يرد على حراك المصريين ضده بالإعدامات.. لماذا لجأ السيسي لخيار شمشون؟

12

طباعة

مشاركة

على طريقة المثل الشعبي: "اضرب المربوط يخاف السايب"، أراد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، القادم من إحدى حواري منطقة شعبية بالعاصمة القاهرة، بإعدام 23 مصريا في يوم واحد أن يبث الرعب في قلوب الذين هتفوا ضده الأيام الماضية.

مصر استيقظت صباح 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، على خبر إعدام اثنين من المعتقلين المصريين قبل 7 سنوات من مدينة الإسكندرية (شمال غرب) هما ياسر الأباصيري وياسر شكر، ولم يكد ينتهي اليوم حتى تنامت أخبار تنفيذ أحكام إعدام أخرى بحق 13 آخرين، حسب منظمات حقوقية عديدة.

بعد الحراك

أحرار مصر عاشوا ليلة حزينة، بعد أيام من نشوتهم بحراك ثوري متصاعد منذ يوم 20 سبتمبر/ أيلول 2020، قادم من شوارع الريف والأزقة والحواري والنجوع في صعيد مصر وقراها، يقوده شبابها وأطفالها فيما وصف بـ"ثورة الجلابية"، المطالبة بسقوط السيسي، ونعته لأول مرة بأنه "عدو لله".

تزامن هذا الحراك مع رصد المنظمات الحقوقية أعداد وأسماء المعتقلين السياسيين الذين تم إعدامهم وعددهم 15 معتقلا، بخلاف 8 آخرين من الجنائيين، في رقم قياسي يعدم في يوم وليلة لأول مرة على مدار 7 سنوات.

وفي ظل عدم شفافية النظام وحجب المعلومات ومنع الصحافة من القيام بدورها وإعلانه عن إعدام 2 فقط من المعتقلين، تضاربت الأرقام والأسماء والقضايا.

وفي آخر تحديث حول مجزرة الإعدامات، قال الحقوقي المصري هيثم أبوخليل، عبر صفحته بـ"تويتر": إنه تم إعدام 23 مصريا، منهم 2 بقضية "مكتبة الإسكندرية"، و10 بقضية "أجناد مصر 1"، و3 بـ"اقتحام قسم شرطة كرداسة"، بالإضافة إلى 8 جنائيين".

عام الإعدامات

وتأتي أحكام الإعدام، في توقيت طالت فيه آلة البطش الأمنية نحو 20 مصريا قتلوا خلال سبتمبر/ أيلول 2020، حيث تزايدت وتيرة العنف من النظام العسكري الحاكم بالشهر الذي وصفه تقرير حقوقي بأنه الأكثر إراقة للدماء في مصر خلال 2020.

وفي قراءة لأرقام الإعدام التي نفذها السيسي، قال الحقوقي المصري أحمد العطار: "بلغ عدد المعتقلين السياسيين الذين تم تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم 79 مصريا بـ 6 سنوات منذ مارس/ آذار 2015".

العطار، أوضح بحديثه لـ"الاستقلال": أن "تصنيف القضايا التى تم التنفيذ فيها يتنوع ما بين عسكرية ومدنية، وأغلب من تم إعدامهم شباب ما بين (20 و30 عاما)".

وأكد أن "المتابع لهذه المحاكمات يجد جرائم نفذت باسم القانون، لأن غالبية القضايا شابتها الانتهاكات والمخالفات القانونية والتي تمس تحقيق العدالة وتفقدها المصداقية".

ويعتقد الحقوقي المصري، أن تنفيذ أحكام الإعدام بمعظم الحالات ارتبط بأحداث ووقائع سياسية، مؤكدا "أن غالبية القضايا التي تم التنفيذ فيها تمت بأوامر سيادية وليست لتحقيق مفهوم العدالة الشاملة".

وأشار إلى أن "العام 2020، الأكثر في تنفيذ أحكام الإعدام، بنحو 25 حالة حتى الآن، فيما شهد العام 2019، تنفيذ ، 18 حالة"، لافتا إلى "تصاعد وتيرة تنفيذ الإعدام مع زيادة أحكام الإعدامات التي شهدتها مصر".

رسالة إرهاب

ومن خلال هاشتاغات "#Sisikiller"، و"#السيسي_قاتل"، "#مجزرة_الإعدامات"، التي تصدرت موقع "تويتر"، أكد معارضون وكتاب وخبراء مصريون أن رسائل النظام من تلك الإعدامات موجهة إلى الحراك الشعبي، وجماعة الإخوان المسلمين، والمصريين بشكل عام.

الباحث العسكري محمود جمال، قال: "السيسي يقوم الآن بالتنكيل والقمع بشكل أشد ردا على الحراك الشعبي، وهذا قد بدأ من خلال حملات الاعتقالات المكثفة التي تمت وتتم إلى الآن، وقتل المتظاهرين في المنازل، والآن ينفذ أحكام الإعدامات في العشرات انتقاما من جماعة الإخوان المسلمين لتغطيتها ودعمها للحراك الشعبي".

المعارض عبد الله الشريف، لفت إلى أن النظام يعاقب المصريين عقب "كل صحوة"، وينتقم منهم في أبنائهم، ويثير الرعب في نفوس المستضعفين منهم، مستخدما "الرهائن المحتجزين" بالسجون.

وهي الفكرة التي يقول بها أيضا، البرلماني المصري السابق محمد الفقي، مؤكدا أن "أرواح المعتقلين أصبحت مجرد رهائن يضغط بها النظام لمنع التظاهر، وقتل المتظاهرين والمعتقلين هو العقوبة للتظاهر السلمي".

ويرى الكاتب علاء بيومي، أن تنفيذ الإعدامات بعد مظاهرات نادرة، وقتل مواطن اعترض على صفع والده، تبدو كرسائل عن قوة النظام، ولكنها "دليل أزمته".

المحامي الدولي محمود رفعت، ذهب لأبعد من ذلك، معتقدا أن النظام سينفذ مزيدا من الإعدام الجماعي، والتفجيرات بالمدن "لبث فكرة محاربة الإرهاب بنفوس المواطنين وذلك ردا على التظاهرات".

جدار الخوف

وفي الوقت الذي أكدت فيه جماعة الإخوان المسلمين أن تنفيذ أحكام الإعدام في توقيت التظاهرات "رسالة إرهاب للشباب"، يرى سياسيون وأكاديميون تحدثوا لـ"الاستقلال"، أنها للرد على الحراك الشعبي السلمي، وموجهة للتنظيمات السياسية بالبلاد، ولإعادة بناء جدار الخوف الذي تهدم عقب تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول 2020.

القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور جمال حشمت، قال: إن "التشكيل العصابي الذي يقوده السيسي باسم مصر هو خطر داهم ثبت ذلك يقينا منذ أول أيام الانقلاب بإراقة الدماء بلا حساب ثم بإهدار ثروات مصر والتفريط في أرضها ومياهها وغازها بلا أي تردد".

السياسي والبرلماني السابق أكد في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "سلوكه يتسم بالخسة والنذالة ومكايدة النساء، وقد تترس وراء جزء من الشعب وتسلح بأموال الشعب واستثمر خوف الشعب، ووضح خلال السنوات الماضية أنه يصنع عدوا واحدا بتركيز شديد هو (الاٍرهاب) و(الإخوان) يوجه له سهام انتقامه من كل إهانة تلحق به".

ويرى أنه "فاض الكيل بجزء كبير من الشعب لسوء إدارة الانقلاب الداخلية بعد سيطرة العقلية العسكرية الأمنية على مناحي الحياة، حتى وصل الأمر لهدم المساجد والبيوت بشكل لم يحدث في التاريخ، تحديا لأساسيات وثوابت لدي المصريين استخفافا وتنكيلا بهم".

حشمت، يعتقد أن "الحراك الأخير على ضعفه، إلا أنه هز عروشهم لأنه خرج ممن يمثلون غالبية الشعب المصري ومستقبله (الفلاحين والأطفال)، ورغم يقينه بأن الإخوان المسلمين لم يشاركوا إلا أنه اعتقل منهم الكثير، وأخيرا أعدم من الرهائن عنده 15 في ساعة واحدة".

وقال حشمت: "الرسالة شديدة الوضوح وهي أن "كل حراك ضدي يكلفكم أرواح رهائن عندي"، مضيفا: أنه "لا بد أن تكون الرسالة له أيضا شديدة الوضوح: (الإعدام لكل من يعدم الأبرياء)".

القيادي بجماعة الإخوان دعا، إلى "الإعداد لوحدة صفوف المعارضين بالخارج ومطاردة رموز نظام السيسي في محاكم دولية خارجية، ومن ثم تهيئة أوضاع الداخل لدعم الشعب في هبة لا تقف ولا تنتهي إلا باستسلام هؤلاء الخونة الذين ضيعوا مصر وقتلوا المصريين".

غضب متراكم

وفي رؤيته وصف الأكاديمي المصري في أستراليا الدكتور أمين صادق، ضحايا النظام الجدد بأنهم "شهداء الديمقراطية وحقوق الإنسان"، مؤكدا أن "الانقلاب لم يطمئن لشرعيته بعد، وستظل تطارده قوى الديمقراطية وحقوق الإنسان حتى يسقط".

صادق، أضاف في حديثه لـ"الاستقلال": "لقد كانت المظاهرات غير الحزبية والعفوية نتيجة طبيعية بمواجهة نظام كذب على شعبه حتى أنه بدأ في هدم البيوت على أصحابها ويجبرهم على دفع فاتورة الفساد مرتين: مرة قبل البناء للموظف وبعد البناء للجنرال".

ويعتقد أن "النظام أدرك أن الغضب تراكم خلال 7 سنوات، وأنه سينفجر بوجهه لانسداد الأفق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ولذا يظن أنه إذا أعدم مجموعة سيخاف الجميع".

الأكاديمي المصري أكد أن "الوضع وصل في مصر لدرجة تساوي الموت مع الحياة، وقصة الشهيد عويس الراوي خير شاهد، حيث أصبح رمزا لأبناء الأقصر وكل أبناء مصر، وكذلك إعدام 15معتقلا جعلهم الانقلاب نماذج حية للاستشهاد في سبيل المبادئ".

وختم بالقول: "لا توجد سياسة في مصر، والشعب في مواجهة سلطة قمعية والنتيجة حتمية بهذا الصراع: ينتصر القمع مؤقتا وتنتصر الإرادة الحرة نهاية المطاف".

هدم المعبد

أحد قيادات الصف الثاني، من جماعة الإخوان المسلمين، (م.م) قال: "بكل أسف نحن الشعب كل الشعب في موقف لا نحسد عليه، وكل الخيارات مُرة  مُوجعة، نحن إزاء مجنون موتور يتخذ من آلاف المعتقلين رهائن".

القيادي الذي رفض ذكر اسمه أضاف في حديثه لـ"الاستقلال": "يبدو أن رأس النظام اعتمد الخيار (شمشون) في الثقافة اليهودية، أي هدم المعبد على رؤوس الجميع، ووضع الكل أمام خيارات صعبة".

ووصف السيسي، بأنه "مغامر مقامر لا يبالي بالسلم الأهلي والسلام المجتمعي، ويصب مزيدا من الزيت على النار بتصرفات خرقاء رعناء تجعل البلد على شفا الاحتراب".

ويعتقد أن نظام السيسي يحاول إعادة بناء جدار الخوف الذي تصدع عقب تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول 2020، لافتا إلى أن "في ذلك التصعيد من النظام تهديدا شديد اللهجة وخطرا وجوديا للكيانات السياسة المصرية وفي القلب منها التيار الإسلامي".

وختم بالقول: "لذلك فواجب الوقت التنادي بشكل عاجل لوضع تصور لإجهاض هذا التوجه الدموي ووضع الأمور في نصابها الصحيح".