صحيفة إيطالية: هذه الأبعاد الإستراتيجية للاتفاق التجاري بين لندن وأنقرة
أكد موقع إيطالي أن من بين العديد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف التي وقعتها بريطانيا في أعقاب الخروج من الاتحاد الأوروبي، تبرز اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع أنقرة في 29 ديسمبر/كانون الأول 2020.
وقال موقع ''تراكاني'' إن من أبرز ملامح هذه الاتفاقية تعزيز الإستراتيجية التي تعمل على مناهضة روسيا وإيران وأيضا الصين لمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
من جانبه، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاتفاقية بأنها "أهم اتفاقية تجارية" منذ توقيع اتفاق الوحدة الجمركية بين تركيا والاتحاد الأوروبي عام 1995.
ومن المنتظر أن تحفز تصدير المواد الغذائية والمنتجات الميكانيكية -خاصة للسيارات- والكيماوية وأيضا الصناعات النسيجية لبريطانيا، خصوصا وأن لندن تشكل ثاني منفذ تجاري رئيس للصادرات التركية بعد ألمانيا.
وبحسب تقديرات بريطانية، تجاوز حجم المبادلات التجارية بين بريطانيا وتركيا عام 2019 قيمة 25 مليار جنيه إسترليني، علاوة على ذلك، قبل بضعة أشهر، أجرى البلدان أول مناورات جوية مشتركة في تاريخهما.
إعادة تموضع
ولفت الموقع الإيطالي إلى أن بريطانيا تتطلع في مرحلة ما بعد ''بريكست'' (الخروج من الاتحاد الأوروبي) للعب دور رئيس مجددا في السيناريو الدولي والعسكري ويتضح ذلك من خلال الزيادة الواضحة في الإنفاق العسكري البالغ حوالي 20 مليار يورو.
وأضاف أن التحركات البريطانية الأولى تظهر بوضوح النية نحو إعادة تموضع إستراتيجي إلى جانب واشنطن، مشيرا إلى أن "الاضطرابات التي تمر بها الولايات المتحدة يمكن أن تعقد تحقيق هذه العملية، لكن من المفارقات أنها قد تسهم فيها أيضا".
وتابع بالقول إنه "إذا كان وصول الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض يمكن أن يكون له تأثير -رسمي على الأقل- على العلاقات الأميركية التركية، فإن بناء تفاهم إستراتيجي بين لندن وأنقرة يخلق الظروف لتشكيل بديل لتراجع واشنطن الإستراتيجي - الجزئي- من الشرق الأدنى''.
ومن الناحية العملية، أكد الموقع أن "أي عقوبات -رمزية- تفرضها الولايات المتحدة ضد أنقرة أو أي تعليق للإمدادات العسكرية، سيقع تعويضه بشكل كبير عن طريق الإمدادات البريطانية، الحالية أو المستقبلية".
من ناحية أخرى، نوه بأن العقوبات ضد تركيا التي تخشاها بريطانيا رسميا بسبب أنشطة التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية القبرصية، وقع تأجيلها بفضل التطورات الإيجابية نحو خفض التوتر.
في هذا السياق، تصبح تركيا أحد الأركان الأساسية للإستراتيجية البريطانية في الشرق الأدنى، حيث يوجد ما لا يقل عن 3500 جندي في القواعد العسكرية البريطانية في كروتيري ودكليا (قبرص)، وفي إطار هذه الإستراتيجية، "عليها الحرص جيدا على المحافظة على علاقاتها مع أثينا أيضا"، وفق الموقع الإيطالي.
ولاحظ أن "ما يبرز عن موقف بريطانيا في الوقت الحالي هو نواة إستراتيجية تهدف إلى تجديد الدور البريطاني في شرق البحر المتوسط والشرق الأدنى على أساس التوسط في النزاعات بين بعض الجهات الرئيسة في المنطقة على غرار النزاع اليوناني-التركي وأيضا التركي-المصري إلى جانب احتواء طهران".
وأشار موقع ''تراكاني'' إلى أن لندن وأنقرة شرعتا في التخطيط لـ"المرحلة الثانية" التي تنص على إنشاء "منطقة تجارة حرة أكثر شمولا وطموحا".
الرهان التركي
من جهته، أوضح سفير بريطانيا لدى أنقرة دومينيك شيلكوت، أهمية الاتفاقية مع تركيا في مناهضة الصين، قائلا: إن "إحدى المشاكل الإستراتيجية الكبرى في عصرنا تتعلق بالحاجة إلى توازن العلاقات مع الصين".
وأضاف أن "الوباء كشف في أشهره الأولى، عن ضعف يتمثل في الاعتماد على التصنيع الصيني لبعض المنتجات الرئيسة، مثل معدات الحماية، لذلك تحتاج بريطانيا، مثل العديد من البلدان الأخرى، التوجه إلى دول أخرى لتوريد المنتجات، هذا، بالإضافة إلى منطقة تجارة حرة جديدة مع أنقرة يخلق فرصة للتجارة التركية-البريطانية".
وأعرب شيلكوت عن أمله أيضا في أن ينمو التعاون بين الشركات البريطانية والتركية في قطاع الدفاع لأهميته الإستراتيجية لدولتين عضوين في حلف الشمال الأطلسي (الناتو)''، مشيدا بأن أنقرة تمثل "الديمقراطية الوحيدة المستقرة في الشرق الأوسط".
وأفاد الموقع الإيطالي، أن "منطقة التجارة الحرة مع تركيا ستقلص من اعتماد لندن على البضائع الصينية، والتي تعادل حاليا حوالي 10 بالمئة من إجمالي القيمة السنوية للواردات البريطانية - حوالي 60 مليار يورو من إجمالي 600 تقريبا-، وتجاوز إجمالي المبادلات التجارية 85 مليار يورو عام 2020 بميزان تجاري يميل بشكل واضح لصالح بكين".
وفي هذا الإطار، ذكر الموقع بأنه رغم أنها تتعارض مع الإستراتيجية المعادية للصين التي اعتمدتها لندن، إلا أن فكرة إنشاء منطقة تجارة حرة بين لندن وبكين حظيت في الماضي القريب ببعض الاهتمام في بريطانيا.
وفي عام 2018، اقترح وزير الخارجية الصيني وانغ يي على نظيره البريطاني جيريمي هانت فكرة إنشاء منطقة تجارة حرة بين لندن وبكين، ورغم ذلك، لا يبدو الموقف البريطاني في الوقت الحاضر متسامحا مع الصين نظرا لصعودها الكبير، على حد تعبير الموقع الإيطالي.
وبالإضافة إلى الشرق الأدنى، أوضح الموقع أن "الاتفاقية الإستراتيجية بين بريطانيا وتركيا سيكون لها آثار مهمة أيضا في إفريقيا، وسيتعين على الوجود البريطاني التقليدي أن يتعامل مع دور روسي وصيني متنامي هناك، لذلك تهدف لندن بوضوح إلى مواجهته من خلال الاستفادة من الوجود التركي في القارة الإفريقية".
وألمح الموقع الإيطالي أن "الرهان التركي" على بريطانيا فيما يتعلق بالمنافسة مع روسيا، يبدو أنه مستوحى من التحالف الواسع الذي واجه الإمبراطورية الروسية في حرب القرم بين عامي 1853 و1856.
وفي الحاضر، يحظى الجيش الأوكراني بدعم أنقرة ولندن من خلال تقديم المساعدة منذ 7 سنوات- بتوفير المدربين والمرتزقة والأسلحة والطائرات بدون طيار- ضد متمردي دونباس المدعومين من موسكو.
وخلص الموقع إلى القول بأنه ''رغم كل تحركات اللورد بوريس جونسون وطموحاته، فإن مجد اللورد بالمرستون (رئيس وزراء بريطاني أسبق شهير تحالف مع الدولة العثمانية في حرب القرم) قد لا يضمن بحد ذاته إعادة أمجاد الماضي لبريطانيا الجديدة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي''.