الملاذ الأخير.. كيف بات السوريون ممنوعين من الوصول إلى السودان؟

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة الغارديان البريطانية، أن آلاف السوريين الفارين من الحرب والتجنيد الإجباري في بلادهم، يواجهون خطر فقدان ملاذهم الأخير في السودان.

وأوضح تقرير للصحيفة، أنه عندما استولت قوات النظام السوري على مسقط رأس محمود الأحمد، أنفق الشاب السوري مدخراته وخاطر بحياته ليتم تهريبه عبر الحدود السورية إلى تركيا.

ومن إسطنبول، كان الأحمد يتمنى أن يأخذ طريقه إلى وجهته الجديدة وهي الخرطوم، إذ افتتح رئيس عمله السابق مصنعا للسجاد وعرض عليه العمل معه.

الجزء الوحيد الذي لم يكن الأحمد قلقا بشأنه، هو الرحلة من تركيا إلى الخرطوم، فحتى نهاية 2020، كان السودان الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن للسوريين السفر إليها بدون تأشيرة، وهي ملاذ فريد لأولئك الذين يبحثون عن حياة جديدة بعيدا عن بلادهم وحربها الأهلية الوحشية.

سيناريو قاتم

أما الآن، مر النزاع للتو على سيناريو قاتم في ذكراه العاشرة، فحتى هذا الملجأ تم انتزاعه، حيث أدى التراجع المفاجئ عن سياسة التأشيرات في ديسمبر/كانون الأول، وقرار الحكومة السودانية بمراجعة جميع الجنسيات التي تم تسليمها على مدى العقدين الماضيين، إلى ترك السوريين عالقين داخل البلاد وخارجها. 

وكان آلاف السوريين قد حصلوا على الجنسية السودانية وبدأ جزء كبير منهم حياة جديدة هناك. 

وتعليقا على هذه التطورات المفاجئة قال الأحمد في مكالمة هاتفية من إدلب شمال سوريا: "لا يمكنك أن تتخيل مدى اليأس وخيبة الأمل التي شعرت بها عندما سمعت بالقرار". 

وكان الأحمد قد حصل للتو على وثائقه من أجل الرحلة عندما تم الإعلان عن السياسة الجديدة في السودان، والتي لم تترك له أي خيار سوى العودة إلى الحياة كلاجئ داخل بلده. 

ويقول الأحمد "عرضت حياتي للخطر على الحدود ودفعت الكثير من المال للمهرب ولتجديد جواز سفري، بالإضافة إلى نفقات المعيشة الباهظة في تركيا، دون أي نتيجة".

وتضخم عدد السكان السوريين في السودان خلال الحرب، مع  الترحيب بهم سواء للتعليم أو العمل إضافة إلى عوامل الجذب للسفر بدون تأشيرة.

 وتشير أحدث أرقام الأمم المتحدة إلى أن الأعداد الرسمية للاجئين السوريين تبلغ حوالي 100 ألف، لكن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أكثر من ضعف هذا العدد.

وانتقل البعض من هؤلاء لبدء حياة جديدة في السودان، وكان البعض الآخر يتطلع إلى الهروب من الخدمة العسكرية الإجبارية في القوات المسلحة المعروفة بالوحشية وارتفاع معدل الضحايا. 

وبعد عقد من الانتفاضة السلمية الأولى ضد النظام السوري والتي تحولت من ثورة الى حرب أهلية، لا يزال القتال مستمرا ونسبة الضحايا عالية.

ومع ذلك، يسمح للمواطنين السوريين بالالتفاف على الخدمة العسكرية بدفع غرامة، بعد عام على الأقل من العيش خارج البلاد.

وكان السودان قد تحول إلى مركز لحفلات الزفاف بين العائلات السورية داخل البلاد وملتقى لأفراد الشتات، كواحد من الأماكن القليلة التي يمكن لجميع الأطراف الوصول إليها بسهولة. 

انتظار التأشيرة

في ذات السياق قالت إحدى النساء السوريات لصحيفة The Observer البريطانية إن حفلها قد تم تأجيله أثناء انتظارها للحصول على التأشيرة، بعد عام من التأخيرات المرتبطة بتفشي وباء كورونا. 

وأضافت من دمشق "الآن علي أن أنتظر مرة أخرى ولا أعرف حتى متى يمكنني السفر.. لم يردوا على طلب التأشيرة الخاص بي حتى الآن، وأخشى أن الأمر قد يستغرق وقتا طويلا حتى يتم إصداره".

وألغت الحكومة السودانية في حملة تستهدف الأجانب 3500 جواز سفر قالت إنه تم الحصول عليها بشكل غير قانوني خلال الثلاثين عاما الماضية. وكان كثير من الذين جردوا من الجنسية السودانية سوريين.

وقال محمد شكري وهو عامل في مطعم يبلغ من العمر 22 عاما في أحد أحياء الخرطوم الثرية، إن طلبه للحصول على الجنسية السودانية معلق منذ ثلاث سنوات. 

وفر شكري من مدينة الرقة السورية وهو يبلغ من العمر 17 عاما فقط، بعد اختفاء والده وإخوته غير الأشقاء. 

وأضاف شكري "أشعر الآن أنني في السجن، الاختلاف الوحيد بين السجن الفعلي والوضع هنا هو أن لدي مساحة أكبر للتجول فيها".

وتابع "لا يمكنني مغادرة السودان إلى أي مكان مع الأوراق السورية، ولا يمكنني العودة إلى الوطن لأنني سأضطر إلى القيام بالخدمة العسكرية والقتال إلى الأبد من أجل النظام". 

ويمنع اللاجئون السوريون من دخول معظم الدول العربية بجوازات سفرهم الخاصة، ويهدف الكثيرون إلى استخدام جواز سفر سوداني للسفر إلى دول الخليج بحثا عن عمل. 

ويفكر الآن البعض في العمل بشكل غير قانوني في مصر، حيث يواجهون خطر الترحيل إلى سوريا إذا تم القبض عليهم.

وكان محمد خالد الذي وصل إلى السودان قبل شهر من دخول قرار التأشيرة حيز التنفيذ، يفكر في محاولة الوصول إلى أوروبا عبر الصحراء الليبية ثم البحر الأبيض المتوسط، لأنه من غير المرجح أن يحصل على إقامة قانونية.

 لكن الأزمة الاقتصادية في السودان، وسط الإغلاق بسبب تفشي الوباء والاضطراب السياسي والتضخم الذي تجاوز 200 بالمئة، عقدت مخططه حيث أصبح من الصعب عليه جمع الأموال للسفر.

وقال الشاب البالغ من العمر 20 عاما: "خطرت في بالي فكرة أن أسلك طريق التهريب إلى أوروبا"، لكنه  مجبر على أن يرسل أموالا من راتبه الشهري الضئيل البالغ 18 ألف جنيه سوداني (34 جنيها إسترلينيا) لدعم والدته وإخوته في سوريا، مما يجعل الأمر "مكلفا للغاية". 

وبالنسبة لأدهم الدهام، وهو لاجئ سوري يبلغ من العمر 29 عاما وخريج كلية الحقوق في السودان، فإن الحظر يعني انفصالا دائما عن أسرته، بما في ذلك والدته المصابة بالسرطان. 

ولا يستطيع الدهام العودة إلى المنزل بسبب خطر التجنيد ولم يعد بإمكانه رؤية والدته حيث أوضح "والدتي لا تستطيع القدوم إلى السودان ولا يمكنني العودة إلى سوريا لرؤيتها".