ثغرة الاستثناءات.. كيف ساهمت في تفشي ظاهرة زواج القاصرات بالمغرب؟

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور نحو 17 عاما على تفعيل مدونة الأسرة في المغرب، ما زالت المنظمات الحقوقية، تدعو إلى مراجعة ما تعتبره ثغرات قانونية، في المدونة التي تسمح بتزويج القاصرات.

تحدد مدونة الأسرة، وهي قانون صادق عليه البرلمان سنة 2004، سن الزواج القانوني في المغرب في 18 عاما، لكنها تمنح القاضي حق توقيع استثناءات.

الإحصاءات الرسمية لوزارة العدل كشفت عن قبول أزيد من 25 ألف طلب لتزويج قاصرات من أصل 32 ألفا سنة 2018، كما استجاب القضاء لـ 85 بالمائة من طلبات الإذن بزواج القاصرات، بين عامي 2011 و2018"، فيما تلقى القضاء عام 2019 أكثر من 27 ألف طلب.

سلطة القضاة

القاضي هو الشخص الوحيد الذي يخوله القانون في المغرب أن يقبل أو يرفض طلب تزويج القاصر طبقا للسلطة التقديرية التي يمنحها له الفصل 20 من مدونة الأسرة المغربية، وهذا الفصل يرفضه الحقوقيون، معتبرين أنه شكل من أشكال التحايل على القانون.

وتحدد مدونة الأسرة سن الزواج بـ 18 عاما للمرأة والرجل، لكن المادة 20 منها تمنح لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون السن الأهلية، بقرار يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبيب أو إجراء بحث اجتماعي.

وفي ندوة مشتركة للنيابة العامة ووزارة التربية الوطنية، بمدينة مراكش (جنوب) في 12 أبريل/نيسان 2021، اعتبر رئيس النيابة العامة (النائب العام) في المغرب، الحسن الداكي زواج القاصرات من القضايا الكبرى في المجتمع، "لتأثيرها المباشر على حق الطفل في الحياة والنماء والرفاه والسلامة الجسدية والنفسية وغيرها من الحقوق التي تكفلها المواثيق الدولية ذات الصلة".

وأضاف أن "المغرب بصفته دولة طرفا في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج وغيرها، وتماشيا مع التزاماته الدولية، لاءم قانونه الوطني وحدد سن الأهلية للزواج في 18 سنة كقاعدة عامة".

واستدرك: "غير أنه وضع استثناء على ذلك كغيره من الدول، وسمح بزواج من لم يبلغ السن القانوني، وأخضعه لمجموعة من الشروط، وأهمها أنه جعل الإذن بيد القضاء ومنحه سلطة تقديرية في منح الإذن من عدمه".

وأوضح أن القضاء يصدر "مقررا (تقريرا) معللا يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة للإذن، بعد الاستماع للأبوين والاستعانة بخبرة طبية أو بحث اجتماعي، وذلك توجه من المشرع نحو حماية الطفل ومراعاة مصلحته الفضلى في ذلك".

واستدرك: "رغم أن الزواج المبكر استثناء من الأصل كما تقدم، فإن الإحصائيات والتقارير الرسمية الصادرة في هذا الموضوع تشير إلى أن المحاكم تعج بطلبات الإذن بزواج القاصر، فقد تلقت سنة 2019 ما يعادل 27.623 طلبا للإذن بزواج القاصر، ما يجعل الظاهرة مقلقة مستأثرة باهتمامنا".

ورأى النائب العام أن "القضاة غير مسؤولين عن الأرقام المهولة من الطلبات الرامية إلى تزويج القاصرات، لارتباط ذلك بمجموعة من العوامل السوسيوثقافية والاقتصادية والتنموية وغيرها، إلا أن القضاة بالمقابل مسؤولون عن عدد الأذونات الممنوحة".

وشدد على أن "هذا الرقم يدعونا لعدم إفراغ الاستثناء التشريعي من محتواه، والحرص الدائم على توخي المصلحة الفضلى للطفل، كما أن الوضع يتطلب من كافة المعنيين بحماية الأطفال تكثيف الجهد للحد من الظاهرة".

في 2019، أعلن وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان المغربي، مصطفى الرميد، أن معدلات زواج القاصرات في المغرب انخفضت خلال السنوات الأخيرة، حيث انتقلت نسبة تلك الزيجات من 12 بالمئة من مجموع عقود الزواج المسجلة عام 2011 إلى 9.13 بالمئة لتصل إلى نحو 25 ألفا و500 من مجموع تلك العقود خلال سنة 2018.

تحايل على القانون

نجاة إيخيش، رئيسة مؤسسة "يطو" لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف، قالت: "في المادة 19-20-21، تحاول مدونة الأسرة تنظيم المسألة، لكن بالتنصيص على الاستثناء، المادة 19 تنص على أن الزواج يتم في سن 18 سنة كاملة بالنسبة للذكر والأنثى، لكن للأسف المادتين التاليتين لتلك المادة تنصان على الاستثناء، وهنا مكمن المشكلة".

وزادت الحقوقية لـ"الاستقلال": "أعطي الاستثناء للقاصر لا للطفلة، في حال حدوث حمل خلال الخطوبة أو مشكل آخر، شريطة إجراء بحث اجتماعي معمق أو خبرة طبية، للنظر في إذا ما كانت القاصر قادرة على الزواج وتحمل أعبائه أم لا، بل وإجراء أيضا خبرة نفسية من طبيب نفسي مختص.

وتابعت المتخصصة: "لكن مع الأسف ما يحدث أن أغلب الزيجات تتم بقرار قضائي ولا يتوفر فيها شرط الخبرة، بحيث تعطى شهادة طبية منصوص فيها على أن القاصر راجعت طبيبا ويمكنها الزواج".

وأفادت الحقوقية، أن الأرقام المعلنة غير دقيقة لتعبر عن الظاهرة مؤكدة أن قرى ومناطق جبلية نائية يتم فيها تزويج الطفلات ابتداء من سن 12 سنة في حين مكانها ليس بيت الزوجية بل المدرسة، مشددة على أن "أي زواج قبل سن 18 هو اغتصاب لهن".

لفتت الحقوقية إلى عدد كبير من الأضرار التي يخلفها هذا النوع من الزواج، أهمها أضرار نفسية للطفلة، إذ يتم اغتصابها وهي لا زالت في مرحلة النمو، وأيضا تفشي ظاهرة الأمية وسط المجتمع والنساء بشكل خاص، وبالتالي عدم قدرتهن على الاستقلالية المادية لاتخاذ القرارات الخاصة بمستقبلهن والدفاع عنها.

أفادت نجاة إيخيش، أن 51 بالمائة من المجتمع المغربي -أي النساء- يتم إقصاؤهن من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بتهميشهن وجعلهن عالة. 

قالت المتحدثة، إن الأوساط التي تعرف انتشار الظاهرة هي الفقيرة بالأساس، التي لا تتمكن الأسر فيها بالتكفل بتعليم الفتيات، خاصة وأن التعليم في المغرب يسير بشكل كبير نحو الخصخصة (غير مجاني)، ولفتت الحقوقية إلى أن الأمر يحرم أبناء الأسر والهشة من التعليم، و"يصنع المغرب بذلك جيوشا من الأميين لا يستطيعون المساهمة في التنمية".

"زواج الفاتحة"

من أجل اجتثاث الظاهرة، تقول إيخيش، يجب أن يكون القانون حاسما دون أي استثناءات، فالتنصيص على الأخير يعطي فرصة التأويل، خاصة في مجتمع يتجذر فيه التيار المحافظ، "الذي يعمل قصارى جهده لإقصاء النساء بعيدا عن التنمية والمشاركة الإيجابية في بناء المجتمع"، وهو يحاول تأويل هذه النصوص من أجل مشروعه المجتمعي.

ولقطع الطريق في وجه هذا التيار، تقول الحقوقية، مشددة على ضرورة وضوح النص القانوني حتى لا يفتح بابا للتأويل، مستطردة: "القانون وجد في الأصل للرقي بالمجتمعات وإلى مزيد من المساواة وحقوق الإنسان".

وأفادت رئيس جمعية "يطو"، أن تعديل الفصلين 20 و21 اللذين ينصان على الاستثناءات، هو مطلب الحركة الحقوقية في المغرب منذ عام 2010، عندما اكتشفت أن مناطق في المغرب، تبعد عن المدن والمحاكم، يتم فيها تزويج الطفلات ذوات التسع سنوات بـ"زواج الفاتحة"، أي دون توثيق.

ذهبت الحقوقية إلى القول: "يساء في الكثير من المرات استخدام القانون والالتفاف عليه في قضايا كثيرة، ليس فقط بسبب عدم فهمه، بل بنية مبيتة لاستخدامه لفائدة الهيمنة الذكورية وضد حقوق الطفلات والنساء عموما". 

وعادت إيخيش، لتشدد على ضرورة أن يكون القانون عبارة عن نصوص واضحة، لا مجال فيها للتأويل والاستخدام لصالح فئة ضد أخرى.

حجة باطلة

عبدالخالق الشريف، رئيس أكاديمية الشريف العلمية بجلاكسو وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عرف القاصر شرعا، أنها التي لم تحض ولم تبلغ، بدليل أن كل التكاليف الشرعية هي مكلفة بها منذ الحيض.

وقال الشريف لـ"الاستقلال": للأسف بعض الناس يحتجون بخصوص الزواج بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة وهي بنت 9 سنوات، بغض النظر عن الخلاف بين 9 و16 سنة أو أكثر.

وشدد على أن القضية نفسها لا يجوز الاحتجاج بها، لأن النبي عندما طلب السيدة عائشة من أبي بكر، قال "إنما هي ابنتك يا رسول الله"، وفي رواية أخرى: "إنما هي ابنة أخيك يا رسول الله"، لكن هذه البيئة كان في عرفها زواج الصغيرات.

وتابع: السيدة عائشة كانت مخطوبة في هذا الوقت، لكن لماذا تزوج النبي من عائشة، لأن جبريل جاءه في المنام بمنديل فتحه فوجد فيه اسم عائشة، وبالتالي هذا الزواج أمر خاص من الله، لا يجوز القياس عليه، والاحتجاج به باطل شرعا.
 
وتساءل الشيخ: لو نظرنا في دول العالم، فأكثر من ولاية أميركية تجيز زواج الفتاة من 12 سنة، وفي بعض دول أوروبا وروسيا من سن 15، لكن لماذا تثار المشكلة دائما في بلاد المسلمين؟

وأوضح أن الإسلام يفترض أن يكون الأب راشدا وعاقلا ويرعى مصلحة ابنته، ولو أننا ربينا المجتمع على هذه التقوى لكانت الأمور يسيرة جدا.
 
وزاد: لا أمنع أن تنظم الدولة الأمر، لكن هناك مشكلة تواجهنا، ماذا لو حاضت فتاة ذات 10 سنوات، وبالتالي نحن بين أمرين، أولهما رعاية السن الصغير، الذي لا تصلح فيه الفتاة للزواج ما لم تدرك معنى النضج وجسدها قد يكون ضعيفا، وبين من يكن في هذه السن قادرات على الزواج.

تساءل الشيخ عن الأصلح للفتاة، في حين كانت تتزوج في سن مبكرة قبل سنوات في عصر ساد فيه الوقار، وبين الأصح في زواجهن مبكرا الآن، في عصر الإنترنت والمواقع الإباحية.

وعاد ليستدرك: "لكن لا مانع من تحديد يشتمل على استثناء للفتيات التي لها أحوال خاصة، وعلى أن يكون السن المحدد ليس مبالغا فيه، وها نحن نرى في الجامعات زواج الدم وما يسمي كذبا بالزواج العرفي والزواج السري ومصائب كثيرة".