تثير قلق واشنطن.. هل يقايض السيسي حقوق الإنسان بصفقة "سوخوي 35"؟

12

طباعة

مشاركة

في أول اتصال بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ونظام عبدالفتاح السيسي بمصر، في 24 فبراير/ شباط 2021، كان ملفتا أن يحذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نظيره المصري سامح شكري، من تدهور حقوق الإنسان، واقتناء صفقة طائرات "سوخوي 35" الروسية معا.

"بلينكن" أعرب، خلال حديثه مع شكري، عن قلقه من حالة حقوق الإنسان في مصر، وأبدى "مخاوفه من شراء طائرات مقاتلة من طراز Su-35 (سوخوي) من روسيا"، بحسب المتحدثة باسم الخارجية الأميركية.

تحذير أميركا لمصر بشأن الصفقة الروسية، سبق أن تكرر على لسان الرئيس السابق دونالد ترامب في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2020، حين شن عليها هجوما نادرا، واتهم جيشها بأخذ معونة أميركا وشراء أسلحة روسية.

قبلها، وحين تسرب نبأ شراء مصر 20 مقاتلة روسية سو-35 في مارس/ آذار 2019، هددت واشنطن بعقوبات بموجب "قانون كاتسا" (CAATSA) الذي أقره الكونغرس 2 أغسطس/آب 2017 لعرقلة شراء أسلحة روسية.

ما يطرح تساؤلات حول أسباب قلق واشنطن من شراء القاهرة "سو-35" بالذات، رغم اقتنائها أجيالا من الطائرات الروسية؟ هل يستخدم السيسي الصفقة لملاعبة ومقايضة إدارة بايدن كي لا تضغط عليه في مجال حقوق الإنسان؟ ولماذا يصر الجيش المصري على الصفقة الروسية؟ وما العقوبات الأميركية المتوقعة؟

قصة الصفقة

بدأ الحديث عن شراء مصر طائرات روسية حديثة بديلة لطائراتها التي تنتمي للجيل الثالث والرابع، حين زارها الرئيس الراحل محمد مرسي في أبريل/ نيسان 2013.

في هذا العام، عرضت روسيا على مصر مقاتلات الـ Mig-35 والـ Su-35 معا كصفقة واحدة، وفق تصريحات نائب وزير الدفاع الروسي ومدير شركة "روس أوبورون إكسبورت" لصادرات السلاح الروسي، بحسب "بوابة الدفاع المصرية".

لاحقا وعقب الانقلاب العسكري وتولي السيسي الحكم، جرى التوقيع على صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليارات دولار، خلال زيارته لروسيا في 13 فبراير/ شباط 2014، وفي زيارته التالية لموسكو 25 أغسطس/آب 2015، دار الحديث عن شراء 12 مقاتلة سوخوي (سو 30 كا)، وهي من (الجيل الرابع).

في يونيو/ حزيران 2016، نشرت مجلة "النصر" العسكرية التابعة لوزارة الدفاع المصرية، تقريرا على صفحتين عن مقاتلة السيادة الجوية الروسية من الجيل الرابع (Su-35S)، فيما بدا كتمهيد لشراء هذه الطائرات.

وفي 18 مارس/آذار 2019، كشفت صحيفتا "انترفاكس" و"كوميرسانت" الروسيتان عن تعاقد مصر على 24 مقاتلة Su-35 بحوالي 2 مليار دولار، وبدء التسليم في الفترة بين عامي 2020 و2021.

تهديدات واشنطن

إعلان صفقة شراء المقاتلة الروسية سو-35، أثار أزمة فورية بين القاهرة وواشنطن، المزود الرئيس لمصر بالسلاح والمعونة منذ اتفاقية كامب ديفيد 1977.

حذر معهد "ستراتفور" القريب من المخابرات الأميركية في 18 مارس/ آذار 2019، أن يؤدي إعلان إتفاق الصفقة لتوتر العلاقات مع واشنطن، التي هددت بفرض عقوبات على الدول المتعاملة مع شركات الأسلحة الروسية.

انعكست الأزمة على زيارة السيسي لواشنطن في 6 أبريل/ نيسان 2019، في صورة تهديدات وتحذيرات وانتقادات له من الخارجية والكونغرس معا.

وخلال الزيارة تلقى السيسي تحذيرات رسمية من شراء المقاتلات الروسية، وأعرب أعضاء بالكونغرس عن قلقهم إزاء الصفقة وحثوا وزير الخارجية أنذاك مايك بومبيو على مطالبة السيسي بإعادة النظر بقرار شراء السوخوي أو يتعرض لعقوبات.

وعلى هامش جلسة لجنة موازنة 2020 بمجلس الشيوخ  في 10 أبريل/ نيسان 2019، أكد بومبيو أن بلاده ستفرض عقوبات على مصر حال شرائها سوخوي سو-35".

وأمام الكونغرس قال بومبيو "أكدنا أن شراء مثل هذه المنظومات سيتسبب في تطبيق عقوبات بموجب كاتسا للتصدي لأعداء أميركا... تلقينا تأكيدات منهم أنهم يفهمون هذا الأمر جيدا، وآمل أن يقرروا عدم المضي في إتمام هذه الصفقات".

وصل الأمر للتهديد في رسالة رسمية من وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين لوزير الدفاع المصري الفريق محمد زكي يطالبانه بالتراجع عن الصفقة ويلوحان بعقوبات حال الإصرار على إتمامها، حسب صحيفة "وول ستريت جورنال" في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

"وول ستريت جورنال" نشرت كواليس الرسالة التي وجهها المسؤولان الأميركيان لوزير الدفاع المصري ونقلت عن مسؤولين في البنتاغون أنه تم تحذير قائد القوات الجوية المصرية الفريق محمد عباس أيضا من عواقب تلك الصفقة.

حقوق الإنسان

في 23 يوليو/ تموز 2020، أكد موقع Top War الروسي للشؤون الدفاعية، ومجلة watch magazine Military أن الدفعة الأولى من مقاتلات Su-35  لمصر أقلعت من مطار مصنع "كومسومولسك أون"، وتوجهت إلى الجانب الأوروبي من روسيا.

وفقا لمصادر عسكرية لموقع "روسيا اليوم" 27 يوليو/ تموز 2020، تسلمت مصر بالفعل 5 طائرات من طراز سوخوي 35 من أصل 24 مقاتلة من المفترض أن تسلمها لها روسيا حتى 2024.

تقول المصادر إن الطائرات أقلعت من روسيا باتجاه مصر، دون أي لوحات أو علامات تدل على هوية الدولة المستقبلة للمقاتلات، باستثناء أرقام على ذيل الطائرة من 9210 حتى 9214، ربما لعدم تحدي أميركا.

قبل ولاية بايدن، كشفت مصادر مصرية خاصة لصحيفة "العربي الجديد" في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2020، سعي مصر لاستعجال تسلم "سوخوي 35" قبل توليه الرئاسة رسميا، وإنهاء إجراءات تسلم الـ 5 مقاتلات وتدريب الطيارين عليها.

قدمت القاهرة مبررات تتعلق بالأمن القومي والمائي إلى الجانب الأميركي لتوضيح مدى حاجتها لتلك النوعية من المقاتلات ضمن ترسانتها العسكرية، خصوصا في ظل رفض واشنطن تزويدها بمقاتلات "إف 35". 

المصالح تحكم

يقول محلل عسكري مصري لـ"الاستقلال" إن القصة ليست احتمالات مقايضة السيسي إدارة بايدن وربط التخلي عن صفقة سوخوي 35 بالتوقف عن استخدام ورقة انتهاكات حقوق الإنسان بمصر.

القصة – بحسب المحلل العسكري الذي فضل عدم ذكر اسمه – هي ربط وزير الخارجية الأميركي نفسه لحقوق الإنسان بالصفقة، خلال اتصاله بنظيره المصري.

قال: بلينكن ربط مخاوفه بشأن حقوق الإنسان بالقلق من الصفقة الروسية معا، وكأن أمريكا تقول لمصر: "لا تشتري هذه الطائرات ونحن نغض الطرف عن حقوق الإنسان في مصر"، بحسب قوله.

ويقول المحلل المصري، وهو ضابط جيش سابق، أن مصر لا يمكنها التخلي عن صفقة الطائرات الروسية لأنها تحتاجها للدفاع عن حقوقها المائية في سد النهضة، وكذا الأوضاع المرتبكة في ليبيا والسودان وسيناء.

ويضيف: في حال إصرار أميركا على فرض عقوبات، ستلوح القاهرة بدورها بمصالح أمريكا في قناة السويس ومصر عموما، والارتماء أكثر في أحضان روسيا.

يؤكد أن "مصر تعطي أولوية لمرور الأسطول الأميركي بقناة السويس دون انتظار، وتسمح بمرور طائرات أميركا في أجوائها وتقديم خدمات لوجستية وكل هذا مرتبط بالمعونة العسكرية، ولو توقفت (المعونة) ستوقف مصر التسهيلات".

وفي حال أصرت مصر على إبرام صفقة المقاتلات الروسية مع موسكو، فإن ذلك قد يجعلها عرضة لفقدان 1.3 مليار دولار قيمة المساعدات العسكرية التي تتلقاها سنويا، بالإضافة إلى خسارة موقعها كحليف للولايات المتحدة، بحسب صحف أميركية.

لذلك يرى اللواء محمد الشهاوي مستشار كلية القادة والأركان عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن "الشراكة الإستراتيجية بين مصر وأميركا، لن تدفع واشنطن إلى فرض أي عقوبات أو قطع أي علاقات بين البلدين".

وأوضح لموقع قناة "الحرة" في 7 أغسطس/ آب 2020 أن اعتراض أميركا على صفقة السوخوي من روسيا "هو مجرد غضب الدولة الأولى في سوق السلاح، بعد أن اتجهت مصر إلى روسيا كمنافس لأميركا في إنتاج وبيع الأسلحة وتكرر مع تركيا".

تتوقع القاهرة ألا يتصاعد رد الفعل الأميركي لفرض عقوبات، فقد سبق أن أحبطت أميركا شراء مصر 30 ألف قنبلة صاروخية من كوريا الشمالية عام 2016، وتأزمت حينئذ العلاقات لكن الأمر لم يصل إلى حد التهديد بفرض عقوبات.

لذلك يتوقع الخبير العسكري المصري اللواء جمال مظلوم ألا يتصاعد الأمر بين مصر والولايات المتحدة، و"يتم الوصول لاتفاق بحظر استخدام مصر للطائرات الروسية في اتجاهات معينة".

ويقول مظلوم لموقع "DW عربية" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، إن مصر لن يكون لديها مانع في ذلك، فهي من بعد اتفاقية كامب ديفيد لا تريد الدخول في نزاع مع إسرائيل ولا مع غيرها وتريد فقط تأمين حدودها.

ووفق دراسة تقع في 40 صفحة قدمها مكتب "محاسبة الإنفاق الحكومي" التابع للكونغرس بشأن طبيعية وكيفية صرف مصر للمعونة، "تساعد المعونة لمصر في تعزيز الأهداف الإستراتيجية الأميركية في المنطقة".

نشر (تقرير واشنطن) Washington report يوم 27 مايو/أيار 2006، وصحيفة (الفجر) المستقلة 29 مايو/ أيار 2006، ملخصا لهذا التقرير أوضح الخدمات التي تقدمها مصر للمصالح الأميركية مقابل المعونة.

وتتلخص هذه المصالح في: سماح مصر للطائرات العسكرية الأميركية باستخدام الأجواء العسكرية المصرية، وإعطاء القاهرة تصاريح مرور على وجه السرعة للبوارج الحربية الأميركية لعبور قناة السويس دون انتظار كغيرها.

بخلاف، خدمات مصرية أخرى لصالح أميركا، في العراق (تدريب الشرطة)، وأفغانستان (إرسال أطباء عسكريين)، ونشر قوات في دارفور السودانية.

لهذا يقول محللون مصريون إن القاهرة تتسلح بمصالح كثيرة تقدمها لأميركا تجبر واشنطن على عدم فرض عقوبات عليها تمس المعونة العسكرية مقابل حقوق الإنسان.

ويتوقعون رفض السيسي مقايضة صفقة الطائرات الروسية بحقوق الإنسان، لأن الطائرات تمس أمن مصر الدولة، وحقوق الإنسان تمس أمن نظامه، إلا أن هذا لن يمنع التوصل لتوافقات وتوازنات تتضمن إطلاق سراح بعض المعتقلين، وتعهد القاهرة بعدم استخدام طائرات سوخوي 35 ضد مصالح أميركا.

موقع "مدى مصر" نقل في 8 فبراير/شباط 2021، عن مسؤولين حاليين وسابقين 2021 تأكيدهم على إعداد الخارجية المصرية، سلسلة خيارات بشأن التعامل مع إدارة بايدن، وأشاروا لاحتفاظ السيسي بورقة المعتقلين لهذا الغرض.

المسؤولون أكدوا أنه ضمن أوراق السيسي التي يسعى لمقايضة ضغوط بايدن بها، ورقة إطلاق معتقلين، وتغيير في السياسة الداخلية لتخفيف الانتقادات الموجهة لحملته ضد المعارضة السياسية والحريات، إضافة إلى تغييرات في السياسة الخارجية – بدأت تظهر بوادرها- فيما يخص ليبيا وإسرائيل وفلسطين وغيرها، وبما يتوافق ولا يتعارض مع مصالح أميركا.

سد النهضة

يحتاج استهداف سد النهضة حال قررت مصر ضربه قبل الملء الثاني في يوليو/ تموز 2021، إلى طائرات طويلة المدى، وصواريخ قادرة على ضرب الأهداف الحصينة.

لذلك يحتاج السد لعملية نوعية تنفذها سوخوي 35 القادرة على الطيران لمسافة 4500 كم، تزيد إلى 5200 كم بعد التزود بالوقود جوا. فالمسافة بين القاعدة الجنوبية (برنيس) في أسوان، وسد النهضة الإثيوبي 1500 كيلومتر، أي أن مدى سوخوي 35، ثلاثة أضعاف المسافة لسد النهضة، تذهب وتعود.

الطائرة الروسية مزودة أيضا بصواريخ آر 77 جو -جو روسي، الذي تسلمت مصر منه بالفعل 75 صاروخا، بحسب موقع "ديفنس أربيك"، وهذا النوع من الصواريخ يعادل الموجود في طائرات إف-15 الأميركية (أمرام)، الذي حرمت أميركا منه مصر، ويدخل خدمة القوات الجوية المصرية لأول مرة في تاريخها.

الطائرة الروسية يمكنها أيضا حمل 8 آلاف كيلوجرام من الذخائر، ومزوّدة برادار شبكي ومحركين وأسلحة ذكية حديثة تتيح لها رصد وتدمير 10 أهداف جوية وأرضية في آن واحد من مسافة كبيرة وبدقة عالية.

كان معهد "ستراتفور" الأميركي القريب من المخابرات اعتبر طول المسافة بين مصر وسد النهضة، وعدم امتلاك مصر (حين صدر التقرير 10 يونيو/ حزيران 2013) لطائرات طويلة الأمد عائقا في ضرب السد، وأشار إلى أن "خيارات مصر العسكرية المحدودة لوقف مشروع السد الإثيوبي"، تقف حائلا دون قيام جيش مصر بضرب السد.

المعهد البحثي المعروف بأنه "ظل جهاز الاستخبارات الأميركي"، رجح حينئذ أن تلجأ مصر لضرب السد قبل تشغيله، تفاديا لإغراق السودان ومصر، بفيضانات كبيرة إذا هاجمته بعد إنشائه وملئه بالمياه.

وتمتلك مصر أيضا طائرة "الرافال" الفرنسية، ومداها 3200 كم، لذلك فهي نظريا قادرة على الوصول للسد الأثيوبي وضربه، لكن "سوخوي 35" تفوقها تطورا وقوة.

وفي 14 فبراير/ شباط 2021، كتب لواء المخابرات حاتم باشات على حسابه بفيسبوك يؤكد: "ذاهبون لمرحلة الحسم بالسلاح في قضية سد النهضة والمواجهة الكبرى أصبحت مسألة وقت".

وأضاف: "إحنا أصلا جبنا (اشترينا) الرافال عشان المهمة دي خصيصا، وأصرينا على الدخول في مفاوضات شاقة ومرهقة استمرت سنين مع الفرنسيين والأميركان للحصول على صواريخ سكالب المضادة للتحصينات جايه خصيصا للهدف ده".