مخرجات "أستانا 15" بشأن إدلب.. ما انعكاساتها على الملف السوري؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب السورية، كان أهم مخرجات الجولة الـ15 من محادثات "أستانا"، التي اختتمت أعمالها بمدينة سوتشي الروسية، في 17 فبراير/ شباط 2021، بتوافق من الأطراف الثلاثة الضامنة للمسار التفاوضي (تركيا، روسيا، إيران).

البيان الختامي لاجتماعات "أستانا 15" شدد على مواصلة جميع الاتفاقات المتعلقة بإدلب، وأكد بالمقابل على أهمية احترام النظام الداخلي ومبادئ العمل الأساسية للجنة الدستورية السورية وإحراز تقدم في عملها حتى تتمكن من صياغة إصلاح دستوري يُطرح للاستفتاء.

وأعربت الدول الضامنة، وفق البيان، عن اقتناعها بأن "الصراع السوري لا يمكن حله عسكريا، وأكدوا من جديد التزامهم بحل النزاع من خلال عملية سياسية قابلة للتطبيق ومستدامة تُيسرها الأمم المتحدة، ويقودها ويملكها السوريون، تماشيا مع قرار مجلس الأمن 2254".

اتفاق الأطراف الضامنة لمسار "أستانا" على تثبيت خفض التصعيد في مدينة إدلب، أثار العديد من التساؤلات حول دلالات هذه الخطوة، وعن مدى انعكاسها على الملف السوري بشكل عام؟

ترحيب المعارضة

المتحدث الرسمي باسم وفد المعارضة المفاوض في أستانا، أيمن العاسمي، اعتبر أن توافق الثلاثي الضامن للمسار على تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، كان أهم مخرجات محادثات "أستانا 15".

العاسمي أكد خلال تصريحات صحفية في 17 فبراير/ شباط 2021 أن حضور وفد المعارضة إلى سوتشي ومشاركته في الجولة يؤكد أن روسيا باتت تنظر إلى وفد المعارضة على أنه وفد أساسي، لا يمكن تجاوزه من خلال الاجتماع بوفد "المعارضة المُصنعة".

وأضاف أن الأطراف الضامنة شددت على تثبيت الهدوء في إدلب، مشيرا إلى أن نتائج ذلك ستظهر خلال الأيام القادمة، مؤكدا أن المعارضة السورية تلقت دعوة للمشاركة في الجولة المقبلة.

وأشار العاسمي إلى تناول الجولة للوضع في منطقة شرق الفرات، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وقال: "المجموعات الانفصالية ما زالت ترسل المفخخات إلى المناطق المحررة، ولا تزال تواصل الانتهاكات من تجنيد أطفال، وتغيير ديموغرافي، إلى اعتقال المعلمين، ووضعنا الروس بكل الانتهاكات التي ترتكبها المجموعات الانفصالية هناك".

من جهته، رأى الباحث بالشأن السوري أحمد السعيد خلال تصريحات صحفية في 17 فبراير/ شباط 2021، أن "الجولة لم تختلف كثيرا عن سابقاتها، من حيث النتائج، باستثناء التوافق على تمديد وقف إطلاق النار الساري في إدلب منذ آذار/مارس 2020".

ولفت السعيد إلى أن "مخرجات الاجتماع كانت متوقعة في ظل التباعد في الرؤى بين الأطراف الضامنة، وفي ظل حالة الاستعصاء السياسي، معتبرا أن "غياب حضور أميركا، وعدم وضوح رؤيتها للملف السوري، جعل أطراف أستانا يتوافقون بالحد الأدنى على تمديد الاتفاقات السابقة، بانتظار أن تتضح رؤية إدارة جو بايدن للملف السوري".

مساحات نفوذ

وبخصوص دلالات تثبيت وقف إطلاق النار، قال المحلل السياسي السوري ياسر النجار لـ"استقلال": "الأوضاع على الأرض في إدلب تفيد بأن التصعيد العسكري لن يكون خلال الأيام المقبلة ضمن المنظور القريب، وهذا بند أساسي جرى بحثه على طاولة اجتماع محور أستانا الخامس عشر في سوتشي".

وأضاف النجار: "من الواضح أن روسيا صعدت سياسيا حول مناطق شمال شرق سوريا، هذا ما تجلى عنه البيان الختامي، وقد يعقب ذلك بعض التصعيد العسكري، هذا ما شهدناه من احتكاكات بين قوات قسد وقوات النظام ومن خلفها روسيا".

ولفت إلى أن "الأشخاص الموجودين على الأرض في إدلب يرون أن روسيا لا عهد لها، ويمكن أن تنقلب في أي لحظة كما جرى في كثير من الاتفاقات السابقة في مناطق متعددة بسوريا، لاسيما وأن بيان الاجتماع الأخير أعاد التذكير حول قضية تنامي سلطة ما يعرف بهيئة تحرير الشام على الأرض كقوة إرهابية تسيطر على الأرض في إدلب".

مضيفا: "بالنتيجة نستطيع أن نقول إن الأوضاع الأمنية والاقتصادية لن تستقر في سوريا إلا في حالة اعتماد جميع الأطراف الإقليمية دعم عملية الانتقال السياسي واعتماد حل سياسي شامل".

وتابع: "وحتى يكون هذا الأمر معتمدا في السياسة الدولية لمنهجية الحل ستبقى الأراضي السورية تشهد تصعيدات عسكرية في أي لحظة، ولن يكون بمقدرة أي طرف حسم الصراع بالشكل العسكري".

وزاد النجار، قائلا: "وقد يؤدي ذلك إلى انفلات أمني تتحمل مسؤوليته جميع الدول المتدخلة في سوريا، خصوصا مع امتلاك بعضها لأعداد كبيرة من القوات، ولن يكون من مصلحة الجميع تحمل أي انفلات أمني بعد فترة طويلة سعوا فيها للوصول إلى هذا الوضع الهادئ نسبيا، مقارنة لما كانت عليه الأوضاع قبل سنوات عدة".

ورأى الخبير السياسي أن "سوريا حاليا موزعة إلى مساحات نفوذ ليس من السهل إعادة رسم خارطة نفوذ جديدة بدون تفاهم شامل، وأن هذا الأمر لن يكون سهلا في ظل غياب الإستراتيجية الأميركية للإدارة الجديدة".

من جهته، قال الباحث والكاتب السوري زهير سالم: "الحقيقة التي يأباها السوريون أن ملفهم قد بات منذ الأيام الأولى لولاية بايدن على طاولة أميركية – إيرانية".

وأضاف خلال مقال نشره "مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية - لندن" في 18 فبراير/ شباط 2021: "كان الوجه الآخر لما اتفق عليه بشأنهم، أن بايدن أمر برفع تنظيم الحوثي عن قوائم الإرهاب".

وتابع: "ادعاء رجال الإدارة أن بايدن لم يصل إلى قرار في القضية السورية نوع من المراوغة، التي لا يجوز أن تنطلي على العقلاء. ربما ليس من مصلحة الأميركي أن يعلن عن قراره تسليم العراق وسوريا ولبنان واليمن للصفوي".

وأشار سالم إلى أنه "إذا كنّا في عصر المراهنة على الأقليات في مشرقنا العربي، فإن إيران بمرتسمها الطائفي تشكل الطائفة الأكثر عددا بنحو 10 في المائة من مجموع المسلمين، والأكثر انتشارا على مستوى المنطقة".

3 مؤشرات

أما الكاتب السوري، عقيل حسين، فرأى أنه "بغض النظر عن المصطلح الذي استخدمته الوفود المشاركة في الجولة الأخيرة من مسار أستانا حول تثبيت خطوط التماس بين النظام والمعارضة، فمن الواضح أن الدول الضامنة للمسار قررت إعلانا شبه رسمي لنهاية العمليات العسكرية في سوريا".

حسين أكد خلال مقال نشره موقع "تلفزيون سوريا" في 18 فبراير/ شباط 2021، أن "البيان النهائي للجولة الخامسة عشرة من مفاوضات هذا المسار لم يقدم تفاصيل مهمة".

مضيفا: "البيان استغرق بالكلام الإنشائي عن الاتفاق على الحفاظ على الهدنة بإدلب، وكذلك أعمال اللجنة الدستورية، إضافة إلى غيرها من الملفات والتفاصيل الثانوية، لكن الأهم هو التوافق على استمرار وقف إطلاق النار شمال غربي سوريا".

نظريا، بحسب الكاتب، فإن هذه الدول لا تستطيع، ولا وفدا النظام والمعارضة بطبيعة الحال، استخدام مصطلح (تثبيت خطوط التماس) في اتفاقية رسمية، فهذا مصطلح له مدلولات سياسية وقانونية تفيد بالموافقة على/ أو التمهيد للتقسيم، الأمر الذي تصر كل الأطراف على رفضه، وعليه كان اللجوء إلى مصطلح تجديد الهدنة والحفاظ عليها.

أما عمليا، فإن كل المؤشرات تؤكد أن ما توافقت عليه روسيا وتركيا، إضافة إلى إيران، هو الحفاظ على الوضع الميداني القائم حاليا، بحيث تحتفظ المعارضة بمناطق سيطرتها في كل من إدلب وريفي حلب واللاذقية، وإعادة وضع الطرق الدولية في الخدمة، مقابل عدم تعرض هذه المناطق لأي هجمات عسكرية أو عمليات قصف من قبل حلفاء النظام وقواته، وفقا للكاتب.

وحصر حسين مخرجات المحادثات الأخيرة بثلاثة مؤشرات، الأول هو "إنجاز الاتفاق خلال وقت قصير جدا في اليوم الأول من جلسات الجولة الخامسة عشرة، كتتويج لمحادثات ومفاوضات سابقة بين الجانبين الروسي والتركي سبقت انعقاد الجولة بوقت غير قصير، بحيث جاء اللقاء ليضع اللمسات الأخيرة على هذا الاتفاق".

المؤشر الثاني كان حديث رئيس وفد المعارضة إلى مؤتمر أستانا قبل بدء الجولة عن هذه النقطة، حين أكد أن جدول الأعمال يتضمن، إضافة إلى مناقشة مفاوضات اللجنة الدستورية، العمل على تجديد الهدنة في إدلب وتثبيت خطوط التماس، وفقا للكاتب.

أما المؤشر الأهم، بحسب الكاتب، فهو إطلاق حكومة الإنقاذ في إدلب مشاريع عمرانية واستثمارات عديدة في الأشهر الأخيرة الماضية، لعل أبرزها تمديد خطوط التيار الكهربائي من تركيا إلى إدلب.

مضيفا: "وهو أمر لم يكن ليحدث لولا وجود تطمينات سياسية من قبل أنقرة، إلى جانب التطمينات الميدانية التي يؤكد عليها الانتشار الكثيف للقوات التركية في المنطقة وإرسالها تعزيزات مستمرة إلى هناك".