عبر إسرائيل.. لماذا اختار السيسي طريقا أطول للوصول إلى البيت الأبيض؟

12

طباعة

مشاركة

مع الإعلان عن قرب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى القاهرة رسميا لأول مرة منذ 10 سنوات، يثار التساؤل بشأن الدور الذي يمكن أن تلعبه تل أبيب لاعتماد رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي لدى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي فك رموز العلاقة بين القاهرة وواشنطن خلال السنوات الأربع المقبلة.

ورغم إعلان مكتب نتنياهو في 4 فبراير/شباط 2021، إرجاء زيارته للإمارات والبحرين، المقررة 9 فبراير/ شباط 2021، للمرة الثالثة منذ توقيع اتفاق التطبيع بينهما في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، تصدرت أنباء زيارة نتنياهو إلى القاهرة الصحف العبرية، ما يشير لأهمية تلك الزيارة التي تأجلت منذ ديسمبر/ كانون الأول 2020.

وكانت آخر زيارة رسمية لنتنياهو إلى مصر، خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك في 6 يناير/ كانون الثاني 2011، أي قبل نحو 3 أسابيع من ثورة يناير 2011.

الزيارة جرت في مدينة شرم الشيخ (جنوب سيناء) التي كانت مقر لقاءات مسؤولي البلدين، ولاحقا ملتقى اللقاء السري للسيسي ونتنياهو في 2018، وفق موقع "أكسيوس"، بعد لقاء رسمي جمعهما في نيويورك سبتمبر/ أيلول 2017.

لقاء مرتقب

الكاتب الإسرائيلي باراك رافيد، نقل عن مصدرين إسرائيليين مطلعين أن نتنياهو، ينوي زيارة مصر قبل الانتخابات الإسرائيلية في مارس/ آذار 2021، موضحا في مقال لموقع "واللا الإخباري"، 3 فبراير/ شباط/ 2021، أن السيسي اشترط تقديم نتنياهو بادرة تجاه القضية الفلسطينية مع الزيارة، كإعلان الالتزام بحل الدولتين، لكن نتنياهو اعترض على أية خطوة في هذا الإطار قبل الانتخابات.

وتحدث عما وصفه بالقلق المصري من العلاقة مع إدارة بايدن، لافتا إلى أنه رغم أن السيسي لا يهتم كثيرا بالقضية الفلسطينية، إلا أنه مهتم باستئناف دور مصر بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإرسال إشارة إيجابية للبيت الأبيض، وزيادة علاقاتها كشريك بنظر بايدن. 

ويعتقد أن زيارة نتنياهو لمصر الآن، قد تعيد التأكيد على دور القاهرة في الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين، وبالتالي وضع مصر على الأجندة الإيجابية لدى إدارة بايدن، موضحا أن "السيسي بالفعل يدفع بهذا الاتجاه"، وذلك في ظل مخاوفه من إدراة بايدن. 

لكن، ماذا تستطيع إسرائيل فعله للتقريب بين السيسي وبايدن؟، أشار الكاتب بالصحيفة العبرية إلى تأكيد مسؤولين عسكريين إسرائيليين أنهم "سيشجعون إدارة بايدن على إعطاء الأولوية لتعزيز التحالف الإقليمي مع الدول العربية"، وقولهم: "كنا بالفعل قريبين جدا من خسارة مصر قبل بضع سنوات، ورسالتنا ستكون ببطء لبايدن ألا يؤذي العلاقات معها". 

مسؤولون أمنيون كبار كانوا قالوا أيضا للموقع العبري، في 14 يناير/ كانون الثاني 2021: "إسرائيل تعتزم مطالبة إدارة بايدن بعدم الضغط على السعودية ومصر والإمارات، وتجنب المواجهات معهم بقضايا حقوق الإنسان وبعض القضايا الإقليمية".

وذكر الموقع حينها أن إسرائيل شجعت بالأسابيع الأخيرة مصر والسعودية لاتخاذ تدابير حقوقية لتحسين المناخ مع إدارة بايدن، فيما نقل عن المسؤولين الأمنيين عزمهم التأكيد لإدارة بايدن على أن أزمة في العلاقات مع القاهرة والرياض وأبوظبي، قد تدفع العواصم الثلاثة بعيدا عن واشنطن ونحو موسكو وبكين.

تلك المواقف الإسرائيلية المعلنة دعمها لموقف السيسي إزاء إدارة بايدن، يعززها تقدير لـ"مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي حذر من أن فشل إسرائيل في دعم السيسي، أمام إدارة بايدن، يمس المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية.

التقرير المنشور في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أكد أن إسرائيل تقدر على إقناع واشنطن بأن العلاقات المصرية الوثيقة مع روسيا والصين ليست بالضرورة على حساب العلاقات مع واشنطن.

أزمة مبكرة

أزمة السيسي، مع بايدن، بدأت مبكرا وقبل دخول الأخير البيت الأبيض، بانتقاده حين كان مرشحا رئاسيا ملف مصر بحقوق الإنسان في 12 يوليو/ تموز 2020، وقوله عبر تويتر: "لا مزيد من الشيكات على بياض للديكتاتور المفضل لترامب"، وفق تعبيره، مشيرا لوصف سلفه دونالد ترامب الصديق الحميم للسيسي في آب/أغسطس 2019.

وإزاء وضع بايدن، ملف حماية حقوق الإنسان على رأس قائمة أولويات سياسته الخارجية وانتقاده الملف الحقوقي لمصر وأيضا السعودية والإمارات، لم تُجر حتى الآن محادثات هاتفية بين زعماء الدول الثلاثة وبايدن رغم توليه السلطة في 20 يناير/ كانون الثاني 2021، ورغم أنهم حلفاء رئيسين لواشنطن.

الإعلام المصري عبر عن مخاوف نظام السيسي، من ردود فعل بايدن، وهو ما كشفه لقاء للإعلامي عمرو أديب، مع البرلماني مصطفى بكري، والأكاديمي معتز عبدالفتاح في 31 يناير/ كانون الثاني 2021.

يتخوف السيسي بداية من الخضوع لمقصلة العقوبات الأميركية أو خفض أو منع المساعدات البالغة وفق الميزانية الفيدرالية للعام 2020 نحو 1.4 مليار، وهو ما دفع إدارته إلى توقيع عقد مع شركة جديدة للعلاقات العامة بأميركا، بقيمة 65 ألف دولار شهريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لتحسين صورة السيسي أمام دوائر الحكم الأميركية.

تلك المحاولة لتحسين صورة السيسي، سبقها حراك من نظامه وعلى غير عادته منذ الانقلاب العسكري الذي قاده منتصف 2013، بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، حيث احتضنت القاهرة لقاءات الفرقاء الفلسطينيين بحركتي "فتح"، و"حماس"، فيما قام رئيس المخابرات المصري عباس كامل بزيارة إلى رام الله وإسرائيل في 17 يناير/ كانون الثاني 2021.

ملف المصالحة

الصحفي المصري سليم عزوز، قلل من أهمية دور السيسي لدى تل أبيب وواشنطن بملف المصالحة الفلسطيني الإسرائيلي، قائلا في مقال بموقع "عربي 21"، أول فبراير/ شباط 2021: "لم يعد أحد الآن بحاجة للسيسي في هذا الملف. ثم إن حكمه ليس مستقرا..".

وحول أقصى ما يمكن أن تقوم به إدارة بايدن مع نظام السيسي، قال: "يعد من الغباء الاعتقاد أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستسقط نظام السيسي بالقوة ولو بقي في موقعه أبد الدهر، لكنها ستضغط عليه بملف الحريات".

ووسط ذلك الحديث، يثار التساؤل :هل العلاقة بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن تمنح الأول إمكانية التوسط لدى الثاني لصالح السيسي؟، موقع مجلة "نيويوركر" أشار إلى أن العلاقة الآن بين الرجلين يشوبها بعض الفتور منذ فوز بايدن الذي تأخر نتنياهو كثيرا في تهنئته، لافتة لموقف بايدن غير المحدد من الملف الفلسطيني الإسرائيلي.

الصحيفة في 3 فبراير/ شباط 2021، قالت: "ربما لم يخفت إعجاب بايدن بإسرائيل، لكنه لم يسارع بالاتصال هاتفيا مع نتنياهو ولم تضع إدارته أي وقت حيث أعادت المساعدات للفلسطينيين التي قطعتها إدارة ترامب عن السلطة الوطنية وأكدت على حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني".

بغض النظر عن قدرة نتنياهو على إحداث هذا التغيير، هل تترك تل أبيب واللوبي الصهيوني بأميركا السيسي في عزلته بعيدا عن إدارة بايدن، أم تستخدم ضغوطها لتقديمه كشريك لا غنى عنه لها ولواشنطن؟

وضع معقد

السياسي المصري وليد مصطفى، في إجابته يرى أن "الوضع الحالي أصبح أكثر تعقيدا، ولا شك أن السيسي سيستعين بنتنياهو أو من سيكون بالإدارة الجديدة للكيان".

عضو حزب الوسط المصري المعارض قال لـ"الاستقلال": "المشكلة الآن أن نتنياهو كان يحتاج النظام المصري، لكن الآن انعكس  الوضع وأصبح السيسي من يحتاج نتنياهو للضغط على بايدن كي لا ينزل به أية عقوبات أو يضيق عليه".

ويعتقد مصطفى أن "السيسي، لديه مشكلة كبيرة بعد تطبيع الخليج وآثاره بداية من إنشاء مسارات تجارية وأنابيب لنقل النفط وابتعاد الملف الأمني والإستراتيجي عن يد مصر، وتأثير ذلك على الاقتصاد ووضع مصر الإقليمي وأمنها الإستراتيجي".

وتوقع السياسي المصري المقيم في الولايات المتحدة، أن "يسعى السيسي بقوة لتحقيق ما يسمى بـ (صفقة القرن)، وأطماع كيان الاحتلال الذي يعد آخر ملاذ له، مقابل الضغط الإسرائيلي لصالحه لدى إدارة بايدن".

وجزم بأن "الحكومات الأجنبية تتعامل مع الدول وفق من يدير الأمور، فلو أن الشعب هو من يحكم يتعاملون معه دون تنفيذ شيء ضد رغبته، ولو يدير الأمور قوة قمعية يتعاملون معها، لكن مع صمت المصريين إزاء الانتهاكات الحقوقية، فإن الإدارة الأميركية ستستخدم الورقة الحقوقية للضغط على النظام ليس لأجل الشعب المصري، لكن لمصالحها هي وحليفتها إسرائيل".

شريك محوري

وفي رؤيته، قال الناشط والإعلامي المصري عبد الرحمن يوسف: "لا شك أن الحليف الأكبر لنظام السيسي هو إسرائيل، في وجود نتنياهو أو سواه، فمصر ثابت من ثوابت السياسة الإسرائيلية، وإذا كان على رأس الدولة كنز إستراتيجي كمبارك، أو عميل صهيوني كالسيسي، يعرفون كيف يحققون مصالحهم معه".

"إذا كان على رأس الدولة شخص له توجهات ضد الصهيونية مثل مرسي، فإنهم أيضا يعرفون جيدا كيف يحققون مصالحهم، ولديهم عشرات الخطط، تبدأ بدعم الانقلاب عليه، وصولا إلى إشعال حرب أهلية، مرورا بكل خطط الاغتيال، أو الإفشال"، أضاف يوسف، في حديثه لـ"الاستقلال".

ويعتقد أن "إدارة بايدن، ستتعامل مع السيسي، شاءت أم أبت، والكيان الصهيوني سيساعد الطرفين لحل مشاكلهم"، لافتا إلى أن "المشاكل بينهما ليست كبيرة، وبإمكان نظام السيسي، حل غالبيتها بتنازلات غير مؤثرة، فالإفراج عن 1000 معتقل من عشرات الآلاف لن يغير من توازنات القوى بالداخل المصري، كما أن إعادة اعتقال غالبية هؤلاء فيما بعد إذا تغيرت الظروف أمر ممكن".

"قس على ذلك كثير من المشاكل العالقة بين الإدارة الأمريكية الجديدة، وبين السيسي، لا توجد مشكلة حقيقية تمنع الطرفين من التعايش السياسي"، هكذا يرى الكاتب المصري.

مضيفا: "إسرائيل ليست مضطرة لتقديم مصر كشريك لا غنى عنه، فالأميركان يعرفون ذلك، والعلاقة بين المؤسسات المصرية والمؤسسات الأميركية راسخة، لكن ما سيفعله الإسرائيليون أنهم سيقدمون السيسي كقائد متميز يفضل الاحتفاظ به لأطول فترة ممكنة".

وأكد أنه "في النهاية لا يوجد في أميركا من يريد أن يستغني عن مصر كشريك إستراتيجي، ولا توجد طلبات حقيقية يصعب الاستجابة لها، ولا توجد قضية أو أزمة يمكن أن تؤدي لخلاف حقيقي بين الطرفين".

وختم بالقول: "أصعب الأزمات التي تواجه مصر هي أزمة سد النهضة الإثيوبي، وتعامل النظام المصري الحالي مع الموضوع لا يوحي بأنه على استعداد لخوض أي معركة عسكرية أو دبلوماسية تؤدي إلى غضب أميركا، أو بعثرة أوراقها بالمنطقة".