استفتاء وانتخابات تشريعية بالجزائر.. كيف يسعى تبون لتعزيز أركان حكمه؟

12

طباعة

مشاركة

حسم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قراره بالإعلان عن انتخابات تشريعية مبكرة، مباشرة بعد الانتهاء من إجراء استفتاء عام على التعديلات الدستورية الواسعة التي أقرها البرلمان الحالي والمقترحة من لجنة مختصة.

كان تبون، الذي اُنتخب للمنصب في ديسمبر/ كانون الأول 2019، قد تعهد بتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية عقب الاحتجاجات الضخمة، التي أجبرت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة في أبريل/ نيسان 2019.

وأكد تبون أن الدستور الذي سيطرح للاستفتاء الشعبي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2020، "يعطي صلاحيات للمنتخب الذي اختاره الشعب"، مشددا على أنه "إذا أراد الشعب التغيير فهذا أوانه حتى لا نبقى في الغموض الذي كان سائدا من قبل".

وانتخب البرلمان الحالي في عام 2017 لمدة 5 أعوام، ويملك فيه حلفاء بوتفليقة أغلبية ساحقة، وهم يتكونون أساسا من حزبي السلطة، جبهة التحرير، والتجمع الوطني الديمقراطي.

ويصوت الجزائريون في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على دستور جديد يشمل منح البرلمان ورئيس الوزراء دورا أكبر، وتوفير المزيد من الحريات.

إلا أن التحدي الحقيقي أمام السلطة خلال المرحلة القادمة، هو إقناع الجزائريين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع بكثافة في الاستفتاء أولا، وبعدها في الانتخابات التشريعية، بعد مقاطعة واسعة شهدتها انتخابات الرئاسة الأخيرة.

اختبار الاستفتاء

لم يبق سوى أقل من شهر على الاستفتاء على الدستور، إلا أن الساحة السياسية الجزائرية تبدو منقسمة أكثر من أي وقت مضى بين تحالف مقرب من السلطة  وداعم للرئيس تبون، ومعارضة ترفض مشروعا يهدف، بحسبها، إلى "دفن الحراك الشعبي المناهض للنظام".

ومن أجل  توفير الدعم السياسي لصالح تبون ومسودة تعديل الدستور التي ستعرض في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في استفتاء شعبي، عقدت منظمات ونواب وشخصيات جزائرية، معروفة بولائها للرئيس السابق بوتفليقة يوم 26 أيلول /سبتمبر 2020، مؤتمرا لإطلاق تكتل مدني جديد.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تأسيس "تكتل المسار الجديد"، الذي يضم 70 من ممثلي جمعيات شبابية وتنظيمات طلابية وناشطين ونخب أكاديمية وعدد من الوجوه الشبابية المعروفة بولائها للرئيس السابق.

ويقف وراء التكتل الجديد رئيس منظمة الاتحاد العام للطلبة الجزائريين منذر بوذن، وهو عضو سابق في المديرية المركزية، التي كانت تستعد كي تدير حملة بوتفليقة لولاية خامسة، وفي بداية الغليان الشعبي، خرج بوذن معلنا رفضه للحراك الشعبي داعيا إلى انتخاب بوتفليقة.

وعلى أرض الواقع فإن غالبية الجزائريين، لا يزالون غير قادرين على الاطلاع على النص الذي صادق عليه البرلمان دون مناقشة في بداية أيلول/سبتمبر 2020، في وقت لا زالت البلاد تعاني من انتشار فيروس كورونا، الذي ضاعف من معاناة قطاعات واسعة من الشعب بسبب الإجراءات والتدابير المتخذة.

في المقابل، قرر أكبر أحزاب المعارضة "حركة مجتمع السلم" عدم المشاركة في الاستفتاء، وإطلاق حملة من أجل التصويت بـ "لا" على الدستور الجديد، وأكد رئيس الحركة عبد الرزاق مقري أن حزبه "لا يريد خوض حرب مع أي كان، وسيستعمل الوسائل السلمية المتاحة لديه لشرح موقفه من الدستور، من بينها مواقع التواصل الاجتماعي".

واعتبرت الحركة على لسان رئيسها في مؤتمر صحفي يوم 29 أيلول/سبتمبر 2020، أن "الدستور المعروض للاستفتاء ليس دستورا توافقيا" وأن "ما انتهى إليه المشروع التمهيدي لم يراع الاقتراحات الأساسية للفاعلين السياسيين والاجتماعيين".

بهذا الموقف، تنضم حركة "مجتمع السلم" إلى كتلة مؤلفة من قوى سياسية أخرى، حسمت موقفها برفض مسودة الدستور، وقررت التصويت ضده، بما فيها قوى سياسية ومدنية كانت قد شاركت ودعمت مسار الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر 2019، وهي أحزاب "السيادة الشعبية" وحركة "عزم" و"حركة المجتمع الديمقراطي".

أما كتلة "البديل الديمقراطي"، التي تضم مجموعة أحزاب تقدمية ويسارية، فكانت سباقة في إعلان رفضها مسودة الدستور، كما رفضت قبل ذلك حتى المشاركة في المشاورات المتعلقة بالدستور، ودعت الجزائريين إلى مقاطعة الاستفتاء.

استبدال القديم

ورغم الشك في قدرة السلطة الجديدة على تنظيم الانتخابات التشريعية المبكرة في الموعد الذي كشف عنه تبون، فإن اللافت أن حل المؤسسات "التشريعية" الموروثة عن نظام بوتفليقة، بات في حكم المحسوم، وأن السلطة الجديدة عازمة على المضي في مخطط التخلص من المرحلة السابقة ورموزها.

وظل حل غرفتي البرلمان أحد أبرز المطالب السياسية المرفوعة من طرف الحراك الشعبي، غير أن تداخل الحسابات وزخم الأجندة السياسية عززا الشكوك لدى المعارضين للسلطة حول نيتها في تحقيق التغيير المنشود، ويستدل هؤلاء بتوظيف السلطة لتلك المجالس في تمرير قوانين مهمة، رغم شرعيتها المهزوزة.

ويسيطر على الأغلبية في البرلمان الحالي حزبا جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، القوتان الرئيسيتان اللتان دعمتا بوتفليقة حتى أطاح به الحراك في أبريل 2019.

ورغم التغييرات التي طرأت على رئاسة المجلس، وتنحية أحد رموز مرحلة بوتفليقة وهو معاذ بوشارب، واعتلاء  سليمان شنين القيادي المحسوب على التيار الإسلامي مكانه، إلا أن المجلس برمته ما يزال مرفوضا من الشارع.

أنصار تبون

لا يزال مشهد الانتخابات المقبلة مجهولا، بانتظار نتائج الاستفتاء الذي يتوقع كثير من المتابعين أن يحظى بنفس نتيجة الانتخابات الرئاسية رغم حجم المقاطعة المتوقعة.

ومن ثم فإن التعديلات على القانون الانتخابي وضمان حياد مؤسسات الدولة ومنع التلاعب بالنتائج والتزوير الذي شهدته المحطات الانتخابية السابقة منذ استقلال البلاد عام 1962، قد تغيّر في تركيبة المجلس، خاصة في ظل تراجع أدوار حزبي السلطة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.

ومع نفي تبون انتماءه لأي من الأحزاب السياسية القائمة، وتأكيده على عدم وجود أي نية لتأسيس حزب سياسي جديد، مع بقائه على مسافة بعيدة مع أحزاب الموالاة سابقا، يبدو أنه انطلق في اختيار مرشحيه للبرلمان القادم، من أجل ضمان غالبية داعمة له، وتضمن له اختيار رئيس الحكومة وتركيبتها.

فمع التسهيلات الممنوحة لتكتل "المسار الجديد"، الذي يعبّر في جميع مواقفه عن دعم سياسات الرئيس تبون، بالإضافة إلى لقائه العلني مع قيادات تكتل "مبادرة القوى الوطنية للإصلاح (يضم شخصيات سياسية وأكاديمية وأحزاب داعمة للرئيس تبون)"، تضاعفت الشكوك حول نية السلطة الجديدة اتخاذ توجه داعم لهذه الكتل وشبيهاتها، والتي تأتي من خارج الأحزاب التقليدية التي عبّر الجزائريون مرارا على موقف سلبي منها.

عمدت السلطة منذ فترة إلى إعادة هيكلة قوى مجتمع مدني موالية تساعدها على تمرير مشروعها وتمثل حاضنة له، ولهذا الغرض أقرت تدابير لتسهيل اعتماد الجمعيات في ظرف زمني قصير.

وأعلن مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالمجتمع المدني نزيه برمضان، عن اعتماد 6 آلاف جمعية في غضون شهرين، وهو عدد يفوق مجموع ما تم اعتماده من جمعيات خلال عام كامل، بالمقارنة مع السنوات الماضية، وتعمد السلطات إلى انتقاء اعتماد الجمعيات التي تظهر مواقف ناشطيها على أنهم من الموالاة.

لكن أبرز سؤال طرح في السياق هو ما إذا كانت هذه القوى قادرة فعلا على تأمين السند الشعبي والسياسي الكافي الذي تحتاجه السلطة، في ظل تجمد مواقف كتل معارضة أكثر قوة وتأثيرا، والرافضة لخطط إصلاح النظام من دون تغيير جذري في قواعد الحكم، وإقرار انتقال ديمقراطي حقيقي في البلاد، ووفقا للمطالبات المركزية للحراك الشعبي.