لتغيير ميزان القوى.. هكذا تسعى الصين وروسيا لمواجهة أميركا في الفضاء

12

طباعة

مشاركة

أكد موقع إيطالي أن توقيع الصين وروسيا لمذكرة تفاهم في 9 مارس/آذار 2021، بشأن بناء محطة دولية مشتركة على سطح القمر أو في مداره، جاء للرد على برنامج "أرتميس" الفضائي للولايات المتحدة، مما يؤكد أن سباق الفضاء الجديد "قد بدأ بالفعل".

وبالنظر إلى ما أثاره هذا الخبر من فضول واهتمام، يرى موقع "معهد الدراسات السياسية الدولية" الإيطالي، أن الفضاء "أصبح يشكل الحدود الجديدة للمواجهة بين القوى العظمى المصطفة على جبهات متعارضة".

وأشار إلى أن "الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أولا، ثم روسيا، مثلا لفترة طويلة رواد العالم في مجال استكشاف الفضاء، بإرسالهم أول رواد فضاء إلى القمر، بالإضافة إلى تعاونهم لاحقا في إنشاء محطة الفضاء الدولية التي تدور حول الأرض منذ عقدين من الزمن". 

مواجهة جديدة

وشرح الموقع أن "الإعلان عن بناء محطة مشتركة روسية صينية، يخلط الأوراق ويعلن بدء مواجهة جديدة، ستكون هذه المرة، بين الأميركيين والصينيين، في مقابل، تراجع موسكو، التي كانت أحد الأطراف الرئيسة التي دشنت سباق الفضاء أوائل الستينيات، أمام صعود بكين وواشنطن في هذا المجال".

وفي العام الماضي، بعد الإرسال الناجح لرواد الفضاء من طرف شركة تقنيات استكشاف الفضاء الأمريكية الخاصة (سبيس إكس)، فقدت موسكو أيضا احتكار إرسال رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.

من جهتها، تخطط الولايات المتحدة للعودة إلى القمر بحلول عام 2024، كما سيشهد البرنامج الفضائي المسمى "أرتميس" صعود امرأة ورجل إلى سطح القمر في أول هبوط للبشر منذ عام 1972. 

من جانبها، لم تتلق الصين، على النقيض من ذلك، أي دعوة إلى محطة الفضاء الدولية، حيث يحظر قانون الولايات المتحدة على وكالة "ناسا" التعاون مع بكين، لذلك" لم يترك لها أي خيار سوى الذهاب بمفردها"، وفق الموقع الإيطالي. 

ورغم أنها لا تعد من بين رواد الفضاء، إلا أن بكين قامت بتعويض ما ضاع من الوقت، ويذكر في هذا الصدد أن مسبار "تشانغ آه-5" الصيني نجح في ديسمبر/كانون الأول 2020، في العودة إلى الأرض محملا بعينات قمرية.

ونوه الموقع بأن "نجاح هذه العملية دل على التقدم التكنولوجي الصيني وشكل بداية حقبة جديدة من المنافسة الفضائية".

وأكد  أن "استكشاف الفضاء له جاذبية خاصة تفوق أي جاذبية أخرى، إذ ينقل اهتمام الأشخاص إلى العلوم وجميع المجالات ذات الصلة، ويقوم بتوجيه الثقافة إلى إمكانات ابتكارية لا غنى عنها لاقتصاد الغد".

ولفت الموقع إلى أن "الأهمية الاقتصادية لمشاريع الاستكشاف والآفاق طويلة المدى التي يمكن أن تفتحها، تعد من أبرز عوامل احتدام السباق الجديد للفضاء، لا سيما وأنه يفترض أن أرباح الاستثمار في استكشاف الفضاء في إطار ما يسمى باقتصاد الفضاء، يمكن أن تنعكس إيجابيا على مجالات متعددة، مثل الصناعة، التكنولوجيا وأيضا الاتصالات والدفاع".

وأضاف أن "هناك جانب آخر يغذي المنافسة على استكشاف الفضاء، يتعلق بالاستغلال الاقتصادي المحتمل للأجرام السماوية، خصوصا وأن دراسة القمر والمريخ وأيضا الكويكبات بالإضافة لعدد لا يحصى من أجرام تعبر مدار الأرض حول الشمس كل عام، أثبتت أهميتها كمصادر محتملة للمعادن النادرة على كوكب الأرض والأساسية لصناعة تكنولوجية متقدمة".

تحالف غير متكافئ

وقال الموقع الإيطالي: إن "الغرب يتساءل منذ فترة عن متانة وعمق التقارب الروسي الصيني، الذي بدأ عام 2014 على إثر الأزمة الأوكرانية وفرض عقوبات دولية ضد موسكو".

وإذ قلل البعض من شأن هذا التقارب بالحديث عن تحالف ''ناعم''، تمليه حالات الطوارئ، مؤكدين أن موسكو لن ترغب في المحافظة على شراكة مع قوة سريعة النمو مثل الصين لفترة طويلة، يتساءل البعض الآخر عما إذا كانت العقوبات هي من دفعت روسيا إلى "أحضان الصين"، وفق الموقع.

وذكر في هذا الإطار، أن المبادلات التجارية بين البلدين زادت على مدار العقد الماضي، بنحو 40 بالمئة، في حين وصلت الاستثمارات الصينية في روسيا إلى 40 مليار دولار، فضلا عن تجاوز حجم التداول السنوي بين البلدين 100 مليار دولار.

وأشار الموقع إلى أن "اقتصادي البلدين باتا أكثر ترابطا (بكين أصبحت أكبر شريك تجاري لموسكو منذ عام 2016) نتيجة تدفق المواد الخام الروسية إلى الصين مقابل التزود بالمنتجات النهائية، كما يستمر هذا التحالف في اكتساب القوة مدعوما بالتقارب العسكري والتفاهم الشخصي بين الرئيسين فلاديمير بوتين وشي جين بينغ".

ولفت إلى أن "الأميركيين هم فقط من وطئت أقدامهم سطح القمر حتى الآن منذ أكثر من نصف قرن، لكنهم اليوم ليسوا الوحيدين الراغبين في المحاولة مرة أخرى".

ويعود ذلك إلى أن هذا السباق أسهم في الستينيات في تحقيق قفزات كبيرة في تكنولوجيا الطيران الفضائي، إلى جانب الابتكارات التي دخلت الاستخدام المدني مثل أجهزة استشعار كاميرا الهواتف المحمولة.

بالإضافة إلى أن النجاحات في هذا المجال، بجانب ما قدمته للبشرية جمعاء، مثلت دعاية هامة لحكومات الدول الأفراد، الولايات المتحدة وروسيا، خاصة من الناحية التكنولوجية.

لذلك، إذا أرادت الولايات المتحدة اليوم العودة لتأكيد هذه الأسبقية، فإن الصين "تريد الذهاب إلى هناك لتحديها"، وفق تعبير الموقع الإيطالي.

فيما أكدت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية أن "المحطة ستكون مفتوحة لا فقط للشركاء الدوليين، وإنما أيضا لجميع البلدان المهتمة بتعزيز تبادل الخبرات والمعلومات حول البحث العلمي من أجل الاستكشاف السلمي للفضاء واستغلاله لصالح البشرية". 

وأوضحت الصحيفة، المقربة من الحزب الشيوعي الصيني، أن "التعاون الفضائي بين بكين وموسكو يضبط وفق شروط للاستفادة المتبادلة والمتساوية دون هيمنة طرف على الآخر"، وذلك في إشارة إلى هيمنة واشنطن على برنامج "أرتميس"، بينما "يلعب الآخرون، بما في ذلك وكالة الفضاء الأوروبية، دورا ثانويا".

وختم الموقع مقاله بالتأكيد على أن "السباق الجديد نحو الفضاء انطلق على غرار ما حدث مع الثورة التكنولوجية، وسيؤثر بشدة على توازن القوى على كوكب الأرض في المستقبل".