يني شفق: تغيير أتاتورك للغة العثمانية ساهم في ضياع الدين بتركيا

12

طباعة

مشاركة

لم يشهد العالم "جريمة" كالتي حدثت لتركيا في قضية لغتها، حيث تسبب ما تصفه صحيفة "يني شفق" بالانقلاب اللغوي في انفصال التركية عن عالم الحضارة الذي تنتمي إليها والتي لعبت دورا رئيسيا في بنائها.

ونشرت صحيفة "يني شفق" التركية مقالا حول هذا الموضوع للكاتب يوسف كابلان قال فيه: "لم يكن الغرض الوحيد من انقلاب الأحرف نشر تعليم القراءة والكتابة، بل كان أحد الأهداف الرئيسية هو إغلاق أبواب الماضي أمام الأجيال الجديدة وقطع العلاقات مع العالم العربي الإسلامي وإضعاف تأثير الدين على المجتمع".

وفي العام 1928 وجد شعب برمته نفسه -بين ليلة وضحايا- مجبرا على تعلم نظام أبجدية جديدة، إذ ألغى مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك استعمال الأحرف العربية واستبدل بها الحروف اللاتينية في ما عرفت بثورة الأحرف. كما جرد اللغة من الكلمات العربية والفارسية، ومنع نهائيا تعليم اللغة العثمانية.

الطريق إلى الغرب

ويعزو مؤرخون فعلته تلك إلى سعيه لإنشاء شعب جديد على أسس قومية تركية ذات ميول غربية وخالية من كل ما يمت إلى الدين بصلة، إضافة إلى منع الأجيال القادمة من قراءة الكتب القديمة باللغة العثمانية، ونشر كتبا باللغة التركية الجديدة تحت رقابة النظام العلماني الجديد.

ويقول الكاتب: "وهكذا لم تتمكن الأجيال الجديدة من تعلم النصوص القديمة، وبما أن الأعمال الدينية مكتوبة في كتابات قديمة، فلن تتم قراءتها وسيقل تأثير الدين على المجتمع".

وأضاف: "كان هذا ما قاله الرئيس الوطني عصمت إينونو (وريث مصطفى كمال أتاتورك، ثاني رئيس لتركيا في العهد الجمهوري)"، والمرجع هو كتاب ذكريات إينونو والذي نشره صباح الدين سيليك في عام 1968 وله طبعات لاحقة. 

ويقول سليك: إن هناك أيضا أجزاء أخرى سجلها لكنه لم يقم بنشرها. وبالطبع لا يسع المرء إلا أن يتساءل: ما الذي قاله إينونو حتى وجب إخفاؤه! فحتى في أجزائه المنشورة، فإن ما قاله ليس شيئا يمكن قبوله: فهذه "أشياء" تكفي لفضح الأهداف الحقيقية للثورات وإظهار الحقائق المخفية.

وذكر أنه كان هناك تيار قوي ظهر في تركيا قبل مائة عام يدعم تعليم اللاتينية واليونانية القديمة كمادة إلزامية في المدارس، "فإذا كانت أنقرة في طريقها إلى الاستغراب فعليها أن تكون غربية بالكامل ويجب تعليم الثقافة الغربية واللغة التي أسست الفكر الغربي لجميع الأطفال فيها".

ووفقا للكاتب فقد كان هذا التيار يسمى ب"اليونانية الجديدة"، وكان الشاعر يحيى كمال أحد أبرز دعاة هذا الاتجاه، حيث كان الرجل يتحدث بحماس عن القومية الفرنسية في دروسه. وتابع: "لقد اكتسب الشاعر وعيه التاريخي في باريس".

وبحسب الكاتب فقد انعقد المجلس الوطني للتعليم في أنطاليا عام 2014 وتم اتخاذ قرارات مهمة وتاريخية. فقد كان أحد هذه القرارات إدخال اللغة التركية العثمانية كمقرر دراسي في المدارس الثانوية. 

وبالتأكيد كان هناك من أظهر في ذلك الوقت ردود فعل بدائية وقديمة وقالوا: هل سنعود إلى "ظلام القرون الوسطى؟".

اللغة الأغنى

ويرى كابلان أن اللغة التركية العثمانية هي أغنى لغة في العالم، ليس في العدد ولكن في المحتوى. وهي بالطبع لغة أكثر ثراء من الإنجليزية، فالحديث عن العمق الفلسفي للغة الإنجليزية أمر غير وارد، بحسب قوله.

ويضيف: "إن التركية العثمانية هي اللغة العالمية العميقة الوحيدة التي تغذت بجميع لغات الفكر والفنون والعلوم الرئيسية في العالم، أي بلغات الحضارة كلها، وقامت بتصفيتها بمصفاة لغة القرآن العربية والتي تشكل العمود الفقري للتركية العثمانية".

ويعتبر الكاتب أن التركية العثمانية هي اللغة الوحيدة في العالم التي طوعت المفاهيم الرئيسية للغتين اللاتينية واليونانية القديمة واللتين أسستا للحضارة الغربية من الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والروسية ولغات البلقان من ناحية، بينما طوعت المفاهيم الأساسية للغة العربية والفارسية والعبرية وحتى اللغة الهندية السنسكريتية من ناحية أخرى.

ويتابع: أن منع مثل هذه اللغة العميقة الواسعة النطاق في تركيا لهو انتحار بمعنى الكلمة.

ويجيب الكاتب على ما كان سيحدث لو لم يكن هناك انقلاب لغوي فيقول: "لو لم يتم حظر اللغة التركية العثمانية فقد كانت تركيا ستواصل التقدم كما كنا سنكون قادرين على القيام بخطوات كبيرة في مجال الأفكار والفن والحياة على نطاق لا يمكننا تخيله بهذه اللغة الحضارية النبيلة والشاملة والعميقة الجذور".

ويضيف: ولكن بما أنه حدث ما قد حدث فليس أمامنا إلا أن نواصل رحلتنا اللغوية بأقصى سرعة من حيث توقفنا.

ضياع الدين

وأشار كابلان إلى أن مشكلة تركيا الرئيسية هي في اللغة، أي في لغة حضارتها. وهذا يعني فقدان فكر المسلم وإدراكه وعقله.

وتابع: "جعل الانقلاب اللغوي لغتنا التي تشكلت بالوحي، لغة علمانية حيث قضى بذلك على محتوى اللغة الإسلامي. وفقد الدين روحه الإسلامية".

ونوه إلى أن المجتمعات التي فقدت "لغتها" تفقد "مكانتها" والتي تفقد مكانتها تفقد "اتجاهها" ولا تستطيع إعطاء أي شيء للبشرية. 

وأردف قائلا: لكن لنتأمل في الآفاق التي ستفتحها لنا لغة حضارية ثرية مثل التركية العثمانية على المديين المتوسط ​​والبعيد.

ويختم الكاتب مقاله بالسؤال قائلا: هل تريد تدمير مجتمع؟ عليك فقط أن تدمر لغته وثقافته، نمّ عقدة النقص عند الأجيال الشابة، ودمر احترامهم لذاتهم، وهذا ما حدث في تركيا. 

وختم: "إن هذا البلد لم يعان من أحد بقدر ما عانى من "المستعمرين المحليين بيننا، فحتى الغربيون لم يكونوا ليستطيعوا تدمير لغتنا وثقافتنا بهذا الشكل".