منظمة الدعوة الإسلامية في السودان.. لماذا قررت شد الرحال إلى أوغندا؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد قرابة 41 عاما من العمل والعطاء وخدمة المجتمع السوداني، وتحت وقع الضربات المستمرة قررت منظمة الدعوة الإسلامية، الرحيل ومغادرة البلاد إلى أوغندا، بعد عام من حلها وإغلاقها على يد السلطة الجديدة.

ورغم أن المؤسسة الإسلامية وجدت من قبل حكم الرئيس المعزول عمر البشير بسنوات، إلا أن حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ذات التوجه اليساري، اعتبرتها من أذرع النظام السابق وضيقت عليها الخناق وحاربتها بشتى الطرق.

تأسست منظمة الدعوة الإسلامية عام 1980، في العاصمة الخرطوم بوصفها منظمة عالمية إنسانية طوعية غير ربحية ومستقلة، من أهدافها نشر الإسلام، وترسيخ قيم التسامح والتعايش، إلى جانب دعم وإغاثة المحتاجين.

وتقدم المنظمة خدماتها الإنسانية التطوعية عبر مكاتبها المنتشرة في 42 دولة إفريقية، بالإضافة إلى أعمالها الطائلة في السودان، باعتباره المقر الرئيس ومركز الانطلاق للمؤسسة الدعوية الإسلامية الرائدة. 

ويضم مجلس المنظمة "70" عضوا، وهيئة مراقبة من "65" عضوا، وتمثل فيها قطر، والإمارات، والكويت، واليمن، والمغرب، ومصر، وليبيا، ودول أخرى.

أوان الرحيل 

بعد عام من التضييق المستمر أعلنت منظمة الدعوة الإسلامية، في 9 أبريل/ نيسان 2021، أنها وقعت اتفاقا مع الحكومة الأوغندية يقضي بنقل مقرها إلى كمبالا، بعد عام على إغلاقه في الخرطوم.

وقالت المنظمة في بيان لها: "الاتفاق وقعه أمينها العام الشيخ عبد الرحمن آل محمود، مع وزير الخارجية الأوغندي سام كوتيسا، بالعاصمة كامبالا". ووجه الشيخ عبدالرحمن، الشكر لدولة أوغندا على منحها المنظمة مقرا دائما.

وأرجع سبب اختيار الدولة الإفريقية، لاستقرارها الأمني والاقتصادي واعتبرها عوامل تساعد على نجاح عمل المنظمة، كما أكد أن المكتب الرئاسي للمنظمة في أوغندا سيكون فتحا للقارة الإفريقية.

كما انتقد الشيخ آل محمود قرار الحكومة السودانية حل المنظمة ومصادرة ممتلكاتها ووصفه بالقرار غير المنصف. أضاف في بيانه "القرار لم يحترم المنظمة وما قدمته للشعب السوداني من خدمات كبيرة في شتى المجالات".

فيما أعربت وزارة الخارجية الأوغندية عن ترحيبها بتوقيع اتفاقية المقر مع منظمة الدعوة الإسلامية. وأعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية والدولية الأوغندي هنري أوكيلو أوريم أن "اتفاقية المقر تعمل على توسيع عمل المنظمة وتمنحها الحرية في العمل الإنساني". 

وأضاف أن "المنظمة لها تاريخ كبير في أوغندا قدمت مشاريع المساجد والمستشفيات والمدارس وبعض المشاريع الإنتاجية، وأوضح أن المجتمع الأوغندي يثمن الدور الكبير الذي قدمته من أعمال خيرية".

ضربة قاصمة 

في 11 أبريل/ نيسان 2020، عقدت لجنة إزالة التمكين، التابعة للمجلس السيادي السوداني مؤتمرا صحفيا، أعلنت خلاله إلغاء تسجيل "منظمة الدعوة الإسلامية"، وحجز واسترداد جميع أموال وأصول المنظمة، داخل السودان وخارجه لصالح وزارة المالية، في ضربة قاصمة وجهت للمؤسسة الإسلامية. 

وقتها علق اليساري صلاح مناع عضو اللجنة على قرار لجنة "إزالة التمكين" بحل "منظمة الدعوة الإسلامية" في السودان، ومصادرة ممتلكاتها، بالقول: "لن يعود الإسلاميون في السودان للسلطة أبدا.. عشم إبليس في الجنة".

وحسب مراقبين، جاء هذا القرار على خلفية اتهامات نفتها المنظمة، بتسخير جهودها لخدمة وتثبيت نظام الرئيس المعزول عمر البشير.

ما يعضد فكرة أن إغلاق المنظمة جاء في إطار حرب على التوجهات الإسلامية في العمل العام، أنه لم يستهدف المنظمة وحدها، بل جاء ضمن سياق معركة بدأت في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

وقتها أصدرت مفوضية العون الإنساني في السودان التابعة للحكومة، قرارها بإلغاء تسجيل 24 منظمة، من المنظمات الأهلية والشبابية والنقابية، وجمدت أرصدتها وحساباتها داخل البلاد وخارجها، في تضييق متعمد على المنظمات الإسلامية والإغاثية.

قبلها طالب تجمع المهنيين السودانيين (يسار)، أبرز مكونات قوى "إعلان الحرية والتغيير"، التي قادت المظاهرات ضد البشير، بحل الاتحادات والمنظمات والجمعيات الإسلامية، والحجز على حساباتها المصرفية والأصول والممتلكات.

علمانية الدولة 

غياب وهجرة المؤسسات الإسلامية عن أرض السودان، جاء في ظل توجه لم ينقطع عن علمانية الدولة في السودان، منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية التي تقدمت بها "قوى الحرية والتغيير"، بعد الإطاحة بحكم البشير، وعليها تم الإعلان الدستوري واعتماده منتصف أغسطس/ آب 2019 بجوبا عاصمة جنوب السودان.

وفي 10 يناير/ كانون الثاني 2020، أثناء زيارة حمدوك لمدينة "كاودا" إحدى مناطق التمرد في الشمال، استقبله عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة الشعبية شمالا، وعبر عن شكره وتقديره.

الحلو خاطب حمدوك قائلا: "التاريخ وضعك على قمة المسؤولية في هذه المرحلة المفصلية مما يتطلب منك اتخاذ قرارات حاسمة من أجل الحفاظ على وحدة السودان، وذلك بإعلان دولة علمانية ديمقراطية وموحدة على أسس جديدة".

تلك التصريحات المتكررة عن علمانية الدولة، أثارت حالة احتقان في الشارع السوداني، ودفعت عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، للتأكيد أثناء افتتاح مسجد في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2019، على أن "الشعب السوداني لن يجامل فى دينه الإسلامي".

لكن رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عاود التصريح بفصل الدين عن الدولة، خلال مقابلة له مع قناة الحدث يوم 16 أبريل/ نيسان 2021، حيث قال: "موضوع فصل الدين عن الدولة يتعلق بوحدة الدولة".

وأضاف: "هناك دول إسلامية من الجوار لديها تجارب، ووجدنا أن الإسلام دين سمح ووسطي، ويدعو للاعتدال وليس التطرف وينبذ الإكراه، وهذا ما يجب أن ننظر إليه".

وعندما سئل عمن يقرر هذا الأمر، لا سيما أن السودان يمر بفترة انتقالية، صرح بأنه "المسؤول عن وحدة السودان بهذا التوقيت وإدارة الدولة؟ حتما هي الحكومة بمكوناتها المختلفة، وإذا ارتأت أن هذا الأمر يمنع تشتت السودانيين والحرب والأزمات، ومتى ما تشكلت الحكومة المقبلة، ستقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة بهذا الصدد".

حرب الهوية

الداعية تاج الدين عمر، وصفت حدث نقل مقر منظمة الدعوة الإسلامية من الخرطوم "بالمؤسف والمبكي للشعب السوداني المتمسك بهويته الإسلامية الضاربة في جذوره منذ صدر الإسلام". 

عمر قال لـ"الاستقلال": "على مدار سنوات طويلة قدمت منظمة الدعوة الإسلامية وغيرها من المؤسسات الإغاثية الأعمال الجليلة والمشروعات التنموية في البلاد التي شهدت الفقر والاضطرابات، وذلك بمعزل عن النظام الحاكم".

وأضاف: "هنا نخص منظمة الدعوة الإسلامية التي تنتشر أعمالها في عشرات الدول الإفريقية، فكانت بمثابة القوة الناعمة للسودان خارجيا، ولا أعرف كيف فرط النظام الحالي فيها بهذه الطريقة تحت ضغط العلمانيين واليساريين". 

وتابع الداعية السوداني: "هل حل منظمة الدعوة وغلق مقرها في الخرطوم يعبر عن الإرادة الشعبية؟ بالطبع لا، فالسودان يمر بمرحلة انتقالية وحكومة غير منتخبة ومن المفترض أن تقوم بحل مشكلات البلاد الاقتصادية وتقوم بتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات".

وأردف عمر قائلا: "لكن الحقيقة أن الحكومة تعبث بالهوية الإسلامية ومنعت آلاف الخطباء من أداء وظائفهم، وضيقت على الإسلاميين عموما، فهي حقيقة تقوم بسياسة انتقامية تحت دعوى الانتماء للنظام السابق". 

وأضاف: "كان يمكن أن تخضع المؤسسات الإسلامية الدعوية، والجمعيات الاجتماعية إلى إدارة الدولة، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ولكن توجه الحكومة هو الذي غلب بإقصاء وغلق تلك المؤسسات بسبب توجهات لا دينية، إرضاء للغرب والولايات المتحدة وإسرائيل التي يحاول النظام إقامة علاقات واسعة معها".

وختم الداعية الإسلامي حديثه بالقول: "في نهاية الأمر ستكون الكلمة للشعب السوداني، وسيختار من يعبر عنه وعن هويته، ولن ينفك عن عاداته وتقاليده تحت أي ذريعة مهما كانت الإغراءات".