السودان والجزائر.. مراكز اهتمام جديدة للدبلوماسية الأميركية بإفريقيا
تحدثت صحيفة لوموند الفرنسية عن أهداف الولايات المتحدة الأميركية مع الاهتمام الأخير بكل من الجزائر والسودان، وسط حدوث تغيرات وتحالفات مقلقة في المنطقة العربية.
وأوضحت الصحيفة في عددها الصادر بتاريخ 24 سبتمبر/ أيلول أن واشنطن تريد عبر مرورها بالخرطوم إقناع الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، كما ترغب من خلال مرورها بالجزائر بالقول إنها هناك دائما لمحاربة الإرهاب في القارة الإفريقية.
وتشير الصحيفة إلى عودة إفريقيا لمرمى بصر الولايات المتحدة. فبينما يدخل رئيس الدبلوماسية ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في سباق مع الزمن لحل نزاع بلاده مع السودان قبل الانتخابات الرئاسية (نوفمبر/تشرين الثاني 2020)، زار رئيس القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) ستيفن تاونسند، الجزائر في 23 سبتمبر/أيلول.
وقد كتب مايك بومبيو في رسالة إلى أعضاء مجلس الشيوخ اطلعت عليها وكالة فرانس براس يقول فيها: إن "الولايات المتحدة لديها فرصة واحدة فقط لتقديم تعويض في النهاية لضحايا الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم القاعدة عام 1998 ضد سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا".
وأضاف: "لدينا أيضا نافذة واحدة وضيقة لدعم الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون في السودان والتي تخلصت في النهاية من الديكتاتورية الإسلامية"، على حد تعبيره.
تذكر لوموند أنه في خضم كل هذا، فإن السودان مُدرج في القائمة الأميركية السوداء للدول الداعمة للإرهاب. وتشير إلى أن هذه العقوبة، المرادفة لعرقلة الاستثمار في البلاد، تعود إلى عام 1993.
وتصاعد فتيل الأزمة مع هجمات عام 1998 التي راح ضحيتها أكثر من 200 شخص ثم بعد ذلك أصبح السودان بقيادة رئيس النظام السابق عمر البشير منبوذا، كما تقول الصحيفة، لاستضافته زعيم القاعدة أسامة بن لادن.
في السنوات الأخيرة، حسب تقرير لوموند، غيرت واشنطن لهجتها عندما بدأ الحاكم السوداني السابق التعاون في مكافحة الإرهاب ولعب لعبة السلام في دولة جنوب السودان.
وأعادت الولايات المتحدة، التي كانت حينذاك تحت حكم الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، الاتصال بالخرطوم، ثم انخرطت في حوار لإزالتها من القائمة السوداء.
تشير الصحيفة إلى أن الثورة التي اجتاحت حكم عمر البشير عام 2019 أدت إلى تسريع هذه العملية. ومنذ ذلك الحين، لم يدخر مايك بومبيو جهدا، لدعم لرئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك.
القائمة السوداء
وذكرت لوموند أن المفاوضات تعثرت بشأن الملف القانوني الشائك الخاص بتعويض أسر ضحايا اعتداءات عام 1998.
وقالت متحدثة باسم الدبلوماسية الأميركية لوكالة فرانس برس: إن وزير الخارجية الحالي يعتقد أن الحل بات وشيكا وقد جعله "إحدى أهم أولوياته".
وتنص خطة بومبيو على أن تدفع الخرطوم، في حساب مغلق، وبشروط الولايات المتحدة أموالا لتعويض المُدّعين. وتناقلت وسائل إعلام أميركية أن قيمة المبلغ الإجمالي تصل إلى 335 مليون دولار (حوالي 287 مليون يورو).
وفي المقابل، ينسحب السودان من القائمة السوداء لمكافحة الإرهاب، ويجري اعتماد مشروع قانون يعلن "السلام القانوني" مع الخرطوم، تفاديا لخطر ملاحقات جديدة.
في رسالته، يضغط مايك بومبيو على الكونجرس الأميركي للتصويت لصالح هذا البند بقوله: إنه "يجب أن يدخل هذا القانون حيز التنفيذ في منتصف أكتوبر/تشرين الأول (2020) على أبعد تقدير من أجل ضمان دفع تعويضات للضحايا بمجرد شطب السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب".
وهذا الأمر "محتمل جدا" بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من الشهر الذي يليه. مع ذلك، هناك مخاوف داخل الحكومة بشأن مقاومة تلك الخطوة من قبل بعض أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين ذوي النفوذ.
تتساءل لوموند عن السبب وراء هذا الشغف من جانب وزير الخارجية غير المهتم بإفريقيا؟، وتقول إنه ربما يكون هذا باسم مسألة أخرى عزيزة على إدارة دونالد ترامب.
وقد زار مايك بومبيو الخرطوم في أواخر أغسطس/آب في جولة لإقناع الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع الدولة العبرية.
حسب صحيفة لوموند، يريد معسكر الرئيس - المرشح، الاستفادة من الاتفاقات التاريخية التي أبرمتها الدولة العبرية تحت رعايته مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين - وهو نجاح كان ينقصه سجله الدبلوماسي، وهو أكثر ملاءمة لمصالح تل أبيب، وبالتالي من المرجح أن يحفز ناخبيها الإنجيليين.
وذكرت الصحيفة أن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بدا وكأنه يُبدد آمال الأميركيين قائلا: إنه "ليس لديه تفويض" لاتخاذ قرار بشأن هذه القضية الحساسة. ولفتت لوموند أن المفاوضات مستمرة من وراء الكواليس، وربما تكون المواقف أقل ثباتا.
وأردفت أن الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري السيادي في السودان، الذي التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير/شباط 2020، أجرى ثلاثة أيام من المحادثات هذا الأسبوع في أبوظبي مع وفد أميركي. وعلى رأس قائمة الأولويات طبعا الخروج من القائمة السوداء.
التوترات الإقليمية
ونقلت لوموند عن مصدر رسمي أنه بالتوازي مع ما يحدث في السودان، قام الجنرال ستيفن تاونسند رئيس أفريكوم، وفي أقصى شمال القارة الإفريقية، بزيارة الجزائر وسط توترات إقليمية، لا سيما في ليبيا ومالي.
وذكر بيان للرئاسة الجزائرية لم يكشف عن مضمون المناقشات، أن الجنرال تاونسند "برفقة أعضاء السفارة الأميركية في الجزائر"، كان في استقباله رئيس الدولة عبد المجيد تبون.
وأجرى الضابط الأميركي رفيع المستوى محادثات مع رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة ووزير الخارجية صبري بوقادوم.
تورد الصحيفة ما قاله رئيس أفريكوم في بيان لسفارة الولايات المتحدة في الجزائر بأنه "لدينا الكثير لنتعلمه ونشاركه مع بعضنا البعض وإن تعزيز هذه العلاقة مهم جدا بالنسبة لنا".
وأضاف: أن "الجزائر شريك ملتزم في محاربة الإرهاب، كما أن إضعاف المنظمات المتطرفة العنيفة والنشاط الخبيث وتعزيز الاستقرار الإقليمي ضرورة متبادلة".
تقول لوموند: إن هذه الزيارة الأولى التي يقوم بها قائد أفريكوم منذ 2018 إلى الجزائر. وتحاول الأخيرة، التي تخشى مخاطر عدم الاستقرار على حدودها، تفعيل دورها على الساحة الدبلوماسية الإقليمية ولعب دور الوسيط في الأزمات في كل من ليبيا ومالي.