طالت مناصب حساسة بالعراق.. ماذا وراء تغييرات الكاظمي بمفاصل الدولة؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد شهر واحد فقط من تسلمه السلطة، أجرى رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، تغييرات كبيرة في مفاصل الدولة العليا طالت عشرات المناصب بالمؤسسات العسكرية والمدنية، والتي كانت تدار معظمها بنظام الوكالة.

الإجراءات التي بدأها الكاظمي، تأتي ضمن "حملة منسقة" يعتزم فيها تغيير آلاف المناصب الرفيعة في البلاد، خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، في إطار مساعيه لمكافحة الفساد والحد من نفوذ الجماعات المسلحة المرتبطة بطهران، حسب تقرير نشره "معهد دراسات الحرب في واشنطن" في 3 يوليو/ تموز 2020.

قبل ذلك، كشفت صحيفة "المدى" العراقية مطلع يوليو/ تموز 2020 أن الكاظمي وضع خطة إصلاحية تستهدف تغيير 6 آلاف منصب وموقع حكومي رفيع من بينها وكلاء جميع الوزراء والمدراء العامون والهيئات المستقلة، ومناصب أمنية حساسة. ويأمل الكاظمي عرضها على مجلس النواب (البرلمان) قريبا.

وبخصوص تلك التغييرات، أشار عبد الخالق العزاوي عضو البرلمان إلى أن رئيس الحكومة يواجه صعوبات عدة، أبرزها "الدولة العميقة"، قائلا: "رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي يواجه دولة عميقة في مفاصل الدولة".

وأضاف عضو "تحالف المدن المحررة" في البرلمان خلال حديثه مع "الاستقلال": أن "التحالف يدعم إجراء التغييرات وتخليص البلد من منظومة الفساد المستشرية بمفاصل الدولة، سواء في المؤسسات العسكرية أو المدنية، وهي بالفعل مهمة صعبة".

ونوه العزاوي إلى أنهم "ليسوا مع تغيير الأشخاص الجيدين والنزيهين الذين يتمتعون بالكفاءة من أي طيف أو مكون مذهبي، لكن التوازن مطلوب بين مكونات الشعب، حتى يشارك الجميع في بناء الدولة، وخصوصا الأجهزة والمؤسسات الحساسة".

الإطاحة برؤوس

عملية التغييرات التي بدأها الكاظمي أطاحت برؤوس كبيرة في الدولة، إذ شملت إعفاء السياسي المقرب من إيران فالح الفياض من منصبي رئيس جهاز الأمن الوطني ومستشار الأمن الوطني، بعد نحو 10 أعوام على تربعه على رأس أحد أكثر أجهزة الأمن العراقية حساسية.

وصدر القرار في 4 يوليو/ تموز 2020 من مكتب رئيس الوزراء في خطوة تم التمهيد لها قبل عدة أيام عبر تسريبات تحدثت عن عزم الكاظمي القيام بحملة منسقة تهدف للحد من نفوذ طهران في مؤسسات الدولة قبل زيارته المرتقبة للولايات المتحدة في وقت لاحق من الشهر ذاته.

واختار الكاظمي، القائد العسكري السابق في جهاز مكافحة الإرهاب عبد الغني الأسدي، لرئاسة جهاز الأمن الوطني، فيما عيّن قاسم الأعرجي (وزير الداخلية الأسبق) بمنصب مستشار الأمن الوطني، حسبما أفادت وكالة الأنباء العراقية.

قرارات الكاظمي شملت استبدال رئيسي ديواني الوقفين الشيعي والسني، ورؤساء هيئات الطيران المدني، وشبكة الإعلام العراقي، والإعلام والاتصالات، إضافة إلى مديري مصرف الرشيد، وهيئة التقاعد العامة، وكذلك إقالة رئيس "صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة".

وفي المؤسسة العسكرية، أعلنت وزارة الدفاع في 8 يوليو/ تموز، إجراء سلسلة تغييرات هامة شملت إقالة مدير مديرية الاستخبارات العسكرية سعد العلاق، وقائد عمليات محافظة ذي قار الفريق الركن جميل الشمري، المتهم بقمع المتظاهرين والتسبب بقتل العشرات منهم.

طالت التغييرات العسكرية أيضا، قيادات عسكرية أخرى في بغداد برتب لواء وعقيد، حسب مصادر عسكرية عراقية قالت: إن الإجراءات الجديدة تصنفها الحكومة "إصلاحية".

وأكد المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، العميد يحيى رسول، في بيان، أنه "تقرر نقل الفريق الركن جميل الشمري إلى إمرة (دائرة الاحتياط) وزارة الدفاع"، موضحا أنه "تم نقل الفريق الركن سعد العلاق (مدير الاستخبارات العسكرية) إلى رئاسة جامعة الدفاع".

وأضاف العميد رسول: أنه "تم تكليف اللواء الركن فائز المعموري بإدارة مديرية الاستخبارات العسكرية، بينما تم تكليف العميد حمد الجبوري بإدارة مديرية الوثائق العسكرية".

"التوازن الطائفي"

ردود فعل القوى السياسية تباينت حيال التغييرات التي أجراها الكاظمي، إلا أن أغلبها انصب على التوازن الطائفي والقومي في مؤسسات الدولة، وضرورة اتباع رئيس الحكومة لآلية تعطي كل مكون استحقاقه.

وأبدت "جبهة الإنقاذ والتنمية" برئاسة السياسي السني أسامة النجيفي، اعتراضها على تغييرات الكاظمي، معتبرة أنها تفتقر إلى التوازن.

وقالت الجبهة في بيان صدر 4 يوليو/ تموز 2020: إن "الحكومة في الوقت الحاضر تجري مراجعة للمناصب الأمنية وبعض الهيئات المستقلة ضمن برنامجها للتغيير والإصلاح"، معبرة عن "ثقتها بالشخصيات التي تم اختيارها لهذه المناصب الأمنية الحساسة، ودورها الوطني خلال الفترة السابقة".

وذكرّت "الإنقاذ والتنمية"، رئيس مجلس الوزراء بـ"موضوع التوازن الوطني وضرورة المشاركة الحقيقية لشركاء الوطن في صنع القرار وإدارة المؤسسات الحساسة". وتابعت: "آن الأوان أن يكون الجميع على قدم المساواة في خدمة أهلهم وبلدهم".

أما ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي- الذي يتهم بتأسيس دولة عميقة طيلة 8 سنوات ترأس فيها حكومة العراق- فقد هاجم أداء الكاظمي تعليقا على استبدال رئيس شبكة الإعلام العراقي.

وقال رئيس كتلة الائتلاف في البرلمان، عدنان الأسدي، في 6 يوليو/تموز 2020: "على الكاظمي تنفيذ مهام البرنامج الحكومي ومنها إجراء الانتخابات المبكرة وإخراج القوات الأميركية بدلا من إحداث تغييرات إدارية لا تستند إلى معايير موضوعية وضرورة وطنية، وإنما إلى دوافع مزاجية وولاءات محسوبة".

وسبق أن طالب القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني نائب رئيس البرلمان بشير حداد، رئيس الوزراء بعدم التهميش ومراعاة "التوازن" بين المكونات في مؤسسات الدولة بما يعزز الاستقرار والانتماء الوطني.

وقال الحداد في بيان 9 يونيو/ حزيران 2020: إن "الدستور أكد على أهمية تطبيق التوازن بين المكونات، إذ نص في مادته الثالثة أن (العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب)، وكذلك ذكر في المادة التاسعة أن (القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية تتكون من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء)".

"أربكت إيران"

الخبير بالشأن السياسي والأمني العراقي أحمد الحمداني اعتبر التغييرات: "ذكية، ولا يمكن للبرلمان أو القوى السياسية تسجيل اعتراضات عليها، لأن أغلبها كانت من خلال الوزراء وضمن صلاحيتهم الدستورية".

وأضاف خلال تصريحات صحفية في 8 يوليو/ تموز 2020: أن "الكاظمي يبدو أنه شكل فريقا مصغرا داخل حكومته يتألف من وزير الدفاع جمعة عناد، والداخلية عثمان الغانمي، والمالية علي علاوي، والخارجية فؤاد حسين، وهذا الفريق متفق على أهمية استعادة هيبة الدولة، وهذا مهم للغاية، وقد يكون حدثا جديدا يطرأ على العمل الحكومي في العراق".

لكن الكاتب مصطفى فحص، رأى أن "التغييرات الأخيرة في مناصب أجهزة الأمن ستربك إيران، إذ إن الفياض كان يعمل في سياقات الأمن الإيرانية، ويعبر عن وجهة نظرهم"، مشيرا إلى أن "بديل الفياض في جهاز الأمن الوطني، سيعمل بعقلية مختلفة".

وأشار فحص في تصريحات صحفية في 8 يوليو/ تموز 2020 إلى أن "إيران تولي ملف الأمن في العراق أهمية كبيرة، ومساعيها لنشر الفوضى تتم عبر هذه البوابة، لذلك من المتوقع أن نشهد في المرحلة المقبلة، مزيدا من التصادم الإيراني الأميركي".

وحسب ما رأى الكاتب المختص بالشأن الإيراني والجماعات المسلحة المرتبطة بها في الدول العربية، فإن "تعامل الكاظمي سيختلف بعد مقتل الخبير الأمني هشام الهاشمي، أحد أصدقائه المقربين، وأحد المدافعين عن مبدأ حصر السلاح بيد الدولة".