السجن المؤبد لانقلابيي تموز.. كيف يعزز قيم الديمقراطية في تركيا؟

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن تركيا ماضية بطريقها في تعزيز الديمقراطية، وحماية الدستور، وذلك من خلال إدانة العناصر التي سعت للانقلاب على الحكم الديمقراطي والقضاء على النظام الدستوري في 15 يوليو/تموز 2016.

بعد أكثر من 4 سنوات من المحاكمة صدرت أحكام تاريخية على من تسببوا بمقتل أكثر من 250 مدنيا وعسكريا، وإصابة أكثر من 2000 آخرين عشية الانقلاب.

في الجلسة الختامية التي عقدت بقاعدة أكينجي الجوية بأنقرة في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تم الحكم بالسجن مدى الحياة على 27 متهما بينهم ضباط وطيارون في سلاح الجو، في حين تم الحكم على 60 متهما بالسجن لفترات مختلفة "دون المؤبد"، و تبرئة 75 آخرين.

جميع من صدرت أحكام بحقهم تورطوا بشكل مباشر بمحاولة الانقلاب، ووجهوا الأوامر بالقتل العمد، وكلفوا خلية باغتيال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من بينهم القائد السابق للقوات الجوية أقين أوزتورك، العقل المدبر لعملية الانقلاب.

المحكمة عقدت جلستها الختامية في القاعدة التي استخدمها الانقلابيون كمركز لقيادة العملية الفاشلة، ومحطة انطلاق الطائرات التي قامت بقصف البرلمان والمجمع الرئاسي ومقر القوات الخاصة بمنطقة غول باشي في العاصمةأنقرة.

كانت محكمة تركية قد قضت في 20 يونيو/حزيران 2019 بالسجن مدى الحياة لـ 17 متهما من كبار المسؤولين والضباط السابقين، التابعين لجماعة فتح الله كولن الانقلابية، في أكبر قاعة محكمة بمجمع سجون بلدية سينجان بأنقرة.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية فإن المتهمين أدينوا على وجه الخصوص بتهمة "محاولة قلب النظام الدستوري" و"محاولة اغتيال الرئيس" و"القتل العمد".

"عميقة" و "معيقة"

تعد هذه المحاكمات التاريخية التي أدين فيها المتورطون بعملية الانقلاب، أكبر حملة تطهير للدولة العميقة في التاريخ الحديث، وأكبر ضربة تلقتها قيادات انقلابية نافذة في الجيش التركي التي تحاول بين الحين والآخر إيقاف مسار الديمقراطية.

كانت الديمقراطية قد أعيقت من قبل الدولة "العميقة" التي لطالما كانت "معيقة" للتحولات الديمقراطية في تركيا، خلال العقود الماضية التي شهدت 3 انقلابات عسكرية في أعوام 1960 و1971 و1980.

في حلقة بعنوان "مآلات التغيير في المنطقة العربية" على قناة الجزيرة يقول الدكتور عزمي بشارة: "3 انقلابات تركية قطعت التحول الديمقراطي، وانتهى بعضها باعتقالات واسعة وتعذيب وقتل وحتى مجازر، كل تاريخ الديمقراطية التركية قطعته الانقلابات العسكرية".

يضيف بشارة في الحلقة التي بثت في 29 ديسمبر/كانون الأول 2014 في برنامج "في العمق": أن "تدخل العسكر بالسياسة قد أسهم بقمع عملية التحول الديمقراطي لصالح تيار معين".

وفق مراقبين، فإنه بالقدر الذي تمثل هذه الأحكام اجتثاثا للدولة العميقة فإنها تسهم بتعزيز المسار الديمقراطي الذي بدأ بالرفض الشعبي لمحاولة الانقلاب، وأسهم إلى حد كبير في إفشالها، عقب استشعار المواطنين بخطر الانقلاب على المسار الديمقراطي للدولة.

وفق الدستور

لم تلجأ مؤسسات الدولة التركية إلى قوانين استثنائية في محاكمة الانقلابيين، رغم تورط هذه العناصر بمحاولة الانقلاب على الدستور والحكم الديمقراطي والتسبب بمقتل أكثر من 250 شخصا معظمهم من المدنيين.

أخذت المحكمة مسارها الطبيعي واستغرقت المحاكمة أكثر من 4 سنوات لجمع الأدلة وتنصيب محاميين عن المتهمين حتى ثبوت تورطهم وإصدار الحكم عليهم بموجب القانون.

في 20 يونيو/حزيران 2019، صرح وزير العدل التركي عبد الحميد غل بأن القضاء قام بمحاكمة الانقلابيين في إطار القانون ومبادئه، وبموجب التشريعات الدولية والتركية، مضيفا أنه تمت محاكمة أولئك الأشخاص أمام القضاء بموجب الدستور الذي حاولوا القضاء عليه ليلة 15 تموز/ يوليو 2016.

وأضاف الوزير: عقب الحكم على الخلية الانقلابية التي عرفت باسم بـ"لجنة السلام في الوطن" بالسجن مدى الحياة في يونيو/حزيران 2019، باتت تركيا تحاسب الانقلابيين ولن يستطيع أحد بعد اليوم أن يقضي على الديمقراطية والإرادة الوطنية أو يؤذي أرواح الشهداء فيها.

وتعزيزا لمفهوم الديمقراطية، أشار غل إلى أن القضاء التركي "يشهد تطورا هاما بقرار تاريخي للغاية، حيث تمت مقاضاة الانقلابيين ومحاسبة من حاولوا الانقلاب على الديمقراطية والسيادة الوطنية". مؤكدا أن حقوق الإنسان والقوانين في بلاده "سترتقي وتتقدم إلى الأمام".

محاكمات شكلية

وبينما خضع انقلابيو 2016 لقضاء مستقل، ومحاكمة استمرت عدة سنوات، وتم تنصيب محامين للدفاع عنهم، فإن الزعماء المنتخبين ديمقراطيا كانوا يخضعون لمحاكمات شكلية ينصبها لهم الانقلابيون.

انقلاب 1960 كان خير مثال على ذلك، حيث انقلب ضباط من الجيش على عدنان مندريس أول رئيس منتخب ديمقراطيا، ونفذوا فيه حكم الإعدام وقبلها بيوم واحد أعدموا وزير خارجيته فاتح رشدي زورلو، ووزير المالية حسن بولات قان، بعد محاكمة عسكرية صورية.

أعدم الانقلابيون مندريس بتهم ملفقة تتعلق بالخيانة والانقلاب على دستور أتاتورك، وبعد نحو 30 عاما تم رد اعتبار مندريس عندما قام الرئيس تورغوت أوزال عام 1990 بنقل رفاته من جزيرة "ياسي أدا" حيث أعدم مع رفاقه، إلى مقبرة خاصة أقامتها بلدية إسطنبول على تلة مطلة على أوسع شوارع منطقة توب كابي.

وفي تلك الاثناء قام أوزال بتنظيم استقبال رسمي للرفات على أعلى مستوى شارك فيه تورغوت شخصيا ورؤساء الأحزاب وجماهير غفيرة من المواطنين، ما يعد رد اعتبار لمندريس واعترافا به كرمز وطني وديمقراطي.

وفي مايو/أيار 2020، أعاد الرئيس رجب طيب أردوغان افتتاح جزيرة "ياسي أدا" في بحر مرمرة وأطلق عليها اسم "جزيرة الديمقراطية والحريات"، كإشارة إلى المضي قدما في تعزيز قيم الحرية الديمقراطية في تركيا.

نسف الديمقراطية

وفق متابعين، فإن الانقلاب على الحكم الديمقراطي والدستور الذي تم الاستفتاء عليه من قبل نواب الشعب وإقراره يعد أول مظاهر نسف الديمقراطية، وهو ما حدث في انقلابات أعوام 1960 و1971 و1980، حيث تم تعطيل الدستور وإعلان الأحكام العرفية في البلاد.

في انقلاب 1980 على سبيل المثال، تم إلغاء العمل بالدستور، وإلغاء مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان)، وحل الأحزاب السياسية، وكل منظمات المجتمع المدني، وفرض حظر سياسي في البلاد، ليتم الاستفتاء بعد ذلك بأقل من عامين على دستور أعده مجلس الشورى المعين من قبل قادة الانقلاب وحصل على تصويت بنسبة 92%.

علاوة على ذلك، مارس الانقلابيون أعمالا دموية ومفرطة، فحكم بالإعدام على 517 شخصا، نفذ منها 50، ومات تحت التعذيب 171 شخصا، واعتقل 650 ألف مواطن، وحوكم 230 ألف شخص في 210 آلاف قضية، وتم وضع مليون و683 ألف مواطن تحت المراقبة، حسب وكالة الأناضول.

بالإضافة إلى ذلك، فقد فصل 30 ألف موظف من عمله، وهرب مثلهم خارج البلاد، وسحبت الجنسية التركية من 14 ألفا، ومات 73 في ظروف غامضة، وانتحر 43 مواطنا، وحوكم أيضا ما يقرب من 100 ألف شخص بتهمة "الانضمام إلى منظمات إرهابية"، وتم استبعاد 30 ألفا من أعمالهم بدعوى أنهم "مشتبه بهم".

فضلا على ذلك، استهدفت الحياة الفنية والثقافية، إذ منع أكثر من 1000 فيلم بدعوى أنه "غير مرغوب به"، وتم إنهاء خدمة نحو 4 آلاف مدرس، والمئات من أساتذة الجامعات، والمطالبة بعقوبة السجن التي تصل إلى آلاف السنوات لعشرات الصحفيين.

الانقلابات العسكرية الثلاثة، أخرت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، منذ أن تقدمت في يوليو/تموز 1959 للانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة، وهو الأمر الذي رحب به الأوروبيون بادئ الأمر غير أن عملية الانقلاب التي حدثت في 1960 أجلت النظر في طلب تركيا لحين توافر الظروف المناسبة.