صحيفة روسية: مستقبل الانقلاب في ميانمار يعتمد على موقف واشنطن
سلطت صحيفة كوميرسانت الروسية الضوء على تطورات الأوضاع في ميانمار، وردود الفعل الدولية والإقليمية على الانقلاب العسكري، بعد سنوات قليلة على الإشادة الدولية بذلك البلد.
ومطلع فبراير/شباط 2021، نفذ قادة بجيش ميانمار انقلابا عسكريا، تلاه اعتقال مسؤولين كبار في الدولة، بينهم الرئيس وين مينت، والمستشارة أونغ سان سوتشي. وعقب الانقلاب، أعلنت الإدارة العسكرية، فرض الأحكام العرفية في 7 مناطق بمدينتي يانغون وماندلاي.
وقال الكاتب والصحفي سيرغيه ستروكان: "الأحداث في هذا البلد فاجأت الولايات المتحدة وحلفائها في كل من أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي جاءت بعد الزيارة التاريخية" للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، حيث أصبحت ميانمار وقتها مثالا على إصلاح الديكتاتورية العسكرية".
وفي غضون ذلك يشير الكاتب، إلى أنه وبعد توقف طويل، سمحت قيادة الاتحاد الأوروبي بإمكانية فرض عقوبات مستهدفة على ميانمار. كما قال رئيس الدبلوماسية الأوروبية، جوزيب بوريل، في 9 فبراير/شباط 2021، إن الاتحاد الأوروبي يدرس خيارات لفرض عقوبات مستهدفة ضد الأفراد والشركات المملوكة للجيش.
في الوقت نفسه، وفقا لبوريل، فإن شعب ميانمار "ليس مذنبا ولا يخضع للعقاب". ومن المتوقع أن يتم النظر في العقوبات المحتملة على ميانمار في 22 فبراير/شباط في اجتماع لمجلس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي.
إقليميا يضيف الكاتب، اتخذت السلطات النيوزيلندية حتى الآن أكثر الخطوات جذرية، بعد أن أعلنت بالفعل تقليص الاتصالات العسكرية والسياسية مع ميانمار.
بالمقارنة مع نظرائها الغربيين، فإن البيان الأكثر رعبا ضد جنرالات ميانمار أدلى به وزيرة الخارجية النيوزيلندية نانايا ماهوتا. وقالت: "نحن لا نعترف بشرعية الحكومة التي يقودها الجيش، نحن ندعوه إلى الإفراج الفوري عن جميع القادة السياسيين المعتقلين وإعادة الحكومة المدنية".
هوة داخلية
على المستوى الداخلي يقول الكاتب: "يتطور الوضع في ميانمار بعد الانقلاب الذي قامت به النخبة العسكرية، فوفقا لسيناريو غير متوقع، لم يكن من الممكن تثبيت سلطة اليد القوية".
بعد القبض على القيادة المنتخبة ديمقراطيا برئاسة مستشارة الدولة أونغ سان سو تشي، اهتزت البلاد بآلاف الاحتجاجات، خاصة مع أعمال القمع التي نفذتها قوات الشرطة.
في الوقت الذي تسير فيه البلاد على شفا حرب أهلية، سيعتمد مسار الأحداث الإضافية على موقف الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، التي وقفت على تأصيل الإصلاحات الديمقراطية في ميانمار، والتي تم تقليصها من قبل قوات الأمن.
ويضيف الكاتب: "من العوامل التي تزيد من خطورة الوضع في ميانمار - كدولة واقعة في جنوب شرق آسيا ويبلغ عدد سكانها 60 مليونا- الغرق في الاحتجاجات الجماهيرية".
أعمال العصيان المدني في البلاد، والتي تبدأ في الساعة الثامنة صباحا بالتوقيت المحلي مع قعقعة الأواني والمقالي الفارغة وتستمر حتى المساء، باتت تنتشر في مدن وولايات جديدة.
أصبحت المراكز الرئيسة للنشاط الاحتجاجي في نايبيداو عاصمة البلاد، بالإضافة إلى كبريات المدن مثل يانغون وماندالاي، حيث يخرج عشرات الآلاف من الناس إلى الشوارع كل يوم.
ترد الشرطة بقسوة شديدة باستخدام خراطيم المياه والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين، حيث كان رهان السلطات العسكرية الجديدة على تفريق الاحتجاجات والاعتقالات الجماعية لناشطيها.
ولكن لم يؤت القمع ثماره، حيث تتوسع القاعدة الاجتماعية لحركة العصيان المدني التي ظهرت بشكل عفوي بعد الانقلاب، ومن ذلك مشاركة طلاب وموظفين وعاملين في المجال الطبي وممثلين عن رجال الدين فيها. ويحث كل هؤلاء الشرطة والجيش على عدم استخدام القوة والانتقال إلى جانب الشعب.
الجيش يبرر للشعب
من جانب آخر يتابع الكاتب، على خلفية الاحتجاجات الجماهيرية المتصاعدة، وجه القائد العام للقوات المسلحة، مين أونغ هلان، والذي تولى السلطة في البلاد، نداءه الأول للأمة بعد الانقلاب العسكري.
ودعا اللواء المتظاهرين إلى الاسترشاد بـ "الحقائق الحقيقية وليس العواطف" والعودة إلى الحياة الطبيعية. وتدعو القوات المسلحة شعب ميانمار إلى التهدئة والحفاظ على وحدة البلاد.
وقال القائد العسكري الجديد للبلاد: "جاء الجيش إلى السلطة وهو مقتنع بأن مسار الديمقراطية المتعددة الأحزاب الذي اختارته ميانمار كان صحيحا".
وحث مين أونج هلان على عدم اعتبار الوضع عودة إلى "الأوقات السابقة للحكم العسكري"، والتي وافقت على الانتقال إلى الحكم المدني قبل عقد فقط.
الدافع الرئيس للانقلاب، واعتقال قيادة البلاد وأعضاء حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الحاكم، كان -كما يدعي الجيش- التزوير الهائل المزعوم للانتخابات.
ووفقا للعسكر، ففي الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حقق حزب أونغ سان سو تشي فوزا ساحقا، لكنها كانت مزورة.
بناءا على فرضية الانتخابات المزورة، وعد مين أونغ هلان أنه بعد التحقيق في الانتهاكات المزعومة، سيتم إنشاء لجنة انتخابية جديدة لإعادة إجراء الانتخابات، وبعد ذلك سوف "يسلم الجيش السلطة إلى الحزب الفائز" وستصبح ميانمار "تجسيد للديمقراطية الحقيقية والمنضبطة".
وحتى ذلك الحين، ستحكم البلاد من قبل حكومة انتقالية تتكون من "وزراء مناسبين" يختارهم الجيش.
أما السياسة الخارجية للبلاد، فستبقى على حالها، حيث يأمل الجيش ألا تؤدي التغييرات التي حدثت في البلاد إلى عزلتها الدولية وخروج الاستثمار الأجنبي.
ما القادم؟
يعود الكاتب لرصد الأجواء الدولية ويكتب، لا يزال رد فعل الإدارة الديمقراطية الجديدة لجو بايدن في واشنطن هو الأضعف والأكثر توقعا، بالمقارنة مع الإدارة السابقة لدونالد ترامب، التي أعلنت التزاما أكبر بحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويتلخص الموقف الرسمي لواشنطن، الذي أعلنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في 9 فبراير/شباط، في "إدانة قوية للعنف ودعوات للجيش للتخلي عن السلطة، وإعادة حكومة منتخبة ديمقراطيا، وإطلاق سراح المعتقلين، ورفع القيود المفروضة على الاتصالات".
ولكن لا يوجد حديث عن أي عقوبات أميركية ضد ميانمار، يقول الكاتب.
وفقا للخبراء، تواجه ميانمار تهديدا بمزيد من تصعيد العنف الذي قد يؤدي إلى حرب أهلية، كما أن المسار الإضافي للأحداث سيعتمد إلى حد كبير على عامل خارجي، بما في ذلك موقف الولايات المتحدة وغيرها.
مدير مركز جنوب شرق آسيا وأستراليا وأوكيانوسيا من معهد الدراسات الشرقية RAS دميتري موسياكوف قال: "يتمتع جيش ميانمار بخبرة كبيرة في قمع الاحتجاجات الجماهيرية، وفي الثمانينيات من القرن الماضي، غرقت هذه الاحتجاجات في الدماء".
لذلك، حتى اليوم، لدى مسؤولي الأمن موارد كافية لتشديد الخناق ومنع البلاد من الانزلاق إلى الفوضى. ومع ذلك، فإن السؤال هو ما التكلفة التي سيتم تحقيقها وما هي التكاليف التي ستتحملها ميانمار وعلاقاتها مع الغرب، والتي باركت ذات مرة الإصلاحات الديمقراطية في البلاد، يتساءل موسياكوف.
يشاركه الرأي أليكسي ماسلوف، الأستاذ بكلية الاقتصاد العالمي والسياسة في المدرسة العليا للاقتصاد، حيث يقول: "من الخارج، قد يبدو أن ميانمار انقسمت إلى جيدة وسيئة وديمقراطيين وعسكريين، لكن واقع هذا البلد أكثر تعقيدا".
ويضيف: "مهما كانت الخصائص الوطنية وتكاليف ديمقراطية ميانمار، فإن الكثير سيعتمد على الجانب الذي تتخذه الولايات المتحدة، سواء كانت تريد تمويل ودعم الاحتجاجات لاستعادة الحكم الديمقراطي السابق أو قبول حكم الجيش باعتباره حقيقة لا مفر منها".