"تشابه الأسماء".. من يقف وراء استمرار اعتقال مئات العراقيين؟
ما زال العراقيون يعانون من الاعتقالات المتكررة التي تطال الكثيرين بسبب تشابه الأسماء، وقد تسفر عن مكوثهم سنوات في السجون، رغم تعهد السلطات في يناير/ كانون الثاني 2020، بإنهاء المشكلة لأنها تعرض الأبرياء إلى المساءلة والمضايقات في المطارات.
ويتعرض سكان مناطق حزام بغداد، وشمال بابل، إضافة إلى المحافظات التي استعيدت من تنظيم الدولة (نينوى، الأنبار، صلاح الدين، وديالى) إلى حوادث اعتقال متكررة بناء على معلومات متشابهة بين أبرياء ومطلوبين للقضاء، ما يؤدي إلى إخفاء مئات العراقيين.
وفي الوقت الذي يفرج فيه عن بعض من يجري اعتقالهم بعد أشهر أو سنوات بعدما تعرضوا إلى الأذى النفسي والجسدي، فإن آخرين ما يزال مصيرهم مجهولا، إضافة إلى أن هناك آخرين ينجحون في تجاوز عمليات التدقيق الأمني، لكنهم يتخوفون من اعتقالهم لاحقا.
وسيلة للابتزاز
وتعليقا على ذلك، قال الصحفي العراقي علي سعيد في حديث لـ"الاستقلال": إن "تشابه الأسماء يعتبر مشكلة حقيقية، وخصوصا بالمطارات العراقية، ففي كل مرة أرى الكثيرين يتعرضون إلى تأخير ومساءلة، والسبب أن اسمهم مشابه لأسم شخص آخر مطلوب للقضاء".
وأضاف: "رغم أن المشكلة مستمرة منذ سنوات وتعترف الأجهزة الأمنية بأنها تعرض الأبرياء للمضايقات، إلا أن عدم حلها حتى اليوم يثير شكوكا حول وجود جهات مستفيدة من بقاء الأمر على حاله".
وأوضح الصحفي أن "أكثر الأسماء تشابها في العراق هي: حسين علي ومحمد جاسم أو العكس علي حسين وجاسم محمد، وعلى شاكلتها الكثير من الأسماء التي يعاني أصحابها رعبا حقيقا عند الحواجز الأمنية أو في المطارات".
وأكد أن "أحد الأشخاص تعرض إلى الاعتقال لثلاث مرات، إذ إن الاعتقال الأخير أمضى في السجن لمدة تجاوزت السنتين، وعندما اعتقلته الأجهزة الأمنية أبلغته أنه السبب تشابه أسماء فقط، لكنه تعرض بعد ذلك لتعذيب شديد وانتزاع اعترافات بالإكراه".
وأشار سعيد إلى أن "الشخص الذي يقع ضحية هذا الاعتقال يتعرض للتعذيب الشديد لانتزاع اعترافات منه كونهم يعتبرونه مطلوبا للقضاء، خصوصا في قضايا تتعلق بالإرهاب، وعندما يثبت أن الموضوع تشابه أسماء يطلق سراحه من دون أي تعويضات عما لحقه طيلة فترة بقائه بالسجن".
ولفت إلى أن "الضباط الفاسدين في الأجهزة الأمنية يعتاشون على مثل هذه الثغرات في النظام الأمني، لأنهم يستمرون في ابتزاز الشخص المعتقل- الذي هو بريء بطبيعة الحال- ويسحبون منه آلاف الدولارات حتى يتعاونون في إنهاء قضيته والإفراج عنه".
وفي السياق ذاته، أكد عضو مجلس محافظة بغداد السابق سعد المطلبي إلى وجود أخطاء أمنية كثيرة في مختلف المناطق العراقية من جراء اعتماد أساليب قديمة في ملاحقة الإرهابيين والمطلوبين للقضاء.
وأشار المطلبي خلال تصريحات صحفية في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 إلى أن "قيادة العمليات العسكرية في بغداد ووزارة الداخلية تكرر تجربة التدقيق الأمني في الشوارع مع حصول أي توتر أمني، ما يعرض المواطنين للخوف. ولو أن الإدارة الأمنية اعتمدت على التكنولوجيا الحديثة في التعرف على المشتبه بهم لما اعتقل أبرياء".
استهداف طائفي
لكن الصحفي علي سعيد رأى أن مسألة تشابه الأسماء تحمل بعدا طائفيها، بالقول: إن "هذه المشكلة تكثر في المناطق التي شهدت عمليات أمنية طيلة السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، ولا سيما بغداد والمحافظات ذات الغالبية السنية، وأكثر ضحايا تشابه الأسماء هم من المكون السني".
ونوه إلى أنه "في مرحلة الحرب الطائفية بالعراق 2006 إلى 2008 وحتى بعدها إلى عام 2014 كانت الاعتقالات بسبب تشابه الأسماء كلها تأتي ضمن الاستهداف الطائفي، وفي مرحلة اجتياح تنظيم الدولة للمدن السنية وبعد طرده منها أيضا استمرت في المحافظات ذاتها".
واتساقا مع ذلك، قال معتقل سابق فضل أن يصرح باسم "عدنان" لـ"الاستقلال": إن "الكثير من المعتقلين قضوا سنوات من عمرهم قابعين في السجون بسبب تشابه الأسماء، وأن الموضوع في بعض الأحيان متعمد، لأنه لو اعتمد ضابط التحقيق والقاضي، اسم الأم، لأفرج عن الشخص خلال أقل من 24 ساعة".
وأشار "عدنان" إلى أن "الشخص بمجرد إحالته إلى قاضي التحقيق ولم يفرج عنه بعدها، فإنه قد يقضي في السجن مدة طويلة، خصوصا إذا كانت التهمة تتعلق بالإرهاب، وجرى إيداعه في سجن مطار المثنى ببغداد أو غيرها من الأماكن المعروفة بانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، فإن الأمور تتعقد كثيرا بمجرد الحصول على اعترافات".
"عدنان" أكد أن "الكثيرين مستفيدون من إبقاء الاعتقالات على أساس الاشتباه بالاسم، وعلى رأسهم ضباط التحقيق ومنتسبو الأجهزة الأمنية من الفاسدين الذين يبتزون المعتقلين للحصول على أموالهم بأي طريقة سواء بتحريك ملفهم أو نقلهم من مكان احتجاز إلى آخر، وأمور أخرى كثيرة".
"شعب متهم"
وعلى الصعيد ذاته، قال قائد شرطة الأنبار السابق اللواء طارق العسل خلال مقابلة مع قناة "دجلة" في 30 أبريل/ نيسان 2019: إن "تشابه الأسماء في العراق شيء معروف، ومن يتحمل المسؤولية هي الجهات الأمنية العليا، لأنهم هم من وضع منظومة تحقيق هوية المسافرين (البايسز) في المطارات واعتمدوا بذلك على الاسم الثلاثي أو الثنائي".
وأكد العسل في حديثه أن من "يعاني من تشابه الأسماء هم سكان المناطق التي استعيدت من سيطرة تنظيم الدولة"، داعيا "الأجهزة الأمنية والدوائر الاستخبارية إلى القيام بتحديث (البايسز) والحواسيب التي تضم أسماء المطلوبين، ذلك لأن الموضوع يعاني منه المواطنون".
وأشار إلى أن "المطارات أجرت التحديث على الأسماء وأضافت الاسم الرباعي بدلا من الثلاثي، لكن المشكلة الكبيرة حاليا في حاسبات الحواجز الأمنية، ولا سيما عند مداخل المحافظات، لأنها لا تزال فيها أسماء كثيرة متشابهة، حتى أصبح شعب العراق كله متهما".
ولم يخف العسل حقيقة أن "من يعتقل من الحواجز والنقاط الأمنية هذه نتيجة لتشابه الأسماء يبقى لأكثر من شهر في السجن حتى تنتهي قضيته، وذلك في حال لم يكن لديه علاقة مع ضباط في الأجهزة الأمنية للتوسط له والإفراج عنه".
ولفت إلى أن "من يعتقل وفقا لتشابه الأسماء تسري عليه جميع الإجراءات ويخوض جولة طويلة للتحقق من اسمه في جهاز استخبارات الجيش، والأمن الوطني، واستخبارات الشرطة، وغيرها من الأجهزة الأمنية".
وحمّل العسل المسؤولية كاملة إلى "وزارة الداخلية، والتي يفترض عليها توسع معلومات البطاقة الوطنية الموحدة، إضافة إلى أنها يجب عليها أن تُعلم الأجهزة الأمنية كلها أن حامل البطاقة لا يتعرض لأي إجراءات".
وفي 23 يناير/ كانون الثاني 2020، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية خالد المحنا، أن مشكلة تشابه الأسماء الثلاثية أو الرباعية ستنتهي بعد الاعتماد على البطاقة الوطنية الموحدة.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية "واع" الرسمية عن المحنا قوله: إن "هنالك مطلوبين للعدالة تتشابه أسماؤهم مع أسماء مواطنين بريئين فيتعرضون للمساءلة والمضايقات في المطارات"، مؤكدا أن "هذه المشكلة ستنتهي بعد استكمال مشروع البطاقة الوطنية الموحدة".
وبين المحنا أن "البطاقة الموحدة ستعتمد على رقم البطاقة التي لا يمكن أن تتكرر مع رقم بطاقة وطنية أخرى".
وكانت وزارة الداخلية، قد أصدرت تعليمات أكدت فيها على عدم إصدار مذكرات القبض إلا إذا كانت مشتملة على المعلومات التي نصت عليها المادة (93) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل، وأهمها ( الاسم الرباعي/ اسم الأم /اللقب).
وشددت الوزارة خلال بيانها الصادر في يونيو/ حزيران 2017 على ضرورة عدم التعميم على الحواجز الأمنية إلا بكتاب صادر من محكمة الموضوع المختصة، وعدم تنفيذ أوامر القبض إلا إذا كانت مشتملة على كافة المعلومات المتضمنة ( الاسم الرباعي /اسم الأم/اللقب).