بعثت بها المعارضة العلوية.. ما مضمون الرسالة التي أثارت ذعر الأسد؟
رسالة بعثت بها حركة "الشغل المدني" السورية المعارضة، إلى رئيس النظام بشار الأسد، تطالبه بالتنحي الفوري عن السلطة، أثارت علامات استفهام كثيرة عن مدى تأثيرها على مستقبل النظام، كون الحركة تضم معارضين من الطائفة العلوية.
الرسالة التي كشفت عنها حركة المعارضة في 18 سبتمبر/ أيلول 2020، سبقها اجتماع عقدته "الشغل المدني" مع مسؤولين روس بمقر البعثة الروسية في الأمم المتحدة بجنيف، منتصف حزيران/يونيو 2020، ما أثار قلق بشار الأسد.
مضمون الرسالة
وبخصوص ما تضمنته الرسالة الموجهة للأسد، قال المحامي عيسى إبراهيم مستشار الحركة والسياسي السوري من الطائفة العلوية التي ينحدر منها الأسد: إن "البلاد وصلت لمرحلة حرجة، ولا بد من البحث عن مخرج، وهذا المخرج لن يكون ما دام الأسد على رأس السلطة".
وأوضح إبراهيم خلال تصريحات صحفية في 16 سبتمبر/ أيلول 2020 أن الرسالة تدعو الأسد للتنحي للحفاظ على ما تبقى من سوريا، لأنه يتحمل مسؤولية الحفاظ على ما تبقى من الدولة، باعتباره رأس الدولة السورية، بما يملك من صلاحيات يمنحها له الدستور".
جاء في نص الرسالة، أن الأسد يتحمل المسؤولية الكاملة عما جرى ويجري في سوريا ابتداء من الضحايا والجرحى بأعدادهم الضخمة، ومرورا بكل مأساة، موضحة أن عدد الضحايا تجاوز المليون، والجرحى والمعاقين أكثر من 3 ملايين، وأن عدد النازحين والمهجرين تجاوز نصف السكان.
وفي مخاطبة للأسد، تابعت الرسالة: "لم يعد هناك ما يدعو لبقائك في كرسي الرئاسة، ففي كل بيت سوري أثر كارثي من آثار هذه الكارثة المستمرة، إلا بيتك وأسرتك، ولم يعد هناك من يريد بقاءك أو يستطيع إقناع الآخرين، عقلا وأخلاقا وقانونا، بضرورة بقائك، إذا اقتنع هو".
وانتهت الرسالة بالدعوة إلى "تشكيل مجلس رئاسي ثلاثي من الحكماء المشهود لهم بالنزاهة، تمهيدا لعملية الانتقال السياسي"، فيما أكد إبراهيم أن "الحركة أرسلت الرسالة للأسد بناء على طلب الأهالي في الداخل السوري، منهم أنصار النظام".
ولفت إبراهيم إلى أن مطالبات كثيرة من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ومن الموالين، وصلت للحركة، مفادها بأن على الجميع البحث عن مخرج، ولا سيما أن الظروف الاقتصادية وصلت إلى مراحل في غاية الصعوبة.
بوابة للتغيير
وعلى صعيد التأثير الذي يمكن أن تسببه الرسالة للنظام السوري، أعرب يحيى مكتبي عضو "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" عن ترحيبه بهذه الدعوة، ودعمه لها، مؤكدا أنها "مطلب رئيسي للشعب السوري منذ بداية الثورة".
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "هذه الدعوة تكتسي أهمية خاصة لأنها جاءت من مكون مهم من الشعب السوري، خصوصا أن مجرم الحرب بشار الأسد ضحى بعشرات الآلاف من أبناء الطائفة من أجل أن يبقى على كرسي الحكم الموروث".
ورأى مكتبي أن "الصوت الخافت داخل الطائفة العلوية المتذمر والساخط وغير الراضي من آل الأسد على ما أوصل سوريا وشعبها إليه، أصبح عاليا وواضحا وبات أبناء الطائفة يعلمون علم اليقين أن السوريين ليس لهم إلا بعضهم البعض، وأن رواية بشار الأسد لهم (إما أن تتمسكوا بي وإما أن يكون مصيركم إلى البحر) غير صحيحة وخادعة".
وتابع: "وعود نظام الأسد المجرم بأن الأزمة ستنتهي سريعا وأحلام النصر على الشعب السوري تبين أنها كلها كاذبة، وأن إجرام نظام الأسد أعاد كل سوريا وشعبها إلى العصر الحجري".
وعن الموقف الروسي، قال مكتبي: "نعلم أن روسيا لها مصالح في سوريا ولو أنها انحازت إلى الشعب السوري وتخلت عن مجرم الحرب بشار الأسد لحققت مصالحها بطريقة منصفة للشعب السوري ولها، لكنها آثرت دعم إجرام الأسد لذا يعتبرها السوريون قوة احتلال".
وأشار عضو "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" إلى أن "تغيير المواقف مرتهن بتغيير سلوك روسيا، ولعل هذه المطالبة من البيت العلوي تكون بوابة لذلك التغيير".
خطوة إيجابية
من جهته، قال الخبير في الشأن السوري أحمد حماد لـ"الاستقلال": "النظام استغل الجميع من أجل أن يبقى مسيطرا على الحكم، واستغل الطائفة العلوية والأقليات بتخويفهم من الأكثرية".
وأضاف حماد: "بيان حركة الشغل إيجابي- ولو كان متأخرا- ولا أتوقع أن يكون له تأثير كبير، لأن النظام يقمع كل من يعارض توجهاته كالمعارض عبد العزيز الخير المختفي منذ 8 سنوات، والقائد البعثي شبلي العيسمي، وغيرهم كثيرون".
ورأى الخبير السوري أنه "عندما تترجم الأقوال إلى أفعال عندها يمكن أن يتم سحب البساط من تحت بشار الأسد، ورأينا تجربة رامي مخلوف (ابن خال الأسد) وما رافقها من تكهنات".
أما بخصوص الجانب الروسي ولقائه بالعلويين في حركة "الشغل المدني، قال حماد: "روسيا لا يهمها إلا مصالحها السياسية والاقتصادية، ربما اللقاء مع الروس يوفر لهم فرصة لزيادة ابتزاز النظام ليقدم مزيدا من التنازلات التي ترغب بها موسكو".
وكان المعارض العلوي، عيسى إبراهيم، واحدا من السوريين من أبناء الطائفة "العلوية" الذين اجتمعوا بالبعثة الروسية في الأمم المتحدة بجنيف، في منتصف حزيران/يونيو 2020، وبعد الاجتماع بأيام تلقى تهديدات مباشرة من دمشق بالاغتيال.
وعزا ذلك في حينها، إلى ما اعتبره النظام السوري "تجاوزا للخطوط الحمراء، وخصوصا أن الاجتماع كسر احتكار تمثيل الطائفة العلوية في سوريا من قبل النظام"، ملمحا إلى اقتراب رحيل الأسد عن السلطة، بالقول: "باعتقادي، الآن صارت أعباء الأسد على روسيا، أكبر من المنافع التي كان يحققها لهم".
الأسد مذعور
في 7 سبتمبر/ أيلول 2020، نشر موقع "نيوز ري" الروسي تقريرا تحدث فيه عن مخاوف النظام السوري من الاجتماعات التي جمعت مؤخرا عددا من المسؤولين الروس مع ممثلين عن الطائفة العلوية، خاصة أن الأمر يتعلق باجتماعات مع الحليف الأول لدمشق عسكريا وسياسيا.
وقال الموقع: إن "عيسى إبراهيم أحد المشاركين في هذه الاجتماعات، كشف عن تلقيه تهديدات مباشرة بالاغتيال من مقربين من النظام السوري"، مشيرا إلى أن عائلة الأسد تخشى فقدان مكانتها كممثل أوحد للطائفة العلوية.
وأضاف "نيوز ري" أن إبراهيم الذي تمت دعوته مؤخرا إلى اجتماع في مقر البعثة الدبلوماسية الروسية لدى الأمم المتحدة في جنيف لمناقشة مصير سوريا في المرحلة القادمة، أكد أنه تلقى تهديدات.
وأشار إلى أن التقارير تفيد بأن الدبلوماسيين الروس يتطلعون إلى عقد اجتماعات مع جميع الأطراف المتنازعة في سوريا للتعرف على المواقف والرؤى المختلفة بشأن مستقبل البلاد، مع التمسك بمركزية الدولة وعدم تقسيم سوريا.
خلافات داخلية
وأوضح الموقع أن الضغوط التي يمارسها النظام في الوقت الراهن على الطائفة العلوية ولّدت تيارا معارضا للرئيس من داخل طائفته، وقد تجلت الخلافات الداخلية بشكل كبير بعد أزمة رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد الذي أصبح في مرمى الاتهامات بالفساد وهو ما يُنذر بتفاقم الوضع.
ونقل "نيوز ري" عن الصحفي بسام اليوسف، وهو من أبناء الطائفة العلوية أيضا، أن الاجتماعات التي تعقدها روسيا مع فصائل المعارضة السورية تمهد الطريق لمفاوضات أوسع لتحديد ملامح مستقبل سوريا، حيث تسعى الدبلوماسية الروسية حسب رأيه لتسوية الخلافات بين مختلف أطياف المعارضة من أجل إطلاق العملية السياسية وإيجاد مخرج للأزمة.
وأشار الموقع إلى أن موقف موسكو من نظام بشار الأسد في ظل الوضع الراهن يلفه الغموض، حيث أعلن النظام الروسي منذ فترة طويلة عن رغبته في أن يتم الانتقال السياسي في البلاد لكن دون تقديم رؤية واضحة عن كيفية حدوث هذا الانتقال.
وخلُص تقرير الموقع إلى أن التهديدات التي يتعرض لها المشاركون في اجتماعات جنيف مع المسؤولين الروس تدل على أن دمشق بدأت تدرك أن موسكو ترغب في إحداث تغيير حقيقي في تركيبة السلطة.
دعم بريطاني
ليست هذه المرة الأولى التي يجري الحديث فيها عن معارضة تبديها الطائفة العلوية للنظام السوري، فقد كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن حركة احتجاج على الإنترنت، تدعي أنها حملة شعبية من الطائفة العلوية، لكنها في الواقع عملية تقف خلفها الحكومة البريطانية، بحسب وثائق رسمية.
وخلال تقرير نشره الموقع في 13 مايو/ أيار 2020، أكد أن الحملة التي أطلق عليها اسم "صرخة" عبر موقع "فيسبوك"، تزعم أنها بدأت في طرطوس كرد على المستوى العالي من الضحايا بين الرجال العلويين الذين يخدمون في جيش النظام السوري، إذ تتضمن الصفحة منشورات وتقارير حول ملصقات على الجدران في طرطوس ومقاطع مصورة قصيرة تظهر شبابا يكتبون الشعارات على الجدران.
وأضاف الموقع، أن الحملة بعد ذلك توسعت لتشمل مدينة اللاذقية وجزيرة أرواد وغيرها من المناطق الساحلية، التي يقطنها أبناء الطائفة العلوية التي ينحدر منها رئيس النظام السوري بشار الأسد، كما أنها حصلت على تأييد من معظم أنحاء البلاد، حيث زاد عدد المتابعين لصفحة الحملة على "فيسبوك"، لتصل إلى أكثر من 100 ألف إعجاب قبل أن تتطور إلى موقع إنترنت.
وذكر "ميدل إيست آي" أن الوثائق التي اطلع عليها، تشير إلى أن "صرخة" في الواقع، هي من ابتكار شركة أميركية تدعى "Pechter Polls of Princeton" في نيوجيرسي، وتعمل بعقد مع الحكومة البريطانية.
حملة "صرخة"
ولفت إلى أن الحملة في البداية كانت تدار من وحدة في وزارة الدفاع البريطانية تسمى (المؤثرات الإستراتيجية العسكرية)، ثم تم تحويل المسؤولية عن المشروع لصندوق تابع للحكومة البريطانية يدعى "صندوق الصراع والاستقرار والأمن CSSF"، يهدف إلى التعامل مع الصراعات التي تؤثر على المصالح البريطانية.
وأشار إلى أنه لم يكن واضحا للعلن دور الحكومة البريطانية بحملة "صرخة"، بينما قامت وسائل الإعلام في الشرق الأوسط بنشر تقارير وصفت الحملة بأنها "أطلقت من ناشطي المجتمع المدني القلقين من العدد العالي للضحايا بين العلويين الذين يخدمون في جيش النظام".
وأبرزت الحملة الوفيات والإصابات، وقالت: إن عددا كبيرا من الشباب العلويين يفرون من الجيش، بينما يتم سجن آخرين في سجون النظام. وأضاف الموقع أن الرسالة التي تريد الحملة إيصالها للطائفة العلوية، هي أنها بحاجة لرفض الطائفية، والتعاون مع المسلمين السنة وغيرهم من الأقليات الدينية والعرقية في سوريا والقبول بأن بشار مع كونه علويا إلا أنه طاغية.
وتابع "ميدل إيست آي" بأنه تم تغيير شعار "صرخة" إلى "نفس الألم"، كما أظهر تفحص لصفحة "نفس الألم" على فيسبوك، أنه تم إطلاقها في 15 يوليو/تموز 2014 مثل "صرخة" والتي تحول شعارها بعد 7 أيام إلى "ارفع صوتك" وتم تغييرها إلى "نفس الألم" في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2017.