حرب شوارع وعشرات القتلى.. "دارفور" تنذر بكارثة جديدة
حذر المسؤول الأممي السابق ورئيس المجلس النرويجي للاجئين يان ايجلاند من خطورة تصعيد التوتر واتساع دائرة العنف في دارفور على الاستقرار والسلام في السودان.
يأتي ذلك بعد أن قتل ما لا يقل عن 125 شخصا بوحشية خلال أبريل/نيسان 2021، وفقا للجنة أطباء ولاية غرب دارفور، بعد أن خاض رجال قبائل العرب والمساليت معارك شوارع في مدينة الجنينة السودانية.
وسقطت قذائف صاروخية على مستشفى ومجمع للأمم المتحدة، وفقا لتقرير للمنظمة الأممية، وتم طرد العائلات التي أجبرت بالفعل على الفرار من منازلها بسبب القتال السابق من المعسكرات.
موطن المجازر
وفي هذا السياق يشير ايجلاند في مقال على موقع قناة KCTV5، إلى أنه سبق له أن زار الجنينة (غرب دارفور) قبل 15 عاما بصفته رئيسا لوكالة الأمم المتحدة الإنسانية، حيث كانت دارفور موطنا للمجازر الجماعية في ذلك الوقت، إذ قتل حينها حوالي 300 ألف شخص.
والتقى حينها أما لثلاثة أطفال أخبرته أنه إذا غادرت المخيمات المزدحمة لجمع الحطب، فإنها ستتعرض للاغتصاب أو للضرب من قبل المليشيات.
وأوضح ايجلاند أنه عاد إلى السودان في العام 2020 لأول مرة منذ ما يقرب من 15 عاما، بعد أن تم طرد المنظمة التي يرأسها، المجلس النرويجي للاجئين، في عام 2009 بسبب مساعدتها للعائلات الدارفورية النازحة.
وبعد عزل رئيس النظام السوداني السابق عمر البشير، الذي تصادم المسؤول الأممي معه كثيرا، من منصبه عقب احتجاجات حاشدة في عام 2019، سمح أخيرا لايجلاند باستئناف العمل الإنساني في السودان.
وتتكرر الهجمات مثل ما حدث في الجنينة كل بضعة أشهر في دارفور. ومنذ اندلاع الحرب في المنطقة في عام 2003، حشدت الجماعات المسلحة 1.6 مليون شخص في مخيمات للنازحين، حيث عاش الكثير منهم على مدار العقد ونصف العقد الماضيين.
لكن ما جعل هذا الهجوم يبرز هو غياب قوات حفظ السلام في دارفور، بعد أن أنهت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي عملياتها في نهاية العام 2020 وقررا حزم أمتعتهما للمغادرة.
ويشير المسؤول الأممي إلى أن انسحابهم، على الرغم من العنف المتكرر، يجبرنا على إعادة التفكير في كيفية مساعدة أكثر من 5 ملايين من سكان دارفور المحتاجين و2 مليون منهم الذين لا يزالون نازحين أو يطلبون اللجوء.
ويحذر ايجلاند من أن السودان وصل إلى نقطة انعطاف في تاريخه، حيث يأتي هجوم الجنينة بعد شهور من توقيع اتفاق سلام لم يف بوعوده.
ومع استمرار العنف في دارفور يجد المدنيون أنفسهم للمرة الثالثة محاصرين وسط انعدام الأمن في الجنينة خلال ما يزيد قليلا عن عام. ولا تزال النساء اللائي يجمعن الحطب يقولون إنهن يتعرضن للاغتصاب.
ولإنهاء إحدى الأزمات الإنسانية التي طال أمدها في العالم يؤكد المسؤول أنه يجب على المجتمع الدولي والمسؤولين في الخرطوم إعادة ضبط نهجهم في حماية المدنيين ودعم السلام.
وبعد خروج البعثة المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، تقول الحكومة الانتقالية السودانية إنها تريد أن تفعل ما فشلت في فعله قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة: حماية الضعفاء ومحاسبة الجناة وحل النزاعات.
وللقيام بذلك، تحتاج الخرطوم إلى دعم دولي بما في ذلك المساعدات الإنسانية، لكن يتعين على قادة السودان أن يظهروا أنهم يفهمون دوافع الصراع في دارفور ويريدون إنهاءه، وأن التدخل لمنع هجمات مثل تلك التي وقعت في الجنينة، وتوسع العنف الطائفي في أماكن أخرى أصبح ضرورة ملحة.
وفي هذا السياق أوضح ايجلاند "علمني الوقت الذي قضيته في قيادة الوكالة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ورئاسة المجلس النرويجي للاجئين أن وصول المساعدات دون عوائق إلى المجتمعات التي تمر بأزمة هو شرط أساسي لإحراز تقدم في أي بلد".
وتابع: "إذا تصاعدت المعاناة وسوء المعاملة بعيدا عن الأنظار وخرجت عن السيطرة، فنادرا ما تنتشل الأمة نفسها من دائرة الصراع والقمع".
العمل المشترك
يعد السودان الذي يمر بأزمة اقتصادية حادة ثالث أكبر الدول في العالم طلبا لتمويل المساعدات الإنسانية، ولذلك تحتاج منظمات الإغاثة إلى العمل بسرعة.
ما يبطئ عمل المنظمات الإنسانية والإغاثية هو العقبات البيروقراطية نفسها التي وضعها النظام السوداني السابق مثل قيود السفر والتأخيرات الطويلة للتأشيرة والمتطلبات التنظيمية الأخرى التي جعلت العمل صعبا.
كما يحتاج نظام تنظيم المساعدات إلى إصلاح شامل إذا كانت الحكومة تريد المساعدة في إبقاء جميع مواطنيها على قيد الحياة.
وبعد النشوة الناتجة عن إزاحة الديكتاتور، "غالبا ما يؤدي العمل البطيء لإعادة بناء الحكومة إلى القضاء على التفاؤل، لكن الوضع في السودان كان أفضل مما توقعه الكثيرون، حيث أجرت الحكومة تغييرات مهمة من أجل تحسين حياة الناس".
كما رحب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بعودة منظمات الإغاثة مثل منظمتنا إلى البلاد، بعد أكثر من عقد من الطرد، وفق قوله.
وجرى تمرير إصلاحات قانونية مهمة تمنح المرأة حقوقا جديدة. فقد بدأ السودان إصلاحات اقتصادية حاسمة ولاقى ترحيبا من المجتمع الدولي، "لقد حدث كل هذا تحت ضغط أزمة اقتصادية خانقة ووباء (كورونا) وتوقف الدعم الدولي"، بحسب المسؤول الأممي.
لكن المزيد من المشاكل تلوح في الأفق في السودان، حيث وضعت الصراعات في دولة جنوب السودان وليبيا وإثيوبيا المجاورة، الخرطوم في وجه العاصفة.
ومن المقرر أن تحصل حكومة السودان على إعفاء من الديون من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي نتيجة لسياسات اقتصادية جديرة بالثناء.
وفيما ستعجل مغادرة الحكومة الانتقالية لإقامة انتخابات وتشكيل حكومة جديدة من ذلك، إلا أن أكثر الحكومات التي تتمتع بموارد جيدة ستكافح للتغلب على هذه العاصفة.
ويشير ايجلاند إلى أنه "يجب على المجتمع المدني السوداني والمجتمع الإنساني استخدام مناهج مجربة لحماية المدنيين في دارفور".
كما أن التنسيق بين مجموعات المساعدة المختلفة ووكالات الأمم المتحدة سيجعل أموال دافعي الضرائب أكثر كفاءة، لكن التنسيق وحده ليس كافيا.
ويقول إن تقديم بعض المساعدات للعائلات الفارة من منازلها يوفر إغاثة فورية، لكنه لا يعالج الأسباب الجذرية للعنف.
ولا تحتل برامج مثل حل النزاعات والعدالة الإصلاحية وتسوية النزاعات على الأراضي عناوين الأخبار، لكنها توفر حلولا حقيقية وطويلة الأجل للأزمات مثل أزمة دارفور.
لذلك من الضروري أيضا مساعدة مجتمعات النازحين في دارفور على فهم حقوقهم السياسية أثناء عملية المصالحة.
ورغم أن ذلك لا يضمن السلام، لكنه سيمنح فرصة لتحقيقه. وما لم يتم وضع هذه الحلول موضع التنفيذ من أجل دارفور، فإن الاستقرار على المدى الطويل سيكون بعيدا عن متناول السودان وفق المسؤول الأممي.