"استخدام أسلحة كيميائية".. لماذا تروج موسكو شائعات عن المعارضة بإدلب؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

التصريحات الروسية عن عزم تنظيم "هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب السورية، استخدام الأسلحة الكيميائية، أثارت جملة من التساؤلات حول توقيتها، وفيما إذا كانت موسكو تسعى من خلالها إلى كسر خفض التصعيد الذي جرى باتفاق مع أنقرة في مارس/آذار 2020.

التحذيرات الروسية، وردت عبر بيان لما يعرف بـ"المركز الروسي للمصالحة في سوريا" في 11 سبتمبر/ أيلول 2020، إذ قال رئيس المركز اللواء البحري ألكسندر غرينكيفيتش: إنه "تلقى معلومات حول تحضير تنظيم (هيئة تحرير الشام) للاستفزازات باستخدام مواد سامة في الجزء الجنوبي من منطقة وقف التصعيد في إدلب".

وأضاف غرينكيفيتش: "المعلومات تشير إلى أن المسلحين يخططون لتصوير تمثيلية في منطقة جبل الزاوية بحضور مراسلي وسائل إعلام أجنبية لنشر الأنباء عن هجوم كيميائي"، لافتا إلى أن "المسلحين يخططون لاتهام القوات الحكومية السورية باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد السكان المدنيين".

إدامة الفوضى

محللون رأوا أن روسيا تسعى من خلال الحديث عن محاولات لهجمات كيميائية تصدر من إدلب، إلى إدامة الفوضى وعدم الاستقرار في المناطق التي تقع خارج سيطرة النظام السوري، وكذلك منع إعادة النازحين.

وقال وائل علوان الباحث في مركز "جسور" للدراسات لـ"الاستقلال": "الاتهامات دائما جاهزة من روسيا لمختلف القوى الموجودة في المناطق المحررة من سوريا، بأنها هي من تهدد بخرق وقف إطلاق النار أو إنهاء اتفاقية خفض التصعيد".

ومن جانب آخر، رأى علوان أنها محاولة روسية للمناورة السياسية لجعل التصعيد النسبي والمحدود زمانيا ومكانيا، مشيرا إلى أن هذا التصعيد والغارات الجوية والاستهداف المدفعي، هي بمبادرة روسية إيرانية ويشارك بها نظام الأسد بشكل كامل، وهي ضمن النظام المعقول الذي لا يتسبب بانهيار اتفاق خفض التصعيد في مارس/آذار 2020.

وتابع: "لذلك تكون هذه العمليات محدودة زمانيا ومكانيا، ودائما ما ترافقها تصريحات مثل هذه عن تحركات من المعارضة وفصائل راديكالية".

ولفت علوان أن روسيا والنظام يحاولان بشكل دائم إشغال المناطق المحررة، وجعلها منطقة فوضى دائمة، ومهددة أمنيا بشكل مستمر، ولا يتيحون الفرصة لأن يكون فيها استقرار لعودة المهجرين والنازحين من مناطق جبل الزاوية وشمال سهل الغاب الذين نزحوا شمال إدلب.

وأردف: "التصعيد المستمر بالغارات والقصف والذي يجري تحت أي ذريعة كانت، دائما ما يستخدم للضغط في طاولة المفاوضات".

نشر الشائعات

من جهته، قال "فريق منسقو استجابة سوريا" عبر بيان له في 13 سبتمبر/ أيلول 2020: إن استمرار قوات النظام وروسيا بنشر الشائعات التي تتحدث عن استخدام الأسلحة الكيميائية في مناطق الشمال السوري وتحديدا في منطقة جبل الزاوية، هدفها منع المدنيين من العودة إلى المنطقة وبقاء الأهالي في حالة نزوح مستمر.

وأكد أن استمرار هذا النوع من التصريحات الحساسة دليل واضح على إصرار روسيا على ارتكاب المجازر وإلحاق أكبر ضرر ممكن في الشمال السوري، وتدمير البنية التحتية بشكل ممنهج.

وطالب "الفريق" من المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة في الشأن السوري بالضغط على روسيا لإيقاف هذه الادعاءات التي تسبب حالة من الخوف لدى السكان المدنيين وتتسبب بتهجيرهم من منطقة إلى أخرى.

كما طلب من جميع وسائل الإعلام العالمية بـ"زيارة مناطق الشمال السوري لتسليط الضوء على حياة أكثر من 4 ملايين مدني، أكثر من 85 بالمئة منهم تحت خط الفقر وإيصال صوتهم إلى المجتمع الدولي".

دلالات التوقيت

وبخصوص تكرار حديث روسيا عن أسلحة كيميائية بمناطق المعارضة السورية، قال علوان: إنه "دائما ما يتكرر هذا الموضوع، وبالتأكيد لا يوجد شيء مما تذكره روسيا، لكنها تتمسك بترديدها للمحافظة على نفي التهمة عن نظام الأسد باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا".

وما يؤكد حديث المحلل السياسي، هو أن التصريحات الروسية جاءت بعد ساعات من رفض منظمة "حظر الأسلحة الكيميائية" إغلاق ملف النظام السوري الخاص بالعثور على مواد كيميائية يمتلكها داخل البلاد.

وخلال جلسة عاصفة لمجلس الأمن الدولي استمرت أكثر من ساعتين ونصف الساعة، قالت الممثلة السامية لشؤون نزع السلاح، إيزومي ناكاميتسو: إن نظام بشار الأسد "لم يقدم بعد معلومات كافية من شأنها أن تمكن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من إغلاق الملف الخاص بالعثور على مواد كيميائية داخل سوريا".

المسؤولة الأممية قالت في بداية الجلسة لأعضاء المجلس: "ما أفهمه هو أن سوريا لم تقدم بعد معلومات أو تفسيرات تقنية كافية من شأنها أن تمكن الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية من إغلاق الملف الخاص بالعثور على مادة كيميائية تم اكتشافها في مرفق برزة التابع للمركز السوري للدراسات والبحوث العلمية".

وأكدت أن "استخدام الأسلحة الكيميائية أمر غير مقبول، كما أن تحديد المسؤولين (عن استخدام الأسلحة الكيمائية) ومحاسبتهم أمر بالغ الأهمية". وأردفت، قائلة: "ضمان المساءلة عن استخدام الأسلحة الكيميائية هو مسؤوليتنا ويحدوني الأمل أن يتحد المجلس حول هذه القضية".

جرائم الأسد

من جهته، شن السفير الألماني الدائم لدى الأمم المتحدة، كريستوف هويسجن، هجوما على روسيا، واتهم في إفادته خلال الجلسة روسيا بـ"التستر على جرائم الأسد ضد المدنيين السوريين".

ووجه انتقاداته لنظيره الروسي، فاسيلي نيبيزيا، قائلا: "ما الذي تحاول أن تخفيه روسيا بتسترها على جرائم النظام السوري؟ ولماذا تسعى روسيا للنيل من مصداقية منظمة الأسلحة الكيميائية خاصة، وأن الأدلة تشير إلى علاقتها بقضية (المعارض الروسي أليكسي) نافالني".

وردا على ذلك، نفي السفير الروسي ما ورد في حديث نظيره الألماني، وقال: إن "تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تنقصها الاحترافية والشفافية وتستند إلى معلومات مغلوطة لا يمكن التأكد من صحتها".

وتبنى مجلس الأمن الدولي، في 27 سبتمبر/أيلول 2013، قرارا حمل رقم 2118، بشأن نزع السلاح الكيميائي من سوريا، أشار فيه لإمكانية فرض عقوبات واستخدام القوة في حال تنفيذ هجمات كيميائية في سوريا من قبل أي طرف.

وجاء القرار بعد تعرض الغوطة الشرقية ومعضمية الشام بالغوطة الغربية لدمشق، جنوبي سوريا، في 21 أغسطس/آب 2013، لهجمات بصواريخ تحمل غاز السارين والأعصاب، قضى على إثرها أكثر من 1450 شخصا أغلبهم من الأطفال.

تصعيد بالشمال

وتتزامن التصريحات الروسية أيضا، مع تصعيد عسكري روسي في الشمال السوري، تجلى مؤخرا بشن غارات جوية استهدف عدد منها محيط مخيمات النازحين، حيث شنت طائرات حربية روسية في 15 سبتمبر/أيلول 2020، أكثر من 20 غارة جوية، إضافة إلى قصفت البوارج الحربية في البحر المتوسط عدة مناطق.

وأفادت وسائل إعلام سورية معارضة بأن 7 مقاتلات روسية تناوبت على قصف أطراف قريتي باتنتا والشيخ بحر شمال مدينة إدلب، بينما تعرضت قرية الشيخ بحر للقصف بصاروخ بعيد المدى من البارجة الروسية القابعة بالبحر المتوسط.

وأوضحت وكالة "ستيب" الإخبارية أن الطيران الحربي الروسي استهدف بالصواريخ الفراغية شمال غرب مدينة معرة مصرين في ريف إدلب الشمالي، مشيرة إلى ترافق ذلك مع قصف مدفعي استهدف بلدات جبل الزاوية وكنصفرة وسفوهن والفطيرة جنوب إدلب من قوات النظام السوري المحيطة بالمنطقة.

وفيما إذا كانت هذه بداية لانهيار اتفاق خفض التصعيد، قال الخبير العسكري السوري المعارض أحمد حمادة: "الأحداث الخطيرة التي شهدتها منطقة إدلب في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، من غارات جوية وقصف بحري، لن تؤدي إلى سقوط وشيك للهدنة التي جرى الاتفاق عليها بين موسكو وأنقرة".

وأكد حمادة خلال تصريحات صحفية في 16 سبتمبر/ أيلول 2020، أن جميع المؤشرات تدل على صمود الهدنة، حيث لا تزال هناك دوريات عسكرية مشتركة بين تركيا وروسيا على الطريق الدولي "إم 4"، بالإضافة إلى تدريبات بينهما لمحاكاة أي هجوم قد يستهدف تلك الدوريات.

ورأى الخبير العسكري السوري أن روسيا لا تستطيع أن تنهي الاتفاق حاليا، رغم ما عرف عن موسكو بشأن تملصها من التزاماتها بحجة وجود "منظمات إرهابية"  في إدلب، وخروقات تحدث من بعض فصائل المعارضة السورية.

مواجهة عسكرية

واعتبر حمادة أن استمرار الهدنة مرتبط بالأمور السياسية أكثر من الأوضاع الميدانية، وأن ما يجري من قصف وخروقات من قبل النظام السوري وحلفائه على الأرض لن يؤثر عليها.

واستبعد الخبير السوري وقوع مواجهة عسكرية بين تركيا وروسيا، لأن الأخيرة تدرك مدى أهمية إدلب لدى أنقرة، وتجلى ذلك في دخول أعداد كبيرة من القوات التركية، مزودة بأسلحة ثقيلة ومتطورة، لافتا إلى أن الطرفين لا يودان حدوث حرب إقليمية لن تحمد نتائجها أو عواقبها.

وتعد منطقة إدلب آخر معاقل المعارضة السورية الرئيسية، ويعيش فيها نحو 4 ملايين شخص، وحسب مراقبين فإنها تشكل أهمية كبيرة لتركيا ليست على الجانب الإنساني فقط، وإنما باعتبارها ورقة ضغط مهمة بيدها في وجه روسيا وإيران، الحليفين الرئيسيين لنظام الأسد.

وسبق أن وجهت روسيا اتهامات مماثلة لـ"هيئة تحرير الشام" وفصائل المعارضة والدفاع المدني السوري قبيل عمليات تصعيد سابقة ضد المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة.

ولم تكن اتهامات روسيا بخصوص الأسلحة الكيميائية جديدة، ففي 9 من يوليو/ تموز 2020، زعمت القاعدة الروسية في حميميم أن "هيئة تحرير الشام"، بالتعاون مع الدفاع المدني السوري، تخطط لتنفيذ عملية استفزازية بأسلحة كيميائية في منطقة بلدات سفوهن وفطيرة وفليفل بريف إدلب واتهام النظام بتنفيذها.

كما اتهمت وزارة الدفاع الروسية تنظيم "هيئة تحرير الشام" والدفاع المدني التابعة للمعارضة السورية، بالتخطيط لهجمات مشابهة في أكتوبر/ تشرين الأول ومارس/ آذار 2019 وأغسطس/ آب 2018.