دعم بالملايين ووعود زائفة.. لماذا فشلت فرنسا في إنتاج لقاح كورونا؟

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي نجحت فيه شركات أميركية وألمانية وبريطانية وصينية وروسية في التوصل إلى لقاحات لفيروس كورونا، خرجت شركة "سانوفي" الفرنسية لتعلن أنها لن تتمكن من توفير لقاحها قبل نهاية 2021، أو مطلع 2022.

وفي 14 فبراير/شباط 2021، ذكرت صحيفة "جورنال دو ديمانش" الفرنسية أن لقاح شركة "سانوفي" للأدوية، لن يكون جاهزا هذا العام، ونقلت عن الرئيس التنفيذي للشركة بول هدسون، قوله إن "سانوفي سوف تبدأ أيضا في إجراء تجارب على لقاحات الإنفلونزا".

تصريحات هدسون لاقت الكثير من الانتقادات بين الساسة وقادة الأحزاب في فرنسا سواء اليسار أو اليمين المتشدد، وأكد بعضهم أن الشركة حصلت خلال الأعوام الماضية على 150 مليون يورو من عائدات الضرائب دون فائدة.

صفقة المليار

قبل نحو عام من الآن، وفي فبراير/ شباط 2020، أعلنت شركة الأدوية الفرنسية "سانوفي"، أنها تعمل مع هيئة حكومية أميركية لتطوير لقاح مضاد كورونا.

وفي يونيو/ حزيران 2020، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أحد مصانع الشركة التي ذكرت حينها أنها ستستثمر 610 ملايين يورو في الأبحاث المتعلقة بتطوير اللقاحات وإنتاجها في فرنسا.

وفي يوليو/تموز 2020، أعلنت شركة "سانوفي" ومنافستها البريطانية "غلاكسو سميثكلاين" أنهما اتفقتا على صفقة بقيمة مليار يورو مع الحكومة الأميركية لتطوير لقاح محتمل ضد الفيروس.

وذهبت سانوفي إلى القول، إنها بدأت شراكة مع الهيئة الأميركية لبحوث الطب الحيوي المتقدم والتطوير التابعة لوزارة الصحة في الولايات المتحدة.

وقتها، قالت الشركة إنها تنوي إجراء المزيد من الأبحاث على لقاح في مرحلة متقدمة قبل مرحلة التجارب السريرية، وهو لقاح تم تطويره في السابق ضد فيروس التهاب الجهاز التنفسي الحاد (سارس) في السنوات الأولى من الألفية الثالثة.

واعتقدت سانوفي أن اللقاح يمكن أن يحمي من فيروس كورونا الأحدث (السلالات الجديدة)، وذكرت أنه يمكن أن يكون لديها مصل جاهز للتجارب السريرية خلال عام.

وفي سبتمبر/ أيلول 2020، توقع رئيس الشركة الفرنسية للمستحضرات الطبية  أوليفييه بوجيو أن تبلغ تكلفة جرعة اللقاح المحتمل أقل من 10 يورو، وأضاف: "يحتاج ملايين الأشخاص، إن لم يكن المليارات، إلى الحصول على اللقاح".

تجارب مخيبة

وإلى حدود أكتوبر/تشرين الأول 2020، ظلت "سانوفي" تعد بتخصيص 200 مليون جرعة من اللقاح الذي تطوره لبرنامج "كوفاكس" الدولي الذي باشرته منظمة الصحة العالمية بهدف المساهمة في ضمان توزيع عادل للقاحات ضد كوفيد-19.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، وفي الوقت الذي أعلنت فيه عدد من الشركات أنها بدأت بتصنيع اللقاح، ادعت الشركة الفرنسية أن تنفيذ البرنامج "يتأخر من أجل تحسين الاستجابة المناعية لدى كبار السن"، وتوقعت توفير لقاح في الربع الأخير من 2020.

وفي 27 يناير/كانون الثاني 2021، أكد أوليفييه بوغيو مدير الفرع الفرنسي لسانوفي لإذاعة "آر تي إل"، أن المختبر الفرنسي سينتج لقاحا منافسا لفايزر- بيونتيك اعتبارا من الفصل الثاني من 2021 في "سابقة" بقطاع إنتاج الدواء.

وأعلنت سانوفي أنها ستمنح المجموعة الأميركية "فايزر" والمختبر الألماني "بيونتيك" إمكانية الوصول إلى قاعدته الإنتاجية اعتبارا من صيف 2021، بدعوى أن منتجي اللقاحات المرخص لها ضد كوفيد-19، "تواجه صعوبات في الإنتاج على نطاق واسع".

مضيفة أن "سانوفي ستتولى في ظل هذه الظروف، المراحل الأخيرة من الإنتاج من أجل توفير 125 مليون جرعة لقاح كوفيد-19 للاتحاد الأوروبي"، وفق بيان للشركة.

واعتبر بوغيو، أن الإنتاج لشركة منافسة "سابقة"، مضيفا أن "الرهان ليس اقتصاديا على الإطلاق بل هو القدرة على توزيع (اللقاحات) في أسرع وقت ممكن"، ودافع بوغيو عن خيارات مختبره الذي تعرض لانتقادات عديدة لتأخره في تطوير لقاحه الخاص.

وأوضح بشأن اللقاح الذي تعمل عليه شركته إلى جانب "جي إس كا" البريطانية أن "موديرنا وبايونتيك قامتا بذلك الخيار (تقنية الحمض النووي المرسل)، لأنها التقنية الوحيدة التي يملكانها، قائلا: "كان أمامنا عدة خيارات، واخترنا ما نجيده"، في إشارة إلى تقنية البروتينات المولّفة.

لكن هذا اللقاح الذي أعلن أساسا أن إنتاجه سيطلق صيف 2021، واجه انتكاسة بعد تجارب سريرية مخيبة للآمال، وأكد بوغيو "سيصل اللقاح بحلول نهاية العام، ننتظر أن يكون فعالا جدا"، وأضاف "سنقوم باستكشاف فاعلية هذا اللقاح على طفرات الفيروس".

أسباب الفشل

تصاعدت الانتقادات في فرنسا وتزايدت التساؤلات حول تأخرها في توفير اللقاحات وأسباب ذلك، فيما أشارت بعض التقارير إلى أن فرنسا تواجه أزمة حقيقية في ملف اللقاحات تتمثل بالتأخر في التصنيع ونقص الجرعات.

وتعد فرنسا رائدة عالميا في المجال الطبي، ومسقط رأس رائد علم الأحياء الدقيقة لويس باستور الذي يُعرف بدوره المميز في بحث أسباب الأمراض وسبل الوقاية منها، وساهمت اكتشافاته الطبية بتخفيض معدل وفيات حمى النفاس وإعداد لقاحات مضادة لداء الكلب والجمرة الخبيثة، كما دعمت تجاربه نظرية جرثومية المرض.

كما أن شركة سانوفي هي خامس أكبر شركة أدوية في العالم من حيث مبيعات الأدوية، وقد أثارت قضية الفشل في تصنيع اللقاح في فرنسا شعورا بالإحباط لدى الشركاء الذين راهنوا عليها.

وأثار إعلان معهد باستور الفرنسي بأنه سيتخلى عن تصنيع لقاح مضاد لفيروس كورونا غضبا واسعا في فرنسا التي اعتبرت نتائج الدراسات والاختبارات مخيبة للآمال.

وأكد باحثون في المعهد أن التجارب السريرية على اللقاح أظهرت نتائج غير كافية لمكافحة الفيروس وأقل مما كان متوقعا وجاء هذا الإعلان بمثابة ضربة أخرى لباريس، وبسبب النتائج المخيبة للآمال أعلنت شركة سانوفي العملاقة أن لقاحها لن يكون جاهزا حتى نهاية عام 2021.

وأرجع عدد من الخبراء سبب هذا الفشل الى قلة استثمار فرنسا في مجال البحث العلمي، خاصة فيما يتعلق باللقاحات، مقارنة بالحكومة الأميركية التي استثمرت أكثر في أبحاث اللقاحات في العقود الماضية.

وعبّر باحثون فرنسيون عن الأسف لأنه من الأسهل والأسرع جمع الأموال من مستثمري القطاع الخاص في الولايات المتحدة عنه في فرنسا، حيث خلصت دراسة أجريت عام 2019 الى أن شركات التكنولوجيا الحيوية في أوروبا تلقت تمويلا خاصا أقل بخمس مرات من نظيراتها الأميركية التي تعتمد بشكل كبير على الاستثمار من صناديق رأس المال.

من جهتها، أكدت أنييس بانييه رانشر، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلفة بالصناعة، أن التحدي الذي تواجهه الوزارة هو إنتاج المزيد من اللقاحات وبشكل أسرع بكثير للرد على الطلبات الكثيرة، معلنة عن إعادة إطلاق الدعوة للمشاركة في برنامج بقيمة 300 مليون يورو يهدف إلى صنع لقاحات في فرنسا.

"خطأ في الجرعات"

صحيفة "فايننشال تايمز" قالت إن "خطأ في الجرعات"، هو السبب الذي دفع "سانوفي" للتأخر عن الركب، وأنه يتعين عليها وشركة غلاكسو في المملكة المتحدة، إعادة تجربة المرحلة المبكرة من اللقاح الذي يطورانه بشكل مشترك.

وأفاد الباحث في مجال الوصول إلى الأدوية في منظمة "بابليك سيتيزن"، زين ريزفي، للصحيفة بأن "الندرة الهائلة" للقاحات في العالم الآن سببها فقدان شركات الأدوية الكبيرة هذه.

وفي عام 2020، سيطرت شركة غلاكسو وسانوفي وميرك وفايزر على السوق من خلال اللقاحات الأكثر مبيعا للإنفلونزا والالتهاب الرئوي وفيروس الورم الحليمي البشري والقوباء المنطقية، لكن لم ينجح من بين الأربعة الكبار في تطور اللقاح ضد كورونا، سوى فايزر عبر الشراكة مع بيونتيك.

ويتوقع المتخصصون أن تضاعف "فايزر" عائداتها من اللقاح 3 مرات بفضل اللقاح، بينما ستتجاوز مبيعات اللقاحات في نوفافاكس (أميركية)، وموديرنا (أميركية) مبيعات اللقاحات في ميرك (ألمانية) وغلاكسو (بريطانية) وسانوفي (فرنسية)، وحتى اللقاحات الأرخص ثمنا من أسترازينيكا (بريطانية) وجونسون أند جونسون (أميركية)، يمكنها أن تحقق مبيعات  أكثر "سانوفي" في 2021.

وخلال 2020، ارتفعت مبيعات شركة نوفافاكس بأكثر من 6400 بالمئة، وموديرنا بأكثر من 850 بالمئة، وبيونتيك بأكثر من 190 بالمئة، وتراجعت أسهم غلاسكو وميرك وسانوفي بين 13 و30 بالمئة.

تقارير أرجعت السبب إلى الانخفاض المستمر في الجهود البحثية في فرنسا، ونقص الالتزام العام بالصناعات الصحية، والصعوبات في بناء جسور دائمة بين البحث العام وابتكار الشركات الناشئة، ونقص رأس المال الخاص الجاهز للاستثمار في الشركات الصناعية.

وأشارت تقارير أخرى إلى أن سانوفي تحصل على تمويل جزئي من صندوق الأبحاث المتقدمة في مجال العلاجات البيولوجية الأميركي (بادرا) كما حصلت على عشرات الملايين من اليوروهات كتمويل من عائدات الضرائب في فرنسا.