المسكوت عنه.. هل يعود بنكيران لقيادة "المصباح" قبل انتخابات المغرب؟

12

طباعة

مشاركة

يعيش حزب العدالة والتنمية المغربي (الحاكم)، حراكا داخليا غير مسبوق خلال الأسابيع الأخيرة بتتالي المبادرات الداخلية التي تطمح حسب مطلقيها إلى إصلاح الأوضاع التي يعيشها الحزب خلال السنوات الماضية.

وفي بيان يحمل أكثر من 300 توقيع لأعضاء من "المصباح"، بينهم قياديون، دعا البيان إلى عقد مؤتمر استثنائي للحزب.

ولا تزال التوقيعات مستمرة، بعد مبادرة أطلقها أعضاء من الحزب وشبابه تحت اسم "النقد والتقييم"، داعية إلى "ضرورة انعقاد مؤتمر استثنائي، باعتباره خيارا ثابتا لا محيد عنه".

هذا الموقف وما سبقه من مواقف ناقدة لأداء قيادة الحزب الحالية، والتي بدأ التشكيك فيها منذ حالة الانسداد الذي شهدتها محاولة الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران في تشكيل الحكومة، ما دفعه للتراجع وتقديم الحزب لرئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني الذي يتولى منصبه منذ عام 2016.

هذا الحراك الداعي للإصلاح داخل الحزب يستبق المواعيد الانتخابية المرتقبة، الذي لا يزال الحزب الأول في المغرب لم يحسم خياراته نحوها، في الوقت الذي يلمّح البعض لعودة بنكيران إلى قيادة الحزب خلال هذه المرحلة.

مبادرة شبابية

بعد الإعلان عن مبادرة "النقد والتقييم" من قبل عدد من قيادات "شبيبة العدالة والتنمية"، التنظيم الشبابي في الحزب الحاكم، أكدت لجنة التنسيق الوطنية للمبادرة عن تجاوز عدد الموقعين على المذكرة المطالبة بعقد مؤتمر استثنائي في القريب العاجل، من أعضاء المجلس الوطني للحزب وأعضاء اللجنة المركزية للشبيبة لأكثر من 330 توقيعا، بالإضافة للعديد من القيادات الإقليمية والجهوية التي انضافت بدورها لصفوف الموقعين.

"النقد والتقييم"، هي مبادرة تهدف لمطالبة المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية بتفعيل المادة 24 من النظام الأساسي التي تخول للمجلس الدعوة لعقد مؤتمر استثنائي بعد موافقة ثلثي أعضائه.

واعتبر مطلقو هذه المبادرة أنها وسيلة ستمكن من إيصال أصوات فئة مهمة من القواعد للمجلس الوطني (برلمان) للحزب، وهذه الأصوات تعد رافضة ومنتقدة للوضع الحالي ولا يصل صداها للقيادة، ما أدى إلى ازدياد الهوة بين القواعد والقيادات، بسبب انسداد الفضاءات التنظيمية الخاصة لاحتواء نقاش هادئ وصريح في شتى القضايا المفصلية.

غاية المبادرة بحسب مطلقيها، هو "القيام بجلسة تقييم ونقد، وأنجع وسيلة لتحقيق ذلك هو في إطار مؤتمر استثنائي، وذلك لكون هذا الأخير يعتبر المحطة الأبرز التي يشارك فيها أكبر عدد من قواعد الحزب، بالإضافة لكونه أعلى سلطة تقريرية يتيح إمكانية تعديل الأوراق التأسيسية والقوانين التنظيمية للحزب، بالإضافة لصلاحياته في تقييم المرحلة السابقة وتحديد التوجهات العامة في المرحلة المقبلة".

عدد من أعضاء المجلس الوطني للحزب طلبوا من رئيس المجلس إدراج نقطة الدعوة لعقد مؤتمر استثنائي في جدول أعمال دورة المجلس المقبلة استنادا إلى المادة 20 من اللائحة الداخلية.

 وفي هذا الإطار، دعا الواقفون وراء هذه المبادرة، بقية أعضاء المجلس للإقدام على نفس الخطوة، والتحلي بالجرأة والشجاعة التي تتطلبها المرحلة، مسجلين اتساع رقعة نقاش فكرة المبادرة ومضامين المذكرة، حيث عم النقاش بين قواعد وقيادات الحزب والشبيبة من مختلف ربوع المملكة.

عودة بنكيران

يرى مراقبون أن الدعوة إلى عقد مؤتمر استثنائي لحزب العدالة والتنمية تعكس حالة من الانقسام داخل الحزب، بين توجهين: الأول يمثله وزراء الحزب في الحكومة وأعضاء البرلمان، وهم يدافعون عن مسار الحزب في ظل قيادة أمينه العام الحالي سعد الدين العثماني.

توجه ثان ينتقد هذا المسار، ويدعم عودة عبد الإله بنكيران الأمين العام السابق، الذي اختار أخذ مسافة مع الحزب منذ إعفائه من رئاسة الحكومة في مارس/آذار 2017، بعدما رفض شروط تشكيل حكومة العثماني في أبريل /نيسان 2017.

مبادرة المؤتمر الاستثنائي، ليست جديدة بل تردد صداها في مناسبات عديدة وإن كانت بشكل ضمني، آخرها على لسان القيادي البارز في الحزب عبد العالي حامي الدين، الذي دعا إلى تصحيح المسار ولو تطلب ذلك عقد مؤتمر استثنائي.

سبق لـ"حامي الدين"، أن دعا إلى عقد مؤتمر استثنائي لحزب "المصباح"، وعبّر صراحة عن أن الولاية السابقة التي قادها بنكيران هي التي يتحمل فيها الحزب المسؤولية، وقال: إن "حصيلة بنكيران واضحة وأكدها الشعب المغربي، وعبّر فيها المغاربة من خلال الاستحقاقات الانتخابية عن دعمهم لهذه التجربة".

ويأتي هذا النقاش مضافا لنقاش آخر داخل بيت العدالة والتنمية، بخصوص تقليص مشاركة الحزب في انتخابات 2021، الدعوة جاءت على لسان القيادي مصطفى الرميد، كون تقليص المشاركة سيجنب الحزب الصدام مع الدولة، ما عده البعض "خنوعا سياسيا ممتدا منذ 2017، ولا غرابة في تنازلات مستقبلية".

إنقاذ الانتخابات

لا تزال إزاحة بنكيران من رئاسة الحكومة عام 2017، تستتبع العديد من المواقف التي تحرك طيفا واسعا من قيادات وأنصار حزب العدالة والتنمية، وهو ما جعل التعاطي مع المبادرة الحالية لا يخرج عن ثنائية الحديث عن الانتخابات المقبلة وعودة بنكيران إلى قيادة الحزب. 

الباحث في العلوم السياسية والتواصل السياسي عبد الصمد بنعباد اعتبر أن "الوضع الحالي داخل العدالة والتنمية، وهو على رأس الحكومة، للولاية الثانية على التوالي، بما يجعله يقترب من 10 سنوات من التدبير الحكومي، وهي سابقة في التاريخ السياسي المغربي، ورغم هذه الإيجابية الكبيرة، فإن الحزب دخل الولاية الثانية معطوبا، بعد إبعاد رمزه بنكيران".

مضيفا: "كذلك طريقة التدبير الداخلية لإبعاد بنكيران، جعلت مشاكل الحزب مؤجلة، ورغم سعي القيادة الحالية إلى طي الخلاف في تجربة الحوار الداخلي، فإن الانتقادات واجهت ذاك الحوار باعتباره محاولة لحماية الحزب من التصدع والحفاظ على بيضة التنظيم لا أكثر، وبالتالي اختار طرفا الخلاف التهدئة".

المسكوت عنه

وأضاف بنعباد في حديث للاستقلال: "زاد من أهمية التهدئة، خرجات بنكيران على قلتها التي أعلن فيها تبرمه من الخلاف، وخوفه من ضياع الحزب وانقسامه، ثم دعوته في مرحلة ثانية إلى دعم رئيس الحكومة أو السكوت عنه".

وتابع: "دعوات بنكيران خفضت حدة الانتقادات الموجهة للقيادة وللحكومة، لكنها لم تلغها بالمرة، فكانت تظهر للعلن في عدد من الملفات، من قبيل الموقف من "فرنسة" التعليم في المغرب، ومسألة التضييق على الحريات العامة وحرية الصحافة والتعبير، وكذلك ملف المحروقات والتأمينات التي يستفيد منها مسؤولون حكوميون في مقابل ضياع حقوق المواطنين".

الباحث السياسي المغربي أكد: "هذان السياقان كانا حاضرين في ميلاد مبادرة النقد والتقييم، والتي يمكن بخلاصة شديدة القول إنه حققت نسبة عالية جدا من هدفها، فأغلب المعنيين بها تفاعلوا إيجابا معها، وهذا يحسب للشباب الذين صاغوها، وتفوقوا في اختيار هذا التوقيت لنشرها".

وأضاف بنعباد: "أغلب حزب العدالة والتنمية مقتنع بأن أداء هذه الحكومة أقل من المطلوب، وينظر إليها بصورة فيها كثير من عدم الاعتبار لمؤسسة رئاسة الحكومة والحزب المنتخب على رأسها، ومع اقتراب الانتخابات تتكرس صورة الحزب الصغير الذي ما يزال يبحث عن اعتراف من طرف الدولة وخصومه على حد سواء".

أما  التغيير في قيادة الحزب قبيل الانتخابات المقبلة، فأكد بنعباد أنه "يبقى واحدا من المستحيلات، وتحقيقه يمر عبر التجاوب مع فكرة المؤتمر الاستثنائي، هذه الخطوة إذا ما تحققت ستفتح المجال للحديث عن احتمال تغيير قيادة الحزب في الانتخابات المقبلة".