دافعت عن إبادته للروهينغا.. لماذا انقلب جيش ميانمار على سوتشي؟

4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"علاقتنا مع الجيش ليست بهذا السوء، لدينا 3 أعضاء في مجلس الوزراء هم في الواقع رجال عسكريون، وجنرالات، وكلهم لطفاء إلى حد ما"، هكذا كانت إجابة زعيمة ميانمار أونغ سان سوتشي، خلال زيارتها إلى سنغافورة عندما سألها أحد الصحفيين عام 2018، حول ما إذا كانت تخشى من انقلاب عسكري.

وبعد أقل من 3 أعوام على تصريحاتها، أطاح جيش ميانمار بالسلطة في انقلاب عسكري جرت وقائعه فجر اليوم الأول من فبراير/شباط 2021، مع اعتقال رئيس البلاد وين مينت، وزعيمة حزب "الرابطة الوطنية الديمقراطية" الحاكم، المسشارة سوتشي، وزعماء وقيادات بالحزب.

وخلال ساعات قليلة، سيطر الجيش على مؤسسات الدولة، وتوقف بث معظم القنوات التلفزيونية، مع إلغاء جميع الرحلات الجوية المحلية والدولية، واعتقال العديد من الوزراء ومسؤولين كبار في عدة مناطق وسياسيين، وكتاب وناشطين.

انقلاب الجيش على السلطة، جاء بعد أسابيع من التوترات بين القوات المسلحة والحكومة، في أعقاب فوز كبير لحزب سوتشي على المعارضة التي يدعمها الجيش، حيث وصف الأخير الانتخابات بأنها "شابتها عمليات تزوير واسعة". 

وبثت قناة "مياوادي" المملوكة للقوات المسلحة، إعلان حالة الطوارئ لمدة عام، وتولي القائد الأعلى للجيش المسؤولية لحين إجراء انتخابات جديدة. 

فيما نقلت وسائل إعلام محلية ودولية بيانا يحمل اسم سوتشي، طالبت فيه الشعب برفض الانقلاب والرد عليه بالخروج في مظاهرات مناهضة له. 

إرباك للجيش

بموجب الدستور الذي صاغه الجيش عام 2008، يحق له الهيمنة على ربع مقاعد البرلمان والسيطرة على أقوى الوزارات في التشكيلة الحكومية بينها الدفاع والداخلية والحدود، ومن خلال هذا الدستور أبقى الجيش قبضته نسبيا على ميانمار، وهو ما أثار التساؤل حول أسباب استيلائه على السلطة في هذا التوقيت وما الذي سيحدث بعد هذا الانقلاب. 

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، شهدت ميانمار انتخابات تشريعية فاز فيها حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" بأكثر من 83% من المقاعد المتاحة للمدنيين (حيث تجرى الانتخابات على 75% من المقاعد ويسيطر الجيش بموجب الدستور على 25%).

وحصل حزب الرابطة على 396 مقعدا من أصل 476، مما سمح له بتشكيل الحكومة لمدة 5 سنوات أخرى، فيما فاز حزب الاتحاد للتضامن والتنمية المدعوم من الجيش بـ33 مقعدا فقط.

وبعد صدور النتائج بدأت المعارضة المدعومة من الجيش على الفور في توجيه اتهامات بالتزوير، وتكرر هذا الادعاء في بيان أصدره القائم بأعمال الرئيس الجديد مين أونغ هلينغ في 27 يناير/كانون الثاني الماضي. 

وزعم هلينغ بوجود 8.6 ملايين مخالفة في قوائم الناخبين "كان من الممكن أن تسمح للناخبين بالإدلاء بأصوات متعددة أو غيرها من أشكال سوء التصرف في التصويت"، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية.

وقال هلينغ في بيانه: إن "إلغاء الدستور الذي أقر عام 2008 قد يكون ضروريا في ظل ظروف معينة"، وهو ما فسره البعض بأنه يحمل تهديدا بتنفيذ انقلاب عسكري، قبل أن يعود في 30 يناير/كانون الثاني ويؤكد مدير مكتبه في بيان أن "كلامه فسر بشكل خاطئ". 

وفي 29 يناير/كانون الثاني الماضي، رفضت لجنة الانتخابات مزاعم المعارضة والجيش بأن الانتخابات كانت مزورة، قائلة: "لا يوجد دليل يدعم هذه المزاعم". 

فيما يقول فيل روبرتسون، نائب مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في آسيا لشبكة (بي بي سي): "من الواضح أن سوتشي قد فازت بانتصار مدوي في الانتخابات"، ووصف مزاعم تزوير الانتخابات بأنها "ترامبية" إلى حد ما، مؤكدا "عدم وجود أي أدلة" على التزوير. 

وتقول "نيويورك تايمز" الأميركية في تقرير إن "الجيش رفض قبول نتائج التصويت الذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه استفتاء على شعبية سوتشي".

وأضافت الصحيفة في تقرير مطلع فبراير/شباط الجاري، أن جلسة البرلمان التي كان مقررا عقدها في نفس اليوم الذي نفذ فيه الانقلاب العسكري "كان من المتوقع أن تصادق على نتائج الانتخابات والموافقة على الحكومة المقبلة". 

ولذلك برزت إمكانية الانقلاب في الأيام الأخيرة، وهدد الجيش الذي حاول عبر المحكمة العليا بالبلاد أن يجادل بأن نتائج الانتخابات كانت مزورة بـ"اتخاذ إجراء" وحاصر مجلسي البرلمان والشيوخ بالجنود.

وترى "آي مين ثانت" الصحفية السابقة من إقليم "رانغون"، أن سببا آخر كان وراء تحرك الجيش "يتمثل في أن نتائج الانتخابات الأخيرة ربما تسببت في إحراج وإرباك للجيش، خاصة وأنه لم يكن يتوقع الخسارة ولا بد أن عائلات من يخدمون في الجيش قد صوتت ضدهم".

يضاف إلى ذلك تخوف آخر لدى الجيش من أن يؤدي الصعود القوي لحزب سوتشي من "تعديل الدستور الذي تم صياغته من قبل الجيش عام 2008 ويحافظ للجيش على سيطرة نسبية في إدارة البلاد". 

فيما يقول تقرير آخر لـ"بي بي سي" إنه "رغم التغيير فإن الجيش استمر في شغل 25% من المقاعد البرلمانية والحقائب الوزارية الهامة المتعلقة بالأمن مع مقاومة محاولات حزب الرابطة الوطنية لتعديل الدستور والحد من القوة العسكرية". 

وأضاف أن "تعديل الدستور يتطلب موافقة 75% من البرلمان وهو أمر شبه مستحيل في ظل سيطرة الجيش على ربع البرلمان".

سمعة سيئة

قضت سوتشي أكثر من 15 عاما بين الاحتجاز والإقامة الجبرية خلال الفترة بين 1989 و2010، وفي عام 1991 حصلت على جائزة "نوبل للسلام" وهي ما تزال معتقلة.

وأصبحت سوتشي على رأس السلطة عام 2016 من خلال الحكومة التي قادها حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"، بعد أول تصويت ديمقراطي كامل في البلاد منذ عقود، حيث ظل الحكم العسكري يدير البلاد منذ انقلاب 1962 وحتى 2011. 

وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأميركية: إن "صعود سوتشي إلى القيادة اعتبر لحظة حاسمة في انتقال ميانمار من الديكتاتورية العسكرية إلى الديمقراطية، وأن فترة احتجازها وحصولها على جائزة نوبل للسلام جعلتها رمزا دوليا". 

ورغم كفاح سوتشي لعقود ضد الأنظمة العسكرية الديكتاتورية، إلا أنها كانت متعاونة بشكل كبير مع الجيش بعد وصولها للسلطة ودافعت عنه بقوة خلال حملة الإبادة التي نفذها وما يزال بحق مسلمي الروهينغا

وتشير نيويورك تايمز في تقرير نشرته مطلع فبراير/شباط الجاري أن "سمعة سوتشي تضررت دوليا وبشكل واسع بسبب تعاونها مع الجيش ودفاعها الصاخب عن الحملة القاتلة التي شنتها ضد مسلمي الروهينغا". 

ومطلع فبراير/شباط الجاري، قال تقرير آخر لشبكة "بي بي سي" البريطانية: "كان دفاعها الشخصي عن تصرفات الجيش بجلسة محكمة العدل الدولية في لاهاي يُنظر إليه على أنه نقطة تحول جديدة لسمعتها الدولية، لكن في الداخل لا تزال تحظى بشعبية كبيرة بين الأغلبية البوذية الذين لا يتعاطفون كثيرا مع الروهينغا".

وبحسب التقرير، اتهمها المؤيدون الدوليون السابقون بعدم القيام بأي شيء لوقف الاغتصاب والقتل والإبادة الجماعية المحتملة من خلال رفض إدانة الجيش الذي ما زال قويا أو الاعتراف بروايات الفظائع.

وتواجه ميانمار دعوى قضائية تتهمها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في محكمة العدل الدولية، بينما تحقق المحكمة الجنائية الدولية في البلاد في جرائم ضد الإنسانية.

وفي عام 2017، فر مئات الآلاف من الروهينغا إلى بنغلاديش المجاورة بسبب حملة الإبادة الجماعية التي نفذها الجيش وتسببت في مقتل الآلاف وحرق منازلهم. 

كما واجهت سوتشي خلال فترة وجودها في السلطة، انتقادات بسبب مقاضاة الصحفيين والنشطاء باستخدام قوانين الحقبة الاستعمارية قبل استقلالها النهائي عن بريطانيا عام 1948.

وخلال تلك السنوات وبحسب "بي بي سي"، استمر الجيش في شغل ربع المقاعد البرلمانية وسيطر على الوزارات الرئيسة بما في ذلك الدفاع والشؤون الداخلية وشؤون الحدود.

وفي أغسطس/آب 2018، وصفت سوتشي الجنرالات في حكومتها بأنهم "لطيفون إلى حد ما"، فيما قال محللون إن "التحول الديمقراطي في ميانمار قد توقف على ما يبدو".