بعد 10 سنوات على الحرب.. هل يمكن حل الأزمة السورية سياسيا؟

12

طباعة

مشاركة

رأت وكالة الأناضول التركية أن الحرب في سوريا وصلت بعد أكثر من عشر سنوات، إلى ذروتها وانخفض زخم الصراع، وسط عدم وجود رؤية مستقبلية للبلاد.

لكن عند النظر في النتيجة النهائية، نجد أنفسنا أمام صورة مؤلمة فقد فيها ما لا يقل عن 500 ألف شخص أرواحهم، وأصيب عشرات الآلاف بالإعاقة، وهاجر فيها نصف السكان البالغ عددهم حوالي 22 مليونا داخل البلاد وخارجها.

وأضافت الوكالة في مقال للكاتب جنكيز تومار: "من المعروف أن 25 بالمئة من سكان البلاد رحلوا إلى الخارج، فيما نزح الـ 25 بالمئة الآخرون داخل البلاد. ووصل حجم الخسائر إلى ما لا يقل عن 100 مليار دولار".

وغادر البلاد المعارضة من العرب السنة الذين يشكلون الأغلبية، والتركمان وبعض الأكراد ومختلف الأقليات الدينية والطائفية. وبعبارة أخرى، تخلص النظام السوري بشكل عام من الجماعات المعارضة له ونفذ عمليات تطهير ديموغرافي. 

من ناحية أخرى، فإن نظام الأسد الذي يعمل تحت الانتداب الإيراني والروسي، يسيطر على خط الطريق السريع "M4" الذي يمر بالمدن الرئيسة في البلاد: حلب وحماة وحمص ودمشق ودرعا، وعلى اللاذقية التي تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط وطرطوس وبانياس ​​والذي يمكن الوصول إليها من خلال الطريق السريع "M5" انطلاقا من حلب.

وبينما تسيطر وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي المدعومان من الولايات المتحدة على شرق الفرات، فإن جماعات المعارضة التي تدعمها تركيا تدير الوضع في شمال سوريا، يقول الكاتب موضحا تقسيم البلاد الحالي.

ومن المتوقع أن يتم الاستعانة بكل من جنيف وأستانة والمحادثات الدستورية أثناء محاولات البحث عن حل سياسي. لكن، هل يمكن أن نستخرج حلا سياسيا من هذه الصورة؟ 

أسهل طريقة لمعرفة ذلك سيكون من خلال تحليل مواقف المجموعات والدول التي ذكرناها أعلاه والتي لها تأثير على القضية السورية، بحسب ما يراه الكاتب التركي.

موقف الأطراف الفاعلة

ويعتبر تومار أن موقف روسيا، الدولة الأقوى والأكثر فاعلية في القضية السورية، يقوم على استمرار نظام بشار الأسد الضعيف والحصول على النصيب الأكبر من الأراضي السورية قدر الإمكان بما أن الفرصة سانحة والظروف مواتية. 

ولا تهتم روسيا كثيرا بما سيحدث للشعب السوري والاقتصاد، كما تظهر إيران موقفا مشابها لموسكو. إذ تريد طهران أن يستمر نظام الأسد وأن يمتد نفوذه إلى لبنان عبر العراق وسوريا، وهي لا تمتلك أدنى مخاوف أو اهتمام بشأن وضع الشعب السوري، وفقا للكاتب.

ويستدرك: "أما نظام الأسد الذي فقد نصف سكانه وأرضه، فهو مصمم على الحفاظ على سيطرته في غرب الفرات، وإن كان ذلك على حساب عزه وكرامته، وهو ينوي الاستيلاء على المزيد من الأراضي في كل من الشمال والشرق بدعم من رعاته إن أمكن".

 كما أنه لا يرغب أبدا في عودة المعارضة إلى الأراضي السورية، ولا تعنيه حالة الشعب السوري التي يرثى لها في ظل حكمه. فيما تحاول الولايات المتحدة إقامة دولة حزب العمال الكردستاني في شرق الفرات بحجة محاربة تنظيم الدولة.

 وهي بالتالي، تريد إقامة دولة علمانية لحزب العمال الكردستاني تابعة لها في "وسط البحر الإثني التركي والعربي والفارسي في الشرق الأوسط وتوحيدها مع الإدارة الإقليمية في العراق"، بحسب الكاتب.

وأردف موضحا: "تضمنت خطة الولايات المتحدة الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط ​​من خلال ما يسمى بالكانتونات التي أقامتها في الشمال".

لكن وبعد أن أعاقت تركيا طريقها بعملياتها عبر الحدود، اضطرت إلى إبعاد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي إلى الجنوب، حيث تقع الرقة ودير الزور الذي يسكنه العرب السنة.

ومع أن السكان الأكراد كانوا يشكلون 10 بالمئة فقط من السكان السوريين قبل الحرب، نجد أن حزب العمال الكردستاني المدعوم من الولايات المتحدة قد استولى اليوم على 30 بالمئة من الأراضي السورية. 

وتهدف الولايات المتحدة بهذا إلى تأسيس هيكل علماني حليف لإسرائيل كما تهدف إلى إيقاف تركيا وإيران والدول العربية عندما تحتاج إلى ذلك، يلفت الكاتب.

وينوه قائلا: "من ناحية أخرى، يجري كل من حزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي حساباتهم الخاصة لإنشاء دولة في المنطقة بدعم من الولايات المتحدة، أو إقامة هيكل مستقل على الأقل في حال لم يكن هذا ممكنا".

أما موقف تركيا والتي تعتبر أهم دولة بعد روسيا في الأزمة السورية فهو الأكثر مثالية، لكنها أيضا الأكثر صعوبة في التحقيق، يقول الكاتب.

إذ ترغب تركيا في سقوط نظام الأسد (وعائلته) وإعطاء زمام الحكم والإدارة لمن يفوز في انتخابات حرة تقام بعد عودة المهاجرين إلى بلادهم كما ترغب في وحدة سوريا. 

فيما تتخذ المعارضة موقفا مشابها لتركيا؛ فهي تريد أن يرحل الأسد ويتم إجراء انتخابات ديمقراطية وتشكيل دولة موحدة. 

أما إسرائيل فهي سعيدة جدا من بقاء الأسد الضعيف ومن مشروع إقامة دولة كردية شرقي الفرات، وهي تدعم هذا الهيكل ضد تركيا وإيران والدول العربية تماما مثل الولايات المتحدة. 

الأسئلة المفتاحية

ويستطرد الكاتب قائلا: إذا أردنا الاختصار، نرى أن المفاوضات السياسية والدول التي يمكن أن تكون جزءا من الحل أو أصحاب مصلحة فيها تنقسم إلى ثلاث مجموعات، تماما مثل انقسام سوريا الفعلي إلى ثلاث.

نظام الأسد وروسيا وإيران من جهة، والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وحزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي من جهة ثانية، وتركيا والمعارضة من جهة ثالثة. 

لكن، هل من الممكن أن يكون هناك حل يضم الأسد تقبل به الدول والجماعات من غير تركيا والمعارضة؟

لمعرفة ذلك، يسوق الكاتب مجموعة من الأسئلة يقول فيها: هل سيتمكن ما مجموعه 11 مليون شخص ومعارض نزحوا داخل البلاد أو رحلوا خارجها من العودة في حال بقاء الأسد؟

وزاد: ألن يلاحق النظام السوري هؤلاء الناس؟ هل سيعيد إليهم ممتلكاتهم وأموالهم ـ إن وجدت وبقيت ـ؟ 

أو هل سيكون قادرا على تعويض 100 مليار دولار من الخسائر وإنعاش اقتصاد البلاد؟ وهل ستتمكن روسيا وإيران من تعويض هذه الخسائر الاقتصادية؟ أم هل ستسمح طهران وموسكو للأسد بالرحيل؟

ويضيف: إذا لم نتمكن من الإجابة على هذه الأسئلة بـ "نعم"، فمن الصعب للغاية أن نقول إن الحل بسيناريو يضم الأسد معقول ومحتمل. 

من ناحية أخرى، هل سيوافق كل من حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يهدف إلى إقامة دولة مستقلة، والولايات المتحدة التي ترعاه، على توحد سوريا تحت نظام الأسد، حتى وإن كان ذلك بشكل مستقل؟

وفي حال اعتبرنا أن تركيا والمعارضة يناهضون نظام الأسد بشكل كامل، فهل يمكن أن يظهر حل سياسي من طاولة تجلس عليها هذه المجموعات الثلاث التي تتضارب مصالحها دون أن يغير أحدها موقفها في القضية؟ 

إضافة إلى ذلك، وفي حال كان الأمر حقيقة أن المدن الكبرى في غرب الفرات تحتاج إلى تلك الموجودة في شرق الفرات للحصول على الغذاء والماء والطاقة، وأن على سكان الشرق بيع هذه المنتجات للمدن الكبرى الغرب للحصول على موارد مالية، فهل يمكن أن تكون كل من روسيا والولايات المتحدة قد اتفقتا على تقسيم المنطقة؟ 

وأردف الكاتب: هل من الممكن الوصول إلى حل واحد ومثالي كما ترغب تركيا، يتمثل في إنشاء سوريا موحدة ذات دستور يقوم على أساس المواطنة السورية ولا يعطي أي اعتبار للفوارق الطائفية والعرقية على عكس ما يحدث في نماذج العراق ولبنان؟

ويختم تومار مقاله قائلا: إذا لم نتمكن من الإجابة بـ "نعم" على الأسئلة أعلاه، فذلك يعني أن أفضل سيناريو ممكن لحل الأزمة السورية سيكون في دستور وحكومة على الطريقة العراقية، وذلك ما لم تغير الأطراف المعنية موقفها. ويخلص الكاتب بالقول: "لن تعود المزهرية المكسورة كما كانت أبدا".