من بوابة الجامعات.. كيف تغول المشروع الإيراني في المجتمع اليمني؟

12

طباعة

مشاركة

بات المشروع الإيراني في اليمن أكثر وضوحا، وأدواته أكثر تغولا، فإلى جانب التدخل العسكري، تقوم طهران بدور ناعم يتمثل بمحاولة طمس الهوية، وتطييف المجتمع اليمني من خلال الجامعات والكليات المنتشرة في المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.

سرعان ما تفتتح إيران فروعا لجامعاتها في البلدان التي تحكم قبضتها عليها، لتصدير ثوراتها وأيدلوجيتها الدينية والسياسية لتلك البلدان، مثلما فعلت في سوريا والعراق.

فتحت إيران الجامعة الإسلامية الحرة، وجامعة المصطفى العالمية في الكاظمية بالعراق، كما افتتحت في سوريا جامعة آزاد، وجامعة المصطفى التي تتخذ من مدينة قم مقرا رئيسيا لها، وكذلك جامعة الفارابي.

كثيرا ما تعلن طهران أنها جامعات غير ربحية، هدفها نشر الأفكار التي تعتنقها، وتخضع تلك الجامعات بشكل مباشر لإشراف وزارة الإرشاد الإسلامي والثقافي في إيران.

وفي اليمن، تراهن إيران على الشباب في إيجاد حاضنة اجتماعية لأفكارها، من خلال غسل أدمغة الطلاب وتلقينهم الأفكار السياسية والدينية التي تتبناها وتغيير هوية المجتمع اليمني.

دفعة "قاسم سليماني"

رئيس الهيئة التأسيسية والأمناء في جامعة آزاد علي أكبر ولايتي صرح بأن تأثير إيران في القوة الناعمة "يساعد على نشر الإسلام في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الصين والهند والعالم العربي".

ولايتي وهو كبير مستشاري السياسة الخارجية للمرشد الأعلى علي خامنئي أضاف خلال حفل أقيم لتكريم أساتذة جامعة آزاد في سوريا في 2017: أن "الجامعة تستطيع خلق جيل جديد واع ومثقف في البلدان المجاورة لإيران".

عقب انقلابها في سبتمبر/أيلول 2014، وسيطرتها على صنعاء، افتتحت جماعة الحوثي قسم اللغة الفارسية في كلية الآداب بجامعة صنعاء واستعانت بمدرسين يمنيين كانت قد ابتعثتهم للدراسة في المدن الإيرانية.

وفي فبراير/شباط 2015، أي بعد انقلابها بنحو 5 أشهر، أغلقت الجماعة قسم اللغة التركية بكلية اللغات بجامعة صنعاء، بشكل مفاجئ وتم حرمان نحو 150 طالبا وطالبة في القسم من استكمال دراستهم، وكان بعضهم في السنة الرابعة والأخيرة.

وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أقامت جامعة صنعاء حفل تخرج الدفعة الأولى التي سميت بدفعة "قاسم سليماني" من قسم اللغة الفارسية بكلية اللغات والترجمة.

كما استعانت الجماعة بمدرسين إيرانيين يعملون في الملحقية الثقافية التابعة لسفارة طهران في صنعاء، بعد أن عقد رئيس الجامعة الدكتور فوزي الصغير المعين من قبل جماعة الحوثي لقاء مع القائم بأعمال السفارة الإيرانية مرتضى عابدين.

إغلاق أقسام

يأتي هذا التخرج بالتزامن مع قيام جماعة الحوثي بإغلاق أقسام تخصصية أخرى في الجامعة، حيث أقدمت جماعة الحوثي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على إغلاق 7 أقسام هي اللغة الفرنسية، التاريخ والعلاقات الدولية، الجغرافيا، الفلسفة، الآثار والسياحة، المكتبات وعلم المعلومات واللغة العربية، بحجة أن الإقبال عليها ضعيف، ولم تعد مربحة ماديا.

لا تكتفي إيران بمأسسة نفوذها الثقافي لربط تلك البلدان عقائديا بإيران، من خلال تلك الجامعات، بل إضافة إلى ذلك تقوم بتوزيع مناهجها على الجامعات الأخرى التي تقع ضمن نطاق سيطرتها، وفق متابعين.

جماعة الحوثي فرضت مناهج تحتوي على مفاهيم ومصطلحات تمجد إيران وحزب الله، كما في مقرر "الصراع العربي الإسرائيلي"، وكتاب "الثقافة الإسلامية"، الذي قامت جماعة الحوثي بإعادة صياغته بما يتوافق مع أفكارهم ومواقفهم، وفي امتحانات تلك المواد يضع الحوثيون أسئلة تمجد رموز الحوثيين ونظرية الولاية وتمجد إيران وتضعها في مقابل إسرائيل.

جامعات إيرانية

في حديث مع الاستقلال يقول الدكتور نصر أحمد (اسم مستعار)، وهو أكاديمي في جامعة صنعاء: "يجري حاليا الترتيبات لإنشاء جامعات وكليات تدرس الفكر الاثنا عشري، ونظريات ولاية الفقيه، والمفاهيم الإيرانية الدخلية على المجتمع اليمني، عبر مرجعيات دينية يمنية كانت تدرس في إيران".

يضيف الدكتور نصر الذي لم يرغب بالكشف عن اسمه لأسباب أمنية: "ذلك الأمر زادت وتيرته وتزايد الحديث عنه بعد تعيين السفير الإيراني حسن إيرلو سفيرا لطهران لدى جماعة الحوثي في صنعاء (نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2020)، حيث أجرى السفير عدة لقاءات مع وزير التعليم العالي المعين من قبل جماعة الحوثي حسين حازب".

ويؤكد الدكتور نصر أن السفير الإيراني بات يعقد لقاءات مع وزير التربية والتعليم يحيى الحوثي، نجل زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، قائلا: "رغم أن يحيى الحوثي لا علاقة له بالجامعات، كونه وزير التربية والتعليم، لا وزير التعليم العالي، إلا أنه التقى به عدة مرات، من غير أن يتم الكشف عن طبيعة ما تم نقاشه في تلك اللقاءات".

وتابع: "ليس من المعروف إذا ما كان سيتم تأسيس جامعات إيرانية جديدة، أو إنشاء فروع للجامعات الإيرانية في صنعاء، لكن المؤكد أنه يتم التحضير لهذا الأمر بحجة توعية الشباب لمقاومة العدوان".

أدلجة الأجيال

الكاتب الصحفي اليمني شاكر خالد يقول: "منذ سيطرة مليشيا الحوثي على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، كان الكثير من المراقبين يتحدثون عن حاضنة شعبية رافضة لوجودها، وبالتالي كان الرهان على معركة عسكرية، وبقاء لن يدوم طويلا".

خالد أضاف في حديثه مع "الاستقلال": "لكن المليشيا ومن ورائها إيران وخبراؤها وضعوا إستراتيجية واضحة منذ الساعات الأولى لدخول صنعاء، حيث ركزوا إلى جانب القمع الأمني، على المؤسسات التعليمية والهوية التاريخية والفكرية لرموز يقفون على النقيض من هويتها الشيعية".

وأوضح أن إيران سعت بكل الوسائل إلى "طمس الهوية الوطنية وتغيير شوارع المدن وإدخال تعديلات على المناهج التعليمية بما يتناسب مع توجهاتها".

يضيف الصحفي اليمني: "إلى جانب غزو صورة عبد الملك الحوثي ومقولاته ورموز شيعية أخرى شوارع صنعاء، هدفت المليشيا إلى تنشئة جيل جديد على أفكارها، من المدارس إلى جامعة صنعاء".

وتابع: "طالعتنا شكاوى وحقائق كثيرة عن الأساليب التي لجأت إليها مليشيا الحوثي من بينها استحداث قسم للغة الفارسية وتخريج دفعة أطلقت على نفسها دفعة (الراحل) قاسم سليماني وهو القائد العسكري الإيراني المعروف".

يضيف شاكر: "تعتقد المليشيا وخبراء إيران أن الرهان على أدلجة الأجيال المقبلة سوف يضمن لها الولاء الدائم على الأقل في مناطق شمال الشمال في اليمن، ومهما بدت من تسويات سياسية مقبلة، تكون قد قطعت شوطا كبيرا وغرست بعمق فكرة الولاء والأتباع الجدد، وبالتالي زادت من وجودها كقوة ميدانية وفكرة حاضرة في المعادلة اليمنية ومن الصعب تجاوزها".

وختم شاكر كلامه بالقول: "لا شك أن مثل هذه الفكرة الشيطانية ستضاعف معاناة اليمنيين الذين يعانون ويلات الحرب والأزمة الإنسانية الأخطر في العالم، وقد بات على الطرف المقابل أن يحارب هذه المليشيا على جبهتين في آن واحد: المعركة العسكرية ومعركة الوعي الخبيث الذي تحاول استزراعه في اليمن".