آثاره باقية.. هكذا اشتعلت تركيا قبل انقلاب 1980 ليظهر العسكر كمنقذين

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "خبر ترك" مقالا للكاتبة ناغيهان ألتشي، سلطت فيه الضوء على أحداث الانقلاب العسكري بتركيا، الذي وقع في 12 سبتمبر/ أيلول عام 1980، مشيرة إلى أن الشعب لا يزال غير قادر على التخلص من آثاره الاجتماعية التي عاشتها الدولة قبل 40 عاما.

وقالت الكاتبة التركية: إنها "كانت حينها في الثالثة من العمر، وإن فترة ما قبل 12 سبتمبر/ أيلول، وما بعدها كانت الجحيم بعينها، حتى أنني أرى أن من شهد هذا الانقلاب، قد تحولت حالته النفسية إلى حالة مخلوق غريب بمجرد مروره بتلك الحادثة، حتى ولو لم يتأثر بأحداث هذه الفترة".

وأعربت ألتشي عن اعتقادها بأنه "حتى الأشخاص الذين لم يتضرروا من هذه المرحلة أصبحوا كائنات مختلفة تماما بمجرد مشاهدة 12 سبتمبر/ أيلول عام 1980".

"حريق مفتعل"

الكاتبة أوضحت أن "انقلاب 12 سبتمبر، أظهر أنه كسابقاته من الانقلابات، لا يستند إلى جماعات سياسية معينة، بل يضطهد جميع الجماعات السياسية بدرجات متفاوتة ويهدف إلى أن يظهر للجميع بأن أصحاب النظام التركي القديم هم الجنرالات العسكريون".

وأشارت ألتشي إلى أن "هذا الاضطهاد والذي أظهر على أن جميع الفئات تشاركته، قد خلقت عداء مزيفا ضد انقلاب 12 سبتمبر، وكنعان أفرين (قائد الانقلاب)".

وأضافت: "هذا ما بدا ظاهرا لأول وهلة، فعلى الرغم من أن العداء مشترك من الجميع، إلا أن هناك جيلا قديما يحب أفرين حتى لو كان يخشى من التصريح بذلك، وهؤلاء أعدادهم ليست بالقليلة".

وتابع الكاتبة: "على سبيل المثال، عندما قام البروفيسور جلال شنغور بنظم القصائد والمدائح لنظام انقلاب 12 سبتمبر، وكنعان أفرين، اعتقد أنه تلقى الكثير من الدعم، خاصة من اليمين الأتاتوركي الذين يزيد أعمارهم عن الخامسة والستين".

وزادت: "شنغور وأمثاله من مجتمع اليمين الأتاتوركي يعتقدون أن المذابح الدموية التي حصلت قبل 12 سبتمبر، كانت أحداثا عشوائية، وأن كنعان أفرين قد أنهى حالة الفوضى هذا بانقلابه".

الكاتبة أشارت إلى أنه "من الواضح أن بيئة الانقلاب قبل 12 سبتمبر، قد تم إنشاؤها بواسطة أساليب الحرب الخاصة وحرب العصابات، أي أنهم أشعلوا حريقا أولا ثم جاء دور رجل الإطفاء البطل".

من ناحية أخرى، تضيف الكاتبة: أن "الجيل الذي نشأت فيه قد تربى في ظل إهانات 12 سبتمبر، حيث استخدم جيل بأكمله الانقلاب كوسيلة للتمويه على زيف عالمه"، مشيرة إلى أنه في هذا الانقلاب، خدع عدد كبير من اليسار واليمين أنفسهم بقولهم: "كنا سنصل للسلطة أو كنا سنقوم بثورة لولا حدوث 12 سبتمبر".

ورأت أن "12 سبتمبر كانت عبارة عن محادثة تقليدية تحدث بها جيل نشأ بلا سياسة سواء عند اليسار أو اليمين"، لافتة إلى أن "مدبري انقلاب 12 سبتمبر فعلوا ذلك عن قصد، وقاموا بإبعاد الشباب عن السياسة وجعلوهم أطفالا للاختبارات".

ولفتت إلى أن "الأمر يعني أن الأجيال سواء كانت يسارية أو يمينية في فترة ما قبل الثمانينيات كانت قريبة من السياسة وواعية، ومدركة لمشاكل البلاد والعالم أيضا. لقد دمرت الدبابات هذا الجيل الواعي. لهذا أصبحت البلاد على هذا النحو".

وهم كبير

وعلى صعيد الحياة الثقافية والفكرية قبل وبعد الانقلاب، قالت الكاتبة: نحن نشأنا أيضا على سماع كلمات مثل: "إن الحياة الثقافية والفكرية انتهت لهذا البلد في 12 أيلول"، مع أن هذه العبارات خاطئة ومخادعة.

واستطردت: "صحيح أن 12 سبتمبر كان انقلابا عسكريا وحشيا للغاية، لكن أجيال ما قبل الثمانينيات استخدمته لإنشاء أسطورة عما سبقها"، مشيرة إلى أن "البيئة الفكرية ما بين الستينيات والثمانينيات هي فترة مليئة بالنفاق كما هي الحال في الفترة ما قبل 12 سبتمبر".

وبينت الكاتبة، أن "تلك العشرين سنة تتميز بأنها ستسجل في التاريخ على أنها فترة من خداع الذات الفكري، ومن الظهور على غير ما هي عليه. أحاول دراسة وقراءة المجلات والمنشورات وما يسمى بالمناقشات الفكرية في تلك الفترة، ولم أستطع أن أرى قبل هذه الفترة ولا بعدها مثل هذا الجو الفكري الزائف في تاريخ هذا البلد".

وأكدت أن "هناك صورة للحلم تفقد فيها تعريفات اليسار واليمين معناها العالمي تماما وتخدع نفسها باستمرار، فعالم المثقفين والأكاديميين في الفترة ما بين الستينيات والثمانينيات كان عالما تهيمن عليه الإثارة وليس العقل".

ويبدو أن الكاتبة مندهشة من "ضحالة" نقاشات اليسار الداخلي، إذ تقول: "ولا أعلم إن كان علي الضحك أو البكاء حين أقرأ النقاشات الداخلية لليسار التركي في العشرين سنة ما بين 27 مايو (انقلاب 1960) و12 سبتمبر".

وأوضحت: "في تلك السنوات لم يكن لليمين، الذي كان ضعيفا ضد الهيمنة الفكرية لليسار، أجندة خاصة به وكان اليمين أكثر بؤسا باعتباره انعكاسا لبؤس هذه المناقشات الداخلية لليسار. بعبارة أخرى، لا توجد بيئة فكرية قيّمة انتهت يوم 12 سبتمبر. هذا وهم كبير".

وبحسب الكاتبة، فقد كانت البيئة الثقافية لتركيا في تلك المدة في مستوى تضعف فيه عقل من يرغب في دراسة القضايا الاجتماعية والسياسية بشكل جاد، وأن الأمر ذاته ينطبق على الماركسية، إذ لا نجد فكرا يساريا قيما في تركيا وقتها، لكون وضع تركيا بعد الثمانينيات من هذه الناحية أفضل بكثير.

وذكرت ألتشي أن "تصورنا وإدراكنا لما قبل الثمانينيات وتصور الأكاديميين الموضوعيين الذين ينظرون من الخارج مختلفان تماما".

أسطورة واهية

وتتساءل الكاتبة: على سبيل المثال، هل فكرنا يوما في تصريح ديفيد شانكلاند بأن "ما يسمى بصراع اليمين واليسار قبل الثمانين، هو في الأساس حرب أهلية سنية علوية مموهة؟".

وأعربت عن اعتقادها بأن "تلك العشرين عاما قد غطت على مشاكل تركيا الاجتماعية الحقيقية، وما كان ينبغي أن يتأخر النقاش حول قضية العلويين وقضية الأكراد والقضايا الإسلامية لهذه الدرجة".

ورأت الكاتبة أنه "كان لا بد من النظر إلى العلوية والتدين على أنهما ظاهرتان في ذاتهما، لا أن ينظر إلى العلوية ضمن إطار الثورية والاشتراكية أو أن ينظر للتدين ضمن إطار القومية اليمينية. عندها كان يمكن أن يكون لنضال العمال من أجل الحقوق أرضية أقوى وأكثر واقعية".

وتطرقت ألتشي إلى الناقد الثقافي السلوفيني، سلافوي زيزك، حول احتلال الاتحاد السوفيتي لبراغ، والذي يقول: "إن ذلك الاحتلال قد غطى على فشل ربيع براغ".

وشددت الكاتبة التركية بالقول: "بالنسبة لي يمكننا أن نصوغ عبارة مشابهة لذلك بالنسبة لانقلاب 12 سبتمبر، واليسار التركي الذي يمثل الشريان الرئيسي لتلك الأعوام: لقد أخر انقلاب 12 سبتمبر، طرح التساؤلات حول العالم الزائف لحركة اليسار التركي، لقد تم التغطية على ذلك اليسار المفرغ قبل الثمانينيات بأن جعله أسطوريا".

واختتمت الكاتبة مقالها، بالقول: "أعتقد أن اليسار التركي اليوم يواصل إلحاق ضرر كبير بالأكراد من خلال نفوذه داخل حزب الشعب الديمقراطي. وهذا بلا شك موضوع مقال منفصل، لكنني لم أستطع المرور دون ذكر هذه النقطة".

وأردفت: "كان 12 سبتمبر، هو الذي وفر الحماية لليسار التركي الفارغ الذي لا علاقة له بمعناه العالمي. وكلما احتفظ اليسار بأسطوريته، استمر في الحفاظ على خوائه، الأمر الذي يستمر حتى اليوم".