التجارب النووية الفرنسية في الجزائر.. أين ما خلفته من نفايات؟

12

طباعة

مشاركة

بين عامي 1960 و1966، نفذت باريس في الصحراء الجزائرية 17 انفجارا ذريا، ودفنت جميع المواد المشعة المستخدمة تحت الرمال.

صرح الجنرال شارل ديغول في 13 فبراير/شباط 1960 قائلا: ”مرحى لفرنسا! منذ هذا الصباح، صارت أقوى وأكثر فخرا".

عن تلك الحادثة، تقول صحيفة لوموند: إنه في الساعة 7:04 صباحا بالضبط، كان هناك وميض شديد من الضوء على سماء الصحراء، حيث فجرت فرنسا أول قنبلة ذرية في الصحراء الجزائرية، أقوى بثلاث إلى أربع مرات على الأقل من تلك التي فُجرت في هيروشيما في عام 1945.

حسب تقرير لوموند المنشور في 2 سبتمبر/أيلول 2020، فإنه مع اختبار "الجربوع الأزرق"، انضمت باريس إلى نادي القوى النووية المغلق للغاية، وكان فيه آنذاك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة.

تبع الانفجار ما لا يقل عن 16 انفجارا جويا وجوفيا أخرى في منطقة رقان وفي تجاويف جبال هقار، في عين إكسر، حتى فبراير/شباط 1966.

وتشير الصحيفة إلى أن استقلال الجزائر لا يغير شيئا: ففقرة اتفاقيات إيفيان، الموقعة في مارس/آذار 1962 بين السلطات الفرنسية والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (GPRA)، تسمح لباريس بمواصلة أنشطتها.

وتقول: إنه، بعد ذلك لا يتم التفاوض بشأن أي التزام بمراقبة صحة السكان المحليين وتطهير البيئة. وتتساءل الصحيفة عن تأثير تلك التجارب النووية المتكررة على الناس وبيئتهم؟ 

ففي الوقت الذي تحاول فيه باريس والجزائر حل نزاعاتهما التذكارية، يُطرح السؤال مرة أخرى في تقرير صدر يوم السبت 29 أغسطس/آب عن الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية (آيكان).

جاء التقرير بعنوان "تحت الرمال، نشاط إشعاعي!"، وقد كتب من قبل خبيرين فرنسيين هما باتريس بوفيريه وجان ماري كولين. وتضع الدراسة قائمة جرد للنفايات المتروكة وتدعو فرنسا لإتخاذ إجراء حازم تجاه ذلك.

"ثقوب ضخمة"

تقول الصحيفة: إنه بموجب معاهدة حظر الأسلحة النووية (TIAN)، فإن البلدان المعنية ملزمة بالفعل "بتقديم المساعدة لضحايا استخدام أو اختبار الأسلحة النووية أو العمل على الإصحاح البيئي في المناطق الملوثة".

وتشير في هذا السياق لرفض فرنسا، مثل القوى النووية الأخرى، المصادقة على هذا النص الذي تبنته الأمم المتحدة في عام 2017.  

تتساءل الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية "لكن هل يمنعها ذلك من تقديم المساعدة الإنسانية والتقنية للجزائر؟".

تقول الصحيفة: إنه سيكون هناك الكثير لفعله. وتشير لاعتراف تقرير مجلس الشيوخ قدمه نيابة عن لجنة الشؤون الخارجية سنة 2009، والذي يقول: بأن "الإجراءات المتخذة لم تكن كافية لمنع تعرض الأشخاص الذين شاركوا مباشرة في التجارب أو كانوا في المناطق المحيطة بإطلاق النار للتلوث".

المشكلة، كما تشير دراسة للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية هي "العلاقات المضطربة بين فرنسا والجزائر، وغياب أرشيفات قابلة للبحث (...)، حيث تظل البيانات المتعلقة بنتائج الاختبارات مجزأة للغاية وغير كاملة".

تذكر الصحيفة أن مقتطفات من تقرير دفاعي سري عام 1996 تنص على أنه "لم يتم العثور على أي ملخص ولا سرد للحالة الإشعاعية التي أعيدت النطاقات فيها إلى السلطات الجزائرية".

وهي حسب التقرير، خريطة رفعت عنها السرية في إطار التحقيق الجنائي الذي أطلقه قدامى المحاربين في حملات التجارب النووية.

وتُظهر مع ذلك أنه بالنسبة للاختبار الوحيد "الجربوع الأزرق" في 13 فبراير/شباط 1960 فإن التساقط الإشعاعي الذي استمر ثلاثة عشر يوما، قد غطى كامل شمال إفريقيا، وجزءا من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وصولا إلى السواحل الإسبانية وجزءا من صقلية. 

مواقع مجهولة

تشير لوموند أنه في العاصمة التشادية نجامينا، أدى النشاط الإشعاعي إلى تلويث المياه. 

ويذكر التقرير أن السلطات الصحية في منطقة رقان، من جانبها، أدرجت عشرات الأمراض التي قد تكون مرتبطة بعواقب الاختبارات، ولكن دون وجود أي ارتباط رسمي.

وأوضح أنه منذ دخول قانون موران لسنة 2010 حيز التنفيذ، تم تعويض مواطن جزائري واحد فقط، حيث لا تزال مسألة عدد السكان المحليين الذين تم تجنيدهم في المواقع غير مفهومة بشكل جيد.

كما أنه لا يوجد سجل عام للعمال الجزائريين الذين شاركوا في المحاكمات. وتذكر الصحيفة في نفس السياق أنه وفقا للتقديرات، فإن ما بين 20 ألفا و40 ألفا من السكان المقيمين والرحل يقيمون في نصف دائرة قطرها 200 كيلومتر.

تقول الصحيفة: إنه منذ عام 1963 وحتى رحيله، مارس الجيش الفرنسي سياسة ردم النفايات المشعة. فكما هو الحال مع الطائرات والمركبات والمدافع والأدوات المستخدمة لقياس عواقب الانفجارات وما إلى ذلك، فقد تم دفن كل شيء في "فتحات ضخمة".

نفس الشيء، حسب التقرير،  يشمل النفايات المشعة الأخرى، مثل الخزانات الفولاذية ومحتوياتها المستخدمة في التجارب التكميلية.

تقول لوموند: إن الصحراء كان يُنظر إليها على أنها "محيط" حيث تم إخفاء أي شيء قد يكون ملوثا تحت الرمال. 

ويقول خبراء الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية: "فرنسا لم تكشف أبدا عن موقع هذه النفايات أو كميتها".

وتذكر الصحيفة أنه على إثر التفكيك المتسارع للموقع عام 1967، لم تقلق السلطات الجزائرية بشأن تأمينه هي الأخرى. 

وتوضح أنه لسنوات، كان عمال الخردة المعدنية الذين يجمعون النحاس ويبيعونه مرة أخرى إلى المغرب يترددون باستمرار على المنطقة.

"بؤساء الأرض" 

وبحسب الصحيفة، فإن باريس والجزائر حافظتا منذ فترة طويلة على عملية سرية لمنشأة أخرى وهي عبارة عن موقع اختبار أسلحة كيميائية يسمى ناموس B2، بالقرب من بيشار، والذي لم يكشف عن وجوده حتى عام 1997 من قبل مجلة لونوفيل أوبسرفتير الفرنسية.

ويشير التقرير أنه حسب باريس كان الجيش الفرنسي ليحتفظ بناموس B2  حتى عام 1978.

تذكر لوموند كذلك ما كتبه الجنرال رشيد بنيل في مذكراته وهو الأمين العام السابق لوزارة الدفاع الجزائرية والوزير الأسبق في الثمانينيات أن "الأنشطة في هذا المحيط الصحراوي ستتوقف في 1986".

يقول الكاتب: إن فرنسا تعهدت بتنظيف موقع ناموس B2 في عام 2012 خلال اجتماع بين فرانسوا هولاند وعبد العزيز بوتفليقة.

وأشار الباحثون إلى أن "هذه الاتفاقية السرية تظهر أن التعاون ممكن بالتالي في موضوع حساس للغاية بين هاتين الدولتين".

وتتساءل الصحيفة: هل سيتمكن الرئيسان عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون من إحراز تقدم في هذه القضية في إطار الحوار حول الخلافات التذكارية بين البلدين؟

وبينت أنه بالنسبة لباتريس بوفيريه وجان ماري كولين، كاتبا التقرير الموسوم بـ"تحت الرمال.. النشاط الإشعاعي"، ليس هناك شك في أن هذا الماضي النووي يكشف ظلم ما بعد الاستعمار.

يختم كاتب تقرير لوموند بقوله: إن هذه الدراسة تظهر مرة أخرى عدم التناسق في القوة والظلم الذي يمكن العثور عليه عبر تاريخ الطاقة النووية. 

يذكر كذلك أنه ليس من قبيل المصادفة أن فرنسا اختبرت أول سلاح نووي لها في الجزائر، التي كانت لا تزال مستعمرة فرنسية في عام 1960.

ويشير إلى أن قرارات المضي في التجارب اتخذت في مراكز القوة في العالم الصناعي في الوقت الذي أجريت فيه الاختبارات في مكان ما في "الضواحي"، في أراضي السكان الأصليين حيث يعيش "بؤساء الأرض".