محاولات إقالة واغتيال.. لماذا تعادي أبوظبي والرياض محافظ شبوة اليمنية؟

12

طباعة

مشاركة

تتزايد الضغوط السعودية على الحكومة الشرعية في اليمن لإقالة محافظ شبوة محمد بن عديو، وذلك بعد أن رفض بشكل قاطع مطالب الرياض باستحداث مواقع عسكرية تابعة لها في ميناء قنا الإستراتيجي في المحافظة.

وكانت مصادر صحفية نقلت أن مشادة كلامية احتدمت بين لجنة سعودية وابن عديو في لقاء غير معلن جمع الطرفين في يناير/كانون الثاني 2021، في مدينة عتق بمحافظة شبوة.

وأوضحت المصادر أن اللجنة السعودية طالبت بالسماح باستحداث مواقع عسكرية تابعة لها، لتأمين المحافظة، فرفض بن عديو مطالبها، ودعاها لاحترام السيادة اليمنية، قائلا لها: "نحن دولة، ولنا سيادتنا على الأرض، ونتحمل المسؤولية الأمنية، ونحن من سنؤمن أرضنا برا وبحرا".

ودرجت السعودية على الضغط على الرئيس عبد ربه منصور هادي لإقالة مسؤولين يمنيين عارضوا سياستها في اليمن أو انتقدوا تعاملها مع الحكومة الشرعية، واتهموها بتمكين القوات الانقلابية المتمثلة بالمجلس الانتقالي في عدن والمحافظات الجنوبية.

وكان محافظ المهرة الأسبق محمد عبدالله بن كدة قد عارض الوجود السعودي في المهرة، غير أن السعودية استدعته في مايو/أيار 2019، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في الرياض ومنعته من المغادرة، قبل أن تضغط على الرئيس هادي لإقالته، وتعيين رجلها هناك راجح بن كريت، الذي أقيل، بدروه، في وقت لاحق.

كما ضغطت المملكة لإقالة مسؤولين يمنيين آخرين، من بينهم وزير النقل صالح الجبواني، ووزير الداخلية نائب رئيس الوزراء أحمد الميسري، ووزير الخدمة المدنية الأسبق ونائب رئيس مجلس النواب عبدالعزيز جباري، وذلك عقب معارضتهم للممارسات السعودية في اليمن، وانتقادهم بشكل حاد تعاملها مع الملف اليمني.

وعلى غرار المهرة، تسعى السعودية للسيطرة على محافظة شبوة النفطية، وعدد من المحافظات الجنوبية عبر استحداث مواقع عسكرية ونقاط أمنية، بموازاة السيطرة العسكرية التي تفرضها الإمارات على عدة محافظات يمنية في الجنوب، في تقاسم واضح للأراضي اليمنية، ومصادرة صريحة للسيادة.

وكانت السعودية قد استحدثت مواقع أمنية في محافظة المهرة، شرقي اليمن، وأحكمت سيطرتها الأمنية والعسكرية على المدينة والمديريات التابعة لها، كما أحكمت قبضتها الأمنية على منفذ شحن الحدودي الذي يربط البلاد بسلطنة عمان.

ومن أجل الإطاحة بالمسؤولين المناهضين لها، تستقطب الرياض مسؤولين يمنيين من التابعين للشرعية، وتتواصل مع قيادات عسكرية وأمنية للعمل لصالحها، وهو السلوك الذي رفضه بن عديو، وطلب من السعودية التعامل معه بشكل رسمي بصفته محافظا لشبوة ورئيس اللجنة الأمنية في المحافظة، وليس مع مسؤولين أو قيادات عسكرية أخرى.

مشاريع بن عديو

يواجه الرئيس صعوبة في إقالة بن عديو، امتثالا للرغبة السعودية، حيث يحظى الرجل بدعم شعبي وقبلي ورسمي من أبناء المحافظة، لقاء حالة النجاح التي حققها، والمشاريع التي ينجزها بشكل متسارع، والتحسن الملحوظ في البنية التحتية في منطقته، فضلا عن الاستقرار الأمني.

وفي آخر مشاريعه، افتتح بن عديو في 13 يناير/كانون الثاني، المرحلة الأولى من مشروع ميناء قنا النفطي والتجاري بالشريط الساحلي بمديرية رضوم، ودشن عملية تفريغ أول الشحنات النفطية الواصلة إلى الميناء، في منجز إستراتيجي واقتصادي يعد الأكبر خلال السنوات الأخيرة في المحافظة الساحلية التي تقع بالقرب من خط الملاحة الدولي.

وفي 6 سبتمبر/أيلول، افتتح بن عديو ملعب الفقيد ناصر الخليفي، وهو أول ملعب رياضي في المحافظة التي عانت الإهمال وغياب المشاريع خلال العقود الماضية.

أما في يوليو/تموز، فقد وقع بن عديو عقدا لإنشاء أكبر مشروع سياحي في المحافظة، وهو مشروع منتجع "قنا" بتمويل ذاتي من السلطة المحلية في شبوة.

وهذه المشاريع ضمن عشرات أخرى في الطرق والجسور وقطاع الكهرباء والصحة والتعليم والرياضة، دشنها بن عديو في سبتمبر/أيلول 2019 عقب طرد قوات النخبة الشبوانية التابعة للإمارات والتي كانت تسيطر على مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة.

والجدير بالإشارة هنا أنه بالرغم من كون شبوة تعد من أهم المناطق التي يتمركز في بعض مديرياتها تنظيم القاعدة، إلا أن المحافظة تشهد استقرارا أمنيا عاليا، جراء القبضة الأمنية التي تفرضها السلطات الأمنية هناك.

ومن المفارقات المثيرة للأهمية، أنه في مقابل المساعي لتحويل شبوة إلى محافظة نموذجية، فإن الإمارات وعلى العكس من ذلك، حولت ميناء بلحاف الإستراتيجي الخاضع لسيطرتها، إلى ثكنة عسكرية ومركزية لتدريب مجاميع مسلحة ومركز اعتقال سري وتعذيب.

وهذا الإجراء أعاق اقتصاد البلد منذ سيطرت الإمارات على الميناء قبل 5 سنوات، حيث يضم أكبر مرفق لتصدير الغاز المسال على ساحل بحر العرب في المحافظة.

وكانت صحيفة لوموند الفرنسية قد ذكرت في تقرير لها أن الإمارات قامت بتحويل منشأة بلحاف الغازية الذي كانت تديره الشركة الفرنسية العملاقة توتال قبل الحرب، إلى سجن إمارتي ومركز لمكافحة الإرهاب.

تضيف الصحيفة في تقريرها: "في شبوة، الأرض القبلية البائسة والغنية بالنفط والغاز، يتورط بن عديو في معركة ضخمة، حيث مصالح التحالف السعودي والإماراتي المتعثر منذ عام 2015 في تدخله العسكري ضد تمرد الحوثيين في اليمن".

وبينت الصحيفة أن مصالح التحالف ترتبط أيضا بشركة الطاقة الفرنسية متعددة الجنسيات "توتال" التي تدير محطة للغاز الطبيعي المسال على الساحل في بلحاف منذ عام 2009، وأيضا تلك المتعلقة بالدولة اليمنية التي تعتمد على غاز "توتال" لتنهض بعد أن استهلكتها خمس سنوات من الحرب الأهلية.

محاولات إقالة واغتيال

تشترك الإمارات والسعودية في الضغط على الرئيس هادي بإقالة المحافظ بن عديو، الذي رفض إملاءات تحالف الرياض أبوظبي، وفي ذات الوقت يواجه هادي ضغوطا لإقالة الرجل الذي يحظى بدعم شعبي.

غير أن التحالف يمارس بدائل للنيل من الرجل، من خلاله محاولة تشويهه إعلاميا، أو إعاقة المشاريع التي يفتتحها في المحافظة، وليس أخيرا بمحاولة اغتياله عدة مرات

وتشن وسائل إعلامية ومواقع إلكترونية مدعومة من قبل الرياض أبوظبي بين حين وآخر حملات إعلامية لشيطنة بن عديو واتهامه بالانتماء لتنظيم الإخوان العالمي ولتنظيمات إرهابية أخرى.

وهي التهم التي درجت عليها، كما تسعى السعودية لإعاقة المشاريع التي يفتتحها بن عديو، كان آخرها منعها سفن المشتقات النفطية من الرسو في ميناء قنا المفتتح حديثا.

علاوة على ذلك فقد تعرض الرجل لعدة عمليات اغتيال، كان آخرها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وذلك من خلال زراعة عبوة متفجرة قرب منزله، ومرة أخرى في يونيو/حزيران من نفس العام، وذلك من خلال زرع لغمين في طريقه إلى عتق عاصمة المحافظة.

 وحدث قبلها أيضا محاولة اغتيال في مايو/ أيار 2020، ومرة رابعة في صيف 2019 من خلال قناصين في حوادث اتهم فيها بن عديو الإمارات، بشكل صريح.

وكانت صحيفة لوموند الفرنسية قد أجرت لقاء مع المسؤول اليمني في 4 ديسمبر/كانون الأول 2020، قالت فيه "يدفعك محمد صالح بن عديو، محافظ شبوة جنوبي اليمن، للتساؤل عما إذا كان يريد الموت، فهو يخوض حربا ضد الإمارات بشكل شخصي، ويقول إنها تتصرف كقوة استعمارية في بلاده".

ونقلت الصحيفة عن بن عديو: "لم أعد أحصي عدد المرات التي حاول فيها الإماراتيون اغتيالي"، مضيفة: "يؤكد هذا المعلم السابق الذي يبلغ من العمر 44 عاما، وهو شاب نحيل، أنهم أرسلوا في صيف عام 2019 قناصين إليه، ثم طائرات مسيرة، وفي الأسبوع الماضي زرعوا قنبلة بجوار منزلي".