن كثافة السكان ضعيفة في موريتانيا، يقول المتحدث، إلا أن الهدف منها هو الاستفادة من الخطوط التي ترتبط بموريتانيا، قبل أن يزيد: "لذلك علينا أن نأخذ بعين الاعتبار بأن الدبلوماسية الاقتصادية، قد تكون سببا في الاستقرار الأمني في المنطقة. المشاكل الاقتصادية عادة ما تكون سببا في نشوب النزاعات الإقليمية".