ذكرى يناير.. الغارديان: جذوة الثورة متقدة في مصر رغم بطش السيسي
سلطت صحيفة "الغارديان" البريطانية، الضوء على شباب الثورة المصرية التي اندلعت شرارتها الأولى في 25 يناير/كانون الثاني 2011، وأطاحت عقب 18 يوما بنظام الرئيس الراحل حسني مبارك (1981-2011).
وأشارت الصحيفة، إلى أن الشاب منصور محمد كان يدير كشكا مغطى بالقماش المشمع بين أميال من الخرسانة والإسفلت وسط المكان الذي بدأ فيه كل شيء قبل 10 سنوات، ولمدة 10 أيام، حيث كان محمد يأكل وينام مع غرباء مرتبطين معا "بغضب متزايد وثورة في كل مكان".
وعن تلك الذكريات حيث تجمعت حشود هائلة واندفعت وهتفت مطالبها بالتغيير في دعوة ترددت في ميدان "التحرير" بالقاهرة، قال محمد: "لن أنسى ذلك الصوت أبدا.. كانت أقوى ضوضاء سمعتها في حياتي.. كان أقوى من 10 طائرات.. لقد كان إطلاق سراح 6 عقود من الخوف".
وبعد عقد من الزمان، كانت نقطة انطلاق الثورة المصرية -وهي جزء أساسي من الانتفاضات التي أصبحت تُعرف باسم الربيع العربي- مكانا مختلفا تماما، كما هو الحال في البلاد، حيث تتحرك حركة المرور بهدوء حول الميدان الخالي من المتظاهرين، فيما تمركزت الشرطة السرية في مكان قريب.
ولم يعد هناك إلا القليل من الحديث عن الثورة، حيث أن محاولات إثارة أشباح ميدان التحرير تقابل باليد الثقيلة للدولة العسكرية المنتعشة التي رسخت نفسها في أعقاب الثورة، تقول "الغارديان".
تغيير التاريخ
أما بالنسبة للشاب معاذ عبد الكريم، فقد بدأ الأمر عنده بشكل مختلف تماما، حين اجتمع في 25 يناير/كانون الثاني 2011، مع مجموعة من الشباب في شقق على الجانب الآخر من النيل وشقوا طريقهم إلى متجر الحلويات، حيث "استعدوا لتغيير التاريخ".
لقد كان موقعهم بعيدا عن سيارات الشرطة وخارج الشبكة بالنسبة لقادة الأمن الذين كانوا يمسحون المدينة بحثا عن الثائرين الذين حمستهم الانتفاضة في تونس التي أجبرت ديكتاتورها زين العابدين بن علي على الهروب إلى المنفى (السعودية).
وأعطتهم الممرات الضيقة في الحي وقتا لتنظيم صفوفهم قبل أن تقتحم شرطة مكافحة الشغب المكان، بعد أن نجحوا في حشد المؤيدين على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، والتي كان من شأنها تحطيم الوهم بأن قوات الرئيس حسني مبارك كانت أقوى من أن تواجهها، ، توضح الصحيفة البريطانية.
وفي وقت مبكر من صباح ذلك اليوم، اجتمعت المجموعة في مخبز "معجنات الحايس" الشهير وشرعت في تنفيذ خطتها.
وأوضح عبد الكريم، الذي يعيش الآن في المنفى بأوروبا، أن "الاجتماع في المخبز كان مجرد خطوة واحدة من الخطة.. كان هناك العديد من المجموعات المختلفة للتنسيق معها، وكانت مهمة مجموعتنا هي البقاء في المخبز بساحة مصطفى محمود، لمراقبة الشرطة ومعرفة إمكانية مهاجمتها للمتظاهرين".
وأضاف "كنا نفكر إذا استطعنا النجاح، فسنحصل على مصر أفضل وإذا فشلنا فسنموت أو نقضي حياتنا كلها في السجن.. في حياتي، كان مبارك وحده هو الرئيس، لذلك كنت أحلم دائما برؤية رئيس آخر من عائلة أخرى".
وتابع الشاب الثائر: "كانت مهمتنا هي جمع كل المتظاهرين معا حتى لا تتمكن الشرطة من السيطرة عليهم. إذا كان هناك عدد قليل من المتظاهرين، يمكن للشرطة ببساطة أن تعتقلهم وهذا من شأنه أن يجعل الخطة تفشل، وسرعان ما كان هناك حوالي 2000 شخص هناك، لذلك لم تستطع الشرطة السيطرة على الوضع".
وقال عبد الكريم: "في تلك اللحظة أدركت أننا نجحنا، لأنني رأيت الناس من جميع الأنواع؛ مستويات اقتصادية مختلفة، غني وفقير، كبار وصغار جميعهم يقفون بصوت واحد".
وبحلول ذلك الوقت، كانت الدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي للحشود للتجمع في مناطق القاهرة، والتجمع في الأماكن العامة "قد أدت إلى خلق زخم لا يمكن إيقافه".
وفي هذا السياق، قال عبد الكريم: "كانت وسائل التواصل الاجتماعي أهم أداة في الثورة.. يمكن للناس التواصل بسهولة والتعبير عن أنفسهم دون أي رقابة. لقد انتصر الثائرون على دولة مبارك البوليسية بحساباتهم الذكية والفيسبوك."
وبحلول 28 يناير، أصبح ميدان التحرير بوتقة مطالب لا هوادة فيها لمصر جديدة، وفي غضون أسبوعين، كانت قد وضعت بذور زوال مبارك، حيث سحب الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما، دعم واشنطن الطويل للرئيس الذي حكم لمدة 30 عاما.
وقال أوباما حينها: "لقد أوضح المصريون أن ما من شيء أقل من الديمقراطية الحقيقية هو الذي سيظل قائما".
انقلاب العسكر
ثم جاء التحدي للجيش المصري، الذي وقف مع الثوار فيما تصاعدت مطالبهم حين قال أوباما: "لقد تصرف الجيش المصري على نحو وطني ومسئول بصفته راعيا للدولة، وسيتعين الآن ضمان انتقال ذي مصداقية في نظر الشعب المصري".
غير أن مؤيدة الثورة التي أُجبرت على الفرار من مصر عام 2014، سلوى جمال، أكدت أن "منذ تلك اللحظة، كان الجيش يخطط لتولي السلطة".
فيما قالت الناشطة والباحثة المصرية، نانسي عقيل: إن "يوم استقالة مبارك، في 11 فبراير/شباط2011، كشف أن الأشهر المقبلة لن تكون سوى انتقال سلس إلى الديمقراطية".
لكنها استدركت قائلة: "كانت أسوأ لحظة بالنسبة لي عندما رأيت الدبابات وعلمت أن الجيش تولى زمام الأمور، رأيت أشخاصا يوزعون الزهور على العسكر وينظفون الشوارع ويمسحون الكتابة على الجدران، كانت بداية محو آثار الثورة".
وتابعت عقيل: "طوال كل ذلك، كان الناس يقولون لا، لا الجيش إلى جانبنا.. لأننا كنا نعرفهم ونعرف كيف يديرون الأشياء".
وفي عام 2012، أجريت انتخابات ديمقراطية وتولى أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر، محمد مرسي، وهو عضو في جماعة الإخوان المسلمين القوية، منصبه.
وبعد أقل من عام، تمت الإطاحة بمرسي في انقلاب قاده وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي، الذي حل البرلمان وحظر جماعة الإخوان المسلمين، وانطلقت حملة قمع ضد المعارضة ، والتي مازالت مستمرة حتى اليوم ، وانتخب السيسي رئيسا في عهدتين انتخابيتين.
ومنذ ذلك الحين، حاول الانقلابي السيسي القضاء على كل بقايا الثورة باستخدام القمع وسحق الدعوات للتغيير، لقد تم القضاء على المجتمع المدني، وأجبر الفنانين والمفكرين والصحفيين والأكاديميين إما على الصمت أو النفي أو السجن، كما تم إعاقة المعارضة السياسية، أو استقطابها، وتم إسكات الإدانة الدولية منذ فترة طويلة.
وأوائل ديسمبر/كانون الأول 2020، قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسيسي، وسام جوقة الشرف، وهي أعلى جائزة مدنية في فرنسا، متجاهلا سجل حقوق الإنسان الذي وصفته المنظمات غير الحكومية العالمية بأنه "شيطاني"، تؤكد "الغارديان".
وحظيت مزاعم السيسي بالمساعدة في وقف الهجرة إلى أوروبا وبأنه سيكون حصنا ضد التهديدات الأمنية بدعم ضمني غربي، ولم يلق قمعه الروتيني للمعارضة ولحرية التعبير إلا الحد الأدنى من العواقب، حيث قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش": إن "هناك 60 ألف سجين سياسي في مصر عام 2019".
ورغم القمع، أكد المدير التنفيذي السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، خالد منصور، أن "العديد من الذين دعموا الثورة سيفعلون ذلك مرة أخرى، لقد كانت بالتأكيد نقطة تحول.. لكننا لا نتجه دائما نحو وضع مريح، أو في اتجاه جيد".
وختم منصور تصريحه بالقول: "ما نحتاجه ليس مصر موحدة، ولكن مكانا يمكن فيه للتيارات المختلفة التحدث مع بعضها البعض والانخراط في حوار سياسي دون مخاوف وجودية تطغى على الأمور، هل يمكننا الشفاء؟ سيستغرق الأمر فترة طويلة من النقد الذاتي والتأمل، وهذا أمر صعب للغاية الآن".