ابن سلمان يراقب ثرواتهم.. هل أمراء المملكة على موعد مع "ريتز" جديدة؟

12

طباعة

مشاركة

التراجع الحاد الذي شهدته أسعار النفط، والانكماش الاقتصادي الناجم عن تفشي جائحة كورونا، جفف السيولة في خزينة المملكة العربية السعودية، ودفعها لاتخاذ إجراءات تقشفية حادة.

بيد أن هذه الخطوة لم تكن كافية لإعادة التوازن إلى ميزانية الدولة التي تلقت صدمات كبيرة مؤخرا، ما دفع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى البحث عن مصدر جديد للأموال.

في 8 يوليو/تموز 2020، كشف موقع "إنتلجنس أونلاين" الاستخباراتي الفرنسي، أن ابن سلمان بدأ يلهث وراء الأصول المالية المخفية للأمراء من أسرته الحاكمة، لإيجادها ومصادرتها، كإحدى الطرق لحل مشكلة نقص السيولة.

فهل سنشهد موجة جديدة من الاعتقالات تطال أمراء ورجال أعمال، على غرار الحملة التي أطلقها ولي العهد في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، المعروفة بـ"حملة الريتز"، والتي صادر فيها أكثر من 100 مليار دولار.

عائلة الملك عبدالله

الموقع الفرنسي أكد أن عالم استخبارات الشركات في العاصمة البريطانية لندن ونيويورك مليئان الآن بالحديث عن تحركات الحكومة السعودية، بهدف العثور على الأصول التي يخفيها أبناء الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.

ويخضع أبناء الملك عبد الله الذين يعيشون في المنفى، ويتنقلون بين عواصم عدد من الدول الأوروبية، لمتابعة وتدقيق خاص، من قبل الجهات التي كلفها ابن سلمان بالبحث عن أصول الأمراء واستثماراتهم.

وكشف "إنتلجنس أونلاين" أن شركة K2 Intelligence البريطانية من بين الجهات التي وقعت عقدا مع السلطات السعودية للبحث عن أصول الملك عبد الله وأبنائه في الخارج.

وفي 19 يونيو/حزيران 2020 قالت صحيفة نيويورك تايمز: إن 27 من أبناء وبنات الملك عبد الله جرى منعهم من السفر خارج البلاد منذ عام 2017، بالإضافة إلى ما بين 52 و57 حفيدا، و8 أبناء للأحفاد.

عائلة الأمير سلطان

ورغم أن عائلة الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز، لم يتم المساس بها في حملة "الريتز" الأولى، إلا أنها تحت أنظار ابن سلمان اللاهث وراء الحصول على سيولة نقدية، لتغطية بعض نفقات الميزانية.

والأمير سلطان، هو الابن الخامس عشر من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز، وشغل منصب وزير الدفاع من عام 1962 وحتى 2011، كما شغل منصب ولي العهد والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء من عام 2005 لغاية 2011، وهو العام الذي توفي فيه.

وقبل أسابيع، اعتقلت السلطات السعودية رجل الأعمال عبد الله الشهري، الذي كان يعمل مستشارا ماليا للأمير سلطان. ووفقا للموقع الفرنسي طُلب من الشهري تقديم معلومات حول ممتلكات الأمير الراحل وأبنائه، لاسيما السرية منها.

وبعد صعود ابن سلمان تعرضت عائلة الأمير سلطان للتهميش كغيرها من عوائل الملوك السابقين والأمراء البارزين، حيث أغلقت الحكومة أواخر عام 2018 مجموعة الراحة للخدمات الفنية (RGTS)، المملوكة لعائلة سلطان.

وتقدر ثروة الأمير سلطان بنحو 270 مليار دولار، وهي الثروة التي وزعها بين أبنائه قبل وقت قصير من وفاته، بهدف تعزيز موقفهم السياسي في ساحة التنافس بين أمراء العائلة الحاكمة، بحسب إذاعة صوت ألمانيا "DW".

محمد بن نايف

وفي غضون ذلك، تواصل السلطات السعودية تضييقها على ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، الذي تعرض لانهيار مأساوي على يد ولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست، في 6 يوليو/تموز 2020، عن مصادر سعودية وأميركية أن لجنة مكافحة الفساد التابعة لابن سلمان توشك على الانتهاء من تحقيق مفصل في مزاعم فساد بحق الأمير محمد بن نايف.

وطالبت اللجنة ابن نايف بتسديد مبلغ 15 مليار دولار، زعمت أنه استولى عليها عندما كان يدير برامج مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية، وذلك من خلال شبكة من الشركات والحسابات الخاصة.

وفي الوقت ذاته، لا تزال الرياض تطارد سعد الجبري، المستشار المقرب لمحمد بن نايف، والذي فر إلى الولايات المتحدة في عام 2017، ثم انتقل إلى كندا واستقر فيها.

وكشف "إنتلجنس أونلاين" أن الجبري ساعد ابن نايف وأفراد عائلته بمن فيهم ابن أخيه محمد بن سعود بن نايف على الاستثمار في القطاع الأمني.

ويأمل محمد بن سلمان في أن ينجح بإعادة الجبري من كندا، عبر الضغط عليه من خلال اعتقال اثنين من أبنائه، هما عمر (21 عاما) وسارة (20 عاما)، في 16 مارس/آذار 2020، حيث قام نحو 50 من عناصر جهاز أمن الدولة الذين وصلوا بنحو 20 سيارة دفع رباعي، باختطافهما من سريريهما.

أزمة خانقة

وتعاني السعودية من أزمة اقتصادية خانقة بشكل متصاعد، مع الارتفاع في الدين العام، وتآكل احتياطاتها من النقد الأجنبي، لاسيما بعد انهيار أسعار النفط، وتفشي فيروس كورونا الذي فرض إغلاقا كاملا لعدة أشهر في المملكة.

كما تعطلت السياحة الدينية إلى الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، نظرا لعدم قدرة ملايين الزوار على السفر إلى البلاد هذا العام لأداء الشعائر الدينية، وبذلك حُرمت المملكة من عائدات بمليارات الدولارات.

وأعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان، في 3 مايو/أيار 2020، أن حكومته قررت خفض الإنفاق في الميزانية، والاستدانة بأكثر مما هو مخطط له، حيث ستقترض 220 مليار ريال سعودي (58.6 مليار دولار) هذا العام، موضحا أن هذه الخطوات لن تكفي لسد العجز.

واستكمالا للقرارات المتخذة مسبقا، قررت الرياض إيقاف "بدل غلاء المعيشة"، ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءا من يوليو/تموز 2020.

هذه الإجراءات التقشفية ستحد بشكل ملحوظ من القدرة التنافسية لاقتصاد المملكة مقارنة بباقي دول الخليج، خاصة على صعيد جلب المستثمرين الأجانب، فهي ستضر بالاستهلاك وتفاقم متاعب القطاع الخاص الذي يُعول عليه ابن سلمان في تنويع مصادر الدخل، ضمن إطار رؤية 2030.

وإلى جانب ذلك، كشفت بيانات البنك الدولي أن مديونية السعودية الخارجية تضاعفت 16 مرة خلال السنوات الخمس الماضية، التي تولى فيها الملك سلمان حكم المملكة، وشهدت صعود نجله محمد، الذي يعرف الآن بأنه الحاكم الفعلي للبلاد.

ووصل إجمالي الدين الخارجي للمملكة إلى حاجز الـ183.7 مليار دولار في نهاية عام 2019، كما أن هذا المبلغ سيرتفع أكثر هذا العام، فيما كانت في عام 2014 عند مستوى 11.8 مليار دولار فقط. 

تآكل النقد الأجنبي

وفي تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أنه خلال الأعوام الخمسة الماضية، انخفضت أيضا احتياطيات السعودية من النقد الأجنبي.

وأظهرت تقارير مؤسسة النقد العربي السعودي أن إجمالي الأصول الاحتياطية للبلاد انخفضت إلى 499 مليار دولار بنهاية عام 2019، بعد أن كانت تقدر بنحو 732 مليار دولار في نهاية عام 2014. 

ولفت الموقع البريطاني إلى أنه مع الارتفاع الكبير في الدين العام وتراجع الأصول الاحتياطية، فإن الأزمة الاقتصادية في المملكة الصحراوية في طريقها إلى الأسوأ في الأشهر المقبلة.

خصوصا إذا ما فشلت أسعار النفط بالعودة إلى الارتفاع مجددا، بالإضافة إلى تواصل انتشار فيروس كورونا، الذي يهدد بأسوأ ركود اقتصادي في العالم منذ “الكساد الكبير” في عام 1929.