200 ألف إيرانية تتعاطى المخدرات.. لماذا تتسع الظاهرة بين النساء؟
يعاني المجتمع الإيراني من تصاعد لافت في نسبة الإدمان على المخدرات بين النساء، مسجلة بذلك زيادة في نسبة الضحايا الذين يلقون حتفهم سنويا نتيجة تعاطيهم المخدرات، ولا سيما مع التراجع الكبير في الوضع الاقتصادي وازدياد أعداد العاطلين عن العمل.
عوامل عديدة تلعب دورا كبيرا في انتشار الإدمان بين النساء والفتيات، مثل النزاعات والخلافات مع الوالدين، ونقص الحيوية الاجتماعية والأمل في المستقبل، فضلا عن المشاكل الاقتصادية والفقر.
أرقام مرعبة
أحدث الإحصاءات الصادرة عن مركز مكافحة المخدرات في إيران، كشفت عن وجود أكثر من 3 ملايين متعاط للمخدرات في إيران، منهم 200 ألف امرأة، وهذا يعني أن 10 بالمئة من السكان الذين يتعاطون المخدرات هم من النساء، وهي زيادة بمقدار 3 أضعاف في عدد النساء المدمنات في البلاد مقارنة بالسنوات العشر الماضية.
الكثير من المدمنات يعشن في العاصمة طهران، وحسبما أفاد تقرير لموقع "عصر إيران" في 18 يوليو/ تموز 2020 فإن 2000 امرأة مدمنة في شوارع طهران، لا يخجلن من تعاطي المخدرات في الأماكن العامة ويعرفن باسم مدمنات المخدرات.
أما في محافظة سمنان شمال إيران، فإن إحصاءات مركز مكافحة المخدرات، أكدت ازدياد ميل النساء إلى تعاطي المخدرات بنسبة 160 بالمئة منذ بداية التسعينيات مقارنة بالفترة نفسها من العقد الماضي، مما يدل على معاناة فتيات البلد من كل أنواع المشاكل والأضرار الاجتماعية.
وتتنوع أسباب تحول النساء إلى الأدوية، ويلجأ 50 بالمئة على الأقل من النساء إلى الأدوية بسبب انخفاض الألم الجسدي.
ووفقا للإحصاءات أيضا، تبدأ 25 بالمئة من النساء في استخدام الأدوية في البلاد بسبب الفضول، و20 بالمئة للتنوع والمتعة، و 5 بالمئة بسبب النواقص العاطفية، وتشكل النساء في المتوسط 80 بالمئة من الأشخاص الذين يتصلون بمركز علاج الإدمان في جميع أنحاء البلاد، ومعظمهم من الأمهات والزوجات الذين أصبح أفراد أسرهم الآخرون مدمنين.
وكالة "إرنا" الرسمية نقلت في تقرير آخر عن أمين لجنة العلاج والدعم الاجتماعي بمقر مكافحة المخدرات في محافظة سمنان قوله: "انتشار الإدمان بين النساء في المحافظة في تزايد الآن مقارنة بـ 1390 ومقلق".
وأضاف مجتبى رجبور: "وفقا للأبحاث، فإن انتشار الإدمان بين الطالبات في البلاد ارتفع بنسبة 160 بالمئة وبين الفتيان بنسبة 60 في المائة مقارنة بأوائل التسعينيات".
وفي السياق ذاته، نشرت وكالة "فارس" شبه الرسمية في 19 يوليو/ تموز 2020 أن "6 بالمئة من مدمني المخدرات في إقليم كردستان إيران، هم من النساء و60 بالمئة من النساء المدمنات في هذه المقاطعة أصبحن مدمنات بناء على اقتراح أزواجهن".
أسباب مساعدة
الوكالة ذاتها، أشارت إلى أن معدل غزو الإدمان في كردستان إيران تضاعف في ظل جائحة كورونا، وأنها أصبحت ظاهرة اجتماعية غير طبيعية.
ولفتت إلى أن انتشار العقاقير الصناعية والمؤثرات العقلية، وتنوعها وسهولة الحصول عليها، وتراجع عمر المدمنين، كلها آفات اجتماعية متنامية تتحدى العديد من المجتمعات اليوم.
ونوهت "فارس" إلى أن حدود إيران مع بعض البلدان مثل أفغانستان، التي تعد أحد المنتجين الرئيسيين للمخدرات، جعلت إيران أحد الضحايا الرئيسيين لتهريب الأفيون والإدمان.
وأكدت أنه نظرا لأن وباء فيروس كورونا أصبح مصدر قلق للإنسانية، فقد تضاعفت سرعة هجمة الإدمان تحت ظل كورونا مع إغلاق معسكرات علاج الإدمان وتم نسيان مدمني الأفيون الأسود.
وأشارت إلى أنه إذا وقعت في بعض الأزقة في ضواحي سنندج في كردستان، يمكنك بسهولة الحصول على أي نوع من الأدوية التي تريدها، هنا من السهل بيع المخدرات في البيع بالتجزئة، مثل الحلوى، ويتم ذلك دون أي مخاوف.
ونقلت وكالة "إرنا" عن أولاما ثاني المدير الفني لعيادة "ميهرابوينا" للرعاية الاجتماعية في محافظة كرمان وسط إيران، قولها: "تأنيث الإدمان يؤدي إلى العديد من المشاكل والمشكلات النفسية، مثل الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق، وهي أمراض نفسية شائعة بين النساء المدمنات".
ووفقا للاعتقاد الثاني، فإن إدمان أحد أفراد الأسرة (الزوج والأب) بسبب تطبيع تعاطي المخدرات في هذه العائلات يمكن أن يوفر الأساس للمرأة للتوجه إلى هذه الأدوية.
واعتبرت تاريخ تعاطي المخدرات في الأسرة أحد العوامل في ميل النساء إلى الإدمان وقال: "لأن اليوم قبيحة تعاطي المخدرات في الأسرة أصبحت معتادة وعندما يستخدم الأب المخدرات بسهولة أمام طفله، فإنه يعلم طفله بالفعل".
من جهتها، أوضحت الأخصائية الاجتماعية بمعهد "كدراس" فرزانة سهرابي أن 4 أسباب تقف وراء إدمان النساء على المخدرات، الإجهاد والاكتئاب والصدمة والحرمان من أهم العوامل في بداية إدمان النساء. وتقول: هذه العوامل المنهجية الأربعة يمكن أن تكون مسؤولة عن الإدمان أو المشاكل النفسية التي تؤدي إلى الإدمان عند النساء.
ونقل موقع "عصر إيران" في 25 مايو/ أيار 2020 عن فرزانة سهرابي قولها: إنه يمكن النظر إلى زيادة تعاطي المخدرات بين النساء على أنها تغيير في الهوية الثقافية في شكل تغيير أدوار الإناث وتغيير قيم الذكور، وكذلك تغيير مكانة وأسلوب حياة المرأة في المجتمع.
ورأت الخبيرة الإيرانية أن وجود النساء في الفترات المختلفة التي يتم فيها استخدام المخدرات، هو عامل آخر يزداد. عامل آخر مهم في إدمان النساء هو إدمان أزواجهن، والذي يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على تعاطي المخدرات وأضرارها اللاحقة.
نظرة دونية
مع ازدياد أعداد المدمنات في إيران، إلا أن النظرة الدونية لا تزال قائمة ضد معظم النساء المدمنات، ولا سيما المشردات منهن في شوارع طهران وغيرها من المدن الإيرانية، لكن إحدى المدمنات وتدعى نفيسة، تقول لموقع "عصر إيران": إنه "ليست كل النساء مدمنات على البغاء".
وأوضحت نفيسة وهي عزباء (36 عاما) أنها "تستهلك جراما واحدا من الزجاج أو الهيروين كل يوم- يشتري ما معدله 25 ألف تومان (1 دولار = 42.105.00 تومان) للجرام من الهيروين ويجب عليها دفع 30 ألف تومان للجرام من الزجاج (نوع شعبي من المخدرات)".
وبعبارة أخرى، فإن الحد الأدنى لتكاليف استهلاك المواد المخدرة واستئجار سرير خلال 24 ساعة بدون طعام هو 45 ألف تومان. وتقول نفيسة: ليس كل النساء مدمنات على الدعارة لتغطية نفقاتهن. وتشير إلى يديها الضعيفتين، وتقول: "من الواضح من الجلد أنني أكسب رزقي من خلال جمع النفايات الجافة".
وعلى نحو مماثل، تقول امرأة أخرى مدمنة تدعى "إيران" (43 عاما) في حديثها لـ"عصر إيران": إنها تكسب رزقها من خلال جمع النفايات الجافة والتبرعات العامة. وأكدت أنها ليست واحدة من النساء اللواتي يبعن جسدهن من أجل المخدرات "أعني، لست على استعداد للقيام بذلك لأن جسدي يقع على الأرض بسبب صداع الكحول. لأن دم والدي وحليب أمي في عروقي".
لكنها قالت: "من بين كل 100 امرأة مدمنة، ستضطر 97 امرأة على الأقل إلى بيع جسدهن مقابل المال، لافتة إلى أن "العديد من النساء المدمنات يهبن أنفسهن لمدمن أو تاجر مخدرات مقابل 10 إلى 20 ألف تومان. في زاوية الشارع وخلف الأشجار والشجيرات في الحديقة، فقط في تلك اللحظة من الإدمان".
وفي هذه النقطة تحديدا، قالت الخبيرة الاجتماعية أولما ثاني: "إدمان النساء له مشاكل اجتماعية وثقافية ومضاعفات أكثر خطورة من إدمان الرجال، لأن إدمان النساء يسبب انحرافات أخرى مثل زيادة البيوت المفككة، والعلاقات خارج الحدود، والبغاء والتسول لأن الناس موجودون للقيام بكل ما يلزم لدفع ثمن عقاقيرهم".
تواطؤ حكومي
أشارت وكالة "فارس" الإيرانية في تقريرها إلى تساؤل مهم، مفاده: رغم جميع الإجراءات المضادة التي اتخذتها السلطات، وخاصة شرطة مكافحة المخدرات الإقليمية، لماذا لا يزال بعض المواطنين يقولون إنه إذا كانت المواجهة خطيرة، فإن البائعين لن يبيعوا المخدرات بسهولة أمام الناس؟.
ونقلت الوكالة عن مريم خانوم، إحدى سكاني أحياء مدينة سنندج (عاصمة كردستان إيران) قولها: "الكثير من الشباب وحتى المراهقين يطرقون أبواب هذه المنازل (في الحي) كل يوم لشراء المخدرات، التي كانت ذات يوم مكان المتدينين. أتمنى أن تساعد السلطات هؤلاء الشباب حقا".
وأكدت أنه "يتم جر المزيد والمزيد من الناس إلى مستنقع الإدمان الأسود. ونحن الذين نعيش في هذه الأحياء، نرى ذلك بشكل جيد للغاية. بعض تجار المخدرات يدمرون المزيد والمزيد من الشباب كل يوم بسبب الربح".
وفي زقاق آخر من أحياء مدينة سنندج، قالت شابة (لم تكشف اسمها): "الحياة تزداد سوءا كل يوم لسكان هذا الحي. الحمد لله نحن لسنا مدمنين، لكن يوجد أحد الجيران الذي يسمم حياة السكان، أيامنا مظلمة".
وأضافت: "لقد اشتكينا مرارا وتكرارا، لكن دون جدوى. فمن ناحية، علينا أن نتنفس الهواء النتن (روائح المخدرات) في المنزل، ومن ناحية أخرى، يجب أن نكافأ كل يوم على سرقة وكسر نوافذ منازلنا".
وتابعت الشابة: "نشكو كثيرا، لكن المشكلة تبقى لنا فقط، حيث يتم إطلاق سراحهم بعد أيام قليلة، بالتأكيد لن نكون مستعدين للعيش في هذا الحي ليوم واحد لو كانت ظروفنا المادية تسمح بذلك".
من جهته، قال قائد الشرطة وسكرتير مجلس مكافحة المخدرات الكردستاني سردار علي أزادي: "في الربع الأول من العام الجاري (2020) تم ضبط أكثر من 475 كيلو جرام من المخدرات المختلفة".
وأضاف في حديثه لوكالة "فارس" الإيرانية: "أكبر عدد من مضبوطات المخدرات بنسبة 37 بالمئة من إجمالي مضبوطات المخدرات هو الأفيون و32 بالمئة زجاج".
وحسب المسؤول الإيراني، فإن 45 بالمئة من المعتقلين بتهم تتعلق بالمخدرات تتراوح أعمارهم بين 35 و45 سنة، و26 بالمئة تتراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة ، و25 بالمئة تتراوح أعمارهم بين 50 و60 سنة، و4 بالمئة فوق 60 سنة.