إعلان ترامب مغربية الصحراء.. كيف أدخل الرباط بمتاهة قانونية وسياسية؟
إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اعتراف بلاده بسيادة الرباط على الصحراء الغربية في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، فتح الباب أمام جدل قانوني واسع في المغرب.
هذا الجدل انقسم بين فريقين: الأول يعتبر القرار "فارغا" ودون قيمة قانونية، وبالطبع منعدم الأثر السياسي، فيما طرف آخر يرى أن "الإعلان" الرئاسي حائز للقوة الدستورية والقانونية ومنتج لآثار سياسية قادمة.
ماهية الإعلان
كثيرة هي الآراء التي اندفعت مؤيدة ومعارضة لـ"إعلان ترامب" حول الصحراء الغربية، والتي تحولت منذ ذلك التاريخ في الوثائق الأميركية إلى جزء من التراب المغربي عوض صفة "منطقة متنازع عليها".
وتعرفها الأمم المتحدة بكونها منطقة متنازع عليها تقع في المغرب العربي، وتحديدا في منطقة شمال إفريقيا حيث يسيطر المغرب على جزء كبير منها.
فيما تعتبر دول أخرى، إقليم الصحراء، منطقة مستعمرة في عملية تصفية الاستعمار (1975)، تسعى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بإصدار قرارات لإيجاد حل نحو "عملية تقرير المصير لسكان الصحراء".
وإلى حدود 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، كان هذا هو التعريف الذي تعتمد الولايات المتحدة، قبل أن يغير ترامب هذا الموقف والتعريف، وذلك عبر آلية "الإعلان" الرئاسي ما أثار جدلا حول معناه وقيمته وأثره في المغرب ودول الجوار.
ويعد الإعلان الرئاسي في أميركا، واحدا من الأدوات القوية الثلاث التي منحتها الممارسة السياسية والدستورية الأميركية لرئيس الجمهورية من أجل ممارسته رئاستها للسلطة التنفيذية، دون الاضطرار للجوء إلى الكونغرس.
وتعتبر "الأوامر التنفيذية" و"الإعلانات" و"المذكرات"، أدوات مخولة حصريا لرئيس الولايات المتحدة، وذلك لاعتماد أميركا على نظام فصل للسلط، فالرئيس غير قادر على التشريع رسميا -وهي سمة يمنحها الدستور حصريا للكونغرس- لكنه عبر الممارسة والتاريخ لجأ إلى هذه الآليات والأدوات لتنفيذ أجندته السياسية.
ويستند الرئيس الأميركي في ممارسته هذه إلى تفسير للمحكمة العليا (الدستورية) مفاده أن رئيس الدولة يستمد هذا الامتياز من المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن "السلطة التنفيذية يجب أن تناط برئيس أميركا".
ورغم أنها جزء من الممارسة السياسة في أميركا، غير أن "الأمر التنفيذي"، "الإعلانات"، و"المذكرات" من الناحية العملية لم يتم تعريفها ولم يتم توضيحها صراحة في دستور الولايات المتحدة وقانونها، رغم قبولها دائما في الإجراءات الرئاسية، واستخدامها بشكل دائم ومتكرر.
وتتمتع "الأوامر التنفيذية" و"الإعلانات الرئاسية" بقوة القانون، تماما مثل اللوائح الصادرة عن الوكالات الفيدرالية، لذلك يتم تدوينها بموجب المادة 3 من قانون اللوائح الفيدرالية (الجريدة الرسمية)، وهو الجمع الرسمي لجميع القواعد واللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية، والوكالات الفيدرالية الأخرى.
وتعد الإعلانات الرئاسية أول شكل لممارسة الرئيس مهامه التنفيذية، حيث ظهر أول إعلان رئاسي في عهد أول رئيس لأميركا، جورج واشنطن، للاحتفال بعيد الشكر عام 1783، وتوالت بعده الإعلانات، لتصل نحو 13 ألفا، أشهرها إعلان "تحرير العبيد" من طرف الرئيس إبراهام لينكولن.
"وعود" ناقصة
يُعتبر الأكاديمي محمد الشرقاوي، من أوائل الباحثين المغاربة الذين شككوا في مدى قانونية الإعلان الرئاسي الأميركي، مشددا على أن هذا الاعتراف "لا يستحق كل هذا الاحتفاء داخل المغرب".
ونشر الشرقاوي، وهو أستاذ زائر بجامعة "جورج ميسن" الأميركية، مقالا على موقع "لكم"، خاطب فيه صانع القرار السياسي بالمغرب، وتحديدا وزير الخارجية ناصر بوريطة، دعاه إلى عدم قول نصف الحقيقة للمغاربة، والوقوف عند "ويل للمصلين".
ووصف الشرقاوي إعلان ترامب بـ"الوعد"، موضحا أن "أي إعلان رئاسي ليس مرسوما رئاسيا.. ولا يتمتع الإعلان الرئاسي بقوة القانون الأميركي ولا الدولي ما لم يصدق عليه أعضاء مجلس الشيوخ في مقر الكونغرس".
ومضى قائلا: "بل ويمكن لأي قاض فيدرالي إلغاؤه بحكم قضائي، كما حدث عام 2017 عندما قرر 3 قضاة فيدراليين إلغاء الإعلان الرئاسي لترامب نفسه بمنع سفر مواطني 7 دول ذات أغلبية مسلمة من السفر إلى الولايات المتحدة".
وفي حديثه عن الأثر، قلل الشرقاوي من قيمة الإعلان "لن يغطي هذا المسعى على اهتمام الحكومات والشعوب عبر العالم بالسؤال الأكبر: ما هو الثمن الحقيقي الذي يدفعه المغرب إلى رئيس منصرف من البيت الأبيض بعد 5 أسابيع".
وتابع: أن ترامب "يصر على أكبر عائد من صفقاته، وإلى رئيس وزراء في تل أبيب يحرص على الكسب الأحادي من خلف صفقات ترامب وتخريجات اتفاقات التطبيع، في اختراق مواقف المعارضة للتطبيع وجر أرجل العواصم العربية تباعا للصعود إلى القطار المتحرك من الخليج إلى المحيط".
وشدد الشرقاوي على أن "هناك فرقا شاسعا بين القراءة الموضوعية والإسقاطات السخية التي تتولد من شدة الشوق لأي إيماءة من إحدى الدول العظمى يمكن اعتبارها نجاحات دبلوماسية أو مكاسب إستراتيجية".
سلسلة خطوات
وبخلاف ما ذهب إليه الشرقاوي، يرى فريق آخر من الباحثين أن الإعلان الأميركي، يجسد واحدا من أشكال ممارسة السلطة التنفيذية من طرف الرئيس، وأن القضاء الدستوري منحه هذه القيمة القانونية، رغم عدم وجود نص دستوري.
في هذا السياق، أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة مدينة تازة المغربية، إسماعيل حمودي، أن "الإعلانات الرئاسية جزء من الآليات التنفيذية التي يمارس بها الرئيس السلطة المخولة له بنص الدستور الأميركي".
وأوضح حمودي، في تصريح لـ"الاستقلال"، أن "أكبر دلالة على القيمة القانونية لهذه الإعلانات الرئاسية، هو تدخل المحكمة العليا (الدستورية) للنظر في مدى مطابقتها للدستور، ومثال ذلك قرار المحكمة بخصوص الجدار مع المكسيك".
وأشار إلى أن "الإعلان الرئاسي ملزم لجميع الإدارات الأميركية، بدليل أن سفارة واشنطن بالرباط أقرت تعديلا لخريطة المغرب (بحذف الخط الفاصل بين المغرب والصحراء الغربية)، تنفيذا لنفس الإعلان".
وتابع: "كما أعلنت الإدارة الأميركية عن سلسلة خطوات سياسية واقتصادية، وأيضا مراسلة هذه الإدارة لمجلس الأمن الدولي تخبره بتغيير موقفها من قضية الصحراء، مما يؤكد القيمة القانونية والمؤسساتية لهذا الإعلان".
ورأى حمودي أنه "من المفيد أن نميز بين صدور الإعلان وقيمته المؤسساتية والقانونية من جهة، وبين تعزيزه من خلال اعتماده من قبل الكونغرس، من جهة ثانية، وهنا لا بد من القول إن عدم صدور الإعلان على شكل قانون من الكونغرس لا ينقص من قيمته، واعتماده من قبل الأخير يمنحه قوة إضافية".
وفي سياق الحديث عن الأثر السياسي المتوقع لهذا الإعلان، يذهب حمودي إلى أن هذا "الأثر واضح من الوهلة الأولى لنشر وتوقيع الإعلان الرئاسي".
وأوضح أن "الإدارة الأميركية نفذت عمليتين، الأولى داخلية من خلال تعميم القرار على جميع المؤسسات لاعتماده، وفي هذا الإطار جاءت الندوة الصحافية لسفارة واشنطن لدى الرباط".
أما الأمر الثاني، فخارجي؛ حيث راسلت الإدارة الأميركية مجلس الأمن والأمم المتحدة لتخبرهما بالتحول الذي طرأ على موقفها في قضية الصحراء والانتقال من كونها أرضا متنازعا عليها إلى اعتبارها أرضا خاضعة للسيادة المغربية.
وأكد حمودي أن "قوة الإعلان وأهميته، تكمن في كونه من جهة صادر عن القوة العظمى الأولى في العالم، وهي أهم دولة في مجلس الأمن، والأهم أن الإدارة الأميركية هي التي تقوم بإعداد تقرير بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية".
ولفت إلى أن "الخطوات التي تلت الإعلان الرئاسي تعني الشيء الكثير بالنسبة للمغرب، أميركا قررت مع الإعلان فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة في إقليم الصحراء، وذلك للإشراف على مشاريع اقتصادية، وهو ما يعني أن هناك تفاهمات مغربية ـ أميركية للاستفادة من تحويل المدينة إلى قطب اقتصادي في غرب إفريقيا".
وفي السنوات القليلة الماضية، أطلق المغرب مشروعا اقتصاديا في الصحراء، يقوم على تحويل ميناء الداخلة، من ميناء للصيد البحري إلى آخر ذي طبيعة اقتصادية، حيث يتم عبره تصدير الفوسفات إلى إفريقيا، ونقل البترول من نيجيريا إلى أوروبا في إطار تفاهم مع دول غرب إفريقيا.
وأكد حمودي في ختام تصريحه لـ"الاستقلال" أن "الإعلان الرئاسي ليس قرارا لترامب، بل هو للإدارة الأميركية، وتحديدا ثلاث مؤسسات على الأقل هي وزارتا الخارجية، والدفاع، ثم وكالة الاستخبارات (CIA)، وهذا ما يعني أن أميركا الدولة هي صاحبة القرار وفق رؤية ستتكشف تفاصيلها أكثر في المستقبل".