الفرنسيون عاقبوا ماكرون.. هل صعود "الخضر" يصب في مصلحة المهاجرين؟
في 28 يونيو/ حزيران 2020، أُعلن عن تقدم مرشحي حزب "البيئة" (الخضر) في الانتخابات البلدية بأكبر وأهم المدن الفرنسية، أبرزها مرسيليا ثاني كبرى مدن فرنسا وليون (وسطا) وستراسبورغ (شمال شرق) وبوردو (جنوب غرب) وبواتيه (وسط غرب).
فوز الخضر وصف بالتاريخي مقابل خسارة الحزب الحاكم "الجمهورية إلى الأمام"، الذي ينتمي إليه الرئيس إيمانويل ماكرون، ليبرز التساؤل حول أثر نتائج الانتخابات على توجه ماكرون قبل عامين من انتهاء ولايته في 2022، وكيف سيتعامل مع حزب الخضر؟.
من جهته لم يفوّت اليمين المتطرف الفرنسي فرصة لإثارة ملفي "الهجرة" و"الإسلام"، وما إن تم الإعلان عن النتائج الأولية، حتى توالت التغريدات والمنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي من شخصيات من اليمين المتطرف ومحسوبة عليه، للزج بورقة المسلمين والمهاجرين في الموضوع.
اليمين المتطرف ذهب إلى حد اعتبار فوز الخضر "أسلمة لفرنسا"، وربطت تحليلات سياسية مختلفة بين هذا النجاح وصعود الإسلام في فرنسا، على خلفية دعم الحزب للمهاجرين ومناهضة العنصرية.
في وقت سابق، لمّح ماكرون، إلى أن أزمة فيروس كورونا ستغير الأوضاع بشدة. فهل يعتبر فوز حزب "البيئة" تغييرا في الخارطة السياسية بفرنسا أم أنه مجرد تصويت عقابي لسوء تعامل ماكرون مع الجائحة؟.
"زلزال سياسي"
تقدّم الخضر أثار تساؤلات حول أسباب تراجع الحزب الحاكم، إذ لم يحقق "الجمهورية إلى الأمام" نتائج حاسمة في أي مدينة كبيرة خلال هذه الانتخابات رغم فوز رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب في مدينة "لو هافر" الساحلية.
أثبت الخضر أنفسهم عبر هذه الانتخابات كأكبر قوة "يسارية" في فرنسا، حسب مقال تحليلي لشبكة "يورونيوز" الفرنسية، وأتى ذلك انعكاسا لعملية إعادة ترتيب المشهد السياسي في عدة دول أوروبية حيث يحقق أنصار البيئة تقدما مع ازدياد أهمية قضية المناخ.
ذهبت تقارير صحفية إلى حد ما حدث في فرنسا بـ"الزلزال السياسي"، ليس فقط لأن نسبة المشاركة هي الأدنى في تاريخ انتخابات المحليات بفرنسا والتي عادة ما يتدافع إليها الناخبون لأنها تمس حياتهم اليومية المباشرة.
لكن لأنها أعادت تشكيل المشهد السياسي في البلاد، حيث أصيب حزب "الجمهورية إلى الأمام" الرئاسي بنكسة كبرى، بينما برز حزب الخضر كقوة سياسية مركزية يحسب حسابها ويتعين أخذها بعين الاعتبار في الرئاسيات المقبلة.
كما أتاحت هذه الانتخابات الفرصة للحزب الاشتراكي واليسار المتحالف في غالبية المدن الرئيسية مع الخضر، للعودة إلى الواجهة السياسية بعد أن كاد يغيب عنها عقب الهزائم الثلاث التي مُني بها منذ عام 2017 في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والأوروبية.
الإسلام اليساري
من ناحية أخرى، فاز اليمين المتطرف في الانتخابات في بيربينان، وهي مدينة كتالونية يقطنها 100 ألف ساكن، مع انتصار لويس أليو النائب السابق لمارين لوبن.
في تغريدة له على "تويتر"، ذهب الباحث الجيوسياسي المعروف، إيمريك شوبراد، المنتمي لليمين المتطرف، إلى حد القول: بأن "خلف أخضر البيئة، أخضر الإسلام".
وأضاف في تغريدة أخرى: "يبدو أن أحدا على البلاتوهات التلفزيونية لم يفهم أن صعود الخضر في ستراسبورغ والعديد من المدن أخرى، هو مدفوع من الخلف من الإسلاميين والإخوان المسلمين وتوجهات دينية أخرى.. فما يحصل هو تقدم للإسلام - اليساري".
#electionsMunicipales2020 personne ne semble comprendre sur les plateaux de tv ce soir que la "poussée écologiste" à Strasbourg et dans beaucoup de villes est poussée dans le dos par les islamistes, Frères musulmans et autres obédiences. C'est l'islamo-gauchisme qui progresse
— Aymeric Chauprade (@a_chauprade) June 28, 2020
وعرف فوز الخضر ظهور موجة من التغريدات اعتبرت أن "الإسلاميين يفرضون سيطرتهم على معظم المدن عبر الخضر".
Pas de chance que les verts soit de gauche chez vous. Et oui les frère #musulmans s'en lèche les babines de ce vote. ! Pauvre France. L'islamisation citée par Tariq Ramadan, de l'occident va se produire #CNews #Zemmour #ecologie #Islamisation de la #France #Qatar #Algerie #Maroc
— Darkfitting (@markofitting) June 29, 2020
في تقرير لها عن صعود حزب البيئة الفرنسي، قالت صحيفة "القدس العربي": إن "ظاهرة الإسلاموفوبيا المتصاعدة في أوروبا وفرنسا تحديدا، بالإضافة إلى شيطنة الإخوان المسلمين، لا يروج له اليمين المتطرف وأنصاره فحسب، بل بعض العرب والمسلمين الذين تمولهم دول عربية"، في إشارة إلى الإمارات.
وأوضحت الصحيفة أن كل المغردين الذي غردوا على فوز الخضر بالسلب، أخذوا نفس خط إيمريك شوبراد المعروف بقربه من الإمارات.
يدعم الحزب الذي تأسس في 20 يناير/ كانون الثاني 1984 بمرجعية يسارية المهاجرين ويناهض العنصرية بشكل عام، ما جعل فوزه يثير السجال حول قضايا الإسلام والمهاجرين.
واعتبرت بعض أصوات اليمين المتطرف أن فوز الخضر هو "تقدم للإسلام اليساري"، حتى وإن كانوا متقاربين مع حزب "الجبهة الوطنية" المنتمي لليمين المتطرف في موقفهم من الحمائية الاقتصادية والنبرة المناهضة للعولمة.
جسم غريب!
في تقرير لها مباشرة عقب صعود حزب البيئة، قالت صحيفة "ليبيراسيون": إن المسلمين يتم تقديمهم باستمرار على أنهم جسم غريب داخل المجتمع الفرنسي، وعنصر خبيث في جوهره يسعى للاستيلاء على المساحة الجغرافية والثقافية والسياسية للبلاد للتمكن من السلطة وتحقيق هدف ديني سام".
طفى هذا الموقف من المسلمين مجددا مع جائحة كورونا، وبدأ يفسر أي ظهور لهم على أنه غزو أو تحد أو استفزاز، فيما يفسر اختفاؤهم على أنه نوع من "التسلل".
وزادت الصحيفة: أيا كان الأمر غزوا أو تسللا فإن "أسلمة" فرنسا تتم بتواطؤ من النخب المعولمة لمن يكرهون الإسلام.
وشددت "ليبيراسيون" على أن هذه "الأسطورة تنمي هذا الخوف والعداء ينبوعي الكراهية المعادية للمسلمين، التي تنتج خطابا وأفعالا تؤدي إلى معاملة تمييزية ضد المسلمين على أساس انتمائهم الديني الحقيقي أو المفترض".
الانتخابات البلدية في فرنسا كانت السبب في هذا التغير الحكومي و سقوط الماكرونية في الدورة الثانية من الانتخابات رغم فوز ادوارد فيليب برئاسة بلدية لوهافر مسقط رأسه،صعود الخضر في الانتخابات الفرنسية مؤشر على ان حركة ماكرون في مأزق سياسي و من أثار جائحة كورونا على العالم
— IVAN FIODOROVITCH KARAMAZOV (@Ivan_fiodor) July 3, 2020
رسالة ماكرون
وجد استطلاع أجرته مؤسسة "إبسوس" - شركة عالمية لأبحاث السوق مقرها باريس - أن هناك دعما قويا لإجراء تغييرات حكومية في فرنسا، لكن مع بقاء إدوار فيليب في منصب رئيس الوزراء.
كان فيليب الوحيد الذي فاز من حزب ماكرون، بنسبة 59 بالمئة من الأصوات، لكنه لم يتقدم للانتخابات تحت لافتة الحزب.
كان هذا هو الخيار المفضل لدى 43 في المائة من المستجيبين في حين أن 33 في المائة ممن استطلعت آراؤهم يريدون إدوار فيليب للحكومة في حين قال 24 في المائة ممن استطلعت آراؤهم إنهم لا يريدون أي تغيير على الإطلاق.
في 3 يوليو/ تموز 2020، أصدر الإليزيه بيانا، أعلن فيه أن "إدوار فيليب سلم استقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون الذي قبلها، على أن يستمر مع أعضاء الحكومة بمعالجة الشؤون الحالية حتى تعيين الحكومة الجديدة".
وفي 6 من الشهر نفسه، كشف الأمين العام للرئاسة الفرنسية أليكسي كولر، عن التشكيلة الحكومية لرئيس الوزراء الجديد جان كاستكس، وأشارت تقارير صحفية إلى أن التشكيلة "محطة أساسية في ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون، إذ إنها ستحدد فرصه في كسب معركة الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار 2022".
فرنسا: ترقب إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة وسط توقعات بتغيير وزير الداخلية وتعزيز تمثيل "الخضر" https://t.co/Y8GUTwteab pic.twitter.com/Fh6NzVi290
— فرانس 24 / FRANCE 24 (@France24_ar) July 6, 2020
ماكرون ورئيس وزرائه الجديد أعلنا تسريع وتيرة العمل لصرف النظر عن الانتكاسة التي مُني بها الحزب الحاكم "الجمهورية إلى الأمام" في انتخابات البلدية.
وأفادت شبكة "مونت كارلو" الفرنسية، في تقرير لها أن خليفة فيليب يمتاز بتجربته السياسية على المستويين المحلي والإقليمي من خلال عمله كرئيس لبلدية "براد"، الواقعة جنوبي فرنسا غير بعيدة عن الحدود الإسبانية، وكمستشار إقليمي في المنطقة.
ولفتت الشبكة إلى أن الرسالة التي يريد ماكرون إيصالها من خلال هذا التعيين، هي أنه يدرك تماما دروس أزمات السنوات الثلاث الأولى من مدته الرئاسية والتي أظهرت أن سكان الأقاليم والمناطق الداخلية الفرنسية يشعرون أنهم مهمشون وأن الرئيس لم يغير سياسة سابقيه التي كانت تقوم على مركزية السلطة.
موقع قوة
في تصريح لـ "الاستقلال" قال النائب السابق لعمدة مدينة أتيس مونس الفرنسية والباحث في العلوم السياسية، عمر المرابط: إن فوز الخضر في البلديات هو رمزي أكثر منه فوز حقيقي.
وأوضح أنهم فازوا في أكبر 40 مدينة بفرنسا، فيما حصل اليمين على المرتبة الأولى، وجاء اليسار في المرتبة الثانية، ثم حزب الخضر في المرتبة الثالثة، لكنها المرة الأولى التي يحصل فيها الخضر على مدن كبرى مثل ليون وأوردو وستراسبورغ، وبالتالي فهم لم يفوزوا وحسب بل فازوا في أكبر المدن.
المرابط أفاد أن الخضر الآن يسيطرون على أكبر المدن الفرنسية، حتى أنهم كانوا في مدينة ليل شمال فرنسا سيتمكنون من تحقيق فوز لولا وقوع تحالف وحملة انتخابية كبرى جعلت الوزيرة السابقة مارتين أوبري تفوز بفارق ضئيل.
أما من جهة أخرى، فإن هذا الفوز جعل رئيس الجمهورية يغير الحكومة الفرنسية ويعيّن وزيرة من الخضر، وبالتالي هناك ميول إلى جر الخضر داخل الحكومة.
EN DIRECT - Remaniement : Emmanuel Macron et Jean Castex déjeunent ensemble à l’Élysée, le gouvernement ne sera pas annoncé avant la fin de l’après-midi, annonce l’Élysée. https://t.co/YZsbLELi6f
— Jean Marc Morandini (@morandiniblog) July 6, 2020
النائب السابق جزم بأنه سيكون للخضر صوت في رئاسيات 2022، مستدركا: لا يمكننا أن نعرف إن كان أحدهم سيفوز. ولفت المرابط إلى أن ماكرون، ومنذ فوزه في 2017، عيّن نيكولا إيلو وزير دولة وكان يحاول إدخال الخضر.
الباحث في العلوم السياسية شدد على أن الخضر حزب صغير ليس له حضور نضالي داخل المشهد السياسي الفرنسي، لكنه يبقى الحزب الذي يحقق نتائج مهمة في الانتخابات الأخيرة منها الانتخابات الأوروبية التي حصل فيها على المركز الثالث.
وأردف قائلا: لذلك أظن أنه في الانتخابات الرئاسية، وإن لم يكن حاضرا بمرشح، سيكون حاضرا ببرنامج وستكون له كلمة مسموعة في الانتخابات.
ورقة المهاجرين
"يجب أن نفرق بين التصويت في الرئاسيات والمحليات"، يقول المرابط، الأخيرة يصوت فيها المواطنون على رئيس للبلدية يعرفونه ويكون قريبا منهم.
لم ينف النائب السابق أن لجائحة كورونا دور في النتائج، لأن 60 بالمائة من الفرنسيين لم يتوجهوا لمكاتب التصويت و40 بالمئة التي صوتت أغلبهم شباب وصغار السن، وهي الفئة التي تصوت أكثر من كبار السن في فرنسا، فيما تصوت الأخيرة - أغلبيتها - لليمين.
المرابط أوضح أن المشاركة الضعيفة هي التي سمحت بأن تكون نتائج الخضر مرتفعة مقارنة بالنتائج العامة.
لم يشارك الخضر في المظاهرات التي كانت ضد الإسلاموفوبيا في 2019، يوضح المرابط، لكن لهم موقفا مناهضا للعنصرية بشكل عام، وجيد من المهاجرين.
بين المتحدث لـ"الاستقلال" بأن الفوز الحالي يبقى تدبيرا محليا ليس على صعيد الحكومة، لكن سيكون هناك تغيير بالأساس في مجال البيئة. وإن كان أغلب المنتمين لليسار يحملون صبغة اجتماعية، إلا أن مرشحي الخضر ليسوا بالضرورة جميعهم كذلك.
وعن اعتبار فوزهم "أسلمة لفرنسا"، قال الباحث في العلوم السياسية: إن اليمين المتطرف يرى حتى في لون الحزب شعارا إسلاميا، قبل أن يزيد: "هؤلاء متطرفون ويرون أن فرنسا تتجه إلى أن يحصل فيها المهاجرون على السلطة وأنها ستصبح مسلمة بعد سنوات، وذلك طبق نظرية الاستبدال الكبير المعروفة لدى هذا الاتجاه المتطرف".
Inquiétudes sur @CNEWS après la poussée écologiste aux #municipales2020.
— Samuel Levy (@Levy_Bensussan) June 29, 2020
"Le vert des Verts correspond, comme par hasard, au vert de l'islam."
Éric Zemmour, polémiste #facealinfo pic.twitter.com/j1sCWXxBVa
ولفت المرابط إلى أن اليمين المتطرف علق حتى على تعيين وزير العدل إيريك ديبون موريتي، المعروف بمواقفه ضد اليسار، واعتبرت نقابة القضاة بدورها أنه لا يجب أن يكون وزيرا للعدل.
وختم النائب السابق لعمدة أتيس مونس، حديثة بالقول: "المسألة مسألة مصالح"، مضيفا أن الخضر يبقى بالفعل قريبا من المهاجرين مقارنة مع غيره.
المصادر
- فرنسا: الكشف عن حكومة رئيس الوزراء الجديد جان كاستكس
- Lutter contre la haine antimusulmane
- من هو جان كاستيكس رئيس الوزراء الفرنسي المكلّف؟
- أنصار اليمين المتطرف يصفون فوز “الخضر” في بلديات فرنسا بأنه انتصار للإسلاميين
- انتخابات بلديات فرنسا: "الخضر" يفوز في مدن عدّة وماكرون يتلقى ضربة قاسية
- الانتخابات البلدية الفرنسية: إقبال ضعيف جدا وتقدم حزب الخضر