صحيفة تركية: تاريخ فرنسا الدموي تجاه الجزائر لا يمكن نسيانه

12

طباعة

مشاركة

بعد احتجاز قسري لأكثر من 170 عاما بمتحف التاريخ الطبيعي بباريس في فرنسا، استقبلت الجزائر في 3 يوليو/تموز 2020، جماجم 24 شهيدا من رموز المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي في منتصف القرن 19، حيث أعدمهم جيش الاستعمار ونكّل بهم، قبل ترحيل رؤوسهم إلى بلاده، بحجة الدراسات الأنثروبولوجية.

هذا فيما يتم عرض الآلاف من الجماجم البشرية من مختلف أنحاء العالم في المتحف البشري في عاصمة فرنسا، كما لا تزال عشرات الجماجم للجزائريين هناك.

وكانت الجزائر قد حصلت على استقلالها عن فرنسا عام 1962 بعد حرب دامية دامت سبع سنوات، وأنهت أكثر من قرن من الحكم الاستعماري، الذي انتقده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وطلبت الجزائر رسميا من فرنسا للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 2018 إعادة الجماجم وسجلات من الأرشيف الاستعماري.

وقد استخدم الاستعمار الفرنسي في الجزائر خلال ثورة التحرير 1954-1962 مختلف أساليب القهر والتعذيب ضد أبناء الشعب الجزائري، وخاصة في السجون والمعتقلات ومراكز التعذيب التي كانت موجودة في مختلف مناطق البلاد، وذلك بهدف خنق روح الثورة والقضاء على كل صوت يقف في وجه الاستعمار.

وتعرضت كثير من الصحف الفرنسية إلى هذه السلوكيات مثل صحيفة ’’فرانس أوبسيرفاتور’’ و’’ليبراسيون’’ و’’أوبسيرفاتور’’ و’’لوفيجارو’’ و’’كانديد’’.

كما أن هذه الصحف نقلت شهادات بعض الجنود الفرنسيين عبر رسائل كانوا يرسلونها إلى ذويهم في فرنسا. وتناولت صحيفة تركية مقتطفات مما جاء في هذه الصحف من خلال العمل الموسوعي "الثورة الجزائرية في الصحافة الدولية" للدكتور عبد الله شريط.

وتحدث الكاتب إسماعيل ياشا في مقالة نشرتها صحيفة ديرليش بوسطاسي التركية عن حادثة الجماجم بالقول: إنه "من الضروري أن نتناول سبب نقلهم إلى فرنسا أكثر من عودة الجماجم التي تم الترحيب بها في الجزائر ودفنهم في الأرض، وبأي حق تم الاحتفاظ بهم في باريس لسنوات عديدة".

وتابع: أن "الجرائم التي ارتكبتها فرنسا تذكرنا بتاريخ الاستعمار الدموي لباريس. في تلك الوحشية، هناك أحداث مريرة تصلح لأن تكون قصصا للأفلام".

ومارس الاستعمار الفرنسي أبشع أنواع التنكيل والتعذيب ضد الجزائريين، بحسب ضحايا جزائريين ومؤرخين، واعتمد أسلوب الصعق الكهربائي، واستخدم الآبار المائية كسجون، وألقى معتقلين من مروحيات.

ومن بين الملفات الأخرى العالقة بين البلدين، الأرشيف الوطني الجزائري، ويضم ملايين الوثائق والتحف، حيث نهبته فرنسا وترفض إعادته للجزائر. وكذلك ملف المفقودين خلال الثورة، وعددهم 2200 شخص، حسب السلطات الجزائرية.

مثالان على التعذيب

وتابع الكاتب: "على سبيل المثال، كيف يمكن أن يفسر الجنود الفرنسيون تعذيب وقتل العالم الجزائري العربي التبسي (أحد أعمدة الإصلاح في الجزائر)".

هذا الرجل من مواليد 1895 في مدينة تبسة، شمال شرق الجزائر، التحق التبسي بمدرسة مصطفى بن عزوز في جنوب تونس بعمر 15 سنة، ثم تابع تعليمه في جامعة الزيتونة وجامعة الأزهر في مصر على التوالي.

عاد إلى الجزائر عام 1927 وبدأ العمل كإمام في مسجد صغير في تبسة، جرى الضغط عليه من قبل الفرنسيين بسبب دعوات المقاومة والإصلاح فاضطر إلى مغادرة تبسة ثم التحق بهيئة علماء المسلمين الذين ناضلوا من أجل إخراج الجزائر من الاحتلال الفرنسي، ثم بات الأمين العام للهيئة عام 1935. 

شغل منصب رئيس معهد عبد الحميد بن باديس من عام 1947 حتى 1956 عندما تم إغلاقه. وفي 4 أبريل 1957 ، داهم الجنود الفرنسيون منزله واعتقلوه ومن ثم تعرض للتعذيب الشديد لأنه دعم المقاومة ضد الاحتلال.

لكنه لم يتخل عن آرائه ومن ثم تعرض لتعذيب لا يمكن أن يصدقه عقل قبل أن يتم إعدامه بطريقة بشعة، حيث أحرقت جثته في مرجل متقد بزيت القطران وذاب جلده من على عظمه ولم يكن له قبر.

وتطرق الكاتب أيضا لقصة أخرى لأحد المجاهدين الجزائريين الذين قتلهم الفرنسيون بوحشية وهو العربي بن مهدي أحد رواد الكفاح ضد الاحتلال، الذي اعتقل من قبل جنود فرنسيين في فبراير/شباط 1957.

على الرغم من أنه تعرض للتعذيب الرهيب لدرجة أنهم سلخوا جلد وجهه لكنه أصر على موقفه ورفض إبلاغ الاحتلال الفرنسي عن رفقاء السلاح.

وقد استشهد العربي بن مهدي الملقب بـ "الرجل الحكيم للثورة الجزائرية" لمساهماته الفكرية في مكافحة الاحتلال وحرب الاستقلال، في مارس/آذار 1957 بعد أيام من التعذيب. ومثال على ذلك الكثير؛ كانت عادة عند الاحتلال الفرنسي وجنرالاته إعدام المقاومين للاحتلال بخنقهم باليد. 

ما ذكر في الأعلى يعد مثالا فقط من الوحشية في التاريخ الاستعماري من أجل الحصول على معلومات تحت التعذيب. وهناك العديد من جرائم القتل مثل هذه التي ارتكبها الفرنسيون في إفريقيا، يقول الكاتب.

خانة الصداقة

وقال قصر الإليزيه في فرنسا عن خطوة إعادة الجماجم: "هذه الحركة تندرج في خانة الصداقة والوضوح حول جميع جراح تاريخنا".

وتعتبر هذه الخطوة مؤشرا على تحسن في العلاقات بين الجزائر والدولة الاستعمارية السابقة، وهي علاقات اتسمت منذ استقلال البلاد في العام 1962 بالتوترات المتكررة والأزمات.

ويغذي هذه العلاقة المتقلبة انطباع في الجزائر بأن فرنسا لا تقوم بما فيه الكفاية لتسوية ماضيها الاستعماري (1830-1962). 

الرؤساء الفرنسيون المتعاقبون على قصر الإليزيه خلال فترات الرئاسة الثلاث الأخيرة، نيكولا ساركوزي، فرانسوا هولاند والحالي إيمانويل ماكرون، أجروا خطوات أعربوا فيها عن اقتناعهم ببشاعة جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، إلا أن الحكومات لم تذهب إلى حد تقديم اعتذار للدولة الجزائرية.

وقوبلت تصريحات وأفعال الرؤساء الفرنسيين بمعارضة إعلامية وسياسية شديدة سيما من أحزاب اليمين المحافظ واليمين المتطرف، وهو ما يشير له الكاتب إذ يختم مقاله قائلا: "مهما فعلت فرنسا، لا يمكنها أن تُنسي ماضيها الدموي والقذر". 

يذكر أن الثورة التحريرية الجزائرية اندلعت سنة 1954، وانتهت بالاستقلال عن فرنسا عام 1962، وخلال تلك الفترة قُتل أزيد من مليون ونصف المليون جزائري، حتى باتت الجزائر تُلقب بـ"بلد المليون شهيد".

وأعلنت الجزائر، في 2015، عن الشروع في إحصاء شامل لجرائم الاستعمار، حيث استخدمت فرنسا المدنيين كرهائن ودروع بشرية في حربها ضد جيش التحرير الوطني الجزائري. وكشفت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (خاصة)، في تقرير لها عام 2017، أن عدد الضحايا فاق عشرة ملايين شخص.

ولا يتوقف الجزائريون عن مطالبتهم فرنسا بـ"الاعتراف والاعتذار والتعويض" عن جرائمها بحق الشعب الجزائري تحت الاستعمار الفرنسي (183-1962)، وبينها عمليات طمس للهوية ونهب وتعذيب وقتل وتجارب نووية.