"ربع الله".. مليشيا شيعية جديدة تثير الفوضى والرعب بأوساط العراقيين

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل حالة الفوضى وانتشار السلاح وتعدد المليشيات التي يختنق بها المشهد العراقي، ظهرت مؤخرا على الساحة مجموعة جديدة تطلق على نفسها تسمية "رَبع الله" (جماعة الله)، تتحرك بحرية كبيرة وتنشر الذعر في العاصمة بغداد أمام مرأى ومسمع من أجهزة الدولة.

خلال الشهرين الماضيين، ارتكبت جماعة "ربع الله" أعمال حرق وقمع ضد متظاهرين مؤسسات إعلامية ومقرات حزبية ومراكز مساج، الأمر الذي يؤشر على عجز السلطات الحكومية وغياب القانون أمام تصاعد نفوذ هذه الجماعات في البلاد.

حرق وقمع

مقاطع مصورة مقتضبة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أظهرت قيام مجموعة من الأشخاص المقنعين يرتدون ملابس وقبعات كتب عليها "ربع الله" وهم يضربون فتيات ويرددون شعارات طائفية، بعد اقتحامهم مركز مساج في بغداد.

وأشار بيان للجماعة إلى "تمادي أصحاب الملاهي والخمور لاستغلال الشاب في تحقيق أهدافهم الخبيثة التي رسمتها لهم أميركا وإسرائيل". وذكرت بالاسم مركز "شيلان" للمساج في بغداد، قائلة: إنه "آفة شيطانية تنخر بمجتمعنا المسلم.. ولن نسمح لهم بعد اليوم أن يسرحوا ويمرحوا دون عقاب".

ونشرت جماعة "ربع الله" مقاطع مصورة للحظة اقتحام المركز، واعتبرتها "رسالة إلى جميع مراكز الفسوق والدعارة في العراق"، متوعدة بالقول: "نحن لكم بالمرصاد والقادم أعظم".

ظهرت الجماعة لأول مرة بشكل علني في 31 أغسطس/ آب 2020، عندما أحرقت مقر قناة "دجلة" في بغداد، بعدما اتهمتها ببث حفلة غنائية في يوم عاشوراء، ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي، حفيد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

لكن الجماعة ذاتها متهمة أيضا بحرق مكتب قناة "إم بي سي" ببغداد في مايو/ أيار 2020، وذلك بعد بث تقرير على شاشتها يصف نائب رئيس الحشد الشعبي السابق أبو مهدي المهندس بأنه أحد "الإرهابيين" المسؤولين عن تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981.

وفي 6 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020، شاركت "ربع الله" في قمع مسيرة نظمها "ثوار تشرين" في مدينة كربلاء رددوا فيها شعارات تشيد بالحراك الشعبي، وذلك أثناء إحياء ذكرى "أربعينية مقتل الإمام الحسين" المقدسة لدى الشيعة.

وأظهرت مقاطع مصورة تداولتها منصات التواصل الاجتماعي، قمع أمن العتبات في كربلاء ومليشيا "ربع الله" للمتظاهرين من الزوار بالهراوات والعصي الكهربائية، ما أثار سخط الشارع.

تكرر مشهد الحرق مرة أخرى في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عندما اقتحمت عناصر من الجماعة مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد الذي يتزعمه مسعود البارزاني، وتخريبه وإضرام النيران في المبنى.

جاء ذلك، ردا على تصريحات وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، في مقابلة تلفزيونية بأن الحكومة أمام تحد كبير وضروري لـ"تنظيف المنطقة الخضراء من المليشيات الحشدية".

وتعود بداية ممارسة أعمال الحرق والتخريب ضد كل من ينتقد الحشد الشعبي أو يعاديه، إلى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2019، باقتحام مقر السفارة الأميركية في بغداد، والتي ردت عليها الولايات المتحدة باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.

"باسيج العراق"

ترجح أغلب التحليلات أن جماعة "ربع الله" هم أفراد في مليشيات موالية لإيران ومن أبرزها "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"النجباء" وغيرهم، يتخذون اسما جديدا للتحرك من خلاله وقمع كل من يخالفها، حيث أكد كتاب أن أعمالها مطابقة لما تقوم به قوات "الباسيج" في إيران.

ويقول الكاتب العراقي صادق الطائي خلال مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: إن الشيء الأبرز هو تشابه عمل مجموعة "ربع الله" مع عمل ما يعرف بقوات تعبئة الفقراء والمستضعفين، أو الباسيج الإيرانية.

جماعة قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين، وبالفارسية "سازمان بسيج مستضعفين" التي باتت تعرف اختصارا باسم "الباسيج" هي مليشيا شبه عسكرية أنشئت تزامنا مع المد الثوري المصاحب للهياج الذي حدث إبان الثورة الإيرانية، وأسسها السيد الخميني في نيسان/أبريل 1980.

تحولت "الباسيج" إلى عصا السلطة الغليظة التي سلطت على معارضي النظام من الشباب والطلبة، حيث بدأت بقمع الاحتجاجات الطلابية في تموز/يوليو 1999 حين شعرت الحكومة بأنها فقدت السيطرة على الشارع.

ولفت الطائي إلى أن "بعض ساسة الشيعة في العراق يعتقد أن الأوان قد حان لاستلهام تجربة الباسيج، المعتمدة على تجنيد مجموعات من مقاتلي الحشد الشعبي، الذين يحظون باحترام المجتمع نتيجة الدور البطولي الذي قاموا به، على أن يتم الاختيار من بين الأشخاص محدودي الوعي، ذوي المستويات التعليمية المتدنية، الذين يتحلون بطاعة عقائدية صارمة لتحويلهم إلى باسيج عراقي، مقابل منحهم بعض الفوائد كالمرتبات والمميزات البسيطة".

وفي السياق ذاته، يقول الخبير الأمني أعياد الطوفان، خلال تصريحات صحفية في 21 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020: إن "سببين رئيسيين وراء ظهور تشكيل (ربع الله) وغيرها الكثير من المسميات، التي خرجت مع الهجمات التي كانت تستهدف قوات التحالف الدولي والسفارة الأميركية في المنطقة الخضراء ببغداد".

وأوضح: "الأول، إبعاد الإحراج عن المنظمات الرئيسة المعروفة، مثل حزب الله، ومنظمة بدر، والنجباء، وعصائب أهل الحق، وكتائب الإمام علي، وجند الإمام وغيرها. الأمر الثاني، هو للتمويه، وعدم استهدافهم".

وتساءل الطوفان، قائلا: "كيف نفسر تصريح (ربع الله) عندما حرقوا مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني، بأن السبب هو تعدي الأخير على الحشد الشعبي، فإذا كانوا مستقلين، فما علاقتهم بالحشد؟".

وحسب رأيه، فإن "كل الأجهزة تعلم بأسماء هذه التشكيلات وعناصرها، وأماكن مقراتهم، ومتى ينفذون هجماتهم، لكنهم يخشونهم، لأن أغلب قادة الأجهزة يتبعون للقوى السياسية التي جاءت بهم، ولا يأتمرون بأوامر القائد العام للقوات المسلحة".

"هيئة الحشد"

الخبير الأمني أعياد الطوفان، قال: إن هؤلاء أصبحوا أشبه بـ"هيئة الحسبة" التي كانت تابعة لتنظيم الدولة، فهي تقمع وتقتل كل من ينقدهم، والدليل هو مقتل الخبير الأمني هشام الهاشمي، والناشطة ريهام يعقوب، وغيرهم من الذين لا ذنب لهم سوى أنهم خرجوا للبحث عن وطن.

وعن الوصف ذاته، أشار ناشطون على "تويتر" بعد حرق مركز المساج في بغداد وضرب العاملات فيه، إلى أن بغداد احتلت من قبل مليشيات الشيعة، مؤكدين أن ما حصل أعاد البلاد لأيام تنظيم الدولة وذكرياتها السوداء.

ونقلت تقارير إعلامية محلية عن مصادر أمنية عراقية، قولها: إن "استهداف مليشيا (ربع الله) لمركز المساج في منطقة الكرادة، وسط العاصمة، يأتي ضمن عمليات الابتزاز التي تمارسها المليشيات المسلحة ضد أصحاب مراكز المساج وصالات القمار ومحال بيع الخمور".

وأوضحت أن "المليشيات تفرض دفع مبالغ مالية على أصحاب تلك الأماكن مقابل عدم استهدافها وبحجة تأمين الحماية لها في حال تعرضت إلى مشكلة قانونية مع دوائر الدولة المختصة، وهي تأخذ أموالا طائلة، وقد قسمت المناطق في بغداد فيما بينها لعدم حصول صراع وتضارب في أعمالها".

ولفتت المصادر إلى أن "الأجهزة الأمنية تتخذ موقف المتفرج فقط، لكونها تخشى من انتقام تلك المليشيات التي تسندها أحزاب كبيرة ومسؤولون كبار في مناصب مهمة بالدولة، وبالتالي فإنها لا تتحرك لحماية تلك الأماكن أو تقوم بعمليات مطاردة بعد قيام تلك المليشيات بتنفيذ هجماتها".

أما المحلل السياسي مهدي جاسم، يرى خلال تصريحات صحفية في 21 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020 أن "هذه الجماعات الخارجة على القانون هي إفرازات الفوضى السياسية الحالية في العراق، فهي تجد لها غطاء سياسيا في البرلمان، لأن هناك قوى تحميها وتوفر لها حتى الغطاء الأمني".

وأشار إلى أن "الجماعات المعروفة الخارجة عن القانون أصبحت مفرخة لجماعات جديدة، حيث بدأ جيل جديد ينشأ ويمارس الأفعال نفسها، ولا يخضع للقانون ولا للمحاسبة".

ونوه جاسم إلى أن "الجماعات الجديدة التي ظهرت مؤخرا مرتبطة بالجماعات المنفلتة، وإن اختلفت المسميات، فهي تحاول بهذه الأسماء التمويه ليس أكثر، وأصبح الأمر معروفا أن ذلك يجري بغطاء سياسي وأمني من قوى برلمانية"، مؤكدا أن "ما تمارسه هذه الجماعات من قمع وقتل لكل من يخالفها يشبه ممارسات المنظمات الإرهابية".

وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أظهر مقطع مصور نشر على مواقع التواصل الاجتماعي تدريبات عسكرية يجريها عناصر "ربع الله"، الأمر الذي دفع ناشطين للتساؤل عن قانونية وجود مثل هذه المعسكرات وانتشارها في مدن العراق.