الإعدامات في العراق.. كيف تحولت لأداة سياسية تستهدف المكون السني؟
في 21 يناير/ كانون الثاني 2021، قُتل 32 وأصيب 110 آخرون في تفجيرين انتحاريين وسط بغداد، تبناهما "تنظيم الدولة" أوقعا أكبر عدد من الضحايا بالعاصمة العراقية، منذ إعلان الدولة الانتصار على التنظيم قبل 3 سنوات.
وعلى وقع التفجيرين الداميين، أعلنت رئاسة الجمهورية المصادقة على أكثر من 340 حكم إعدام صادرة من المحاكم المحلية المختصة مكتسبة الدرجة القطعية وفي قضايا مختلفة، وعلى رأسها التي تندرج تحت مسمى "قضايا الإرهاب".
وقال مصدر في الرئاسة العراقية للوكالة الفرنسية في 25 يناير/ كانون الثاني 2021: "لا تزال الرئاسة مستمرة في المصادقة على الأحكام الواردة إليها تباعا وفقا للسياقات المتبعة وتتعامل مع هذا الملف بتوخي الدقة والحذر بعيدا عن أي اعتبارات أخرى".
وبحسب المسؤول، فإن غالبية الأحكام صدرت في فترة الرئيس السابق فؤاد معصوم وبينها عدد قليل خلال فترة الرئيس برهم صالح الذي يعارض عقوبة الإعدام.
قبلها وفي 23 يناير/كانون الثاني 2021، تقدمت كتلة "صادقون" البرلمانية، الذراع السياسي لمليشيا "عصائب أهل الحق" المقربة من إيران، بطلب موقّع من أكثر من 70 نائبا لرئاسة مجلس النواب (البرلمان)، للتصويت على قرار يلزم رئيس الجمهورية بالمصادقة على أحكام الإعدام بحق "الإرهابيين" في السجون.
وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2021، دعت كتلة "دولة القانون" البرلمانية بزعامة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي كذلك إلى تنظيم حملات شعبية تأييدا لتنفيذ أحكام الإعدام بحق "الإرهابيين" الذين اكتسبت قضاياهم الدرجة القطعية.
أداة سياسية
منظمات حقوقية محلية ودولية، أعربت عن خشيتها من أن تعطي الرئاسة العراقية الضوء الأخضر لتنفيذ سلسلة إعدامات كرد فعل انتقامي بعد التفجيرين الانتحاريين الداميين في بغداد.
ووجهت منظمة "هيومن رايتس ووتش" انتقادا حادا لهذه الإعدامات، وقالت بلقيس والي، الباحثة المتخصصة في العراق لدى منظمة الدولية: إن إعلان هذا الأمر دليل على أن "عقوبة الإعدام أداة سياسية".
وأوضحت الباحثة خلال تصريحات صحفية في 25 يناير/ كانون الثاني 2021 أن "القادة يستخدمون هذا النوع من الإعلانات ليقولوا للناس إنهم يعملون من أجلهم، من دون الالتفات إلى حقيقة العيوب التي تشوب المحاكمات".
ورأى عضو "مفوضية حقوق الإنسان" الحكومية في العراق، علي البياتي، إن حكومة بلاده محاصرة بين الرأي العام الذي يطالب بالانتقام والمنظومة السياسية والأمنية والقضائية غير القادرة على وقف هجمات المسلحين، وفي النتيجة "أصبح العراق أمام خيارات محدودة فيما يتعلق بحقوق الإنسان".
وأوضح البياتي خلال تصريحات صحفية في 25 يناير/ كانون الثاني 2021، أن "حكم الإعدام جزء من المنظومة القانونية العراقية إذ ليست لدينا مراكز تأهيل حقيقية مثل الدول الديمقراطية التي تهتم بحقوق الإنسان والسجناء، وخصوصا الإرهابيين الذين يحولون السجون إلى مراكز تجنيد للآخرين".
وأكد البياتي وجود "خلل لجهة عدم توافر ضمانات واضحة وشفافية حقيقية في التحقيق وجلسات الحكم وعدم السماح لمنظمات حقوق الإنسان بأداء دورها".
وفي السياق ذاته، اعتبرت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ميشيل باشليه، أن العراق يشهد "انتهاكات متكررة للحق في محاكمة عادلة وتمثيل قانوني فعال، مع اتهامات بالتعذيب وسوء المعاملة"، الأمر الذي يجعل عقوبة الإعدام "إجراء حكوميا تعسفيا بالحرمان من الحياة".
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أبدت الأمم المتحدة قلقها بعد إعدام السلطات العراقية 21 محكوما، أدين معظمهم بتهمة "الإرهاب"، ومنذ ذاك الحين، لم يتم الإعلان رسميا عن تنفيذ أحكام أخرى.
ونفذت السلطات نحو 30 حكم إعدام خلال عام 2020، ما جعل العراق يحتل المرتبة الرابعة بين الدول الأكثر تنفيذا لعقوبة الإعدام في العالم، بعد الصين وإيران والسعودية، وفقا لمنظمة العفو الدولية.
وأصدرت المحاكم العراقية خلال السنوات الماضية مئات أحكام الإعدام والسجن مدى الحياة طبقا لقانون البلاد الذي يعاقب بالإعدام كل من يلتحق بـ"جماعة إرهابية"، سواء قاتل أو لم يقاتل في صفوفها، لكن بغداد لم تنفذ حكم الإعدام بحق أي أجنبي أدين بالانتماء إلى "تنظيم الدولة".
ضحايا صفقات
ورأت شخصيات مختصة في حقوق الإنسان، أن الإعدامات التي تنفذها بغداد ذات أبعاد طائفية، فهي تستهدف المكون السني، وكأن الإرهاب مقتصر على فئة واحدة في العراق، لا سيما أن الجهات التي تقف وراء تلفيق التهم بالإرهاب هي مليشيات مسلحة.
وقال الباحث في الشأن العراقي أحمد الداود لـ"الاستقلال": "الإعدامات تطال المكون السني، والآلاف ينتظرون المصير ذاته في السجون المكتظة، والتي يشكل الأبرياء منهم النسبة الساحقة".
وأكد الداود أن "أحكام الإعدام تطال المكون السني في البلد، ولا نرى أي عنصر من المليشيات التي أجرمت في حق العراقيين، سواء من قتل المتظاهرين، أو من قتل على أساس الهوية أيام الحرب، طاله حكم الإعدام، لذلك هم يزدادون إجراما لكنهم محميون من الطبقة السياسية الحاكمة".
ولفت إلى أن "من يطالب اليوم بتنفيذ أحكام الإعدام من القوى السياسية الشيعية ويضغط على الرئاسة، غالبيتهم لديهم مليشيات مسلحة قتلت العراقيين على الهوية، ومن كان يقود البلد وساهم في تسهيل اجتياح تنظيم الدولة إلى مناطق السنة عام 2014، وشرّد الملايين وتسبب بمقتل عشرات الآلاف، لدوافع طائفية".
وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم مرصد "أفاد" الحقوقي زياد السنجري، خلال مقابلة مع قناة "الحرة" الأميركية في 26 يناير/ كانون الثاني 2021: "ليس كل محكوم بالإعدام هو شخص إرهابي، لأن الأمور في العراق تأخذ منحى آخر، لذلك نجد أن كل الذين تجري محاكمتهم من مكون واحد وهذا ما يثير الانتباه، فهل من المعقول أن الإرهاب مقتصر على فئة معينة؟".
السنجري تساءل أيضا: "هل من المعقول ما تتعرض له البعثات الدبلوماسية والمطارات في العراق من قصف بالصواريخ تمر بدون محاسبة، أليس هذا إرهابا؟"، في إشارة إلى المليشيات الموالية لإيران المتهمة بقصف المنطقة الخضراء، ما ينتج عنه سقوط ضحايا من المدنيين الساكنين بالقرب منها.
وشدد السنجري، قائلا: "لا نريد لعمليات الإعدام التي تطال الأبرياء أن تكون جزءا من صفقات سياسية لترضية الشارع قبل الانتخابات، وترضية المواطنين الناقمين على الحكومة بسبب سوء ما قدموه من خدمات وفشل سياسي في إدارة الدولة، وبالتالي يدفع الشخص البريء ثمن ذلك".
وأكد الناشط الحقوقي أن "قضايا المحكومين بالإعدام فيها الكثير من الخروقات في المسائل القضائية، فهناك أشخاص ربما ليس لديهم أي سابقة في عمل إرهابي، أو أشخاص من ذوي التعليم العالي أو ضباط سابقون وآخرون لا تشوبهم شائبة ثم فجأة يجدون أنهم محكومين بالإعدام بتهمة القيام بأعمال إرهابية".
وتابع: "لكن من خلال سياق التحقيق تجد أن المخبر السري أو اثنين من الشهود الذين يعتقد أنهم ينتمون إلى فصائل ولهم ولاءات وأيديولوجية معينة يقودون هذا الشخص إلى الإعدام، لذلك حاولت رئاسة الجمهورية تأخير المصادقة على أحكام الإعدام هذه، لكن ضغوطا سياسيا تتعرض لها نتيجة التفجيرات الأخيرة في العراق".
وفي 27 يونيو/ حزيران 2019، قالت عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان وحدة الجميلي، إن "80 بالمئة من المواطنين المحكوم عليهم بالإعدام والمؤبد في سجون البلد، أبرياء، اُنتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب".
وأضافت الجميلي في مؤتمر صحفي أن "كثيرا من المعتقلين في السجون الحكومية والأجهزة الأمنية ومعتقلات الحشد الشعبي، أدينوا عبر اعترافات انتزعت نتيجة ممارسات لا إنسانية ولا أخلاقية"، مطالبة بتعديل المادة التاسعة من قانون العفو العام المتعلقة بإعادة التحقيق والمحاكمات، لـ"إنصاف هؤلاء الضحايا".
قتل جماعي
تسريع وتيرة الإعدام عقب التفجيرات الدامية في بغداد، أثار غضب القوى السياسية السنية، إذ أعرب "تحالف القوى العراقية"، بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، عن تحفظه على الدعوات السياسية والحزبية التي أطلقتها بعض القوى السياسية بشأن تنفيذ عقوبة الإعدام بمن صدرت بحقهم.
ورفض بيان "التحالف" في 24 يناير/ كانون الثاني 2021 "ردود فعل غير مدروسة وتصاعد الدعوات إلى إنزال عقوبة الإعدام والتهديدات بالقتل الجماعي لمن صدرت بحقهم أحكام الإعدام، مع تحفظنا على العديد من هذه الأحكام لفقدان معظمها شروط المحاكمة العادلة ومبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي".
وشدد على ضرورة "القصاص ممن تلطخت أيديهم بدماء العراقيين، شهداء التظاهرات السلمية ومغيبي المدن المحررة من الإرهاب، والكسبة الأبرياء والفقراء البسطاء".
وعبر البيان عن "تحفظه على الدعوات السياسية والحزبية التي أطلقتها هنا وهناك بعض القوى السياسية محاولة توظيف مصاب وجراح الشهداء ودموع الثكالى وصرخات الأيتام لتحقيق مكاسب انتخابية دنيوية زائفة"، مذكرا رئاسة الجمهورية بـ"عدم الانصياع للتهديدات، وأهمية أن يكون العدل هو الأساس".
وعلى الوتيرة ذاتها، اعتبرت "جبهة الانقاذ والتنمية"، الدعوات المطالبة بإعدام المحكومين في السجون، بـ"الجائرة"، مضيفة أن هذه الاحكام لم تدقق، ولم يفرز الأبرياء عن المذنبين فيها.
وقالت "الجبهة" خلال بيان لها في 25 يناير/ كانون الثاني 2021: "مما يؤسف له تنامي بعض الأصوات التي لا تجد فرصتها إلا بالبحث عن مسوغات لضرب الوحدة واللحمة الوطنية".
مضيفة: "وهذا ما يحدث الآن عبر المطالبات الجائرة بدعوة رئيس الجمهورية بالمصادقة على أحكام الإعدام، ومطالبة وزارة العدل بتنفيذ هذه الأحكام، رغم أن أي منصف يدرك جيدا طبيعة هذه الأحكام وظروفها التي لم تستوف الحد الأدنى من العدالة".
"الجبهة" أكدت في بيانها أنها "تدرك خطورة هذا الملف"، وتذكر بـ"الأخطاء والمخالفات والجرائم، التي ارتكبت قبل سيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة من العراق وفي ظل سيطرة التنظيم والفترة التي تلتها".
وأوضحت أن "الظروف المرافقة لكل ذلك لم تمنح الفرصة لتدقيق الأحكام وفرز الأبرياء عن المذنبين، ما سهل الإحساس بالمظلومية من قبل قطاعات واسعة من المجتمع".
وشددت جبهة الإنقاذ والتنمية على "ضرورة تدقيق الأحكام التي تطال أعدادا كبيرة، وأن لا تكون رغبات البعض بالانتقام مسوغا لارتكاب أفعال لا تتفق مع جوهر العدالة المنشودة".
المصادر
- منظمات حقوقية تخشى تنفيذ سلسلة إعدامات في العراق ردا على تفجيري بغداد
- العراق: انتقاد سنّي لتوظيف تفجيرات بغداد لأغراض انتخابية
- كتلة القانون تدعو لحملات شعبية تأييداً لتنفيذ أحكام الاعدام بحق "الارهابيين"
- برلمانية عراقية: 80% من المحكوم عليهم بالإعدام والمؤبد "أبرياء"
- الإنقاذ والتنمية تصف الدعوات المطالبة بإعدام المحكومين بـ"الجائرة": لم يفرز الأبرياء عن المذنبين