تقارب هش.. لماذا تحرص الجزائر على تحسين علاقتها بموريتانيا؟
يبدو أن أزمة معبر الكركرات على الحدود المغربية الموريتانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بين الرباط وجبهة البوليساريو التي تدعمها الجزائر، جعلت الأخيرة تدرك أهمية موريتانيا كدولة محورية في الصراع الدائر بإقليم الصحراء الغربية.
إقدام الجزائر على علاقات أكثر متانة مع موريتانيا، ظهر جليا في دعوتها إلى إطلاق مسار جديد من التعاون العسكري مع نواكشوط، وعرضها توريد معدات ومنتجات عسكرية لصالح الجيش الموريتاني، فيما أكد وزير التجارة الجزائري أن بلاده قادرة على زيادة صادراتها لموريتانيا إلى 50 مليون دولار خلال 2021.
فهل تهدف الجزائر من خلال مساعيها لكسب ود موريتانيا أن تجعلها حليفة لها في الصراع الدائر بالمنطقة؟ وهل بالفعل أدركت الجزائر الجديدة في عهد الرئيس عبد المجيد تبون أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه موريتانيا في هذا الصراع؟ وإلى أي مدى يمكن أن تتجاوب نواكشوط مع هذه المحاولات؟.
دعوة للتعاون
في 5 يناير/ كانون الثاني 2021، زار قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية الفريق محمد بمبه مكت، الجزائر، لبحث التعاون بين البلدين في المجال الأمني والعسكري.
وقال رئيس أركان الجيش الجزائري، سعيد شنقريحة، خلال استقبال نظيره الموريتاني، إن هذه الزيارة التي جاءت لاستعراض التعاون العسكري بين البلدين "ستسمح بتطوير العلاقات بين البلدين، خاصة على ضوء تطور الوضع الأمني السائد بالمنطقة".
وأشار إلى أن "تعزيز التعاون العسكري بين جيشي البلدين يعد أكثر من ضرورة لمواجهة التحديات الأمنية المفروضة من خلال استغلال آليات التعاون الأمني المتاحة، لا سيما لجنة الأركان العملياتية المشتركة"، والتي تضم أيضاً النيجر ومالي.
وشدد شنقريحة على الحاجة الماسة في الظرف الحالي لتعزيز تبادل المعلومات وتنسيق الأعمال على جانبي الحدود المشتركة بين الجزائر وموريتانيا ودول الساحل.
وزار الفريق محمد بمبه مكت مركبات للصناعات العسكرية تابعة للجيش الجزائري، وعرضت الجزائر إضافة إلى تكوين الكوادر العسكرية الموريتانية في المدارس والأكاديميات العسكرية المتعددة الأسلحة في الجزائر، إمكانية توريد مَرْكبات وآليات عسكرية وذخيرة وغيرها تصنع في الجزائر لصالح الجيش الموريتاني.
وقبل شهر أعلن الجيش الجزائري عزمه تطوير صناعته العسكرية وتطوير عدد من المؤسسات الصناعية التابعة له وتزويدها بأحداث التكنولوجيات.
ويملك الجيش الجزائري مصنعاً لصناعة العربات العسكرية والمدرعات، أقيم بشراكة مع العلامة الألمانية "مرسيدس"، ومصنعاً للأسلحة الرشاشة ومخابر وورشات لتطوير طائرات بدون طيار وتركيب الزوارق الحربية، ومصانع أخرى للصيانة والذخيرة والمواد المتفجرة، وورشات لإنجاز أنظمة المراقبة بواسطة الفيديو للمنشآت والمرافق الكبرى.
وإضافة الى مجالات التعاون العسكري، تضع الجزائر منذ عام 2018 موريتانيا ضمن لائحة الدول التي تسعى إلى رفع مستويات التعاون السياسي والاقتصادي والأمني معها، خاصة منذ فتح معبر بري للمرة الأولى بين البلدين في أغسطس/ آب 2018، ليكون معبراً تجارياً تمر منه المنتوجات الجزائرية إلى الأسواق الموريتانية ومنها إلى أفريقيا.
وأوفدت الجزائر وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد إلى نواكشوط على رأس بعثة طبية ستبقى هناك 15 يوماً للمساعدة في مواجهة فيروس كورونا، كما أرسلت طائرة عسكرية محملة بالمساعدات الطبية وأدوية وتجهيزات لصالح المستشفيات الموريتانية.
محط منافسة
العقيد الركن المتقاعد بالجيش الموريتاني، والخبير العسكري والإستراتيجي، البخاري محمد مؤمل، قال إن موريتانيا لها أهمية ودور في محيطها الجغرافي والجيوستراتيجي، ووزنها السياسي نسبي.
مضيفا: "بمعنى أنه يتغير حسب قدراتها الذاتية وحسب التحديات القائمة بالمنطقة، موريتانيا بوابة على إفريقيا بحيث تشكل نقطة وصل بين شمال إفريقيا وجنوبها، بين دول المغرب العربي والدول الإفريقية بجنوب الصحراء، هذا من حيث الجغرافيا".
لكن الأهمية الجيوستراتيجية، تابع مؤمل لـ"الاستقلال": فهي متغيرة وتقوم على أمرين أساسيين، أولهما، أزمة الصحراء الغربية، ثانيا، التهديدات الأمنية خاصة الإرهابية.
وأشار الخبير إلى أن موريتانيا تقع على حدود الجزائر وعلى حدود مالي، والأولى هي المنبع الجغرافي، تاريخيا، لما يسمى بالإرهاب في منطقة الساحل، الذي دخل إلى الجزائر وانتشر بشكل خطير جدا في مالي، التي تربطها مع موريتانيا أزيد من 2000 كيلومتر، وهي اليوم البؤرة الأولى له في منطقة الساحل.
تابع المتحدث: "تجعل أزمة قضية الصحراء أيضا، من موريتانيا موضوع تنافس دائم بين طرفي الصراع الرئيسين، المغرب والبوليساريو المدعومة من الجزائر.
وشهدت القضية تطورات أخيرة، عاملين منها كان لهما أثر مباشر في موريتانيا، أولهما أزمة الكركرات، عندما أغلقت البوليساريو المعبر أضرت كثيرا بنواكشوط لأن استهلاك موريتانيا للمواد الزراعية خاصة الخضر والفواكه، يعتمد بالأساس على الواردات التي تصلها من المغرب، وكان في الإغلاق ضرر كبير للمستهلك.
من جهة أخرى، يقول مؤمل: "تصدر موريتانيا عبر المعبر باتجاه المغرب، ومن ثم إلى أوروبا، وكان لافتتاح المعبر من طرف القوات المغربية، حل لهذه الأزمة، لكن العملية العسكرية أدت في الوقت نفسه إلى مخاوف، خاصة عندما ردت عليها جبهة البوليساريو بخطاب عنيف رافقته بعض العمليات وإن كانت محدودة".
ساحة المعركة
قلق موريتانيا كان من تأزيم الأوضاع، بحسب العقيد السابق، خاصة باعتبار أن حدودها مع الصحراء، هي ساحة المعركة، وخافت بصورة خاصة من أن تتسلل بعض عناصر الأطراف المتصارعة، إلى أراضيها، خاصة من طرف البوليساريو..
وزاد مؤمل: لهذه الأسباب راقبت موريتانيا الوضع عن قرب، فيما تهتم بها الأطراف المتصارعة (المغرب - البوليساريو - الجزائر) لأنها معنية بقضية الصحراء بحكم موقعها، ولا أدل على ذلك من أن الأمم المتحدة ومبعوثها الدائم يعتبرون موريتانيا طرفا معنيا بالحلول.
التطور الآخر الذي شهدته أزمة البوليساريو، يستطرد العقيد: فهو الاعتراف الدولي المتزايد بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهذا الاعتراف تمثل في كثير من الأمور، أهمها فتح القنصليات في المنطقة، لبلدان عربية وإفريقية، وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف الخبير: يتابع الموريتانيون هذا الوضع بكثير من الاهتمام، والآراء فعلا متباينة داخل الشارع الموريتاني، كثيرون يظنون بأن أمن المنطقة هو مصلحة البلد، وأن أمنها ربما يكون في استقلال داخلي يشابه إلى حد كبير ما عبر عنه المغرب، ويتبنى البعض، وأعتقد أنهم قلة، طرح البوليساريو الذي يطالب بإقامة دولة مستقلة.
وأشار مؤمل، إلى أن أهمية موريتانيا في المنطقة، تعود أيضا إلى قوة علاقتها بالصحراء، باعتبار شعبها أكثر الشعوب تجانسا مع الصحراويين، في جميع مناحي الحياة.
علامات استفهام
من جهته سجل العميد المختار بن نصر، من معهد الاستشراف والدراسات الإستراتيجية والأمنية المتقدمة، أن في الفترة الأخيرة، لوحظ تطور العلاقات بين البلدين، الجزائر وموريتانيا، يعتبر هذا التقارب بحكم الجوار عاديا، لكن التوقيت هو ما يثير علامات استفهام في المنطقة كلها، نظرا للتصورات الموجودة على الساحة.
وقال العميد لـ"الاستقلال": "تطور العلاقات جرى على مستوى الجيشين، إذ زار قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية للجزائر بشكل مفاجئ، وتم استقباله من طرف رئيس أركان الجيش الجزائري.
الأخير صرح أن الزيارة تندرج في تطوير العلاقات على ضوء تطور الوضع الأمني في المنطقة، لكنه أوضح أن "ذلك يأتي بالأساس لتعزيز التعاون العسكري بين الجيشين، لمواجهة التحديات الأمنية والتهديدات من جميع الجهات".
استقرأ الخبير العسكري من تصريح شنقريحة، أن التقارب سيصب أكثر نحو توطيد العلاقات فيما يخص قضية الصحراء، لا سيما أن لجنة الأركان العملياتية، التي تشارك فيها الجزائر والنيجر ومالي تشارك فيها موريتانيا أيضا، ومن هنا يفهم أن هناك تنسيقا، خاصة على مستوى تبادل المعلومات والتنسيق الاستخباراتي بين البلدين.
وأفاد المتحدث، أنه مورِست في الفترة الأخيرة ضغوط على موريتانيا من أجل اتفاق سلام مع إسرائيل، ما جعل ربما الجزائر تخطو خطوة نحو دعم صمود موريتانيا في وجه الابتزاز الذي تتعرض له من طرف جهات أخرى.
ورأى بن نصر، في التقارب أيضا تأكيد على موقف موريتانيا من الصحراء الغربية المتطابق مع الجزائر، وذكّر العميد بأن موريتانيا اعترفت بالجمهورية الصحراوية، وربما هذا التقارب جاء بعد أن شهدت العلاقات نوعا من التذبذب نظرا لأنها لم تكن علاقات صلبة، أو مشاريع مبنية على تنمية الحدود، في الوقت الذي كانت فيه موريتانيا غاضبة من تعامل الجزائر حيث أعلنت الحدود معها في 2017، منطقة عسكرية.
تقارب هش
اليوم يوجد على رأس النظامين رئيسان جديدان، بحسب الخبير العسكري، وهو تغير في المناخ السياسي، وظروف أمنية جديدة في المنطقة، كلها عوامل تجعل الجزائر تمتن العلاقات، قبل أن يستطرد: "أعتقد أن الرؤية الإستراتيجية الواضحة غائبة، ما يجعل التقارب هشا، نظرا لأنه مقتصر على مستوى القيادات".
يعتقد بن نصر، أن من بين الخسائر الدبلوماسية للمغرب، إعلان موريتانيا عن تأسيس لجنة الصداقة مع البوليساريو، انضمت لها 4 أحزاب -بينهم الحزب الحاكم-، وهو ما أرخى بظلاله على العلاقات بين المغرب وموريتانيا، والتي لم تكن هي الأخرى على ما يرام، نظرا إلى أن العقد الماضي عرفت العلاقات فتورا، أنهاه مجيئ محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة.
يرى الخبير العسكري، أن الجزائر اغتنمت هذه الفرصة لجعل موريتانيا في صفها، عندما أعلنت الأخيرة صراحة اعترافها بالجمهورية الصحراوية، ما جعل المغرب ينظر بعين الريبة لنواكشوط.
يجب أن نذكر، يتابع المتحدث، أن "ولد الغزواني أرسل بدوره رسالة تهنئة لرئيس الجمهورية الصحراوية، بمناسبة عيد الفطر الماضي، كما استقبل وزير خارجيتها، وكلها خطوات تغضب المغرب، مع أنها تتم بضغط من الجزائر".
وأفاد بن نصر، أن الأخيرة تتخوف بدورها من التقارب المتسارع بين موريتانيا والإمارات، على المستوى الاجتماعي والصحي ثم العسكري، خصوصا عندما جرى الحديث عن إمكانية إحداث قاعدة عسكرية إماراتية في موريتانيا.
ورغم أن نواكشوط كذبت الخبر، لكن الجزائر ما زالت تشتبه في تطور العلاقات العسكرية، خاصة وأن موريتانيا تؤيد حرب الإمارات في اليمن، وأبوظبي منحت نواكشوط مؤخرا طائرة متطورة عسكريا تقوم بالاستطلاع الجوي وإنزال المظليين في ظروف جوية صعبة، وهو ما من شأنه أن يزعج المغرب والجزائر معا.
وتستحث الجزائر الخطى باتجاه موريتانيا، وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر، من جهة تجعل عينها على أي تقارب موريتاني إماراتي يزعجها، ومن جهة أخرى تضمن اصطفافها معها في صراعها مع المغرب، ليس بالضرورة عسكريا إنما سياسيا أيضا.