تعويم الدينار وخفض الرواتب.. هل ينجح الكاظمي بإنهاء أزمة العراق المالية؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أحدثت الحكومة العراقية أزمة كبيرة بعد قرارات مفاجئة بتعويم الدينار العراقي، بنسبة تصل لـ30 بالمئة، وخفض رواتب الموظفين بنحو 20 بالمئة، في الموازنة العامة لعام 2021، التي اعتبرها وزير المالية، علي علاوي، بأنها خطوات لإصلاح اقتصاد البلاد.

ويعاني العراق من أزمة مالية منذ تفشي فيروس كورونا مطلع 2020، وتدهور أسعار النفط وتراجع الإيرادات، الذي تسبب بعجز كبير في الموازنة العامة اضطر وزارة المالية إلى الاقتراض مرتين من المصارف من أجل دفع رواتب الموظفين وسد النفقات الضرورية.

معالجات خطيرة

تغيير سعر صرف الدينار العراقي من 1191.5 إلى 1470 دينارا عراقيا مقابل الدولار، وتخفيض رواتب الموظفين، أثار تساؤلات عن مدى نجاح قرارات الحكومة في إنهاء الأزمة المالية، وأسباب لجوئها إلى هذه الخطوات رغم صعود أسعار النفط.

وتعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي العراقي عامر الجواهري لـ"الاستقلال": إن "الحكومة الحالية عمرها عام واحد، لكنها تسلمت واقعا مريرا عمره عقود، بدءا من سبعينيات القرن الماضي، وتكللت بسوء إدارة مخيف للاقتصاد بعد عام 2003، ما أدى إلى حدوث تراكمات خطرة على الاقتصاد العراقي".

وأوضح الجواهري أن "الحكومات لم تتخذ خطوات البتة في تنويع الاقتصاد، والتي تستغرق عشرات السنين حتى نحقق تخفيض الاعتماد على النفط، أما الاعتماد على زيادة الجمارك والضراب فلا جدوى منه، لأن لدينا استيرادات محدودة نأخذ عليها جمارك وضرائب".

ورأى أن العلاجات التي اتخذتها الحكومة لإنهاء الأزمة المالية سهلة لكنها خطرة، مبينا أنها لن تحل الأزمة لأن الهدف من رفع سعر الصرف، هو الحصول على دينار أكثر من البنك المركزي للإيراد النفطي.

وأكد الجواهري أن هناك عجزا في الموازنة، وأن نحو 9 بالمئة من النفقات فيها مخصصة للقروض الداخلية والخارجية، لذلك هم مضطرون للجوء إلى تخفيض قيمة الدينار، لكن هذه الزيادة بحدود 20 بالمئة فجائية وسريعة وتترك تداعيات لا يتحملها المواطن.

ولفت إلى أن الاقتراض الذي أخذته الحكومة هو اقتراض محلي مرتين لسداد الرواتب، إضافة إلى أن الاحتياطي النقدي للبنك المركزي بدأ ينخفض وهناك تكمن الخطورة، ورغم كل ذلك ما تزال الحكومة في موازنتها المقبلة تدعم الشركات الخاسرة.

ونقلت وكالة "فرانس برس" في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2020، عن مسؤولين عراقيين (لم تكشف هويتهم) أن هدفهم من مشروع قانون موازنة 2021، هو "الصمود" بعد أزمة مالية غير مسبوقة ناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد وانهيار أسعار النفط، الذي شكل 90 بالمئة من موازنته.

وقال مسؤول عراقي للوكالة: إنه عندما كان يجري إعداد المسودة "نحاول تخفيف الضغط على فاتورة رواتب القطاع العام، وهي أكبر نفقاتنا"، مضيفا: ""إذا دفعنا الرواتب لموظفينا بالدينار الذي أصبحت قيمته الآن أقل بنحو 25 في المئة، يمكننا تقويض العجز المالي وتوزيع هذه الأموال بشكل أكبر".

والقطاع العام هو أكبر صاحب عمل في العراق مع نحو أربعة ملايين موظف، إضافة إلى ثلاثة ملايين متقاعد ومليون شخص يتقاضون مرتبات الرعاية الاجتماعية.

ومن المتوقع أن تنهي بغداد هذا العام المضطرب 2020 مع تقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 11 في المئة، وارتفاع معدل الفقر إلى 40 بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة.

أزمات متراكمة

من جهته، قال الخبير الاقتصادي والمالي العراقي، باسم جميل أنطوان: إن "عملية الإصلاح كانت ضرورية ومطلوبة ليس اليوم، وإنما من قبل 10 أعوام، منذ انخفاض أسعار النفط عام 2009، فالتفكير بالإصلاح كان ينبغي أن يجري منذ تلك الفترة، لأن الاقتصاد العراقي ريعي ويعتمد على النفط".

وبيّن خلال تصريحات صحفية في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أن "الاقتصاد الريعي تابع وليس مستقل، فهو يتبع سياسيا واقتصاديا لأسعار النفط والموازنات المالية في البلد، ولذلك فمن المفروض اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية واقع الاقتصاد وتطوير النشاط الاقتصادي إلى الإنتاجي في الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات والنقل".

وأشار أنطوان إلى أن "مساهمة الصناعة بالناتج الإجمالي المحلي يعادل 1.5 بالمئة فقط، أما الزراعة فتصل إلى 6 بالمئة، وهذا الوضع الاقتصادي مكشوف وكان لا بد من معالجته في حينها، لكننا لم نر أي معالجات رغم ضخامة الموازنات المالية، ففي عام 2013 كانت الموازنة انفجارية، لكن أين ذهبت؟".

واستبعد الخبير الاقتصادي نجاعة خطوات الحكومة، "طالما أن الأسباب التي أدت إلى هذا الانهيار باقية وموجودة، إضافة إلى استمرار الكتل السياسية بتعيينات أشخاص بشكل عبثي، ووجود لجان اقتصادية داخل الوزارات، كل ذلك يجعل من الصعب تحسن الوضع الاقتصادي".

ولفت إلى أنه "مهما أتينا من مبالغ فإن موازنة العراق تبقى تشهد عجزا ولا يوجد فائض، على العكس من دول أخرى نفطية ريعية مثل النرويج التي لديها صندوق سيادي بأكثر من 870 مليار دولار".

وتابع أنطوان: "العراق جاءته الفرصة لأن يحتاط ويبني صناديق للأجيال، وليس صندوقا واحدا لمثل هذه الأيام، لكن الحكومات لم تكن تسمع أحدا ولا يعرفون كيف يديرون الاقتصاد، إضافة إلى أن الفساد آفة كبيرة نخرت بالجسد العراقي وجعلته ينهار بهذه السرعة".

وبخصوص فرص تراجع حكومة الكاظمي عن قرارتها بفعل الضغوطات السياسية، قال أنطوان: "لا أعتقد أن تتراجع عن القرار، لأنه جرى باتفاقات سياسية، بعيدا عما يصرحون به في وسائل الإعلام، لأنه لا توجد لديهم إرادة، فهم نفسهم (القوى السياسية) ساهموا بوصول البلد إلى الحال الذي هو فيه".

احتجاج برلماني

احتج 40 نائبا عراقيا ضد قرار تخفيض الدينار العراقي، فقد قدم النواب، في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2020، طلبا لرئاسة البرلمان، طالبوا فيه باستضافة رئيس الوزراء وزير المالية ومحافظ البنك المركزي.

وطالب النواب بمناقشة أسباب انخفاض سعر الصرف وتصنيف البنوك، إضافة إلى السياسة المالية المتبعة، واتفاقيات البنك المركزي ووزارة المالية مع صندوق النقد الدولي والشروط والالتزامات، وكذلك مناقشة فشل الأداء الحكومي وعدم قدرة الدولة على تنفيذ منهاجها الحكومي.

وتخفيض قيمة الدينار أمام الدولار، اقترحته وزارة المالية، ضمن مشروع قانون الموازنة الاتحادية للعام 2021، الذي ينتظر مصادقة البرلمان، حيث أثار القرار موجة استياء واسعة في الأوساط الشعبية، فيما بررته الوزارة بتعرض البلاد لأزمة مالية إثر تراجع أسعار النفط بالأسواق العالمية، جراء تفشي فيروس كورونا.

وفي رد على انتقادات الكتل السياسية وبعض البرلمانيين بشأن قرار وزارة المالية برفع سعر صرف الدولار، دافع الوزير علي علاوي عنه، معتبرا أنه يحظى بتأييد القوى السياسية والبرلمانية والفعاليات الاقتصادية التي شاركت مع الحكومة في نقاشات مطولة للتوصل إلى هذا الإجراء.



علاوي في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، اعتبر أيضا أن هذه القرار يحظى بتأييد الجهات الدولية المختصة ومنها صندوق النقد الدولي الذي وعد بتخصيص مبالغ كبيرة لمواجهة انعكاسات الجائحة على الفئات الهشة.

وقال علاوي في بيانه: إن "الحكومة تعمل بشكل فوري على دعم القطاعات المتضررة والشرائح الفقيرة عبر إجراءات تتضمن زيادة مخصصات الرعاية الاجتماعية في الموازنة العامة من أجل تعويض الارتفاع المحتمل في أسعار بعض السلع المستوردة"، مؤكدا "توجيه المصارف الحكومية بزيادة معدلات سعر الفائدة تشجيعا للمواطنين للاحتفاظ بمدخراتهم في هذه المصارف والاستفادة من الفائدة المرتفعة المقدمة إليهم".

وعن التوجه نحو تخفيض رواتب الموظفين، قال الوزير في مقابلة تلفزيونية مع عدد من القنوات العراقية، في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2020: إن "مخصصات الموظفين ستخفض، لكنها لن تمس أو تؤثر على جميع الموظفين، والرواتب لم تمس"، مشيرا إلى أن "هناك مخصصات مبالغا بها لبعض فئات الموظفين".

وأكد أن "120 بالمئة من الموازنة تذهب لرواتب الموظفين، وأن كلفة التقاعد ستزيد بنسبة 40 بالمئة في موازنة 2021".

ووفقا لمسودة قانون الموازنة الاتحادية لعام 2021 المُسربة فقد تضمنت الموازنة عجزا تجاوز الـ 58 تريليون دينار عراقي (الدولار الواحد يعادل 1470 دينارا)، كما تم احتساب الإيرادات المخمنة من تصدير النفط الخام على أساس سعر 42 دولارا للبرميل، وبمعدل تصدير 3 ملايين و250 ألف برميل يوميا، بضمنها 250 ألف برميل مصدرة من إقليم كردستان.