"اعتداء على الدستور".. لماذا انتفض رئيس حكومة المغرب في وجه وزرائه؟

12

طباعة

مشاركة

بعد أن أشرفت مدة ولاية الحكومة ورئيسها على الانتهاء في المغرب، تصاعدت وتيرة تجاوز الوزراء لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، الذي أصدر "منشورا رسميا" في 19 مارس/آذار 2021، وجهه إلى وزرائه، يدعوهم فيها إلى "احترام مؤسسة رئاسة الحكومة".

"المنشور" (رسالة يوجهها رئيس الحكومة إلى الوزراء والمؤسسات التي تقع تحت سلطته) جاء بعد أيام من توجيه وزير الخارجية، ناصر بوريطة، رسالة يخبر فيها رئيسه العثماني وباقي الوزراء بتجميد العلاقات مع السفارة الألمانية في الرباط، وبضرورة العودة إليه (وزير الخارجية) قبل مراجعة هذا القرار.

حكومة بلا رئيس

وبعد أيام من خفوت ضجيج إعلان بوريطة "تعليق العلاقات" مع ألمانيا، نشر العثماني مراسلة إلى باقي وزرائه، يدعوهم فيها إلى احترام مؤسسة رئيس الحكومة، عقب تكرار "قيام عدد من الوزراء بتجاوز اختصاصاتهم، والقفز على مكانة رئيس الحكومة".

وأصدر العثماني، المنشور (الذي يكتسي طابع الإلزام بعد نشره في الجريدة الرسمية) تحت رقم 5/2021، ويتعلق بـ"تجويد التنسيق الحكومي، وضبط العلاقة مع المؤسسات والهيئات الدستورية".

وقال العثماني: إن "تنظيم عمل الحكومة وتدبير العلاقات فيما بين قطاعاتها تضبطه المقتضيات الدستورية والقانونية، لا سيما الفصل 89 من الدستور، وفي المادتين 3 و5 من القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها".

وأوضح أن "القانون التنظيمي المذكور ينص على أن الحكومة تمارس، تحت سلطة رئيسها، السلطة التنفيذية، وفق مبادئ المسؤولية والتفويض والتنسيق والتتبع والمواكبة والتقييم والتضامن الحكومي والتكامل، كما أن لرئيس الحكومة أن يصدر توجيهاته إلى السلطات الحكومية والإدارات العمومية التابعة لها، والمؤسسات والمقاولات العمومية (..)".

"المنشور" ورغم حرصه على عدم الإشارة إلى الوزراء الذين تجاوزوا صلاحيات العثماني، إلا أن سياقه يدل على أن رئيس الحكومة "لم يتقبل تجاوزه من قبل وزير الخارجية"، مما دفعه للرد على قراره.

ففي 1 مارس/آذار الجاري، أعلنت وزارة الخارجية المغربية، تعليق التواصل مع سفارة برلين لدى الرباط، والمنظمات الألمانية المتعلقة بها.

الرسالة التي حملت توقيع الوزير بوريطة، ووجهها إلى رئيسه العثماني، وعلل قرار قطع العلاقات "بسوء التفاهم العميق مع ألمانيا، في قضايا أساسية للمغرب".

ولم يتوقف الوزير عند حد إخبار رئيس الحكومة بقراره، بل اشترط كذلك على جميع الوزراء التنفيذ، وعدم التراجع عن القرار الذي اتخذه دون العودة إلى العثماني.

وطالب بوريطة في رسالته إلى كل الوزارات، بإنهاء "أي اتصال مع السفارة الألمانية بالرباط، وباقي المنظمات الألمانية المرتبطة بالسفارة نفسها".

وكشفت مصادر حكومية لـ"الاستقلال"، طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن "الأمر لم يقتصر على وزير الخارجية، بل إن وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، عمم بدوره خطابا على الوزراء، دعاهم فيها إلى تفعيل قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، دون العودة إلى رئيسه (العثماني)".

مضامين رسالة وزير الخارجية وأسلوبها، كما مراسلة وزير الاقتصاد والمالية، ستخرج رئيس الحكومة عن صمته، حيث أكد أن البيانات والخطابات "التي تتضمن توجيهات وتعليمات تهم أكثر من قطاع حكومي تصدر عن رئيس الحكومة، بصفته المسؤول على تنسيق وتوجيه أعمال الحكومة وتتبع أنشطة أعضائها، طبقا للمادة 5 من القانون التنظيمي رقم 065.13".

وشدد على أنه إذا كانت هذه البيانات والخطابات "بمبادرة من سلطة حكومية معينة، فإنها مطالبة بالقيام بالاستشارات الضرورية عند إعداد مشروع المنشور أو الخطاب وإحالته على رئيس الحكومة للبت فيه والتوقيع عليه عند الاقتضاء".

تصرفات وزيرا الخارجية، والاقتصاد والمالية، لم تكونا التجاوزين الوحيدين الذي تعرضت لهما مؤسسة رئيس الحكومة، بل إن أعضاء آخرين في الحكومة اتصلوا بمؤسسات دستورية "دون العودة إلى الرئيس".

ضبط العلاقة

رسالة (منشور) رئيس الحكومة لم تتوقف عند تذكير وزير الخارجية بسلطاته، بل تجاوزته إلى ضبط علاقة الوزراء بباقي المؤسسات الدستورية، فبحسب مصادر حكومية مطلعة، تحدثت لـ"الاستقلال"، فإن "منشور رئيس الحكومة، يأتي في إطار محاولاته مواجهة تجاوزات عدد من الوزراء، الذين أصبحوا يتعاملون مع مؤسسة الرئاسة وكأنها غير موجودة".

وكشفت المصادر، أن رئاسة الحكومة توصلت من "مجلس المنافسة" (مؤسسة دستورية لضبط الأسعار وحرية المنافسة)، و"المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي" (يقدم دراسات ومقترحات للحكومة والبرلمان) بمراسلة تفيد بتوصلهما برسالتين من وزير الطاقة والمعادن والبيئة، عزيز رباح، ووزير آخر لم تسمه، يطلبان رأي المؤسستين (حول عمل قطاعهما)".

وتابعت المصادر أن "رئاسة الحكومة خصصت جزء من المنشور للتطرق لهذا التجاوز أيضا، من خلال حديثها عن ضوابط الاتصال مع المؤسسات الدستورية".

وفي هذا الاتجاه، قال منشور العثماني إنه "ضمانا لحسن التنسيق والتعاون فيما بين الحكومة والمؤسسات الدستورية، فإن القطاعات الحكومية مدعوة للتقيد بوجوب مخاطبة هذه المؤسسات والهيئات عبر رئيس الحكومة".

وقد كررها البلاغ ووظفها مرتين للرد على تجاوزات الوزراء، في نقطتي التواصل مع الوزراء (داخل الحكومة)، أو التواصل مع المؤسسات الدستورية (خارج الحكومة).

وشدد "المنشور" على ضرورة "التحقق من الطابع الإلزامي أو الاختياري للاستشارة المطلوبة، بالاستناد إلى النصوص المنظمة للمؤسسة أو الهيئة المعنية، مع التنسيق في ذلك مع الأمانة العامة للحكومة، بوصفها المستشار القانوني للحكومة".

وفي تعليق على هذة الأزمة، قال أستاذ القانون الدستوري، عبد الحفيظ اليونسي: إن "رئاسة الحكومة تملك مركزا دستوريا وقانونيا واضحا، وبالتالي لابد أن يحترم الوزراء هذا السقف الدستوري، ومنطق سير المؤسسات في البلاد".

وأضاف الأستاذ بجامعة مدينة سطات (وسط)، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "منشور العثماني يجب أن يقرأ على ضوء أن مؤسسة رئيس الحكومة مستقلة تماما عن الحكومة، وذلك لأن الدستور أوضح ان استقالة الحكومة لا تعني نهائيا استقالة رئيس الحكومة، فدستور 2011 أعطى مركزا استثنائيا للرئيس".

واعتبر اليونسي أن "ما جرى (من تجاوزات الوزراء) اعتداء على الدستور، ومؤسسة رئاسة الحكومة، ودليل جديد على تراجع الديموقراطية في المغرب، لأن رئيس الحكومة هو ثاني شخصية في نظامنا السياسي، وتجاوزه يخالف منطوق، وروح الدستور".

وأضاف "للأسف الشديد نعيش اليوم لحظة فاقعة الوضوح في تراجع الديموقراطية، وانحسار مكانة القادمين من الاختيار والإرادة الشعبية، لصالح المعينين".

وخلص اليونسي إلى أن "من يقوم باستهداف مؤسسة رئيس الحكومة فإنه في العمق يصيب المؤسسات الشرعية، ومن ثم يضعف مكانة الدولة لدى عموم الشعب، وبالتالي يجعلنا نتساءل عن المستفيد من كل هذا الهجوم على دعائم الشرعية".

نيران صديقة

بخلاف تصرفات الوزراء غير المنتمين لحزب "العدالة والتنمية" (قائد الائتلاف الحكومي)، فإن المفاجئ أن وزير الطاقة والمعادن والبيئة، رباح، الذي يشغل في الوقت نفسه عضوا في الأمانة العامة (الهيئة التنفيذية العليا) لـ"المصباح"، كان ضمن من تجاوزوا مكانة رئيس الحكومة وصلاحياته. 

وأكدت مصادر حزبية لـ"الاستقلال" أن "رباح، كان أيضا من ضمن الوزراء الذين تجاوزوا رئيسهم في العمل، من خلال اختياره طلب رأي استشاري من مجلس المنافسة دون إخبار رئيس الحكومة، ورئيس الحزب (العثماني)".

وفي تعليقه على هذا "التجاوز"، قال قيادي في "العدالة والتنمية" لـ"الاستقلال": إن "الأمر غير متفهم بتاتا أن ينتقل الخلاف إلى المستوى الحكومي، لكن التاريخ يقول بأن الصراع قديم بينهما في الحزب".

وأوضح المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أنه "يمكن للتأكيد على تاريخية الصراع بين العثماني ورباح، أنه في أحد اللقاءات، قال رئيس الحكومة لوزير النقل: أنت ما تزال جديدا في الحزب".

وتابع المصدر: "رباح يعتبر في الوقت الحالي هو رئيس مؤسسة منتخبي العدالة والتنمية، وهو عضو الأمانة العامة للحزب، ومع ذلك فإنه يعاني من محاولات منعه من تأطير منتخبي الحزب من قبل الأمين العام".

وأفاد بأن "الأمين العام للعدالة والتنمية العثماني، يحاول منذ مدة ليست بالقصيرة ربط مسؤولي الحزب داخل المدن والقرى برئاسة الحكومة، وهي الفئة التي ظلت مجالا مفضلا لرباح". 

وشدد على أن "رباح ظل دوما يعتبر نفسه منافسا للعثماني على رأس الأمانة العامة للحزب، كما أن العثماني يعتبره تهديدا لاستمراره على رأس الحزب".

وختم المصدر حديثة بالقول: "مشاكل رئيس الحكومة مع وزراء حزبه، ليست مع رباح فقط، بل أيضا مع وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقة مع البرلمان، مصطفى الرميد، الذي قدم استقالته من منصبه أواخر فبراير/شباط الماضي، احتجاجا على أمور تسييرية بينهما، قبل أن يتراجع بعد تدخل الملك أياما بعد ذلك".