خفة دبلوماسية.. لماذا احتفى وزراء المغرب بالتطبيع أكثر من إسرائيل؟
.jpg)
صدمة التطبيع المغربي، زادتها صفعة أخرى مريرة وأليمة، باحتفاء غير مبرر من وزراء في حكومة سعد الدين العثماني، باستئناف العلاقات مع إسرائيل في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020.
الاحتفاء لم يقتصر على توجيه خطاب موحد في الإعلام الرسمي والخاص، بل انتقل إلى ظهور وزراء مغاربة على وسائل إعلام عبرية للحديث عن "العلاقة الفريدة" مع إسرائيل، بالمقابل غاب هذا الصدى التفاؤلي عند نظرائهم في إسرائيل.
هذه التصريحات المبالغ فيها أكثر من "اللزوم الدبلوماسي" عارضته أصوات داخلية بالقول: "لا تكونوا إسرائيليين أكثر من إسرائيل"، مع مطالب باحترام مشاعر المواطنين الرافضين لهذه الخطوة.
هرولة سياسية
وزير الخارجية المغربي "ناصر بوريطة"، كسر الخط الأحمر "المحرم" ليسجل -نفسه كأول مسؤول حكومي مغربي- يجري حوارا مع قناة إسرائيلية، لتتوالى بعدها هذه الهرولة مع وزيرة السياحة "نادية فتاح العلوي"، ووزير الصناعة والتجارة والاقتصاد "مولاي حفيظ العلمي"، ومسؤولين آخرين.
وفي مقابلة مع قناة "كان" العبرية، قال بوريطة: إن "توقيت إعادة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل كان مناسبا، وجاء بعد أكثر من سنتين ونصف من العمل بين الملك "محمد السادس" والإدارة الأميركية حول قضية الصحراء المغربية والتطورات في الشرق الأوسط".
وشدد على أن استئناف العلاقات مع إسرائيل هو "قرار سيادي ينطلق من طبيعة العلاقات بين المغرب واليهود عامة، وبينه وبين إسرائيل خاصة، والعلاقات بين الملك محمد السادس والإسرائيليين من أصول مغربية هي علاقة خاصة، بدليل خروج الناس بإسرائيل للاحتفال بعودة العلاقات".
في ختام مقابلته، لم يستبعد وزير الخارجية المغربي أن يُجري زيارة إلى إسرائيل، وقال جوابا عن سؤال إعلامي القناة في الموضوع: "كل شيء ممكن.. سآتي عندكم إلى الإستوديو".
وفي حواره مع صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، قال بوريطة: "لا يمكن مقارنة علاقات المغرب بإسرائيل بعلاقات الأخيرة مع أي من الدول العربية، فالعلاقة بين تل أبيب والرباط فريدة".
وزيرة السياحة، "العلوي"، سارت على نهج بوريطة، وظهرت تواليا على قناة "كان" وأجرت بعدها حوارا مع "يديعوت أحرنوت" في 27 ديسمبر/كانون الأول 2020، وأكدت من خلاله سعيها لـ"جعل بلادها مقصدا للسياح الإسرائيليين، ربما تسبق في ذلك إمارة دبي نفسها".
وذكرت "يديعوت أحرنوت" أن العلوي قد أجرت أول حوار من نوعه لصحيفة إسرائيلية، للتأكيد على أنها "تخطط لجلب ما يزيد عن 200 ألف إسرائيلي إلى المغرب سنويا"، معربة عن "طموح كبير في كسب ثقة إسرائيليين أكثر، ليسوا من أصل مغربي أيضا، وسيقعون في حب بلادها".
وفي رد على "هذا الحب"، قال الناشط الإعلامي حسن حمورو: "بعد هرولة بوريطة.. وزيرة السياحة تهرول هي الأخرى للتصريح لقناة إسرائيلية.. مهلا عليكم أيها السادة الوزراء، راكم مغاديش تفرضوا هادشي على المغاربة بزز (لن تفرضوا هذه الأمور غصبا على المغاربة)!".
وأضاف في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك: "رغم أني كمواطن من المعجبين بأسلوب بوريطة وبذكائه في التعامل مع الصحافة وبلباقته في التصريحات والحوارات، وأجدني متفهما لقيامه بحملة إعلامية في إطار شرح وتوضيح القرارات التي اتخذتها دولتنا دفاعا عن مغربية صحرائنا".
واستدرك قائلا: "لكن لا معنى لتخصيصه قناة إسرائيلية بتصريح بهذه السرعة، والذهاب بعيدا في الحديث عن زيارة ممكنة للأرض المحتلة.. على السيد الوزير أن يراعي ويحترم مشاعر المغاربة ووجدانهم.. راها فلسطين هادي! (إنها فلسطين)".
خفة دبلوماسية
الخبير في الإعلام وتحليل المحتوى الإلكتروني، عبد الله الراجي، قال: إن "جل الملاحظين وحتى المواطنين سجلوا ما يمكن أن نسميه الاحتفاء المبالغ فيه حد الاستفزاز للشعور الشعبي العام الذي واكب به عدة وزراء مغاربة حدث التطبيع".
وأضاف في حديثه مع "الاستقلال": أن "هذا الظهور في وسائل الإعلام الإسرائيلية يثير مجموعة من التساؤلات حول الفجائية في هذه المواقف، رغم أن هؤلاء لم تكن لهم مواقف وتصريحات مسبقة في هذا الاتجاه".
وأشار "الراجي" إلى أن "أغلب هؤلاء الوزراء يدورون في فلك الدولة، أي المحسوبون على ما يسمى "المخزن" أو الدولة العميقة، ما يعني أن هذا ليس اختيارا فرديا، لكن هذه سيمفونية عامة تؤطر لتوجه النواة الصلبة للدولة في هذا الموضوع".
وتابع: "البيان الملكي في البداية كان محتشما، وحدد التطبيع في 3 عناصر أساسية، هي إعادة الرحلات الجوية، ومكاتب الاتصال، والعلاقات الاقتصادية، لكن الملاحظ بعدها أن هناك وتيرة أسرع خلال الأيام الماضية".
واعتبر الراجي أن "هذه التصريحات تعكس نوعا من الخفة الدبلوماسية والتفاؤل الساذج وحتى الطفولي، في الوقت الذي نعرف أن إسرائيل لا يمكن أن تعطي مكسبا إلا إذا أخذت أضعافه سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي".
وأوضح أن "هذه التصريحات التي صدرت من وزراء إما تابعين لأحزاب قريبة من الدولة أو وزراء مستقلين، لكن يدورون في فلك النواة الصلبة للحكم في المغرب، وقد تعكس مصالح مالية واقتصادية ضيقة لهم أو للوسط الذي يعبرون عنه، أو مرتبطة بما قد يجنوه في إطار العلاقات".
وتابع: "جزء كبير منهم يشتغل في مجال المال والأعمال (وزير الصناعة والتجارة مولاي حفيظ العلمي)، وقد تكون لهم ارتباطات أو علاقات بمراكز وقوى ضغط (لوبيات) في هذا الإطار".
لكن المثير، كما يقول الراجي، أن الجانب الإسرائيلي الذي من المفترض أين يكون أكثر احتفالا بهذا الحدث "لم نجد عنده هذا المستوى من التفاؤل والترحيب والتسويق لهذه الخطوة، باستثناء الشكل الاحتفالي لما يسمى باليهود الإسرائيليين من أصل مغربي، وبالتالي لم يكن هناك احتفاء بنفس المستوى الذي أظهره المسؤولون المغاربة للأسف".
وعن جرأة الوزراء دون احترام للأصوات المناهضة، أوضح الخبير المغربي: أنه "في الأيام الأولى لإعلان التطبيع كان هناك نوع من الحذر حتى في الخطاب الرسمي، ربما كانوا يتوجسون من رد فعل شعبي معارض، لكن هذا الرد لم يأخذ احتجاجا قويا، بالإضافة إلى أن المواقف الحزبية المحتشمة ظهر أنه لن يبنى عليها تحرك شعبي".
وأشار الراجي إلى أن "المحاولات الاحتجاجية المحدودة قوبلت بالقمع أو التفريق من قبل السلطات الأمنية، ولهذا اطمأن النظام السياسي بأن الرد الشعبي لن يكون قويا بالمستوى الذي كان يتوجس منه، فانطلقت ألسنة هؤلاء بهذا الشكل المتجاوز".
انقلاب المفاهيم
المثير في هذا المسار المتجاوز، أنه حين استضافت قناة "الميادين" اللبنانية الممولة من إيران، وزير الشغل المغربي "محمد أمكراز" بصفته الحزبية كرئيس لشبيبة (شباب) حزب العدالة والتنمية، للحديث عن الاعتراف الأميركي بالصحراء واستئناف العلاقات مع إسرائيل، طالته انتقادات من فئة وقفت في صف وزراء التطبيع الإعلامي.
وتعليقا على ذلك، قال الباحث السياسي خالد البكاري: "في وقت صفقوا فيه لبوريطة كونه تحدث إلى وسيلة إعلامية إسرائيلية، استنكروا على أمكراز التحدث لقناة تبث من لبنان واعتبروها عدوة، فيما التي تبث من تل أبيب صديقة!، الله أكبر، يعني وصلنا ضمنيا للمستوى الأخير في التقييم، ارحمونا قليلا".
وتابع في تدوينة على صفحته بفيسبوك: "المنتقدون لرافضي التطبيع بأنهم عاطفيون، تحولوا هم أيضا لعاطفيين ورومانسيين تجاه الإسرائيليين، ويسردون لنا حكايات دموع الإسرائيليين حين يفتكرون تكشبيلا تيوليولا (الأحداث التاريخية)".
من جهته، شدد الراجي على أن "عدة عوامل تداخلت في أزمة أمكراز، أولا لأنه رئيس "شباب العدالة والتنمية" وكان المقصود من استهدافه هو موقف شباب الحزب من رفضه الرسمي للتطبيع، وثانيا أن قناة "الميادين" إيرانية التمويل، والرباط قطعت علاقاتها مع طهران قبل 4 سنوات".
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "بالتالي وجدوا هذا المبرر، لكن الأصل هو مواجهة الموقف المعارض للتطبيع وليس شخص أمكراز".
وفي خضم هذا "التسابق الوزاري" نحو الإعلام الإسرائيلي، أصدرت "النقابة الوطنية للصحافة المغربية" رفضها أي تطبيع أو تواصل مع تل أبيب، رغم قرار عودة العلاقات الدبلوماسية.
وقالت في بيان: إنها "ترفض أي تطبيع أو تواصل إعلامي مع الكيان الإسرائيلي على حساب الحقوق المشروعة والثابتة للشعب الفلسطيني، وعلى حساب قيم السلام والتعايش والحوار التي تحفظ حقوق الجميع".
وأكدت النقابة أن بيانها "يأتي انسجاما مع موقفها الثابت والتاريخي المساند للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة عاصمتها القدس الشريف".